خطبة الجمعة القادمة بعنوان : الدين والوطن والإنسانية معا: بناء لا هدم ، للدكتور محمد حرز
خطبة الجمعة القادمة بعنوان : الدين والوطن والإنسانية معا: بناء لا هدم ، للدكتور محمد حرز ، بتاريخ 17 ربيع آخر 1444هـ ، الموافق 11 نوفمبر 2022م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 11 نوفمبر 2022م بصيغة word بعنوان : الدين والوطن والإنسانية معا: بناء لا هدم ، للدكتور محمد حرز.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 11 نوفمبر 2022م بصيغة pdf بعنوان : الدين والوطن والإنسانية معا: بناء لا هدم ، للدكتور محمد حرز.
عناصر خطبة الجمعة القادمة 11 نوفمبر 2022م بعنوان : الدين والوطن والإنسانية معا: بناء لا هدم.
أولًا: دينُنَا دينُ البناءِ لا الهدمِ.
ثانيًا: نبيُّنَا ﷺ علَّمَ الدنيَا كلَّهَا الإنسانيةَ وحبَّ الوطنِ.
ثالثًا: مصرُنَا أمانةٌ في أعناقِ الجميعِ.
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 11 نوفمبر 2022م بعنوان : الدين والوطن والإنسانية معا: بناء لا هدم : كما يلي:
خطبةُ الجمعةِ القادمةِ بعنوان: الدينُ والوطنُ والإنسانيةٌ معًا بناءٌ لا هدمٌ د. محمد حرز بتاريخ: 16 ربيع الأخر 1444هــ – 11 نوفمبر 2022م
الحَمْدُ للهِ الذِي مَنَّ عَلَينَا بِوَطَنٍ مِنْ خِيرَةِ الأَوطَانِ، وَنشَرَ عَلَينَا فِيهِ مَظَلَّةَ الأَمَنِ و الاستِقْرَارِ، الحَمْدُ للهِ القائلِ في محكمِ التنزيلِ ﴿ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِين﴾ يوسف: 99وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وليُّ الصالحين، وَأشهدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وصفيُّهُ مِن خلقهِ وخليلُهُ، إمامُ الأنبياءِ وإمامُ الأتقياءِ وإمامُ الأصفياءِ وسيدُ المرسلين وخاتمُ النبيين وقائدُ الغرِّ المحجلين وصاحبُ الشفاعةِ العُظمى يومَ الدينِ، ، وعلى آلهِ وصحبهِ الأعلامِ، مصابيحِ الظلامِ، خيرِ هذه الأمةِ على الدوامِ، وعلى التابعينَ لهم بإحسانٍ والتزام.
أمَّا بعدُ …..فأوصيكُم ونفسِي أيُّها الأخيارُ بتقوى العزيزِ الغفارِ { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } (أل عمران :102)
أيُّها السادةُ: ((الدينُ والوطنُ والإنسانِيةُ معًا بناءٌ لا هدمٌ ))عنوانُ وزارتِنَا وعنوانُ خطبتِنَا
أولًا: دينُنَا دينُ البناءِ لا الهدمِ.
ثانيًا: نبيُّنَا ﷺ علَّمَ الدنيَا كلَّهَا الإنسانيةَ وحبَّ الوطنِ.
ثالثًا: مصرُنَا أمانةٌ في أعناقِ الجميعِ.
أيُّها السادةُ : بدايةً ما أحوجَنَا في هذه الدقائقِ المعدودةِ إلى أنْ يكونَ حديثُنَا عن الدينِ والوطنِ الإنسانِيّةِ معًا بناءٌ لا هدمٌ، وخاصةً وهناكَ دعواتٌ مِن آنٍ لآخرٍ الهدفُ منها النيلُ مِن مصرِنَا الغالية، فمصرُنَا الغاليةُ مستهدفةٌ مِن الداخلِ والخارجِ مِمَّن يريدونَ النيلَ منها ومِن أمنِهَا واستقرارِهَا؛ لتعمَّ الفوضَى والخرابُ والهلاكُ والدمارُ، ولا حولَ ولا قوةَ إِلّا باللهِ,وخاصةً ووطنَنَا في حاجةٍ إلى سواعدِ الجميعِ في البناءِ لا الهدمِ والاستقرارِ لا الاضطرابِ والتنميةِ لا التدهورِ والتقدمِ لا التأخرِ والرقيِّ لا التخلفِ والازدهارِ لا الانحطاطِ.
بِلاَدِي هَوَاهَا فِي لِسَانِي وَفِي دَمِي ***يُمَجِّدُهَا قَلْبِي وَيَدْعُو لَهَا فَمِي
العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : الدين والوطن والإنسانية معا: بناء لا هدم
أولًا: دينُنَا دينُ البناءِ لا الهدمِ.
أيُّها السادةُ : دينُنَا دينُ الانسانيةِ، دينُنَا دينُ حبِّ الأوطانِ، دينُنَا دينُ المحافظةِ علي الأوطانِ، دينُنَا دينُ الاصلاحِ والصلاحِ لا الفسادِ والافسادِ، دينُنَا يبنِي ولا يهدمُ، يجمعُ ولا يفرقُ، يألفُ لا يبغضُ، يحببُ ولا يكرهُ وكيف لا؟ وربُّنَا القائلُ في محكمِ التنزيلِ))إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}الحجرات 10 وكيف لا؟ ونبيُّنَا ﷺ القائلُ كما في صحيحِ مسلمٍ مِن حديثِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى) ونبيُّنَا ﷺ القائلُ كما في الصحيحينِ مِنْ حديثِ أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ ( إِنَّ الْمُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا وَشَبَّكَ أَصَابِعَهُ) وكيف لا؟ ولقد حثَّ الإسلامُ أهلَهُ وأتباعَهُ على البناءِ والإعمارِ، وأمرَ بالسعيِ في الأرضِ وإعمارِهَا، وتشييدِ أركانِهَا، وأثنَى على مَن سعَى في الأرضِ مِن أجلِ الإعمارِ، فقالَ جلَّ وعلا: ))إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ(( التوبة: 18، وقال سبحانَهُ عن عبدهِ الخضرِ وموسَى عليهما السلامُ ))فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ ((الكهف: 77، وقال جلَّ وعلا((وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ))التوبة: 105، وقال ﷺ: ((من بَنَى مَسْجِدًا لِلَّهِ تَعَالَى يَبْتَغِي به وجْهَ اللهِ، بَنَى اللَّهُ له بَيْتًا في الجَنَّةِ)) متفقٌ عليه، لذا شَجَّعَتِ الشَّريعَةُ الإسْلاميَّةُ على إعْمارِ الأرضِ وزِراعَتِهَا، كما رغَّبَتِ المُسلِمَ ليكونَ إيجابِيًّا في كُلِّ أحْوالِه، وأنْ يكونَ نافِعًا لنَفْسِهِ ولغَيْرِه، لقولِ النبيِّ المختارِ ﷺ مِن حديثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ (( إنْ قامَتِ السَّاعةُ وفي يدِ أحدِكُم فَسيلةٌ فإنِ استَطاعَ أن لا تَقومَ حتَّى يغرِسَها فلْيغرِسْها))الأدب المفرد، لذا أثنَى اللهُ سبحانَهُ على مَن يبنِي البناءَ الطيبَ المباركَ كما هو شأنُ إبراهيمَ وإسماعيلَ -عليهما السلامُ)) وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ((البقرة: 127، ذمَّ اللهُ جلَّ وعلَا الهدمَ والتخريبَ والإفسادَ في الأرضِ، فقالَ جلَّ وعلَا((وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ)) البقرة: 205 قال الطبريُّ: يعني بذلك جلَّ ثناؤهُ: واللهُ لا يحبُّ المعاصيَ، وقطعَ السبيلِ، وإخافةَ الطريقِ.. وقال العباسُ بنُ الفضلِ : الفسادُ هو الخرابُ .. ومِن صورِ الفسادِ: زعزعةُ الأمنِ والاستقرارِ، فالأمنُ في الأوطانِ مطلبٌ، الكلُّ يريدُهُ ويطلبُهُ، ومَن يسعَى لزعزعةِ الأمنِ إنَّما يريدُ الإفسادَ في الأرضِ، وأنْ تعمَّ الفوضى والشرُّ بينَ عبادِ اللهِ، فما يحصلُ في بلادِنَا إنّما هو إرادةٌ للإفسادِ في الأرضِ، فزعزعةَ أمنِ الأمّةِ وترويعُ الآمنينَ جريمةٌ نكراءٌ فيها إعانةُ أعداءِ الإسلامِ على المسلمين، وصدقَ المعصومُ ﷺ إذ يقولُ ((مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِناً في سِرْبِهِ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا)) ( البخاري في الأدب المفرد ، والترمذي وابن ماجه).
فدينُنَا دينُ البناءِ لا الهدمِ لكنْ تُبنَى البيوتُ والمساكنُ مِن الحلالِ الطاهرِ والدراهمِ النقيةِ حتى يبارك اللهُ –تعالى- في تلك البيوتِ، كما تُبنَى معنويًّا بذكرِ اللهِ وطاعتهِ، وتُشيّدُ على نشرِ الفضيلةِ، وتخريج الذريةِ الصالحةِ، لقولِ النبيِّ ﷺ ((مَثَلُ البَيْتِ الذي يُذْكَرُ اللَّهُ فِيهِ، والْبَيْتِ الذي لا يُذْكَرُ اللَّهُ فِيهِ، مَثَلُ الحَيِّ والْمَيِّتِ.)) رواه مسلم. وتُبنَى الأبدانُ مِن الحلالِ الخالصِ وتُطهَرُ مِن الحرامِ، فقامَ سَعدُ بنُ أبي وقاصٍ فقال يا رسولَ اللهِ ادعُ اللهَ أن يجعلَني مُستجابَ الدَّعوةِ فقال لهُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ : يا سَعدُ أطِبْ مطعمَك ؛ تكُن مُستَجابَ الدَّعوةِ ))وتُبنَى النفوسُ والقلوبُ بذكرِ اللهِ -تعالى ))أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) ((الرعد: 28).
وشتانَ شتانَ بينَ النقيضينِ البناءِ والهدمِ، فدينُنَا هو دينُ البناءِ وعمارةِ الكونِ، فإنَّ كلَّ مَن يأخذكَ إلى هذا الطريقِ، طريقِ البناءِ، طريقِ العملِ، طريقِ الإنتاجِ، طريقِ الإتقانِ، طريقِ الحفاظِ على المنشآتِ العامةِ والخاصةِ إنَّما يأخذكَ إلى طريقِ الإسلامِ، إلى طريقِ الوطنيةِ، إلى طريقِ الحضارةِ والرقيِّ، إلى خيرِ المجتمعِ وخيرِ الإنسانيةِ، ومَن يحاول أنْ يجرَّكَ إلى طريقِ الهدمِ والتخريبِ وتدميرِ المنشآتِ والبنى التحتيةِ أو الاعتداءِ عليها أو المساسِ بها إنَّما يأخذُكَ إلى طريقِ الهلاكِ في الدنيا والآخرةِ والخزي والعارِ، قال جلَّ وعلا «فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ * أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا» (محمد: 22-24)، وقال جلَّ وعلا «وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِى قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِى الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ» (البقرة: 204-206 .
متى يبلغُ البنيانُ يومًا تمامَهُ.. إذا كنتَ تبنيهِ وغيرُكَ يهدمُ
العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : الدين والوطن والإنسانية معا: بناء لا هدم
ثانيًا: نبيُّنَا ﷺ علَّمَ الدنيَا كلَّهَا الإنسانيةَ وحبَّ الوطنِ.
أيُّها السادةُ: دينُنَا دينُ الإنسانيةِ، ونبيُّنَا ﷺ نبيُّ الإنسانيةِ كلِّهَا، وقرآنُنَا قرآنُ الإنسانيةِ كلِّهَا، وشريعتُنَا شريعةُ الإنسانيةِ كلِّهَا، وكيف لا؟ والرسالةُ المحمديةُ رسالةٌ إنسانيةٌ مِن بدايتِهَا إلى نهايتِهَا مع قيامِ الساعةِ، جاءتْ لتراعِي إنسانيةَ الإنسانِ فيما تأمرُ بهِ و تنهَى عنهُ وكيف لا؟ ولقد حرصَ الإسلامُ أشدَّ الحرصِ على الإنسانِ، حيثُ قامتْ مبادئُ الإسلامِ وتعاليمُهُ كلُّهَا على احترامِ الكرامةِ الإنسانيةِ وصونِهَا وحِفْظِهَا، وعلى تعميقِ الشعورِ الإنسانِي بهذه الكرامةِ، وأمرَ الإسلامُ أتباعَهُ بالمحافظةِ على كرامةِ الإنسانِ المسلمِ وغيرِ المسلمِ، ووجّهَ لمراعاةِ غيرِ المسلمينَ في مشاعرِهِم، ونهَى عن جَرْحِ عواطفهِم؛ فقالَ الربُّ – عزَّ وجلَّ: ((وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) [العنكبوت: 46)، وقالَ – عزَّ وجلَّ: ((وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)) (الأنعام: 108. ومِن حرصِ الإسلامِ على الإنسانِ: أنْ تحترمَ إنسانيتَهُ وتعاملَهُ بالحسنَى وتحافظَ على دمهِ ومالهِ وعرضهِ بغضِّ النظرِ عن دينهِ وجنسهِ ولونهِ مالم يكنْ مؤذيًا قال جلَّ وعلا:((مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا (المائدة: 32، ولقولِ الرسولِ ﷺ-: مَن قتَل مُعاهَدًا، لم يَرَح رائحةَ الجنةِ، وإنَّ ريحَهَا ليوجدُ مِن مسيرةِ أربعين عامًا)) رواه البخاري، ومِن حرصِ الإسلامِ على الإنسانِ أنَّهُ حرمَ الاعتداءَ على الإنسانِ بغيرِ حقٍّ، فالإنسانُ بنيانُ الربِّ ملعونٌ مَن هدمَهُ، فإذا جاء كائنٌ مَن كان ليهدمَ هذا البنيانَ ,ويقتلَ إنسانًا, ويريقَ دمًا فكأنمَا اعتدَي على اختصاصِ اللهِ وتحدَّي إرادتَهُ سبحانَهُ الذي يقولُ عنها (إنَّمَا أمرُهُ إذَا أرَادَ شَيْئًا أنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُون) ( يس:82 (ولقد ضربَ لنَا رسولُنَا ﷺ أروعَ الأمثلةِ في القيمِ والمعانِي الإنسانيةِ والخلقيةِ قبلَ البعثةِ وبعدَهَا، وقد شهدَ لهُ العَدُوُّ قبلَ الصديقِ والبعيدُ قبلَ القريبِ فهذه أُمُّنَا السيدةُ خديجةُ رضي اللهُ عنها وأرضَاها قالتْ لما نزلَ عليه الوحيُ وجاءَ يرجفُ فؤادُهُ : كَلَّا وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا؛ إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ؛ وَتَحْمِلُ الْكَلَّ؛ وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ؛ وَتَقْرِي الضَّيْفَ؛ وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ))) (متفق عليه))
أيُّها السادةُ: لقد ضربَ لنَا رسولُنَا ﷺ أروعَ الأمثلةِ في حبِّ الوطنِ والتضحيةِ في سبيلهِ والعملِ على رفعتهِ بل على رفعةِ الأمةِ الإسلاميةِ كلِّهَا فَهَا هُوَ ﷺ يَلْتَفِتُ إِلَى مَكَّةَ، وَطَنِهِ الحَبِيبِ إِلَى قَلْبِهِ، )) إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا (( قَائِلاً: ((مَا أَطْـيَبَكِ مِنْ بَلَدٍ وَأَحَبَّكِ إِلَيَّ، وَلَوْلا أَنَّ قَوْمَكِ أَخْرَجُونِي مِنْكِ مَا سَكَنْتُ غَيْرَكِ)) رواه الترمذي، اللهُ أكبرُ يخاطبُ مكةً المكرمةَـ زادَها اللهُ تكريمًا وتشريفًا إلى يومِ الدينِـ مودعًا إياها وهي وطنُهُ الذي أُخرجَ منه، بكلماتٍ تُؤلمُ القلبَ وتُبكي العينَ بدل الدموعِ دمًا، بكلماتٍ كلّهَا حنينٌ ومحبةٌ وألمٌ وحسرةٌ على الفراقِ، بكلماتٍ كلّهَا انتماءٌ وتضحيةٌ ووفاءٌ وتعلنُ السماءُ حالةَ الطوارئِ ليهبطَ أمينُ السماءِ جبريلُ عليهِ السلامُ بقرآنٍ يُتلى إلى يومِ الدينِ ليجففَ للبنيِّ العدنانِ ﷺ دموعَهُ, وليخففَ عنهُ آلامَهُ فقال جلَّ وعلا:(إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ))القصص: 85)، أي وبحقِّ القرآنِ ليأتي اليومُ ويردُك اللهُ إلى وطنِك و إلى مكةَ التي أخرجوكَ منها فاتحًا منتصرًا ؟وكان ﷺ يقولُ كما في حديثِ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «اللَّهُمَّ حَبِّبْ إلَيْنَا المَدِينَةَ كَحُبِّنَا مَكَّةَ أوْ أشَدَّ، وصَحِّحْهَا، وبَارِكْ لَنَا في صَاعِهَا ومُدِّهَا، وانْقُلْ حُمَّاهَا فَاجْعَلْهَا بالجُحْفَةِ» متفقٌ عليه ،الله أكبر أنه الوطنُ ياسادة وما أدراكَ ما الوطنُ ؟ الوطنُ عطرٌ يفوحُ شذَاهُ وعبيرٌ يسمُو في علاه، الوطنُ وما أدراكَ ما الوطنُ ؟ الوطنُ نِعْمَةٌ عظيمةٌ ومنةٌ كبيرةٌ مِنْ نعمِ اللهِ العَظِيمَةِ الَّتِي لا تُقَدَّرُ بِثَمَنٍ وَلا تُسَاوَمُ بِالأَمْوَالِ وَالأَرْوَاحِ، بَلْ تُبْـذَلُ الأَمْوَالُ لأَجْـلِه وَتُرْخَصُ الأَرْوَاحُ فِي سَبِيلِ وَحْدَتِهَا وَالدِّفَاعِ عَنْهَا. ما بَالكُم إذا كانَ الوطنُ هو مصرُ الغاليةُ صَخرةُ الإسلامِ العاتية. مصرُ التي نحبُّهَا ونعشقُهَا، هي الأرضُ الوحيدةُ التي تجلَّي اللهُ عليها و تكلمَ فيها .. هي مصرُ !! الدولةُ الوحيدةُ التي ذُكرتْ في القرآنِ صراحةً .. هي مصرُ !! الدولةُ التي قُرنَ اسمُهَا في القرآنِ بالأمنِ و الأمانِ هي مصرُ !! الدولةُ التي اقترنَ اسمُهَا بخزائنِ الأرضِ في القرآنِ هي مصرُ!! الدولةُ التي اقترنَ اسمُهَا و شعبُهَا بمباركةِ اللهِ في الإنجيلِ .. هي مصرُ !! الدولةُ التي علمتْ العالمَ الكتابةَ و نشأَ مِن أهلِهَا سيدُنَا إدريسُ عليه السلام أولُ مَن خطَّ بالقلمِ في التاريخِ هي مصرُ !! الدولةُ التي لجَأَ إليهَا سيدُنَا إبراهيمُ عليه السلامُ مِن ظلمِ أهلهِ هي مصرُ !! الدولةُ التي لجأَ إليها سيدُنَا يعقوبُ عليه السلامُ و إخوةُ يوسف عليه السلام مِن المجاعةِ هي مصرُ !الدولةُ التي لجأتْ اليها السيدةُ العذراءُ و سيدُنَا المسيحُ عليه السلامُ هي مصرُ !! الدولةُ التي لجأَ اليها آلُ بيتِ سيدِنَا مُحمدٍ بعد مَا تمَّ مطاردتهُم و تقتيلهُم و نُكِّلَ بهم في العراقِ و الشامِ هي مصرُ !! الدولةُ التي أوصَي بها و بأهلِهَا خيرًا نبيُّنَا مُحمدٌ ﷺ هي مصرُ !! حتى إنَّ السيدةَ زينبَ رضي اللهُ عنها دعتْ لمصرَ و شعبِهَا دعاءَهَا الشهيرَ ” يا أهلَ مصرَ، نصرتمُونا نصركُم اللهُ، وآويتمونَا آواكُم اللهُ، وأعنتمونَا أعانكُم اللهُ، وجعلَ لكم مِن كلِّ مصيبةٍ فرجًا ومِن كلِّ ضيقٍ مخرجًا”. هذه هي مصرُ ياسادة، أرضُ الكنانةِ و أمُّ البلادِ، وهي موطنُ المجاهدين والعُبادِ، قهرتْ قاهرتُها الأممَ، ووصلتْ بركاتُها إلى العربِ والعجمِ، سكنَها الأنبياءُ والصحابةُ والعلماءُ. المحافظة عليها دينٌ وإيمانٌ وإحسانٌ نقولُهَا بملءِ الأفواهِ ،وكيف لا؟ وحبُّ الوطنِ من هدى النبيِ العدنانِ ﷺ والنبيين الأخيارِ، والدفاعُ عن الوطنِ مطلبٌ شرعيٌ، وواجبٌ وطنيٌ، ومَسْؤولـيّةٌ ووَفَاءٌ تقعُ على عاتقِ الجميعِ ،وللهِ درُّ القائل
مصرُ الكنانةُ ما هانتْ على أحدٍ*** اللهُ يحرسُها عطفًا ويرعَاها
ندعوكَ يارب أن تحمى مرابعَها *** فالشمسُ عينٌ لها والليلُ نجواهَا
مَن شاهَدَ الأرْضَ وأَقْطَارَها *** والنَّاسَ أنـواعًا وأجناسًا
ولا رأى مِصْـرَ ولا أهلهَا *** فما رأى الدنيا ولا الناسَ
أقولُ قولِي هذا واستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم
الخطبةُ الثانية الحمدُ للهِ ولا حمدَ إلّا لهُ وبسمِ اللهِ ولا يُستعانُ إلّا بهِ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ …………………… وبعدُ
العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : الدين والوطن والإنسانية معا: بناء لا هدم
ثالثًا: مصرُنَا أمانةٌ في أعناقِ الجميعِ.
أيُّها السادةُ: لا تسمعُوا لهذه الدعواتِ المغرضةِ التي تريدُ النيلَ مِن مصرِنَا وأمنِهَا والاستقرار؛ لتعمَّ الفوضَى والخرابُ والدمارُ، باللهِ عليكُم ماذا جنتْ لنَا ثوراتُ الربيعِ العربي إلَّا كلّ خرابٍ وخزيٍ وعارٍ ودمارٍ وتمزيقٍ في أواصرِ المجتمعِ وتفريقٍ واختلافٍ بينَ الناسِ، ووصلَ بنا الحالُ إلى الشماتةِ في الأمواتِ، وشاعَ الحقدُ والحسدُ والكراهيةُ!! وهل يُلدغُ المؤمنُ مِن جُحرٍ مرتين؟ !!!أين سوريَا الحرة ؟ وأين لبيبَا الشقيقة ؟وأين وأين وحدثْ ولا حرج لكنني: أكررُهَا دائمًا وأبدًا حبُّ الوطنِ والتضحيةُ في سبيلهِ ليستْ مجردَ كلماتٍ تُقالُ أو شعاراتٍ تُرفعُ، إنما هو سلوكٌ وتضحياتٌ وحقوقٌ تُؤدَى، يجبُ على كُلٍّ منَّا أنْ يقدمَ ما يثبتُ بهِ أنَّ حبَّهُ للوطنِ ولاءٌ وعطاءٌ وانتماءٌ ليسَ مجردَ كلامٍ أو أماني أو أحلام.
ومِن الواجبِ على الجميعِ وَاجِب البِنَاءِ، وَبِنَاءُ الوَطَنِ امتِثَالٌ لِمُهِمَّةِ الاستِخْلاَفِ فِي الأَرْضِ وإِعْمَارِهَا، قَالَ تَعَالَى((هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا))، وَقَالَ ربُّنَا((وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ))
ومِن الواجبِ علينَا جميعًا أنْ نعملَ على نشرِ ثقافةِ البناءِ، وأنْ نعملَ على ترسيخِ الإيمانِ بهِ، وأنَّ ما كانَ للإنسانِ فلن يخطئَهُ، وما أخطأَهُ لم يكنْ ليصيبَهُ، وأنَّ الناسَ جميعًا لو سابقُوا إنسانًا فلن يأخذُوا شيئًا كتبَهُ اللهُ لهُ ولن يصلُوا إليهِ، ولو دفعُوه إلى الأمامِ جميعًا، فلن يوصلُوه إلّا إلى شيءٍ كتبَهُ اللهُ لهُ، لقولِ رسولِ اللهِ ﷺ «وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ إِلَّا قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَإِنِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الْأَقْلَامُ، وَجَفَّتِ الصُّحُفُ:»، فما أحوجنَا إلى تطهيرِ قلوبِنَا مِن الحقدِ والحسدِ والعملِ على تعطيلِ الآخرين أو تعويقِ مسيرتِهِم أو محاولاتِ إفشالِهِم، وكلُّ هذا ليس مِن الإيمانِ ولا مِن مكارمِ الأخلاقِ ولا مِن القيمِ الإنسانيةِ النبيلةِ، فلنصدقْ النيةَ والعملَ للهِ عزَّ وجلَّ، ثم لوطنِنَا ومجتمعِنَا، وأبنائِنَا وأحفادِنَا وأنفسِنَا، فالواجبُ الشرعيُّ والوطنيُّ يتطلبانِ منَّا جميعًا وحدةَ الصفِّ وتضافرَ الجهودِ لخدمةِ دينِنَا ووطنِنَا وقضايانَا العادلة، وألَّا يعوقَ أحدٌ منَّا مسيرةَ الآخرِ، بل يشدُّ بعضُنَا أزرَ بعضٍ، فالعملَ العملَ؛ لأنَّه صمامُ الأمانِ، وحذارِ حذارِ مِن الهدمِ والتخريبِ، فهما سبيلُ الدمارِ والهلاكِ فى الدنيا والآخرة، اللهَ اللهَ في الأوطانِ، اللهَ اللهَ في مصرَ وأهلِهَا، اللهَ اللهَ في قواتِنَا المسلحةِ وشرطتِنَا الساهرةِ على حمايةِ أوطانِنَا، اللهَ اللهَ في كلِّ غيورٍ محبٍّ لوطنهِ، اللهَ اللهَ في التضحيةِ مِن أجلِ الأوطانِ، اللهَ اللهَ في المحافظةِ على مصرِنَا، اللهَ اللهَ على كلِّ مواطنٍ يعملُ لرفعةِ وطنه. اللهَ اللهَ في البناءِ لا الهدم ِ
حفظَ اللهُ مصرَ قيادةً وشعبًا مِن كيدِ الكائدين، وشرِّ الفاسدين وحقدِ الحاقدين، ومكرِ الـماكرين، واعتداءِ الـمعتدين، وإرجافِ الـمُرجفين، وخيانةِ الخائنين.
كتبه العبد الفقير إلى عفو ربه
د/ محمد حرز إمام بوزارة الأوقاف
_______________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف