خطبة الجمعة القادمة 29 يوليو 2022م : شهادة الزمان والمكان والجوارح على الخلق ، للدكتور محروس حفظي
خطبة الجمعة القادمة
خطبة الجمعة القادمة 29 يوليو 2022م : شهادة الزمان والمكان والجوارح على الخلق ، للدكتور محروس حفظي ، بتاريخ: 30 ذو الحجة 1443هـ – الموافق 29 يوليو 2022م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 29 يوليو 2022م ، للدكتور محروس حفظي : شهادة الزمان والمكان والجوارح على الخلق.
ولتحميل خطبة الجمعة القادمة 29 يوليو 2022م ، للدكتور محروس حفظي : شهادة الزمان والمكان والجوارح على الخلق ، بصيغة word أضغط هنا.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 29 يوليو 2022م ، للدكتور محروس حفظي : شهادة الزمان والمكان والجوارح على الخلق، بصيغة pdf أضغط هنا.
___________________________________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف
عناصر خطبة الجمعة القادمة: شهادة الزمان والمكان والجوارح على الخلق ، للدكتور محروس حفظي :
(1) الحكمةُ مِن شهادةِ الزمانِ والمكانِ والجوارحٍ على الخلقِ.
(2) شهادةُ الزمانِ على بنِي الإنسانِ.
(3) شهادةُ المكانِ على الإنسانِ.
(4) شهادةُ الجوارحِ شهادةٌ حقيقيةٌ.
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة شهادة الزمان والمكان والجوارح على الخلق ، للدكتور محروس حفظي : كما يلي:
العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة
الحكمةُ مِن شهادةِ الزمانِ والمكانِ والجوارحِ على الخلقِ:
عندما يأذنُ اللهُ تعالى بقيامِ الساعةِ، وتضطربُ الأرضُ، وتُطمسُ النجومُ، وتُكورُ الشمسُ، وتُسيرُ الجبالُ، ويختلُ النظامُ كلُّهُ كما قال ربُّنَا: ﴿يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ﴾، عندها يبدأُ الشهودُ يتتابعونَ بعضُهُم وراءَ بعضٍ، ويظهرُ للعبدِ ما لم يكنْ يعهدُهُ مِن قبل، وما لم يكنْ يحسبُ حسابَهُ قال تعالى:﴿وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ * وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ مَا كَسَبُوا وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ﴾، ومِن أعظمِ تلك المشاهدِ وأشدِّهَا وقعًا على الإنسانِ شهادةُ جوارحِهِ عليه، وكذا شهادةُ المكانِ والزمانِ، إذ هذه الجماداتُ كانتْ لا تنطقُ في الدنيا، فلا يخطرُ ببالِ الإنسانِ أنَّها ستشهدُ عليه، والشهودُ في الدنيا على أيِّ قضيةٍ مِن القضايا قد يكذبُون، وقد يبالغُون ويزيدُون، وقد يكونُوا شهودَ زورٍ، وقد يمتنعونَ عن الإدلاءِ بالشهادةِ على وجهِهَا، إمَّا خوفًا، أو طمعًا في مرغبٍ، أمَّا شهودُ الآخرةِ فقد كلفَهُم ربُّهُم – عزَّ وجلَّ- بالشهادةِ، وأمرَهُم بها، فلا يعصونَ خالقَهُم، وينطقُون مِن غيرِ زيادةٍ ولا نقصان، فشهاداتُهُم واضحةٌ، وعباراتُهُم صريحةٌ لا تحتملُ التأويلَ أو النقضَ أو الاستئنافَ.
إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ جعلَ شهادةَ هذه الأشياءِ شهادةَ تقريرٍ وتوبيخٍ لا شهادةَ استفهامٍ واستخبارٍ؛ لأنَّ اللهَ يعلمُ ما كانَ وما يكونُ وما هو كائنٌ لو كانَ كيفَ يكونُ ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ﴾، وقال أيضًا: ﴿وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُها وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلاَّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ﴾، كمَا أنَّ الحفظةَ الكرامَ قد سجّلُوا أعمالَ الخلقِ قال ربُّنَا: ﴿وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ * كِراماً كاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ﴾، لكنَّ الإنسانَ قد ينكرُ قولَهُ أو فعلَهُ بحجةِ النسيانِ، فجعلَ اللهُ هذه الشهودَ خيرَ دليلٍ، وأصدقَ برهانٍ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ وَنَفَخَ فِيهِ الرُّوحَ عَطَسَ، فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، فَحَمِدَ اللَّهَ بِإِذْنِ اللَّهِ، فَقَالَ لَهُ رَبُّهُ: يَرْحَمُكَ رَبُّكَ يَا آدَمُ، اذْهَبْ إِلَى أُولَئِكَ الْمَلَائِكَةِ إِلَى مَلَأٍ مِنْهُمْ جُلُوسٍ، فَسَلِّمْ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، فَقَالُوا: وَعَلَيْكُمُ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى رَبِّهِ، فَقَالَ: هَذِهِ تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ بَنِيكَ بَيْنَهُمْ، وَقَالَ اللَّهُ وَيَدَاهُ مَقْبُوضَتَانِ: اخْتَرْ أَيَّهُمَا شِئْتَ، فَقَالَ: اخْتَرْتُ يَمِينَ رَبِّي وَكِلْتَا يَدَيْ رَبِّي يَمِينٌ مُبَارَكَةٌ، ثُمَّ بَسَطَهُمَا فَإِذَا فِيهِمَا آدَمُ وَذُرِّيَّتُهُ، فَقَالَ: أَيْ رَبِّ مَا هَؤُلَاءِ؟ فَقَالَ: هَؤُلَاءِ ذُرِّيَّتُكَ، فَإِذَا كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ مَكْتُوبٌ عُمْرُهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، فَإِذَا فِيهِمْ رَجُلٌ أَضْوَؤُهُمْ أَوْ مِنْ أَضْوَئِهِمْ لَمْ يَكْتُبْ لَهُ إِلَّا أَرْبَعِينَ سَنَةً، قَالَ: يَا رَبِّ، مَا هَذَا؟ قَالَ: هَذَا ابْنُكَ دَاوُدُ، وَقَدْ كَتَبَ اللَّهُ عُمْرَهُ أَرْبَعِينَ سَنَةً، قَالَ: أَيْ رَبِّ، زِدْهُ فِي عُمْرِهِ، قَالَ: ذَاكَ الَّذِي كَتَبْتُ لَهُ، قَالَ: فَإِنِّي قَدْ جَعَلْتُ لَهُ مِنْ عُمْرِي سِتِّينَ سَنَةً، قَالَ: أَنْتَ وَذَاكَ اسْكُنِ الْجَنَّةَ، فَسَكَنَ الْجَنَّةَ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ أُهْبِطَ مِنْهَا، وَكَانَ آدَمُ يَعُدُّ لِنَفْسِهِ، فَأَتَاهُ مَلَكُ الْمَوْتِ، فَقَالَ لَهُ آدَمُ: قَدْ عَجِلْتَ، قَدْ كُتِبَ لِي أَلْفُ سَنَةٍ، قَالَ: بَلَى، وَلَكِنَّكَ جَعَلْتَ لِابْنِكَ دَاوُدَ مِنْهَا سِتِّينَ سَنَةً، فَجَحَدَ فَجَحَدَتْ ذُرِّيَّتُهُ، وَنَسِيَ فَنَسِيتْ ذُرِّيَّتُهُ، فَيَوْمَئِذٍ أُمِرَ بِالْكِتَابِ وَالشُّهُودِ» (الترمذي وابن حبان) .
ولعلَّ الحكمةَ مِن الإخبارِ عن تلك الشهاداتِ هي ردعُ الإنسانِ، وزجرُهُ عن فعلِ المعاصِي؛ لأنَّ مَن علمَ أنَّ ما سيجنيهِ مِن أقوالٍ وأفعالٍ ستعرضُ وستظهرُ على مرأَى ومسمعِ الجميعِ يومَ القيامةٍ كان ذلك مانعًا لهُ مِن اكتسابِ السيئاتِ، وحافزًا لهُ على كسبِ الحسناتِ، كمَا أنَّ هذا يقوِّي الوازعَ الدينيَّ لدى الإنسانِ، ويعظمُ مِن مقامِ المراقبةِ للهِ سبحانَهُ وتعالى ﴿وَما تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَما تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ﴾ .
العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة
شهادةُ الزمانِ على بنِي الإنسانِ:
إنَّ الزمانَ -ليلُهُ ونهارُهُ- يشهدانِ على الإنسانِ بمَا اقترفَ مِن أعمالٍ، قال عزَّ وجلَّ: ﴿فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ * إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ * لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾، وقد جاءَ القسمُ بشهادةِ بعضِ الأزمنةِ؛ لِمَا لهَا مِن قدسيةٍ ومكانةٍ حتَّى أنَّهَا ستشهدُ لِمَن أدَّى فيها بعضَ الأعمالِ الصالحةِ، وكذا مَن اكتسبتْ يداهُ شرًّا قال سبحانَهُ: ﴿وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ * وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ * وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ﴾، وقد بينتْ السنةُ ذلك، فعنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اليَوْمُ المَوْعُودُ يَوْمُ القِيَامَةِ، وَاليَوْمُ المَشْهُودُ يَوْمُ عَرَفَةَ، وَالشَّاهِدُ يَوْمُ الجُمُعَةِ، وَمَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ وَلَا غَرَبَتْ عَلَى يَوْمٍ أَفْضَلَ مِنْهُ، فِيهِ سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُؤْمِنٌ يَدْعُو اللَّهَ بِخَيْرٍ إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ، وَلَا يَسْتَعِيذُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا أَعَاذَهُ اللَّهُ مِنْهُ» (الترمذي، وإسناده حسن)، ولذا أمرَنَا رسولُنَا بالتبكيرِ فيهِ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ، ثُمَّ رَاحَ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً، فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ حَضَرَتِ الْمَلَائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ» (متفق عليه).
العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة
شهادةُ المكانِ على الإنسانِ:
إنَّ هذه الأرضَ التي نمشِي عليها، ونأكلُ مِن خيراتِهَا، هذه الأرضُ التي نطيعُ اللهَ عليها، ونعصيهُ فوقَهَا، ستشهدُ يومَ القيامةِ بكلِّ ما عُمِلَ عليها مِن خيرٍ أو شرٍّ مِن كلِّ صالحٍ أو سيءٍ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: :﴿يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا﴾ قَالَ: «أَتَدْرُونَ مَا أَخْبَارُهَا»؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: فَإِنَّ أَخْبَارَهَا أَنْ تَشْهَدَ عَلَى كُلِّ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ بِمَا عَمِلَ عَلَى ظَهْرِهَا أَنْ تَقُولَ: عَمِلَ كَذَا وَكَذَا يَوْمَ كَذَا وَكَذَا “، قَالَ: «فَهَذِهِ أَخْبَارُهَا» (الترمذي وحسنه)، وهذا ما حرصَ على غرسهِ سيدُنَا رسولُ اللهِ – صلَّى اللهُ عليه وسلم – في نفوسِ أصحابهِ، فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: خَلَتِ الْبِقَاعُ حَوْلَ الْمَسْجِدِ، فَأَرَادَ بَنُو سَلِمَةَ أَنْ يَنْتَقِلُوا إِلَى قُرْبِ الْمَسْجِدِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُمْ: «إِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَنْتَقِلُوا قُرْبَ الْمَسْجِدِ»، قَالُوا: نَعَمْ، يَا رَسُولَ اللهِ قَدْ أَرَدْنَا ذَلِكَ، فَقَالَ: «يَا بَنِي سَلِمَةَ دِيَارَكُمْ تُكْتَبْ آثَارُكُمْ، دِيَارَكُمْ تُكْتَبْ آثَارُكُمْ» (مسلم)، ولذا يستحبُّ للمُصلِّي أنْ يُصلِّي السُّنَّةَ الراتبةَ في موضعٍ غيرِ موضعِ الفريضةِ يتقدمُ أو يتأخرُ، أو يمينًا أو شمالًا ؛ لتكثرَ المواضعُ الشاهدةُ لهُ بالخيرِ يومَ القيامةِ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ إِذَا صَلَّى أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ، أَوْ عَنْ يَمِينِهِ، أَوْ عَنْ شِمَالِهِ» (ابن ماجه، وأحمد، وإسناده صحيح)، ويمشي في صلاةِ العيدِ مِن طريقٍ، ويعودُ مِن آخر، وكذا الموضعُ الذي عصي اللهَ فيه أنْ يبادرَ بفعلِ الطاعةِ فيهِ، فكما سيشهدُ عليهِ سيشهدُ لهُ قال تعالى:﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾، وها هو سيدُنَا رسولُ اللهِ – صلَّى اللهُ عليه وسلم – يوجهُ أحدَ صحابتِهِ رضوانُ اللهِ عليهم أنْ يرفعَ صوتَهُ بالنداءِ كي يشهدَ لهُ بمدهِ، فعن أَبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ قَالَ: لَهُ إِنِّي أَرَاكَ تُحِبُّ الْغَنَمَ وَالْبَادِيَةَ «فَإِذَا كُنْتَ فِي غَنَمِكَ أَوْ بَادِيَتِكَ فَأَذَّنْتَ بِالصَّلَاةِ فَارْفَعْ صَوْتَكَ؛ فَإِنَّهُ لَا يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ جِنٌّ وَلَا إِنْسٌ وَلَا شَيْءٌ إِلَّا شَهِدَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ». قَالَ: أَبُو سَعِيدٍ: «سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» (البخاري) .
إنَّ الإنسانَ في ذلك اليومِ يحتاجُ إلى كلِّ شاهدٍ يشهدُ لهُ بالخيرِ، ويشفعُ لهُ، ولذا يخبرُ رسولُنَا – صلَّى اللهُ عليه وسلم – أنَّ الحجرَ الأسودَ سيشهدُ لكلِّ مَن قبَّلَهُ أو استلمَهُ، فعن ابْنِ عَبَّاسٍ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيَأْتِيَنَّ هَذَا الْحَجَرُ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَهُ عَيْنَانِ يُبْصِرُ بِهِمَا، وَلِسَانٌ يَنْطِقُ بِهِ، يَشْهَدُ عَلَى مَنْ يَسْتَلِمُهُ، بِحَقٍّ» (ابن ماجه، وسنده صحيح) .
فليحذرْ الإنسانُ أنْ يكونَ مِن أهلِ الملامةِ لنفسهِ يومَ القيامةِ، وهو يومُ حسرةٍ وندامةٍ، وإذا وطأتْ قدمُكَ مكانًا عصيتَ فيه اللهَ، فتبْ الآنَ قبلَ فواتِ الآوانِ يقولُ الحسنُ البصريُّ: “مَا مِن يومٍ تطلعُ شمسٌ إلَّا نادَى منادٍ مِن السماءِ: يا ابنَ آدمَ أنَا يومٌ جديدٌ، أنَا خلقٌ جديدٌ وأنا على عملِكَ شهيدٌ، فاعملْ خيرًا أشهدُ لك بهِ غدًا فإنِّي إذَا مضيتُ لا أعودُ إلى يومِ القيامةِ”.
العنصر الرابع من خطبة الجمعة القادمة
شهادةُ الجوارحِ:
إنَّ الجوارحَ والأعضاءَ التي كان يتمتعُ بها الإنسانُ، ويأكلُ ويشربُ، وينظرُ ويتكلمُ، ويأخذُ ويعطي، ويضربُ ويسلبُ، هذه الجوارحُ والجلودُ يوم القيامةٍ مستنطقةٌ شاهدةٌ إمَّا بخيرٍ أو بشرٍّ قال ربُّنَا: ﴿وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّى إِذا مَا جاؤُها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ * وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ * وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ﴾، وقال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَلْقَى الْعَبْدَ, فَيَقُولُ: أَيْ قُلْ: أَلَمْ أُكْرِمْكَ؟، أَلَمْ أُزَوِّجْكَ؟ أَلَمْ أُسَخِّرْ لَكَ الْخَيْلَ وَالْإِبِلَ؟ أَلَمْ أَتْرُكْكَ تَرْأَسُ وَتَرْبَعُ؟ فَيَقُولُ: بَلَى فَيَقُولُ: فَظَنَنْتَ أَنَّكَ مُلَاقِيَّ, فَيَقُولُ: لَا، فَيَقُولُ: إِنِّي أَنْسَاكَ كَمَا نَسِيتَنِي قَالَ: ثُمَّ يَلْقى الثَّانِيَ: أَيْ قُلْ: أَلَمْ أُكْرِمْكَ؟ أَلَمْ أُزَوِّجْكَ؟ أَلَمْ أُسَخِّرْ لَكَ الْخَيْلَ وَالْإِبِلَ؟ أَلَمْ أَتْرُكْكَ تَرْأَسُ وَتَرْبَعُ؟ فَيَقُولُ: بَلَى, فَظَنَنْتَ أَنَّكَ مُلَاقِيَّ؟، ثُمَّ يَلْقَى الثَّالِثَ: فَيَقُولُ: رَبِّ آمَنْتُ بِكَ وَبِكِتَابِكَ، وَصَلَّيْتُ وَتَصَدَّقْتُ قَالَ فَيَقُولُ: أَلَا أَبْعَثُ شَاهِدًا يَشْهَدُ عَلَيْكَ، فَيُنْكِرُ فِي نَفْسِهِ، مَنِ الَّذِي يَشْهَدُ عَلَيْهِ؟ قَالَ: فَيُخْتَمُ عَلَى فِيهِ، وَيَقُولُ لِفَخِذِهِ: انْطِقِي، فَتَنْطِقُ فَخِذُهُ وَعَظْمُهُ وَلَحْمُهُ بِمَا كَانَ يَفْعَلُ فَذَلِكَ الْمُنَافِقُ» (ابن حبان) .
قال الإمامُ القرطبيُّ يحتملُ ذلك وجهان: الأولُ: أنْ يكونَ كلامُ فخذِهِ أولًا زيادةً في الفضيحةِ والخزيِ على ما نطقَ بهِ الكتابُ: ﴿هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ﴾؛ لأنَّهُ كان في الدنيا يجاهرُ بالفواحشِ ويخلُو قلبُهُ عندهَا مِن ذكرِ اللهِ، فلا يفعلْ ما يفعلُ خائفًا مشفقًا، فيخزيه اللهُ بمجاهرتهٍ بفحشهِ على رؤوسِ الأشهادِ.
الثاني: أنْ يكونَ هذا فيمَن يقرأُ كتابَهُ ولا يعرفُ بما ينطقُ بهِ الكتاب، بل يجحدُ، فيختمُ اللهُ على فيهِ، وتنطقُ جوارحُه، فتشهدُ عليه بسيئاتهِ، وهذا الأظهرُ – واللهُ أعلمُ- .
وقِيل: إنَّ أولَ ما ينطقُ مِن جوارحهِ فخذُهُ؛ لأنَّ أعمالَ الجوارحِ مِن اليدِ والقدمِ واللسانِ والسماعِ، ونحو ذلك قد يكونُ ظاهرًا للناسِ غيرَ خافٍ عليهم فعندما تنطقُ بهِ لا يستغربهُ كثيرًا، أمَّا ما قارفتهُ فخذاهُ مِن المنكراتِ والفواحشِ والزنا والفجورِ التي لا يعلمُهَا في ظنِّهِ إلَّا هو، فيستبعدُ أنْ تظهرَ، فعندما ينطقُ أولُ ما ينطقُ فخذهٌ بخيانتهِ، تزدادُ مفاجأتُهُ ورهبتُهّ وخوفُهُ .
فليتأملْ العاصي المسكينُ كيف أنَّ جوارحَهُ التي يعصي اللهَ بها، وكان ينافحُ ويزودُ عنها في الدنيا، أنَّها تأتي يومَ القيامةِ شاهدةً عليه بأعمالهِ، فيقولُ: “تبًا لَكُنَّ فعنكنَّ كنتُ أناضلُ، كنتُ أدافعُ عنكنَّ، فإذا أنتنَّ تشهدنَ عليَّ”، وتلك الشهادةُ تكونُ بألفاظٍ حقيقيةٍ وبكيفيةٍ لا يعلمُها إلَّا اللهُ تعالى:﴿الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ﴾، فلا يملكُ العصاةُ أمامَ هذه الشهاداتِ المتواليةِ إلَّا الاستسلامَ والاعترافَ، وتلك الحقيقةُ وهي شهادةُ الأعضاءِ على الإنسانِ حقيقةٌ ثابتةٌ ومستقرةٌ لدى الشرائعِ السماويةِ، وتأملْ هذا الحديثَ الذي تقشعرُّ منه الأبدانُ، وتفزعُ مِن شدةِ وقعهِ القلوبُ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: لَمَّا رَجَعَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ مُهَاجِرَةُ الْبَحْرِ قَالَ: «أَلَا تُحَدِّثُونِي بِأَعَاجِيبِ مَا رَأَيْتُمْ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ؟» قَالَ فِتْيَةٌ مِنْهُمْ: بَلَى، يَا رَسُولَ اللَّهِ بَيْنَا نَحْنُ جُلُوسٌ مَرَّتْ بِنَا عَجُوزٌ مِنْ عَجَائِزِ رَهَابِينِهِمْ، تَحْمِلُ عَلَى رَأْسِهَا قُلَّةً مِنْ مَاءٍ، فَمَرَّتْ بِفَتًى مِنْهُمْ، فَجَعَلَ إِحْدَى يَدَيْهِ بَيْنَ كَتِفَيْهَا، ثُمَّ دَفَعَهَا فَخَرَّتْ عَلَى رُكْبَتَيْهَا، فَانْكَسَرَتْ قُلَّتُهَا، فَلَمَّا ارْتَفَعَتِ الْتَفَتَتْ إِلَيْهِ، فَقَالَتْ: سَوْفَ تَعْلَمُ يَا غُدَرُ إِذَا وَضَعَ اللَّهُ الْكُرْسِيَّ، وَجَمَعَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، وَتَكَلَّمَتِ الْأَيْدِي وَالْأَرْجُلُ، بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ، فَسَوْفَ تَعْلَمُ كَيْفَ أَمْرِي وَأَمْرُكَ عِنْدَهُ غَدًا، قَالَ: يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ: «صَدَقَتْ، صَدَقَتْ كَيْفَ يُقَدِّسُ اللَّهُ أُمَّةً لَا يُؤْخَذُ لِضَعِيفِهِمْ مِنْ شَدِيدِهِمْ؟» (ابن ماجه، وسنده حسن) .
نسألُ اللهَ أنْ يرزقَنَا حسنَ العملِ، وفضلَ القبولِ، إنَّه أكرمُ مسؤولٍ، وأعظمُ مأمولٍ، وأنْ يجعلَ بلدَنَا مِصْرَ سخاءً رخاءً، أمنًا أمانًا، سلمًا سلامًا وسائرَ بلادِ العالمين، وأنْ يوفقَ ولاةَ أُمورِنَا لمَا فيه نفعُ البلادِ والعبادِ.
كتبه: د / محروس رمضان حفظي عبد العال
عضو هيئة التدريس بجامعة الأزهر
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
وللإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
وللمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف