خطبة الجمعة القادمة بعنوان : المُؤمِنُ القَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعِيفِ ، للدكتور محمد حرز
خطبة الجمعة القادمة بعنوان : المُؤمِنُ القَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعِيفِ ، للدكتور محمد حرز ، بتاريخ 19 صفر 1445هـ ، الموافق 23 أغسطس 2024م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 23 أغسطس 2024م بصيغة word بعنوان : المُؤمِنُ القَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعِيفِ ، للدكتور محمد حرز.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 23 أغسطس 2024م بصيغة pdf بعنوان : المُؤمِنُ القَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعِيفِ ، للدكتور محمد حرز.
عناصر خطبة الجمعة القادمة 23 أغسطس 2024م بعنوان : المُؤمِنُ القَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعِيفِ.
أولًا: المؤمنُ القويُّ كلُّهُ خيرٌ.
ثانيًا: عواملُ هدمِ القوةِ في الإنسانِ.
ثالثــــًا وأخيرًا: اغتنمْ صحتَكَ قبلَ مرضِكَ!!!
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 23 أغسطس 2024م بعنوان : المُؤمِنُ القَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعِيفِ : كما يلي:
المُؤمِنُ القَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعِيف
.د/ مُحمد حرز بتاريخ: 19 من صفر 1446هــ – 23 أغسطس 2024م
الحمدُ للهِ القويِّ العزيزِ، الفعّالِ لِمَا يريدُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وليُّ الصالحين وَأشهدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وصفيُّهُ مِن خلقِهِ وخليلُهُ، اللهُمَّ صلِّ وسلمْ وزدْ وباركْ على النبيِ المختارِ وعلى آلهِ وأصحابِهِ الأطهارِ الأخيارِ وسلمْ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدينِ. أمَّا بعدُ …..فأوصيكُم ونفسِي أيُّها الأخيارُ بتقوى العزيزِ الغفارِ{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } (سورة أل عمران :102).
عبادَ الله: (المُؤمِنُ القَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ المُؤْمِنِ)عنوانُ وزارتِنَا وعنوانُ خطبتِنَا .
عناصرُ اللقاءِ:
أولًا: المؤمنُ القويُّ كلُّهُ خيرٌ.
ثانيًا: عواملُ هدمِ القوةِ في الإنسانِ.
ثالثــــًا وأخيرًا: اغتنمْ صحتَكَ قبلَ مرضِكَ!!!
أيُّها السادةُ: ما أحوجنَا في هذه الدقائقِ المعدودةِ إلي أنْ يكونَ حديثُنَا عن المُؤمِنِ القَوِيِّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ المُؤْمِنِ الضعيفِ، وخاصةً ونحن في حاجةٍ إلى مؤمنٍ قويٍّ في جسدِهِ وعقلِهِ وفكرِهِ لا تتلاعبُ بهِ الأفكارُ ولا الأهواءُ ولا الجماعاتُ المتطرفةُ، وخاصةً ونحن نعيشُ زمانًا انتشرتْ فيه الشهواتُ المهلكةُ والشبهاتُ المدمرةُ كالإلحادِ وغيرِهِ على مواقعِ التواصلِ الاجتماعِي للنيلِ مِن شبابِنَا وبناتِنَا ولا حولَ ولا قوةَ إلّا باللهِ.
مؤامرةٌ تقولُ لهم تعالوا *** إلى الشهواتِ في ظلِّ الشراب
مؤامرةٌ يحيكُ خيوطهَا ***أعداءُ سوءٍ في لؤمِ الذئاب
تفرقَ شملُهُم إلّا علينا *** فصرنَا كالفريسةِ للكلابِ
العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : المُؤمِنُ القَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعِيفِ
أولًا: المؤمنُ القويُّ كلُّهُ خيرٌ.
أيُّها السادةُ : دينُنَا دينُ القوةِ دينُ العزةِ دينُ الكرامةِ، دينُ الصحةِ والعافيةِ ،دينُ العنايةِ بالجسدِ والعنايةِ بالعقلِ والعنايةِ بالفكرِ، دينٌ يحافظُ على الإنسانِ مِن جميعِ ونواحِي الحياةِ، وكيفَ لا؟ ونبيُّنَا ﷺ كان مِن دعائِهِ اللَّهمَّ إنِّي أسألُك العافيةَ في الدُّنيا والآخرةِ اللَّهمَّ أسألُك العفوَ والعافيةَ في ديني ودنيايَ وأَهلِي ومالِي اللَّهمَّ استرْ عورتِي وقالَ عثمانُ عوراتِي وآمِن رَوعاتِي اللَّهمَّ احفظنِي مِن بينِ يدىَّ ومِن خَلفي وعن يَمينِي وعَن شِمالِي ومِن فَوقِي وأعوذُ بعظَمتِكَ أنْ اغتالَ مِن تحتِي)، وكيفَ لا؟ ونبيُّنَا ﷺ يقولُ كما في حديثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضى اللهُ عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: المُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وفِي كُلٍّ خَيْرٌ) رواه مسلم ،فالمؤمنُ القويُّ في إيمانِه، والقويُّ في بدنِه وعملِه خيرٌ مِن المؤمنِ الضعيفِ في إيمانِه أو الضعيفِ في بدنِه وعملِه؛ لأنَّ المؤمنَ القويَّ ينتجُ ويعملُ للمسلمين وينتفعُ المسلمونَ بقوتِه البدنيةِ وبقوتهِ الإيمانيةِ، وبقوتهِ العلميةِ ينتفعونَ مِن ذلك نفعًا عظيمًا في الجهادِ في سبيلِ اللهِ، وفي تحقيقِ مصالحِ المسلمين، وفي الدفاعِ عن الإسلامِ والمسلمين.. وهذا ما لا يملكُهُ المؤمنُ الضعيفُ، فالإيمانُ كلُّهُ خيرٌ، المؤمنُ الضعيفُ فيهِ خيرٌ، ولكنَّ المؤمنَ القويَّ أكثرُ خيرًا منهُ لنفسهِ ولدينهِ ولأهلهِ ولإخوانهِ ولأمتهِ. وكيف لا؟ ودينُ الإسلامِ هو دينُ القوةِ ودينُ العزةِ ودينُ الرفعةِ دائمًا وأبدًا يطلبُ مِن المسلمينَ القوةَ في كلِّ شيءٍ، قال جلَّ وعلا: ( وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ)، القوةُ في الإيمانِ والعقيدةِ، والقوةُ في العملِ، والقوةُ في الأبدانِ.. لأنَّ هذا ينتجُ خيرًا للمسلمين.وكيف لا؟ واللهُ جلَّ وعلا وصفَ أصحابَ نبيِّهِ ﷺ بأنَّهُم: ( أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا [الفتح:29]، فالجلَدُ على الطاعةِ، والصبرُ على ذلك كلِّهِ مِن القوةِ التي يحبُّهَا ربُّنَا جلَّ وعلا ، وأمَّا القعودُ، والكسلُ، والخمولُ فهو انحطاطٌ في مرتبةِ العبدِ عندَ اللهِ جلَّ وعلا. وكيف لا؟ والقُوَّةُ سَبَبَ نَجَاحِ البِنَاءِ وَالتَّشْيِيدِ وَالعُمْرَانِ ، حِينَ قَالَ ذُو القَرْنَيْنِ لِقَوْمٍ مِنَ الأَقْوَامِ: {فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ}، وَهُوَ الذي وَأُوتِي مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا فكانت القوةُ سببًا في بناءَ السدِّ الذي تحدثَ عنهُ القرآنُ . وكيف لا؟ والقُوَّةُ مِفْتَاحُ العِلْمِ وَالفَهْمِ والادراكِ قال جلَّ وعلا مخاطبًا يحي عليهِ السلامُ (يَا يَحْيَى خُذِ الكِتَابَ بقُوَّةٍ)، أي بالعلمِ والحكمةِ والفهمِ، وقال جلّ وعلا مخاطبًا موسى عليهِ السلام: ﴿ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا ﴾، وقالَ جلَّ وعلا مخاطبًا المؤمنين ﴿ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ ﴾، فهذا هو عهدُ اللهِ جلَّ وعلا مع أنبيائِهِ الكرامِ عليهم الصلاةُ والسلامُ ومع المؤمنين الأبرارِ، قوةٌ وعزيمةٌ وجدٌّ وحقٌّ وصراحةٌ ووضوحٌ .وكيفَ لا؟ ونبيُّنَا ﷺ حذرَنَا مِن الضعفِ والوهنِ كما في حديث ثوبان ((يُوشِكُ الأممُ أن تداعَى عليكم كما تداعَى الأكَلةُ إلى قصعتِها . فقال قائلٌ : ومن قلَّةٍ نحن يومئذٍ ؟ قال : بل أنتم يومئذٍ كثيرٌ ، ولكنَّكم غُثاءٌ كغُثاءِ السَّيلِ ، ولينزِعنَّ اللهُ من صدورِ عدوِّكم المهابةَ منكم ، وليقذِفَنَّ اللهُ في قلوبِكم الوهْنَ . فقال قائلٌ : يا رسولَ اللهِ ! وما الوهْنُ ؟ قال : حُبُّ الدُّنيا وكراهيةُ الموتِ)، ألم يقعْ ما حذرَ منهُ الصادقُ المصدوقُ ﷺ، وكيف لا؟ ونبيُّنَا ﷺ حذرَنَا مِن الغضبِ وعدمِ ضبطِ النفسِ عندَ الانفعالِ كما في حديث ابن مسعود ((ما تَعُدُّونَ الصُّرَعَةَ فِيكُمْ؟ قالَ قُلْنا: الَّذي لا يَصْرَعُهُ الرِّجالُ، قالَ: ليْسَ بذلكَ، ولَكِنَّهُ الَّذي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الغَضَبِ) رواه مسلم، وكيف لا؟ ونبيُّنَا ﷺ كان قويًّا والأدلةُ على ذلك في السنةِ كثيرةٌ وعديدةٌ منها: عندما كان نائمًا تحت الشجرةِ، وجاءَهُ ذلكم الكافرُ وسلَّ السيفَ في وجهِهِ، وقال: يا محمدٌ! مَن يمنعُكَ منِّي الآن؟ وأرادَ أنْ يقتلَ النبيَّ ﷺ وكان بأبِي هو وأُمي عليهِ الصلاةُ والسلامُ في ظلٍّ تحتَ الشجرةِ فجلسَ، وقال بكلِّ هدوءٍ وثقةٍ باللهِ قال: “الله”، فأخذُ يرددُ عليه ذلك الأعرابيُّ: مَن يمنعُكَ منِّي يا محمدٌ، قال: “الله”، ولم يكن معهم أحدٌ، ولم يكن مع النبيِّ سيفٌ ولا درعٌ في ذلك الوقت. ثم أعادَهَا ثالثةً فإذا بالسيفِ يسقطُ مِن يدي ذلك الأعرابِي الكافرِ فيأخذُ النبيُّ ﷺ بالسيف، ويصيحُ ذلك الأعرابيُّ ويقولُ: يا محمدٌ كُن خيرَ آخذٍ، فقال له النبيُّ ﷺ “أتسلم؟” قال : لا، ولكني أعدُكَ ألّا أكونَ مع قومٍ يعادونَكَ أو يقاتلونَكَ، ثم تركَهُ النبيُّ ﷺ ،(فكان إذا اشتددتْ المعركةُ وصمتتْ الألسنةُ وبلغتْ القلوبُ الحناجرَ وقفَ في الميدانِ وقفةَ الأبطالِ يُنادِى بأعلَى صوتِهِ: « أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ))فكُنْ قَوِيًّا؛ فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى يُحِبُّ المُؤْمِنَ القَوِيَّ، الَّذِي يَحْمِي جَسَدَهُ وَعَقْلَهُ وَرُوحَهُ وفكره مِنْ كُلِّ مَا يَضُرُّ، وَيُضْعِفُ، وَيُهَدِّدُ الجَسَدَ بِالمَرَضِ، أَوِ العَقْلَ بِالانْحِرَافِ أَوِ الرُّوحَ بِالوَهْنِ. كُنْ قَوِيًّا في تركِ كلِّ ما نهَى اللهُ عنه ورسولُهُ ﷺ مِن أنواعِ المعاصِي كبيرةً كانت أو صغيرةً قبل فواتِ الأوانِ لأنّكَ لا تدرِي يا مسكينُ إذا جنَّ ليلٌ هل تعيشُ إلى الفجرِ ؟
العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : المُؤمِنُ القَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعِيفِ
ثانيًا: عواملُ هدمِ القوةِ في الإنسانِ.
أيُّها السادةُ: عواملُ هدمِ القوةِ في الإنسانِ كثيرةٌ وعديدةٌ خاصةً في زمنِ النتِ والفيس بوك ومواقعِ التواصلِ الاجتماعِي منها على سبيلِ المثالِ لا الحصر: أولُهَا وأخطرُهَا التدخينُ والمُخَدِّرَاتُ، فالتدخينُ بوابةٌ للمخدراتِ خاصةً في هذا الزمانِ ولا أعلمُ زمانًا انتشرتْ فيه المخدراتُ بهذه الصورةِ المخزيةِ الفاضحةِ كهذا الزمانِ ولا حول ولا قوة إلا بالله والتدخينُ والمخدراتُ عدوٌّ شرسٌ يقتلُ الروحَ، قبلَ أنْ يقتلَ البدنَ .. ويفتكُ بالعقلِ قبلَ أنْ يفتكَ بالجسدِ .. ويسلبُ الدينَ قبلَ أنْ يسلبَ الدنيَا ،إنَّهُ داءٌ عضالٌ حذّرَ منهُ سيدُ الأنامِ، إنَّهُ داءٌ يهدمُ البيوتَ ويشردُ الأسرَي ويفسدُ المجتمعاتِ، ولا حولَ ولا قوةَ إلّا باللهِ، فكَمْ مِنْ شَابٍ قَضَتْ هَذِهِ السُّمُومُ القاتلةٌ عَلَى آمَالِهِ وَطُمُوحَاتِهِ! وَكَمْ مِنْ أَلَمٍ وَحَسْرَةٍ أَوْرَثَتْهَا تِلْكَ الآفَةُ الْمُحَرَّمَةُ! فَكَانَتْ نَتِيجَتُهَا ضَيَاعُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، قَالَ جلَّ وعلا: (خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ) وأخطرُ ما فِي الإدمانِ والمخدراتِ يا سادةٌ: أنَّها تؤدِّي إلي هلاكِ الإنسانِ وربَّمَا إلى الانتحارِ، ونفسُكَ ليستْ ملكًا لك فأنت لم تخلقْهَا ولا عضوًا مِن أعضائِكَ ولا خليةً مِن خلاياك وإنَّمَا نفسُكَ وديعةٌ وأمانةٌ استودعَكَ اللهُ إيَّاهَا فلا يجوزُ لك أنْ تفرطَ فيهَا، قالَ تعالَي: (وَلا تَقْتُلُواْ أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكمْ رَحِيمًا). وقالَ ربُّنَا (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ }، وفي الصحيحينِ منْ حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ مَنْ تَحَسَّى سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا)، والإدمانُ سمومٌ قاتلةٌ يا سادةٌ، وأمّا ضررهُ في المالِ: فحدثْ ولا حرجَ، إسرافٌ وتبذيرٌ، والتبذيرُ حرامٌ، قالَ ربُّنَا: { وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا (27) }، سورة الإسراء ومِن أهمِّ أسابِ تفشِّي المخدراتِ بينَ الشبابِ: رفقاءُ السوءِ، آهٍ على أولادِنَا مِن رفقاءِ السوءِ، آهٍ على بناتِنَا مِن رفقاتِ السوءِ، عشراتُ التائبينَ والنادمينَ يُصدِّرونَ قَصَصَهُم: بقولِهِم تعرفتُ على قرناءِ السوءِ، وقال لي أصدقاءُ السوءِ: جرّب. خذْ مجانًا.. وهلُمَّ جرا. فالصاحبُ يضرُّ بصاحبِهِ يا شباب، كما قال نبيُّنَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِطُ وَقَالَ مُؤَمَّلٌ مَنْ يُخَالِل )، فكم مِن صديقٍ قادَ صاحبَهُ إلي القرآنِ، وكم مِن صديقٍ قادَ صاحبَهُ إلي الغناءِ، فكم مِن صديقٍ قادَ صاحبَهُ إلي الصلاةِ، وكم مِن صديقٍ قادَ صاحبَهُ إلي الإدمانِ والمخدراتِ.
ومِن عواملِ هدمِ القوةِ في الإنسانِ في هذا الزمانِ :مشاهدةُ الأفلامِ الهابطةِ الداعرةِ على مواقعِ التواصلِ الاجتماعي ؟ فكم أفسدتْ مِن أخلاقٍ؟ وكم ضيعتْ مِن شبابٍ ؟ وكم هدمتْ مِن صحةٍ وعافيةٍ ولا حولَ ولا قوةَ إلّا باللهِ. يقولُ ﷺ كما في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ( اتَّقِ الْمَحَارِمَ تَكُنْ أَعْبَدَ النَّاسِ) رواه الترمذي، والمحارمُ كلُّ ما حرمَهُ اللهُ ورسولُهُ ﷺ. وإيَّاك والمجاهرةَ بالمعصيةِ فهي مِن أخطرِ أمراضِ الذنوبِ، كما قال النبيُّ المختارُ ﷺ ( كُلُّ أُمتى مُعَافًى إِلَّا الْمُجَاهِرِينَ وَإِنَّ مِنْ الْمُجَاهَرَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلًا ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ فَيَقُولَ يَا فُلَانُ عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَنْهُ}(متفق عليه)، وإيَّاك أنْ تكونَ مِمّن يراقبونَ العبادَ، وينسونَ ربَّ العبادِ، يخشونَ الناسَ وينسونَ ربَّ الناسِ فتكونَ مِن الهالكين، قال ربُّنَا: ( يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ)، وإيَّاكَ ثمّ إيّاكَ وذنوبَ الخلواتِ، فذنوبُ الخلواتِ خزيٌ وعارٌ هلاكٌ ودمارٌ في الدنيا والآخرة فعَنْ ثَوْبَانَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ:“ لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمتى يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا قَالَ ثَوْبَانُ يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ قَالَ أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ وَيَأْخُذُونَ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا) رواه ابن ماجه بإسناد صحيح . فاللهَ اللهَ في السرائرِ، لذا يجبُ على كلِّ مسلمٍ أنْ يصلحَ سريرتَهُ، وليكنْ حرصُهُ على باطنِهِ وسريرتِهِ أعْظَمَ مِن حرصِهِ على ظاهرِهِ وعلانيتِهِ، قالَ اللهُ تعالى: ﴿ يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ * فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ ﴾ [الطارق: 9، 10فلا يكفِي أنْ تجمعَ الحسناتِ فقط، وإنَّما المهمُّ أنْ تحافظَ على هذه الحسناتِ حتى لا تذهبَ هباءً منثورًا.
إذا ما خلوتَ الدهرَ يومًا فــلا *** تقلْ خلوتُ ولكن قُلْ عليَّ رقيبُ
ولا تحسبنَّ اللهَ يغفلُ ســـاعةً *** ولا أنَّ ما يخفَى عليـــهِ يغيبُ
وإِذا خَلَوتَ بِرِيبَةٍ في ظُلمَةٍ ***والنَفسُ داعيَةٌ إلى الطُغيانِ
فاِستَحيِ مِن نَظَرِ الإِلَهِ وقل لها*** إنَّ الَّذي خَلَقَ الظَلامَ يَراني
ومِن عواملِ هدمِ القوةِ في الإنسانِ في هذا الزمانِ: انتشارُ الشبهاتِ على مواقعِ التواصلِ الاجتماعِي هدمٌ للفكرِ ولا حولَ ولا قوةَ إلّا باللهِ كالإلحادِ فالإلحادُ ظاهرةٌ غربيةٌ شركيةٌ انتشرتْ في المجتمعاتِ بصورةٍ مخزيةٍ بسببِ ضعفِ الإيمانِ وقلةِ الوازعِ الدينِي وعدمِ الثقةِ في اللهِ الواحدِ الديانِ، قالَ جلَّ وعلا: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا ﴾ (النساء: 137)، وأصبحَ لهؤلاءِ الشرذمةِ مواقعَ وقنواتٍ على مواقعِ التواصلِ الاجتماعِي، فاحذروا على أولادِنَا مِن فتنِ الشبهاتِ ،فالملحدُ لا يؤمنُ بوجودِ اللهِ جلَّ وعلا ولا يؤمنُ بوجودِ إلهٍ عظيمٍ لهذا الكونِ العملاقِ قالَ جلَّ وعلا ((وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل: 78]. ولله در القائل
وفي كلِّ شيءٍ لهُ آيةٌ *** تدلُّ على أنَّهُ الواحدُ
وسُئِلَ الشافعيُّ رحمَهُ اللهُ ما الدليلُ على وجودِ اللهِ قال: ورقةُ التوتِ طعمُهَا واحدٌ، لكنْ إذا أكلَهَا دودُ القزِّ أخرجَهَا حريرًا، وإذا أكلَهَا النحلُ أخرجَهَا عسلًا، وإذا أكلَهَا الظبيُ أخرجَهَا مسكًا ذا رائحةٍ طيبةٍ.. فمَن الذي وحدَ الأصلَ وعددَ المخارجَ؟ !!!
للهِ في الآفاقِ آياتٌ لعلَّ *** أقلّهَا هو ما إليهِ هداكَا
ولعلَّ ما في النفسِ مِن آياتهِ *** عجبٌ عجابٌ لو ترى عيناكَا
والكونُ مشحونٌ بأسرارٍ إذا *** حاولتَ تفسيراً لهَا أعياكِا
فأولادُكَ أمانةٌ في رقبَتِكَ، وتربيتُهُم أمانةٌ ستسألُ عنها يومَ القيامةِ إذا حافظتَ عليهم فقد صُنتَ الأمانةَ، وإذا أهملتَهُم فقد خُنتَ الأمانةَ كما أخبرَ بذلك الصادقُ المصدوقُ ﷺ فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِي اللَّهُ عَنْهمَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: ( أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، فَالْإِمَامُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى أَهْلِ بَيْتِ زَوْجِهَا وَوَلَدِهِ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ)، (متفق عليه)، وفي صحيحِ مسلمٍ مِن حديثِ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ- رضى اللهُ عنه–قال: سمعتُ النبيَّ ﷺ يَقُولُ: ” مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ رَعِيَّةً يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إِلَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ)) قال رَسولُ اللهِ ﷺ: (كَفَى بالمرءِ إثمًا أنْ يُضيِّعَ مَنِ يَقُوتُ)، وللهِ درُّ القائلِ:
ليسَ اليتيمُ مَن انتهَى أبواهُ *** مِن الحياةِ وخلفَاهُ ذليلًا
أقولُ قولِي هذا واستغفرُ اللهَ العظيمَ لِي ولكُم
الخطبةُ الثانية الحمدُ للهِ ولا حمدَ إلَّا لهُ وبسمِ اللهِ ولا يستعانُ إلَّا بهِ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلّا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ …………………… وبعدُ
العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : المُؤمِنُ القَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعِيفِ
ثالثــــًا وأخيرًا: اغتنمْ صحتَكَ قبلَ مرضِكَ!!!
أيُّها السادةُ: المحافظةُ على الصحةِ وعلى القوةِ مِن الضرورياتِ التي أمرَنَا بهَا المولَى جلَّ وعلا في كتابِهِ وعلى لسانِ نبيِّهِ ﷺ، والصحةُ والجسدُ مِن الأمورِ التي سيُسألُ عنهَا الإنسانُ أمامَ ملكِ الملوكِ وجبارِ السماواتِ والأرضِ، فعن أبي برزةَ الاسلمى: لا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ: عَنْ عُمْرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ جَسَدِهِ فِيمَا أَبْلاهُ، وَعَنْ مَالِهِ فِيمَا أَنْفَقَهُ وَمِنْ أَيْنَ كَسَبَهُ، وَعَنْ عَلِمهِ مَاذَا عَمِلَ فِيهِ؟، “ لذا قال النبيُّ ﷺ:) اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ شَبَابَك قَبْلَ هَرَمِك ، وَصِحَّتَك قَبْلَ سَقَمِك ، وَغِنَاك قَبْلَ فَقْرِك ، وَفَرَاغَك قَبْلَ شُغْلِك ، وَحَيَاتَك قَبْلَ مَوْتِك (.
أفقْ مِن غفلتِكَ، وأحضرْ قلبَكَ مِن بيتِكَ، وأعلمْ بأنَّهُ لا نومَ أثقلُ مِن الغفلةِ ولا نذيرَ أبلغُ مِن الشيبِ، ولا رقَّ أملكُ مِن الشهوةِ. فاغتنمْ الفرصةَ قبلَ فواتِ الأوانِ، واغتنمْ حياتَكَ قبلَ موتِكَ، وصحتَكَ قبلَ سقمِكَ، وشبابَكَ قبلَ هرمِكَ، وفراغَكَ قبلَ شغلِكَ، أيُّها المغترُّ بطولِ الصحةِ أمَا رأيتَ ميتًا مِن غيرِ سقمٍ !! أيُّها المغترُّ بطولِ المهلةِ أمَا رأيتَ ميتًا مِن غيرِ مهلةٍ !! أبالصحةِ تغترونَ أم بطولِ العافيةِ تمرحون، أم مِن الموتِ تأمنون !!رحمَ اللهُ عبدًا عملَ لساعةِ الموتِ، رحمَ اللهُ عبدًا عملَ لمَا بعدَ الموتِ!!!أيُّها الساكنُ في دارِ الفرقةِ و الرحيلِ أيُّها الضاحكُ في مواطنِ البكاءِ والعويلِ لا تركنْ إلي دارِ الغرورِ فليسَ لعاقلٍ إليهَا ركون، ولا عليهَا تعويلٌ ( قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلا ) [سورة النساء).
حفظَ اللهُ مصرَ قيادة وشعبًا مِن كيدِ الكائدين، وشرِّ الفاسدين وحقدِ الحاقدين، ومكرِ الـماكرين، واعتداءِ الـمعتدين، وإرجافِ الـمُرجفين، وخيانةِ الخائنين.
كتبه العبد الفقير إلى عفو ربه
د. محمد حرز
_______________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف