خطبة الجمعة القادمة 5 يوليو : الهجرة النبوية المشرفة وحديث القرآن الكريم عن المهاجرين والأنصار ، للدكتور محروس حفظي
خطبة الجمعة القادمة
خطبة الجمعة القادمة 5 يوليو 2024 م بعنوان : الهجرة النبوية المشرفة وحديث القرآن الكريم عن المهاجرين والأنصار ، للدكتور محروس حفظي ، بتاريخ 29 ذو الحجة 1445هـ ، الموافق 5 يوليو 2024م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 5 يوليو 2024 م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : الهجرة النبوية المشرفة وحديث القرآن الكريم عن المهاجرين والأنصار .
ولتحميل خطبة الجمعة القادمة 5 يوليو 2024 م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : الهجرة النبوية المشرفة وحديث القرآن الكريم عن المهاجرين والأنصار ، بصيغة word أضغط هنا.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 5 يوليو 2024 م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : الهجرة النبوية المشرفة وحديث القرآن الكريم عن المهاجرين والأنصار ، بصيغة pdf أضغط هنا.
___________________________________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف
عناصر خطبة الجمعة القادمة 5 يوليو 2024 م بعنوان : الهجرة النبوية المشرفة وحديث القرآن الكريم عن المهاجرين والأنصار ، للدكتور محروس حفظي :
(1) فضلُ المهاجرينَ والأنصارِ في القرآنِ الكريمِ والسنةِ المُطهرةِ.
(2) حُبُّ الأنصارِ للمهاجرينَ رضي اللهُ عنهم أجمعين.
(3) أينَ نحنُ مِن المهاجرينَ والأنصارِ؟!
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 5 يوليو 2024 م بعنوان : الهجرة النبوية المشرفة وحديث القرآن الكريم عن المهاجرين والأنصار ، للدكتور محروس حفظي : كما يلي:
«الهجرة النبوية المشرفة وحديث القرآن الكريم عن المهاجرين والأنصار»
بتاريخ 29 ذو الحجة 1445 هـ = الموافق 5 يوليو 2024 م
الحمدُ للهِ حمداً يُوافِي نعمَهُ، ويُكافِىءُ مزيدَهُ، لك الحمدُ كما ينبغِي لجلالِ وجهِكَ، ولعظيمِ سلطانِكَ، والصلاةُ والسلامُ الأتمانِ الأكملانِ على سيدِنَا مُحمدٍ ﷺ، أمَّا بعدُ ،،،
العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة 5 يوليو
(1) فضلُ المهاجرينَ والأنصارِ في القرآنِ الكريمِ والسنةِ المُطهرةِ:
إنَّ الهجرةَ النبويةَ ما كانتْ لتؤتِي أكلَهَا لولَا مواقفُ الأنصارِ، وإنَّ دعوةَ الإسلامِ ما كانتْ لتعلُو لولَا رايةُ الأنصارِ، وقد سمَّاهُم بذلكَ ربُّنَا – عزَّ وجلَّ- مِن فوقِ سبعِ سمواتٍ، فعن غَيْلاَنَ بْنِ جَرِيرٍ، قَالَ: قُلْتُ لِأَنَسٍ: أَرَأَيْتَ اسْمَ الأَنْصَارِ، كُنْتُمْ تُسَمَّوْنَ بِهِ، أَمْ سَمَّاكُمُ اللَّهُ؟ قَالَ: «بَلْ سَمَّانَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ»، كُنَّا نَدْخُلُ عَلَى أَنَسٍ، فَيُحَدِّثُنَا بِمَنَاقِبِ الأَنْصَارِ، وَمَشَاهِدِهِمْ، وَيُقْبِلُ عَلَيَّ، أَوْ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الأَزْدِ، فَيَقُولُ: «فَعَلَ قَوْمُكَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا كَذَا وَكَذَا» (البخاري) .
لقد بدأتْ رحلةُ الأنصارِ في نُصرةِ دينِ اللهِ هناكَ في مكةَ منذُ بيعةِ العقبةِ الأولَى والثانيةِ، فقد التقَى بهِم رسولُ اللهِ ﷺ في مواسمِ الحجِّ فدعاهُم إلى الإسلامِ ثُمَّ خاطبَهُم قائلاً لهم: “أبايعكُم على أنْ تمنعونِي مِمّا تمنعونَ منهُ نساءَكُم وأبناءَكُم”، فبماذَا ردَّ عليهِ الأنصارُ؟! قالوا له: “أخذَ البراءُ بنُ معرورٍ بيدِدِه، ثُمّ قال: نعم، والذي بعثَكَ بالحقِّ نبيًّا، لنمنعنَّكَ مِمّا نمنعُ منهُ أزرنَا، فبايعنَا يا رسولَ اللهِ، فنحن واللهِ أبناءُ الحروبِ، وأهلُ الحَلَقةِ، ورثناهَا كابراً عن كابرٍ” (ابن هشام)، كلماتُ لا تصدرُ إلّا مِن رجالٍ صادقين، راغبينَ في نصرةِ الحقِّ، لقد وفَّى الأنصارُ بعهدهِم وكانوا أنصاراً حقًّا للهِ ولدينِهِ ولرسولِهِ ﷺ، وما زالتْ كلماتُ الأنصارِ تبيضُ الصحائفَ، وتتردُ على الألسنةِ وذلك حينما استشارَهُم النبيُّ ﷺ في غزوةِ بدرٍ فقالَ: «أَشِيرُوا عَلَيَّ أَيُّهَا النَّاسُ»- وَإِنَّمَا يُرِيدُ الْأَنْصَارَ- فقال سعدُ بنُ معاذٍ الأنصارِي: «فَوَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ إِنِ اسْتَعْرَضْتَ بِنَا هَذَا الْبَحْرَ فَخُضْتَهُ لَخُضْنَاهُ مَعَكَ مَا تَخَلَّفَ مِنَّا رَجُلٌ وَاحِدٌ، وَمَا نَكْرَهُ أَنْ يَلْقَانَا عَدُوُّنَا غَدًا، إِنَّا لَصُبُرٌ عِنْدَ الْحَرْبِ، صُدُقٌ عِنْدَ اللِّقَاءِ، لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُرِيَكَ مِنَّا مَا تَقَرُّ بِهِ عَيْنُكَ، فَسِرْ بِنَا عَلَى بَرَكَةِ اللَّهِ» (الروض الأنف)، ولمَّا هاجرَ ﷺ وأصحابُهُ إلى المدينةِ استقبلَهُم الأنصارُ خيرَ استقبالٍ وأطيبَهُ، وآووهُم أحسنَ إيواءٍ وأجملَهُ، لم يكنْ استقبالُهُم لهُم بالشعاراتِ البراقةِ، ولا الهتافاتِ المزيفةِ، ولا اللافتاتِ المزورةِ ولا بالأشعارِ المصطنعةِ بل كان استقبالَ الرجالِ الأوفياءِ، استقبالَ المؤمنينَ الأجلاءِ، ﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ﴾، كلُّ ذلك فعلُوه ابتغاءَ رضوانِ اللهِ لا لأجلِ دُنيا فانيةٍ ولا مصالحَ زائلةٍ فحقَّ فيهِم قولُهُ ﷺ: «الأَنْصَارُ لاَ يُحِبُّهُمْ إِلَّا مُؤْمِنٌ، وَلاَ يُبْغِضُهُمْ إِلَّا مُنَافِقٌ، فَمَنْ أَحَبَّهُمْ أَحَبَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ أَبْغَضَهُ اللَّهُ» (البخاري) .
أمَّا المهاجرونَ فقد أسلمُوا قبلَ فتحِ مكةَ، وهاجرُوا مع الرسولِ ﷺ، وتركُوا أرضَهُم وديارَهُم وأموالَهُم وأهلَهُم رغبةً فيمَا عندَ اللهِ تعالى، ﴿لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ﴾، فهذه شهادةُ حقٍّ بطهارةِ قلوبِهِم، وأنّهُم ما خرجُوا طمعاً في دنيا ولا جاهٍ أو سلطانٍ، وإنّمَا نصرةً لدينِ اللهِ ورسولِهِ ﷺ ﴿الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ﴾ وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَجِيءُ مِنْ بَعْدِهِمْ قَوْمٌ تَسْبِقُ شَهَادَتُهُمْ أَيْمَانَهُمْ، وَأَيْمَانُهُمْ شَهَادَتَهُمْ» (البخاري)، وعن أَنَسٍ قال: “كَانَتِ الأَنْصَارُ يَوْمَ الخَنْدَقِ تَقُولُ:
نَحْنُ الَّذِينَ بَايَعُوا مُحَمَّدَا … عَلَى الجِهَادِ مَا حَيِينَا أَبَدَا
فَأَجَابَهُمُ النَّبِيُّ ﷺ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ لاَ عَيْشَ إِلَّا عَيْشُ الآخِرَهْ … فَأَكْرِمِ الأَنْصَارَ وَالمُهَاجِرَهْ» (مسلم)، وفي روايةٍ: «فَاغْفِرْ لِلْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ»، وفي أُخرى: «فَأَصْلِحِ الأَنْصَارَ وَالمُهَاجِرَهْ» (البخاري) .
لقد اختارَ اللهُ تعالَى لنبيِّهِ ﷺ نماذجَ فريدةً مِن المهاجرينَ والأنصارِ قلّمَا يجودُ الزمانُ بمثلِهِم، حملُوا عبءَ الرسالةِ المحمديةِ، ووهبُوا حياتَهُم فداءً لهَا، وأخلصُوا النيةَ والعزمَ، فاستحقُّوا طيبَ الذكرِ وحسنَ الثناءِ، وقد خلَّدَ القرآنُ الكريمُ ذكرَهُم فقالَ سبحانَهُ: ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾، كما أثنَى عليهِم وشهدَ لهُم بأنّهُم هم المؤمنونَ حقَّ الإيمانِ وأكملَهُ فقالَ تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾، يقولُ الفخرُ الرازي: (أثنَى اللهَ على المهاجرينَ والأنصارِ مِن ثلاثةِ أوجهٍ: أولُهَا: قولُهُ: ﴿أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا﴾ فإنَّ هذه الجملةَ تفيدُ المبالغةَ في مدحِهِم، حيثُ وصفَهُم بكونِهِم محقينَ في طريقِ الدينِ، وقد كانُوا كذلك، لأنَّ مَن لم يكنْ مُحقًّا في دينِهِ لم يتحملْ تركَ الأديانِ السالفةِ، ولم يفارقْ الأهلَ والوطنَ، ولم يبذلْ النفسَ والمالَ، وثانيهَا: قولُهُ: ﴿لَهُمْ مَغْفِرَةٌ﴾ والتنكيرُ يدلُ على الكمالِ، أى: مغفرةٌ تامةٌ كاملةٌ، وثالثُهَا: قولُهُ: ﴿وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ والمرادُ منه الثوابُ الرفيعُ، والحاصلُ: أنّهُ- سبحانَهُ- شرحَ أحوالَهُم في الدنيا والآخرةِ، أمّا في الدنيا فقد وصفَهُم بقولِهِ: ﴿أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا﴾، وأمَّا في الآخرةِ فالمقصودُ إمَّا دفعُ العقابِ، وإمّا جلبُ الثوابِ، أمّا دفعُ العقابِ فهو المرادُ بقولِهِ ﴿لَهُمْ مَغْفِرَةٌ﴾، وأمّا جلبُ الثوابِ فهو المرادُ بقولِهِ: ﴿وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾) أ.ه . (مفاتيح الغيب) .
العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة 5 يوليو : حديث القرآن الكريم عن المهاجرين والأنصار
(2) حُبُّ الأنصارِ للمهاجرينَ رضي اللهُ عنهُم أجمعين:
الحُبُّ في اللهِ، والبغضُ فيهِ أوثقُ عُرَى الإيمانِ، وهي الصفةُ الأساسيةُ التي قامَ عليهَا المجتمعُ المسلمُ الأولُ، وبها يجدُ الإنسانُ حلاوةَ الإيمانِ، فعَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: “ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ: مَنْ كَانَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ بَعْدَ أَنْ أَنْقَذَهُ اللهُ مِنْهُ، كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ” (مسلم)، وقد ظهرَ ذلك جلياً حينمَا آخَى النبيُّ ﷺ بينَ المهاجرينَ الجددِ وبينَ الأنصارِ– أهلِ البلدِ – حيثُ «آخَى بَيْنَ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ، وَبَيْنَ أَبِي طَلْحَةَ» (مسلم)، و «آخَى بينَ المقدادِ وجبرِ بنِ عتيكٍ» (الحاكم)، و«آخَى بَيْنَ سَلْمَانَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَآخَى بَيْنَ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ وَبَيْنَ صَعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ» (أبو يعلى)، و«آخَى بينَ الزبيرِ، وبينَ كعبِ بنِ مالكٍ» (ابن أبي شيبة)، و«آخَى بينَ حمزةَ، وزيدٍ» (ابن أبي شيبة)، وقد ضربَ المهاجرونَ أروعَ الأمثلةِ في التعففِ عمَّا في أيدِي الأنصارِ، وآثرُوا العملَ والمثابرةَ، فعن حميدٍ قال: “قدمَ علينَا عبدُ الرحمنِ بنُ عوفٍ، فإذا النبيُّ ﷺ آخَى بينَهُ وبينَ سعدِ بنِ الربيع، فقالَ لهُ سعدُ: إنِّي مِن أكثرِ الأنصارِ مالًا فأقاسمُكَ مالِي نصفين، ولي امرأتانِ فأطلقُ إحداهُمَا، فإذا انقضتْ عدتُهَا فتزوجهَا، قال: باركَ اللهُ لكَ في أهلِكِ ومالِكَ، دلونِي على السوقِ، فمَا رجعَ يومَهُ مِن السوقِ حتى استفضلَ ربحاً مِن أقطٍ وسمنٍ، فجاءَ بهِ إلى المنزلِ” (النسائي) .
مِن هنَا ندركُ أنَّ المؤاخاةَ بينَ المهاجرينَ والأنصارِ كانتْ أعظمَ سبيلٍ لحلِّ المعضلاتِ الاجتماعيةِ والاقتصاديةِ التي أخذتْ تواجهُ المهاجرينَ بعدَ وصولِهِم المدينة، حتى عُدتْ المؤاخاةُ تجربةً رائدةً في تاريخِ العدلِ الاجتماعِي؛ إذ ضربَ ﷺ فيها مثلاً على مرونةِ الاسلامِ وانفتاحِهِ في الظرفِ المناسبِ على أشدِّ أشكالِ العلاقاتِ الاجتماعيةِ مساواةً وعدلاً بل إنّهَا لم يقفْ أمرُهَا عندَ حدِّ المؤاخاةِ فحسب بل أصبحُوا بهَا يتوارثونَ كما يتوارثُ الأبناءُ مِن آبائِهِم حتي نزلَ قولُ اللهِ: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ﴾، فهي أذابتْ عصبياتِ الجاهليةِ، وأسقطتْ فوارقَ النسبِ واللونِ، فلا يتأخرُ أحدٌ ولا يتقدمٌ أحدٌ إلّا بمروءتِهِ وتقواه .
إنَّ الأنصارَ كانُوا على درجةٍ عاليةٍ مِن الإيثارِ فلم يبخلُوا على المهاجرينَ بمَا يملكونَهُ وقد مدحَهُم اللهُ على هذا فقال: ﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾، وانظرْ في هذا الأنموذجِ الذي قلّمَا يجودُ الزمانُ بمثلِهِ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ ﷺ فَبَعَثَ إِلَى نِسَائِهِ، فَقُلْنَ: مَا مَعَنَا إِلَّا الْمَاءُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «مَنْ يَضُمُّ – أَوْ يُضِيفُ – هَذَا؟» فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ: أَنَا، فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى امْرَأَتِهِ فَقَالَ: أَكْرِمِي ضَيْفَ رَسُولِ اللَّهِ، فَقَالَتْ: مَا عِنْدَنَا إِلَّا قُوتٌ لِلصِّبْيَانِ، فَقَالَ: هَيِّئِي طَعَامَكِ، وَأَصْلِحِي سِرَاجَكِ، وَنَوِّمِي صِبْيَانَكِ إِذَا أَرَادُوا عَشَاءً، فَهَيَّأَتْ طَعَامَهَا، وَأَصْلَحَتْ سِرَاجَهَا، وَنَوَّمَتْ صِبْيَانَهَا، ثُمَّ قَامَتْ كَأَنَّهَا تُصْلِحُ سِرَاجَهَا فَأَطْفَأَتْهُ، وَجَعَلَا يُرِيَانِهِ أَنَّهُمَا يَأْكُلَانِ، وَبَاتَا طَاوِيَيْنِ، فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ فَقَالَ: لَقَدْ ضَحِكَ اللَّهُ – أَوْ: عَجِبَ – مِنْ فَعَالِكُمَا، فأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ﴾» (البخاري) .
لا شكَّ أنَّ الحبَّ في اللهِ يخففُ أعباءَ وآلامَ المتاعبِ التي يتعرضُ لهَا المسلمُ حين يكونُ وحيداً، فإذا وجدَ مَن يحبُّهُ في اللهِ هانَ عليهِ الأمرُ، وسهلَ عليهِ أنْ يثبتَ على الدينِ، ولذلك لا بّدَّ أنْ تتقوّى العلاقاتُ فيمَا بيننَا، وأنْ نصدقَ في تحصيلِ صفةِ الحبِّ في اللهِ، وذلك بأنْ نستحضرَ الأعمالَ الصالحةَ التي مِن أجلِهَا نحققُ هذه المحبةَ، وأنْ نتحابَّ في اللهِ حتى نذوقَ حلاوةَ الإيمانِ التي تخففُ عنّا مرارةَ وآلامَ المخاضِ؛ إذ الحياةُ إذا لم يكنْ فيهَا مَن تحبُّهُ ويحبُّكَ فلا قيمة لهَا، البعضُ يُؤدِّي الصلاةَ ويفعلُ العباداتِ لكنّهُ يضمرُ الحقدَ والكراهيةَ لأخيهِ الإنسان، ويظنُّ أنَّهُ قد حازَ القنطرةَ، وليعلمْ هؤلاء أنَّهُم كمَا قالَ ربُّنَا: ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا﴾، فعدمُ محبةِ الخيرِ لأخيكَ قد تكونُ سبباً في نزولِ النقمِ عليكَ، وتأخرِكَ عن ركبِ النجاحِ والفلاحِ؛ ولذا نفَى عنهُ الرسولُ ﷺ كمالَ الإيمانِ، فعَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» (البخاري)، فأينَ شفقتُكَ على أخيكَ الإنسان؟! وأينَ رحمتُكَ بهِ؟! عن أَنَسٍ قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ:«يَطْلُعُ عَلَيْكُمُ الْآنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ» فَطَلَعَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، تَنْطِفُ لِحْيَتُهُ مِنْ وُضُوئِهِ، قَدْ تَعَلَّقَ نَعْلَيْهِ فِي يَدِهِ الشِّمَالِ، فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ قَالَ ﷺ مِثْلَ ذَلِكَ – كرره ثلاثاً-، فَلَمَّا قَامَ ﷺ تَبِعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو..، ولما رأى قلة عبادته قال له: “فَلَمْ أَرَكَ تَعْمَلُ كَثِيرَ عَمَلٍ، فَمَا الَّذِي بَلَغَ بِكَ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ” فَقَالَ: مَا هُوَ إِلَّا مَا رَأَيْتَ، قَالَ: فَلَمَّا وَلَّيْتُ دَعَانِي، فَقَالَ: مَا هُوَ إِلَّا مَا رَأَيْتَ غَيْرَ أَنِّي لَا أَجِدُ فِي نَفْسِي لِأَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ غِشًّا، وَلَا أَحْسُدُ أَحَدًا عَلَى خَيْرٍ أَعْطَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: هَذِهِ الَّتِي بَلَغَتْ بِكَ، وَهِيَ الَّتِي لَا نُطِيقُ» (أحمد) .
العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة 5 يوليو : حديث القرآن الكريم عن المهاجرين والأنصار
(3) أينَ نحنُ مِن المهاجرينَ والأنصارِ؟!:
ما أحوجَنَا إلى إحياءِ القدوةِ الحسنةِ، ودراسةِ سيرةِ هؤلاءِ الأفذاذِ؛ ليستفيدَ منهَا الرجالُ والنساءُ والأولادُ في ظلِّ عالَمٍ يموجُ بالفتنِ ما ظهرَ وما بطنَ، فهُم رضي اللهُ عنهم خيرُ جيلٍ على الإطلاقِ الذين قالَ فيهِم ربُّنَا: ﴿أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ وقال عَبْد اللَّهِ بْن مَسْعُودٍ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ، فَوَجَدَ قَلْبَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ، فَاصْطَفَاهُ لِنَفْسِهِ، فَابْتَعَثَهُ بِرِسَالَتِهِ، ثُمَّ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ بَعْدَ قَلْبِ مُحَمَّدٍ، فَوَجَدَ قُلُوبَ أَصْحَابِهِ خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ، فَجَعَلَهُمْ وُزَرَاءَ نَبِيِّهِ، يُقَاتِلُونَ عَلَى دِينِهِ، فَمَا رَأَى الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا، فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ، وَمَا رَأَوْا سَيِّئًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ سَيِّئٌ» (أحمد) .
لقد وجَّهَ اللهُ – عزَّ وجلَّ- المؤمنينَ إلى وجوبِ التشبّهِ بالصالحينَ الصادقينَ مِن عبادِهِ فقالَ سبحانَهُ: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصارَ اللَّهِ﴾، وللهِ درُّ القائلِ:
وتشبهُوا إنْ لم تكونُوا مثلَهُم … إنَّ التشبّهَ بالرجالِ فلاحُ
فلنحذرْ كلَّ الحذرِ مِن الخوضِ أو الطعنِ في أحدٍ مِن المهاجرينَ أو الأنصارِ، فالصحابةُ كلُّهُم عدولٌ؛ فهُم حملةُ الشريعةِ، وحماةُ الدينِ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ:«لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي، لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ، وَلَا نَصِيفَهُ» (مسلم)، ونحن مأمورنَ بأنْ نحسنَ الظنَّ بهم، وندفعَ عنهُم التهمَ والشبهاتِ، فاعرفُوا لهُم فضلَهُم، واتبعوهُم في أثرِهِم، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «اللَّهَ اللَّهَ فِي أَصْحَابِي، لَا تَتَّخِذُوهُمْ غَرَضًا بَعْدِي، فَمَنْ أَحَبَّهُمْ فَبِحُبِّي أَحَبَّهُمْ، وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ فَبِبُغْضِي أَبْغَضَهُمْ، وَمَنْ آذَاهُمْ فَقَدْ آذَانِي، وَمَنْ آذَانِي فَقَدْ آذَى اللَّهَ، وَمَنْ آذَى اللَّهَ فَيُوشِكُ أَنْ يَأْخُذَهُ» (الترمذي وأحمد) .
نسألُ اللهَ أنْ يرزقنَا حسنَ العملِ، وفضلَ القبولِ، إنَّه أكرمُ مسؤولٍ، وأعظمُ مأمولٍ، وأنْ يجعلَ بلدنَا مِصْرَ سخاءً رخاءً، أمناً أماناً، سلماً سلاماً وسائرَ بلادِ العالمين، ووفقْ ولاةَ أُمورِنَا لِمَا فيهِ نفعُ البلادِ والعبادِ.
كتبه: الفقير إلى عفو ربه الحنان المنان
د / محروس رمضان حفظي عبد العال
مدرس التفسير وعلوم القرآن – كلية أصول الدين والدعوة – أسيوط
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
وللإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
وللمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف