خطبة الجمعة القادمة : الدين والوطن والإنسانية معا: بناء لا هدم ، للدكتور محروس حفظي
خطبة الجمعة القادمة
خطبة الجمعة القادمة 11 نوفمبر 2022م : الدين والوطن والإنسانية معا: بناء لا هدم ، للدكتور محروس حفظي ، بتاريخ 17 ربيع الآخر 1444هـ ، الموافق 11 نوفمبر 2022م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 11 نوفمبر 2022م ، للدكتور محروس حفظي : الدين والوطن والإنسانية معا: بناء لا هدم.
ولتحميل خطبة الجمعة القادمة 11 نوفمبر 2022م ، للدكتور محروس حفظي : الدين والوطن والإنسانية معا: بناء لا هدم، بصيغة word أضغط هنا.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 11 نوفمبر 2022م ، للدكتور محروس حفظي : الدين والوطن والإنسانية معا: بناء لا هدم ، بصيغة pdf أضغط هنا.
___________________________________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف
عناصر خطبة الجمعة القادمة: الدين والوطن والإنسانية معا: بناء لا هدم ، للدكتور محروس حفظي :
- الرسولُ ﷺ غرسَ في نفوسِ المسلمينَ قيمَ الانتماءِ للوطنِ.
- تقديمُ مصلحةِ الوطنِ العامةِ على المصلحةِ الخاصةِ.
- العملُ الجادُّ المثمرُ والتضحيةُ من أجلِ الوطنِ.
- الوحدةُ والاجتماعُ وعدمُ التفرقِ، وعدمُ الالتفات إلى الدعاوِى الهدامةِ،
والإشاعاتِ المغرضةِ.
- نشرُ القيمِ الأخلاقيةِ والإنسانيةِ في نفوسِ النشءِ.
- احترامُ سيادةِ القانونِ، والمحافظةُ على مقدراتِ الوطنِ.
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة الدين والوطن والإنسانية معا: بناء لا هدم ، للدكتور محروس حفظي : كما يلي:
والدين والوطن والإنسانية معا: بناء لا هدم 17 ربيع الآخر 1443 ه ـ 11 نوفمبر 2022م
عناصرُ الخطبةِ:
- الرسولُ ﷺ غرسَ في نفوسِ المسلمينَ قيمَ الانتماءِ للوطنِ.
- تقديمُ مصلحةِ الوطنِ العامةِ على المصلحةِ الخاصةِ.
- العملُ الجادُّ المثمرُ والتضحيةُ من أجلِ الوطنِ.
- الوحدةُ والاجتماعُ وعدمُ التفرقِ، وعدمُ الالتفات إلى الدعاوِى الهدامةِ،
والإشاعاتِ المغرضةِ.
- نشرُ القيمِ الأخلاقيةِ والإنسانيةِ في نفوسِ النشءِ.
- احترامُ سيادةِ القانونِ، والمحافظةُ على مقدراتِ الوطنِ.
العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة :
(1) الرسولُ ﷺ غرسَ في نفوسِ المسلمين قيمةَ الانتماءِ للوطنِ: إنَّ رسولَنَا ﷺ غرسَ في نفوسِ المسلمينَ قيمةَ الانتماءِ للوطنِ، والاعتزازِ به، والدفاعِ عنه، وقد بلغَ اهتمامُ الإسلامِ بحبِّ الوطنِ أنْ جعلَهُ فوقَ النفسِ والمالِ والأهلِ فعَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ» (أبو داود والترمذي)، لم يكنْ رسولُ اللهِ ﷺ بحثّهِ للمسلمينَ على التضحيةِ بالنفسِ مِن أجلِ الوطنِ مسترخصًا للنفسِ البشريةِ، فقد كان يعرفُ قيمةَ النفسِ البشريةِ، وهناكَ العديدُ مِن توجيهاتِهِ الكريمةِ تحذّرُ مِن التعدِّي على النفسِ بالأذَى وتعدّهُ جريمةً مِن أكبرِ الجرائمِ، وكبيرةً مِن أكبرِ الكبائرِ، فالنفسُ في الإسلامِ مصونَةٌ، والدماءُ محرّمَةٌ، ومع ذلك فإنَّ حفظَ النفسِ رغمَ قداستِهِ وظهورِ أمرِ حرمتهِ إذا تعارضَ مع حبِّ الوطنِ والدفاعِ عنه، فإنَّ على الإنسانِ أنْ يبذلَ نفسَهُ رخيصةً في سبيلِ اللهِ والدفاعِ عن وطنِه، وهذا المعنَى واضحٌ في قولِ الحقِّ:﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾
لقد أرادَ ﷺ أن يؤَسِّسَ دولةً قويةً يسودُهَا السلامُ والتعاونُ والمشَارَكةُ بينَ جميعِ أطيافِها، على مختلفِ مشاربِهم، ومن هنا جاءَت «وثيقةُ المدينةِ» كأَوَّلِ دستورٍ للدولةِ المدنيةِ، يحددُ ملامحَ دولةِ الإسلامِ الجديدةِ، ولا يفرقُ بينَ مواطنِيهَا مِن حيثُ الدينِ أو العرقِ أو الجنسِ، فأكّدَ أنَّ أطرافَ الوثيقةِ عليهم النصرَ والعونَ والنصحَ والتناصحَ والبرَّ دون إثمٍ، وحرصتْ الوثيقةُ على أنْ يكونَ الدفاعُ عن حدودِ هذه الدولةِ مسؤوليّةُ الجميعِ، مؤكدةً روح المساواةِ والعدلِ والتعاونِ والتعايشِ السلمي بينَ أطرافِهَا.
وبناءً على ما سبقَ جعلَ العلماءُ حبَّ الوطنِ أحدَ «الكلياتِ الستِّ» التي أوجبتْ جميعُ الرسالاتِ السماويةِ الحفاظَ عليه، أما مَن يقولُ خلافَ ذلك فلا تسعفهُ الأدلةُ ولا الفطرةُ النقيةُ ولا العقولُ الأبيةُ ولا النفوسُ العليةُ.
العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة :
((2 تقديمُ مصلحةِ الوطنِ العامةِ على المصلحةِ الخاصةِ: يجبُ علينَا أنْ نشاركَ جميعًا في المحافظةِ على أمنِ الوطنِ وسلامتِهِ، ووحدةِ أرضهِ واستقرارِهِ، فدينُنَا السمحُ هو دينُ العطاءِ والإيثارِ لا الأثرةِ ولا الأنانيةِ، فما استحقَّ أنْ يولدَ مَن عاشَ لنفسِهِ، وخيرُ الناسِ أنفعُهُم للناسِ وللمجتمعِ ولوطنِه وللإنسانِيةِ، قال ربُّنَا مادحًا الأنصارَ رضي اللهُ عنهم: ﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾، فدينُنَا دينُ الرحمةِ بالإنسانِ والحيوانِ والجمادِ، وأهلُ العلمِ على أنَّ العملَ العامَّ النفعَ مقدمٌ على الخاصِّ نفعه، والعملُ المتعديِّ النفع مقدمٌ على القاصرِ نفعه، فدينُنَا دينُ الإنسانيةِ في أسمَى معانِيهَا.
وللهِ درُّ القائل: ومَن يفعلِ الخيرَ لا يعدَم جوازيَهُ … لا يذهبُ العرفُ بينَ اللهِ والنَّاسِ
وقال أحمدُ شوقي: بِــلادٌ مــاتَ فِــتـيَـتُهـا لِتَـحـيـا وَزالوا دونَ قَــومِهِــمُ لِيَــبـقـوا
والمستقرىءُ للقرآنِ الكريمِ يجد أنَّ الحفاظَ على المصلحةِ العامةٍ هو منهجُ الرسلِ والأنبياءِ – عليهم السلامُ – فما أُرسِلَ أحدٌ منهم إلّا لإسعادِ قومهِ ونفعهِم وصلاحهِم دونَ مقابلٍ ماديٍّ أو نفعٍ دنيويٍّ قال تعالى على لسانِ هودٍ عليه السلامُ: ﴿يَا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلا تَعْقِلُونَ﴾، وقال على لسانِ شعيبٍ عليهِ السلامُ: ﴿إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَما تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾، والسنةُ النبويةُ مليئةٌ بنماذجَ مِن الصحابةِ – رضي اللهُ عنهم – ضحُّوا بأنفسِهم في سبيلِ تقديمِ المنفعةِ العامةِ فهذا عثمانُ بنُ عفان يشتري بئرَ رومة، وهذا أبو طلحةَ الأنصارِي– رضي اللهُ عنهما – يتصدّقُ بأحبِّ مالهِ إلى قلبهِ، ويجعلُهُ صدقةً جاريةً فينزلُ فيه قولُهُ تعالَى: ﴿لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ﴾ .
العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة :
(3) العملُ الجادُّ المثمرُ والتضحيةُ من أجلِ الوطنِ: فرضَ الإسلامُ علينَا العملَ، وحثَّنَا عليه، ورغبَنَا فيه لنصِلَ مِن خلالِهِ إلى أعلى درجاتِ الجودةِ، وأرقَى متطلباتِ الإنتاجِ، وأفضلِ حالاتِ الشفافيةِ، وأوجبَ علينَا استثمارَ ثرواتِ الوطنِ من أجلِ تحقيقِ نهضتهِ وازدهارهِ، ولن يتحققَ ذلكَ إلا برجالٍ مخلصين قال تعالى: ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾، إنَّ أغلَى وأنفسَ ما يقدمُهُ الإنسانُ لوطنِهِ هو أنْ يواصلَ عملَهُ بالليلِ والنهارِ، وأنْ نتحملَ المسؤليةَ كلٌّ في مجالِ عملِهِ وتخصصِهِ من أجلِ أنْ نرتقِي ببلدِنَا؛ لتكونَ أفضلَ البلادِ، فالتعبيرُ عن الانتماءِ للوطنِ لا يكونُ بالشعاراتِ الرنانةِ، ولا العباراتِ الفضفاضةِ الجوفاءِ، ولكنْ بالعملِ والبناءِ والدفاعِ عنهُ، وبذلِ الغالِي والنفيسِ حتَّى تظلَّ رايتُهُ عاليةً خفاقةً، وقد بشرَّ نبيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَن يحرسُ وطنَهُ، ويجودُ بنفسِهِ فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: «عَيْنَانِ لَا تَمَسُّهُمَا النَّارُ: عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ، وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» (سننُ الترمذي) .
العنصر الرابع من خطبة الجمعة القادمة :
(4) الوحدةُ والاجتماعُ وعدمُ التفرقِ، وعدمُ الالتفات إلى الدعاوى الهدامةِ، والإشاعاتِ المغرضةِ: إنَّ المجتمعَ المتفرقَ لن يستطيعَ أنْ يدافعَ عن دينِهِ وعرضِهِ ووطنِهِ، وقد ذمَّ اللهُ التفرقَ في كتابهِ العزيزِ فقالَ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّما أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ﴾، ولذا يحسدُنَا اليهودُ على القبلةِ فعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ:«إِنَّهُمْ لَا يَحْسُدُونَا عَلَى شَيْءٍ كَمَا يَحْسُدُونَا عَلَى يَوْمِ الْجُمُعَةِ الَّتِي هَدَانَا اللَّهُ لَهَا وَضَلُّوا عَنْهَا، وَعَلَى الْقِبْلَةِ الَّتِي هَدَانَا اللَّهُ لَهَا وَضَلُّوا عَنْهَا، وَعَلَى قَوْلِنَا خَلْفَ الْإِمَامِ: آمِينَ» (مسند أحمد) .
إنَّ إشاعةَ القلاقلِ والأخبارِ الكاذبةِ إحدَى أدواتِ الحربِ النفسيةِ التي يستخدمُهَا خصومُنَا في كلِّ زمانٍ ومكانٍ لتحقيقِ أهدافٍ مختلفةٍ سواء في أوقاتِ السلمِ أو الحربِ، لكنَّ المسلمَ اليقظَ الفطنَ اللبيبَ يقفُ من تلكَ الشائعاتِ إحدى الحسنيينَ: أحدها: موقفُ المتجاهلُ الذي لا يعبأُ بما يقولُه أو ينشرُه أهلُ الشرِّ والمرجفونَ، ولذا حكمَ اللهُ على هؤلاءِ بالطردِ من رحمتِه إن لم ينتهُوا فقال: ﴿لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلاَّ قَلِيلاً * مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً * سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً﴾.
ولله در الإمام الشافعي حيث قال:
إِذا نَطَقَ السَفيهُ فَلا تَجِبهُ … فَخَيرٌ مِن إِجابَتِهِ السُكوتُ
فَإِنْ كَلَّمتَهُ فَرَّجتَ عَنهُ … وَإِن خَلَّيتَهُ كَمَدًا يَموتُ
ثانيها: موقفُ المتثبتُ الناقدُ لما يسمعُ ويُبثُّ ويذاعُ مِن الأخبارِ والأراجيفِ حسبمَا قالَ ربُّنَا: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى مَا فَعَلْتُمْ نادِمِينَ﴾، ولا شكَّ أنَّ
الاتصافَ بهذا الأدبِ فيهِ صيانةٌ للمجتمعاتِ مِمّا يخلخلُ رابطتَهَا، ويوهِنُ مِن صلاتِهَا، ويُضعِفُ مِن متانةِ ووحدةِ صفِّهَا، فاللهُ إذا أرادَ بعبدٍ خيراً وفقَهُ لمواصلةِ العملِ والبناءِ والتنميةِ فلا يلتفتُ لما يقالُ هنا وهناك، أمّا مَن أرادَ خذلانَهُ فيشغِلُهُ بالجدلِ والمخاصمةِ يقول مَعْرُوفٌ الْكَرْخِي: «إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَرَادَ بِعَبْدٍ خَيْرًا فَتَحَ لَهُ بَابَ عَمَلٍ, وَأَغْلَقَ عَنْهُ بَابَ الْجَدَلِ, وَإِذَا أَرَادَ بِعَبْدٍ شَرًّا فَتَحَ عَلَيْهِ بَابَ الْجَدَلِ, وَأَغْلَقَ عَنْهُ بَابَ الْعَمَلِ» (شعب الإيمان)، كما أنَّ التعقُّلَ والتثبتَ في الأمرِ، وعدمَ التعجلِ في الحكمِ على الأشياءِ مِن صفاتِ أهلِ الإيمانِ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَشَجِّ عَبْدِ الْقَيْسِ: «إِنَّ فِيكَ لَخَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللهُ: الْحِلْمُ وَالْأَنَاةُ» . (مسلم) .
العنصر الخامس من خطبة الجمعة القادمة :
(5) نشرُ القيمِ الأخلاقيةِ والإنسانيةِ في نفوسِ النشءِ: إنَّ الأخلاقَ الحميدةَ قد كانتْ مغروسةً في نفوسِ الصحابةِ قولاً وعملاً، سلوكاً وطبعاً، فحُقَّ لهم أنْ يكونَ خيرَ جيلٍ على الإطلاقِ، وبهذه القيمِ سادوا الأُممَ، وأصلحوا الحياةَ، ونشروا الإسلامَ في ربوعِ المعمورَة، فلم يحفَلْ تاريخٌ بِخِيرَةٍ وعظماء زكَّى الله نفوسَهم، وطهَّر قلوبَهم مثلَما حفَل به تاريخُنا، فلِمَ تعمى الأبصارُ عنهم؟! ، وهذه القيمُ تستمدُّ أول ما تستمدُّ من الأسرةِ التي تتشكَّل بها النواةُ الأولى لسلوكياتِ الأطفالِ، فالمزرعَة الأولى لبناءِ القيمِ أسرةٌ يقودُها أبوانٌ صالحان، يتعلَّمُ الولدُ في البيتِ القيَم ويمتثِلُهَا، يمارسُ الفضيلةَ، وينأَى بنفسِه عن الرذيلةِ، ويؤكدُ علماءُ الاجتماع أن الطفلَ تتشكلُ قِيَمُه وأخلاقُه بنسبةِ 80% داخلَ الأسرةِ، وصدقَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حيث قَالَ: «أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ» (متفق عليه)، ثم تبدأُ المدرسةُ بتعزيزِ هذه القيمِ وتشكيلِهَا مِن خلالِ التحصيلِ العلمِي، وعن طريقِ الأصدقاءِ داخلِ المؤسسةِ التعليميةِ، وتشاركُ أيضاً وسائلُ الاعلامِ في تنميةِ هذه القيمِ وتقويتِها، نحن نملكُ مِن الفضائلِ والقيمِ ما لو أحسنَّا عرضِهَا وتطبيقِها في حياتِنَا لكان لنا السمو والرِّيادةُ، فالقيمُ هي التي تدفعُ المسلمَ – رغم قلةِ ذات اليدِّ – إلى إغاثةِ الملهوفِ، وإعطاءِ المحرومِ، وتجعلُ الإنسانَ يمتنعُ عن قبولِ الرشوةِ، وأكلِ الحرامِ، وتجعلُ المرأةَ تحفظُ نفسَها ومالَ زوجِها وولدِها رغمَ تقلبِ الفتنِ، وتعاقبِ المغرياتِ، أما إذا غلبَت النزعةُ الماديةُ، وتجاهلَت الأفرادَ والمجتمعاتَ القيمَ الإيمانيةَ، والأعرافَ والتقاليدَ المجتمعيةَ، فهذا بلا شكَّ يُحَوِّلُ حياتَهُم إلى حالةٍ مِن الفوضَى والعبثِ، ويقتلُ فيهم روحَ المسؤوليةِ والفضيلةِ، وقد حفلَ القرآنُ الكريمُ بذكرِ نماذجَ لا تُحصَى لهذه الحضاراتِ التي لم يُكتَبْ لها البقاءُ طويلًا رغمَ ما كانتْ تمتلكهُ مِن وسائلَ ماديةٍ، ومقوماتٍ طبيعيةٍ، لكنَّها جعلتْ القيمَ والمبادئ خلفَ ظهرِهَا، فكان عقابُهَا الاندثارَ والخسرانَ والبوارَ، وصدقَ اللهُ حيثُ قالَ: ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثاراً فِي الْأَرْضِ فَما أَغْنى عَنْهُمْ مَا كانُوا يَكْسِبُونَ * فَلَمَّا جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ﴾، وصدقَ أحمدُ شوقي:
إنَّما الأممُ الأخلاقُ ما بقيتْ … فإنْ همُ ذهبتْ أخلاقُهُم ذهبُوا
العنصر السادس من خطبة الجمعة القادمة :
(6) احترامُ سيادةِ القوانينِ، والمحافظةُ على مقدراتِ الوطنِ: أوجبَ الإسلامُ احترامَ القانونِ المتمثلِ في طاعةِ وليِّ الأمرِ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللهَ، وَمَنْ أَطَاعَ أَمِيرِي فَقَدْ أَطَاعَنِي، وَمَنْ عَصَى أَمِيرِي فَقَدْ عَصَانِي» (متفق عليه)؛ لأنَّه عندما يسودُ القانونُ في بلدٍ مِن البلادِ يطمئنُ أهلُهَا، ويهدأُ بالُهُم، ويشعرُ كلُّ فردٍ في المجتمعِ بأنَّه في مأمنٍ مِن أيِّ متجاوزٍ يتطاولُ على مالِهِ أو حياتِهِ أو عيالِهِ، وليس مِن الغريبِ أنْ نجدَ أنَّ المجتمعاتِ والدولَ التي يسودُ فيها القانونُ ينتشرُ فيها الأمنُ والاستقرارُ، فالبشرُ بلا قانونٍ أشبهُ بالحيواناتِ التي تعيشُ بالغاباتِ، بل أضلُّ سبيلاً؛ إذ الحيواناتُ قد يحكمُهَا بعضُ القوانين فيما بينها، لذا قال سيدُنَا عثمانُ بنُ عفان رضي اللهُ عنه: «إنَّ اللهَ ليزعْ بالسلطانِ ما لايزعْ بالقرآنِ»، وقد شرعَ اللهُ العقوباتِ المختلفةَ في الإسلامِ كي يزجرَ ويرتدعَ الإنسانُ عن أنْ يؤذِي أخاهُ الإنسانَ، ولذا وجهنَا نبيُّنَا ﷺ إلى وجوبِ ذكرِ الْفَاجِرِ بِمَا فِيهِ للتحذيرِ مِنْهُ حتى يعيشَ الناسُ آمنينَ مطمئنينَ في أوطانِهِم قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «أَتَرْعَوْنَ عَن ذكرِ الْفَاجِر حَتَّى يعرفهُ النَّاسُ اذكروه بِمَا فِيهِ يحذرهُ النَّاسّ» . (الطبراني في الكبير) .
لقد أوجبَ الإسلامُ ضرورةَ المحافظةِ على مقدراتِ الوطنِ التي هي ملكٌ للجميعٍ، ومنفعتُهَا للعامةِ، وإذا كان مَن يأخذُ شيئًا ليس مِن حقِّهِ، أو يتلفُ أمرًا ما، أو يؤذِي شخصًا ما، فإنَّ فاعلَهُ سيكونُ خصيمًا له يومَ القيامةِ، فمَا بالُنَا بمَن يضرُّ بمقدراتِ الوطنِ، أو يسعَى لتخريبِهَا لا شكَّ أنَّ الذنبَ أعظمُ، والحرمةَ أشدُّ وآكدُّ، والجميعَ خصماءُ لهُ فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «أَتَدْرُونَ مَنِ الْمُفْلِسُ، قَالُوا : الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لاَ دِرْهَمَ لَهُ وَلاَ مَتَاعَ، فَقَالَ: إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِى يَأْتِى يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاَةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِى قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِى النَّارِ» . (رواه مسلم) .
لقد سخّرَ اللهُ – عزَّ وجلَّ – للإنسانِ جميعَ ما في الكونِ قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً﴾، ولذا حرَّمُ عليهِ الإفسادَ فيها بأيِّ وسيلةٍ أو بأيِّ طريقةٍ، ولا أدلَّ على ذلك مِن أنَّ مادةَ «فَسَدَ» بجميعِ مشتقاتِهَا قد وردتْ في القرآنِ الكريمِ «خمسينَ مرةً»، وأخيرًا: نقولُ لهؤلاءِ الذين يدَّعونَ حبَّ الوطنِ، ويتغنونَ بالوطنيةِ، ولا نجدُ في أقوالِهِم وأعمالِهِم سوى الخيانةِ الرخيصةِ، والعمالةِ المقيتةِ البغيضةِ لأعدائِهِ، وتأجيجِ الفتنِ بين أبنائِهِ، والتشكيكِ فيما تُقيمُهُ بلدُنَا وتشهدُهُ مِن تنميةٍ وازدهارٍ لا مثيلَ لهُ على الإطلاقِ، أينَ الوفاءُ للأرضِ التي عشتُمْ عليها، وأكلتُمْ من خيراتِهَا، وترعرعتُمْ في ترباهَا، واستظلتُمْ تحتَ سماهَا، وأينَ ردُّ الجميلِ، ومجازاةُ حُسنِ الصنيعِ ﴿هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلاَّ الْإِحْسانُ﴾، فمهمَا حاولَ هؤلاءِ وغيرُهُم ستظلُّ بلدُنَا محفوظةً بعنايةِ الإلهِ، فمصرُنَا ذُكِرَتْ في كتابِ ربِّنَا عشراتِ المراتِ تصريحًا وتلميحًا وتعريضًا، واقترنَ اسمُهَا بالأمانِ ﴿ادْخُلُوا مِصْرَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ﴾، وشَهِدَ بعلُوِ قدرِهَا نبيُّ السلمِ والسلامِ ﷺ حيثُ قالَ: «إذَا فتحَ اللهُ عليكُم مصرَ بعدِي، فاتخِذُوا فيها جندًا كثيفًا؛ فذلك الجندُ خيرُ أجنادِ الأرضِ، فقال له أبو بكرٍ: ولم ذلك يا رسولَ اللهِ ؟ قال: إنَّهُم في رباطٍ إلى يومِ القيامةِ» (كنز العمال)، وقال الحافظُ السيوطيُّ: «فى بعضِ الكتبِ الإلهيةِ مصرُ خزائنُ الأرضِ كلِّهَا، فمَن أرادَهَا بسوءٍ قصمَهُ اللهُ »، ويصدقُ ذلك قولُهُ تعالى على لسانِ يوسفَ عليه السلامُ: ﴿قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ﴾، فتنبَّهْ وأعلمْ
نسألُ اللهَ أنْ يرزقنَا حسنَ العملِ، وفضلَ القبولِ، إنَّه أكرمُ مسؤولٍ، وأعظمُ مأمولٍ، وأنْ يجعلَ بلدَنَا مِصْرَ سخاءً رخاءً، أمنًا أمانًا، سلمًا سلامًا وسائرَ بلادِ العالمين، ووفقْ ولاةَ أُمورِنَا لِمَا فيهِ نفعُ البلادِ والعبادِ.
كتبه: د / محروس رمضان حفظي عبد العال
عضو هيئة التدريس بجامعة الأزهر
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
وللإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
وللمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف