أخبار مهمةالخطبة المسموعةخطبة الأسبوعخطبة الجمعةخطبة الجمعة القادمة ، خطبة الجمعة القادمة لوزارة الأوقاف المصرية مكتوبة word pdfعاجل

خطبة الجمعة القادمة 29 سبتمبر : مظاهر رحمة النبي ﷺ بأمته ، للدكتور محروس حفظي

خطبة الجمعة القادمة

خطبة الجمعة القادمة 29 سبتمبر 2023 م بعنوان : مظاهر رحمة النبي (صلى الله عليه وسلم) بأمته ، للدكتور محروس حفظي ، بتاريخ 14 ربيع الأول 1445هـ ، الموافق 29 سبتمبر 2023م. 

 

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 29 سبتمبر 2023 م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : مظاهر رحمة النبي (صلى الله عليه وسلم) بأمته .

ولتحميل خطبة الجمعة القادمة 29 سبتمبر 2023 م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : مظاهر رحمة النبي (صلى الله عليه وسلم) بأمته ، بصيغة word أضغط هنا.

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 29 سبتمبر 2023 م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : مظاهر رحمة النبي (صلى الله عليه وسلم) بأمته ، بصيغة  pdf أضغط هنا.

 

___________________________________________________________

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة

 

للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف

 

و للمزيد عن مسابقات الأوقاف

 

للمزيد عن أخبار الأوقاف

 

و للمزيد عن الدروس الدينية

عناصر خطبة الجمعة القادمة 29 سبتمبر 2023 م بعنوان : مظاهر رحمة النبي (صلى الله عليه وسلم) بأمته ، للدكتور محروس حفظي :

 

(1) رحمةُ النبيِّ ﷺ بالخلقِ أجمعين.

(2) بعضُ مظاهرِ رحمةِ النبيِّ ﷺ بأمتِهِ.

 

ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 29 سبتمبر 2023 م بعنوان : مظاهر رحمة النبي (صلى الله عليه وسلم) بأمته ، للدكتور محروس حفظي : كما يلي: 

خطبة بعنوان: «مظاهرُ رحمةِ النبيِّ ﷺ بأمتِهِ»

بتاريخ 14 ربيع الأول 1445 هـ = الموافق 29 سبتمبر 2023 م

الحمدُ للهِ حمدًا يُوافِي نعمَهُ، ويُكافىءُ مزيدَهُ، لك الحمدُ كما ينبغِي لجلالِ وجهِكَ، ولعظيمِ سلطانِكَ، والصلاةُ والسلامُ الأتمانِ الأكملانِ على سيدِنَا مُحمدٍ ﷺ، أمَّا بعدُ ،،،

العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة 29 سبتمبر 

(1) رحمةُ النبيِّ ﷺ بالخلقِ أجمعين.

 الباحثُ في نواحِي العظمةِ المحمديةِ، لَيَبهرُهُ تعدُّدُ جوانبِهَا، ويأخذُ بقلبهِ سُموُّ مُقوماتِهَا، فقد أرسلَ اللهُ هذا النبيَّ الأميَّ؛ ليَكشفَ للإنسانيةِ الحائرةِ معالمَ الرقيِّ، ويَنشرَ الأمانَ والمحبَّةَ، فبلَغَ مِن ذلك حظًّا لم يدركْهُ نبيٌّ قبلَهُ، وتَمَّ على يديهِ ما أرادَ اللهُ أنْ تصلَ إليهِ الإنسانيةُ مِن الكمالِ، فكان لذلك إمامَ الأنبياءِ وخاتمَ المرسلين، وبحسبِ الإنسانِ أنْ يذكرَ ذلك؛ ليُؤمنَ بأنَّ هذا الرسولَ الأكرمَ كان منفردًا في عظَمتِه، ممتازًا في فِطرتِه قال عزَّ وجلَّ: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾، يقولُ سيدُنَا ابنُ عباسٍ رضي اللهُ عنهما في تفسيرِهَا: “مَن آمنَ باللهِ ورسولِه تمتْ لهُ الرحمةُ في الدنيا والآخرةِ، ومَن لم يؤمنْ باللهِ ورسولهِ عُوفِيَ مِمَّا كان يصيبُ الأمم في عاجلِ الدنيا مِن العذابِ مِن الخسفِ والمسخِ والقذفِ، فذلك الرحمةُ في الدنيا”، ومصداقُ هذا في كتابِ اللهِ حيثُ قالَ: ﴿وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ﴾ .

إنَّ رحمةَ الرسولِ ﷺ لم تكنْ قاصرةً على مَن عاصرَهُ مِن المسلمين، بل كان ﷺ مشغولًا دائمًا بأمتِهِ جميعًا، وذلك في عمقِ الزمانِ والمكانِ، بل وإلى يومِ القيامةِ، ولا شكَّ أنَّ رحمتَهُ بأصحابِه قد عادتْ على الأمةِ جميعًا بالخيرِ، لأنَّ أفعالَهُ وأقوالَهُ معهُم لم تكن خاصةً بهِم، ولكنَّهَا كانت تشريعًا ثابتًا سيظلُ معمولًا بهِ إلى يومِ القيامةِ، وصدقَ ربُّنَا حيثُ قالَ: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾، وعن أَبي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُ النَّاسِ كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَوْقَدَ نَارًا، فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ جَعَلَ الفَرَاشُ وَهَذِهِ الدَّوَابُّ الَّتِي تَقَعُ فِي النَّارِ يَقَعْنَ فِيهَا، فَجَعَلَ يَنْزِعُهُنَّ وَيَغْلِبْنَهُ فَيَقْتَحِمْنَ فِيهَا، فَأَنَا آخُذُ بِحُجَزِكُمْ عَنِ النَّارِ، وَهُمْ يَقْتَحِمُونَ فِيهَا» (متفق عليه)، شبَّهَ ﷺ تساقطَ العصاةِ في النارِ بجهلِهِم عاقبة الشهواتِ بتهافتِ الفراشِ في نارِ الدنيا بسببِ جهلِهَا وعدمِ تمييزِهَا لِمَا تقصدُ إليهِ، فهي تعتقدُ نفعَ النارِ وهي سببُ هلاكِهَا، فكذلك أهلُ الشهواتِ في شهواتِهِم الغالبة، يعتقدونَ أنَّهَا نافعةٌ وهي مضرةٌ، والعاقلُ منهم الذي تحققَ لهُ أنَّها مضرةٌ، لكن كان أسيرًا للشهواتِ، فإنَّه لا ينفعهُ علمُهُ بالضررِ الذي فيهَا عن أنْ يسلكَ طريقَ النارِ فيقتحمُ فيهَا اقتحامَ الفراشةِ في النارِ مع علمِهِ بأنَّ فيها هلاكَهُ.

على الرغمِ مِن تعددِ أشكالِ الأذَى الذي ذاقَهُ النبيُّ ﷺ وأصحابُهُ مِن المشركين في العهدِ المكِّي إلَّا أنَّه ﷺ قد ضربَ المثلَ الأعلَى في التعاملِ معهم، وليس أدلَّ على ذلك مِن قصةِ إسلامِ الصحابِيِّ الجليلِ ثمامةَ بنِ أثالٍ رضي اللهُ عنه عندما أسرَهُ المسلمون وأتوا به إلى النبيِّ ﷺ فربطُوهُ بساريةٍ مِن سوارِي المسجدِ، ومكثَ على تلك الحالِ ثلاثةَ أيامٍ، وهو يرى المجتمعَ المسلمَ عن كثبٍ حتى دخلَ الإيمانُ قلبَهُ، ثم أمرَ النبيُّ ﷺ بإطلاقِهِ «فانْطَلَقَ إِلَى نَجْلٍ قَرِيبٍ مِنَ المَسْجِدِ، فَاغْتَسَلَ ثُمَّ دَخَلَ المَسْجِدَ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، يَا مُحَمَّدُ، وَاللَّهِ مَا كَانَ عَلَى الأَرْضِ وَجْهٌ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ وَجْهِكَ، فَقَدْ أَصْبَحَ وَجْهُكَ أَحَبَّ الوُجُوهِ إِلَيَّ، وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ دِينٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ دِينِكَ، فَأَصْبَحَ دِينُكَ أَحَبَّ الدِّينِ إِلَيَّ، وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ بَلَدٍ أَبْغَضُ إِلَيَّ مِنْ بَلَدِكَ، فَأَصْبَحَ بَلَدُكَ أَحَبَّ البِلاَدِ إِلَيَّ …» (متفق عليه)، وسرعانَ ما تغيّرَ حالُ ثمامةَ فانطلقَ إلى قريشٍ يهددُهَا بقطعِ طريقِ تجارتِهِم، وصار درعًا يدافعُ عن الإسلامِ والمسلمين.

العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة 29 سبتمبر 

(2) بعضُ مظاهرِ رحمةِ النبيِّ ﷺ بأمتهِ: تعددتْ مظاهرُ رحمةِ نبيِّنَا ﷺ بأمتِهِ، ومِن هذه المظاهرِ:

أولًا: التخفيفُ في الصلاةِ: حرصَ نبيُّنَا ﷺ على أنْ يسلَكَ منهجَ التخفيفِ والتيسيرِ في الصلاةِ بالمسلمين، فعن أَبِي قَتَادَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنِّي لَأَقُومُ إِلَى الصَّلاَةِ وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُطَوِّلَ فِيهَا، فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ، فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلاَتِي كَرَاهِيَةَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمِّهِ» (متفق عليه) .

وكان إذا صلَّى وحدَهُ ﷺ يطيلُ ما شاء، ولذا كان يغضبُ ﷺ إذا أطالَ أحدٌ بالناسِ في الصلاةِ خاصةً إذا كان فيهم ذو الحاجةِ، فعن أبي مسعودٍ «أَنَّ رَجُلًا قَالَ: وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لَأَتَأَخَّرُ عَنْ صَلاَةِ الغَدَاةِ مِنْ أَجْلِ فُلاَنٍ مِمَّا يُطِيلُ بِنَا، فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فِي مَوْعِظَةٍ أَشَدَّ غَضَبًا مِنْهُ يَوْمَئِذٍ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ، فَأَيُّكُمْ مَا صَلَّى بِالنَّاسِ فَلْيَتَجَوَّزْ، فَإِنَّ فِيهِمُ الضَّعِيفَ وَالكَبِيرَ وَذَا الحَاجَةِ» (متفق عليه) .

فيا أيُّها الناسُ: يَسِّروا ولا تُعسِّروا، وخفِّفُوا ولا تُطوِّلُوا مع المحافظةِ على أركانِ الصلاةِ وسُننِهَا، واستجابَ الصحابةُ رضي اللهُ عنهم، فكان عبدُالرحمنِ بنُ عوفٍ يقرأُ بأقصرِ سورتينِ: ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ﴾، ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ﴾، واقتدُوا برسولِ اللهِ ﷺ الذي قال عنه أنسُ بنُ مالكٍ: «مَا صَلَّيْتُ وَرَاءَ إِمَامٍ قَطُّ أَخَفَّ صَلَاةً، وَلَا أَتَمَّ صَلَاةً مِنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ» (مسلم) .

تابع / خطبة الجمعة القادمة 29 سبتمبر 

ثانيًا: تركَ ﷺ بعضَ العباداتِ مخافةَ أنْ تفرضَ على أمتهِ: لقد بلغتْ رحمةُ الرسولِ ﷺ بأمتِهِ حدًّا لا يتخيلُهُ عقلٌ حتى إنَّ الأمرَ وصلَ إلى خوفِهِ عليهِم مِن كثرةِ العبادةِ!، مع أنَّ التقربَ إلى اللهِ والتبتلَ إليهِ أمرٌ محمودٌ مرغوبٌ، بل هو مأمورٌ بهِ، لكنَّهُ ﷺ كان يخشَى على أمتهِ مِن المبالغةِ في الأمرِ فيفتقدونَ التوازنَ في حياتِهِم، أو يصلُ بهم الأمرُ إلى المَللِ والكسلِ، أو يصلُ بهم الحدُّ إلى الإرهاقِ الزائدِ عن طاقةِ الإنسانِ، لذلك رأيناهُ ﷺ كثيرًا ما يُعرِضُ عن عملٍ مِن الأعمالِ، مُقرَّبٍ إلى قلبِهِ، محببٍ إلى نفسِهِ، لا لشيءٍ إلّا لخوفِهِ أنْ يُفرَضَ على أمتِهِ فيعنتُهُم ويشقُّ عليهم… تقولُ أمُّ المؤمنين «… وَإِنْ كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ لَيَدَعُ الْعَمَلَ وَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ، خَشْيَةَ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ النَّاسُ فَيُفْرَضَ عَلَيْهِمْ» (متفق عليه)، وفي رواية: «وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، يُحِبُّ مَا خَفَّ عَلَى النَّاسِ مِنَ الْفَرَائِضِ» (أحمد)، ولذلك كان كثيرًا ما يقولُ كلمةَ: «لَوْلا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي»، دلالةً على أنَّهُ يحبُّ الأمرَ، ولكنَّه يخشى الفتنةَ على الأمةِ فكان ﷺ لا يخرجُ في كلِّ المعاركِ لكي لا يتحرَّج الناسُ في الخروجِ في كلِّ مرةٍ، وكيف كان لا يؤخرُ صلاةَ العشاءِ إلى منتصفِ الليلِ، وكيف رفضَ الخروجَ إلى قيامِ الليلِ جماعةً في رمضانَ خشيةَ أنْ يُفرَضَ على المسلمين، وكيف تأخرَ في الردِّ على مَن سألَ عن تكرارِ الحجِّ في كلِّ عامٍ خشيةَ فرضِهِ بهذه الصورةِ على المسلمين، وهكذا فمنهجُهُ  ﷺ الواضحُ والمستمرُّ هو التخفيفُ عن الأمةِ والإشفاقُ عليها؛ إذ المستقرىءُ في التشريعاتِ التي جاءتْ على لسانِهِ ﷺ، ليُلْمَسَ فيها اليسرُ والسهولةُ والرفقُ والرحمةُ، ومراعةُ الجانبِ الإنسانِي، فاللهُ حدَّ حدودًا، وحرَّمَ أشياءَ يجبُ على المسلمِ أنْ يبتعدَ عنها كاملةً، أمَّا غيرُ ذلك فليأتِ المسلمُ منه ما استطاعَ، وعلى قدرِ طاقتِهِ قالَ ربُّنَا: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا﴾، وقال: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾، وعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلَّا اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا، مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا، فَإِنْ كَانَ إِثْمًا، كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ، وَمَا انْتَقَمَ رَسُولُ اللَّهِ لِنَفْسِهِ فِي أَمْرٍ يُنْتَهَكُ مِنْهُ إِلَّا أَنْ تُنْتَهَكَ لِلَّهِ حُرْمَةٌ، فَيَنْتَقِمُ لِلَّهِ» (أبو داود) .

ثالثًا: رحمتُهُ ﷺ بهِم في الصومِ فشرعَ لهم الفطرَ: رخَّصَ الرسولُ ﷺ الفطرَ في السفرِ للمسلمين شفقةً ورفقًا بهم، فعَنْ جَابِرِ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ فِي سَفَرٍ، فَرَأَى رَجُلًا قَدِ اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ، وَقَدْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: «مَا لَهُ؟» قَالُوا: رَجُلٌ صَائِمٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تَصُومُوا فِي السَّفَرِ» (مسلم)، ومِن رحمتِهِ بأُمَّتِهِ ﷺ نهاهُم عن الوصالِ في الصومِ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إِيَّاكُمْ وَالْوِصَالَ» قَالُوا: فَإِنَّكَ تُوَاصِلُ، يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «إِنَّكُمْ لَسْتُمْ فِي ذَلِكَ مِثْلِي، إِنِّي أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي، فَاكْلَفُوا مِنَ الْأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ» (مسلم) .

رابعًا: أنَّه ﷺ لا يجعلُ أيامَهُم كلَّهَا مواعظ: مِن رحمتِهِ ﷺ أنَّه كان يتخوَّلهُم بالموعظةِ، ولا يُكثرُ عليهِم مِن الوعظِ؛ مخافةَ السآمةِ والمللِ الذي يفضِي إلى المعصيةِ؛ إذ لو كرَّرَ عليهم الوعظَ وملَّ أحدُهُم مِن وعظهِ أثم، وكان مُذنبًا فعَنْ شَقِيقٍ، قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ بَابِ عَبْدِ اللهِ نَنْتَظِرُهُ، فَمَرَّ بِنَا يَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ النَّخَعِيُّ، فَقُلْنَا: أَعْلِمْهُ بِمَكَانِنَا، فَدَخَلَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ خَرَجَ عَلَيْنَا عَبْدُ اللهِ، فَقَالَ: إِنِّي أُخْبَرُ بِمَكَانِكُمْ، فَمَا يَمْنَعُنِي أَنْ أَخْرُجَ إِلَيْكُمْ إِلَّا كَرَاهِيَةُ أَنْ أُمِلَّكُمْ، «إِنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ كَانَ يَتَخَوَّلُنَا بِالْمَوْعِظَةِ فِي الْأَيَّامِ، مَخَافَةَ السَّآمَةِ عَلَيْنَا» (مسلم)، مِن هنا كان الرسولُ ﷺ يتعاهدُ أصحابَهُ بالموعظةِ أيامًا، ويتركُهُم لمهامِّهِم ومعايشهِم أيامًا، فبذلك يتحققُ هدفُ التذكيرِ مع دوامِ الحرصِ والشوقِ إليهِ، وقديمًا قالُوا: “زُرْ غِبًّا تزْدَدْ حُبًّا”.

تابع / خطبة الجمعة القادمة 29 سبتمبر 

خامسًا: رحمتُهُ ﷺ بالأطفالِ: كان ﷺ يعطفُ على الأطفالِ، ويرقُّ لهُم، حتى كان كالوالدِ لهم، يقبلُهُم ويضمُّهُم، ويلاعبُهُم ويحنكُهُم بالتمرِ، كما فعلَ بعبدِاللهِ بنِ الزبيرِ عندَ ولادتِهِ، وصلَّى مرةً وهو حامِلُ أمامةَ بنتِ زينب، فكان إذا سجدَ وضعَهَا، وإذا قام حملَهَا، وكان ﷺ يحملُ الأطفالَ، ويصبرُ على أذاهم، فعَنْ أُمِّ قَيْسٍ بِنْتِ مِحْصَنٍ أَنَّهَا «أَتَتْ بِابْنٍ لَهَا صَغِيرٍ، لَمْ يَأْكُلِ الطَّعَامَ، إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَأَجْلَسَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي حَجْرِهِ، فَبَالَ عَلَى ثَوْبِهِ، فَدَعَا بِمَاءٍ، فَنَضَحَهُ وَلَمْ يَغْسِلْهُ» (البخاري)، وعن أبي بَكْرَةَ قال: “سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ عَلَى المِنْبَرِ وَالحَسَنُ إِلَى جَنْبِهِ، يَنْظُرُ إِلَى النَّاسِ مَرَّةً وَإِلَيْهِ مَرَّةً ….” (البخاري)، ومِن هنَا استنبطَ العلماءُ قاعدةً عظيمةً ألَا وهي: “مع الأطفالِ تجمدُ الأحكامُ الشرعيةُ” مراعاةً لهُم وشفقةً عليهم.

كمَا أكّدَ ﷺ على العدلِ بينَ الأطفالِ، وتحذيرِهِ مِن ظلمِهِم، وَحَثِّهِ عَلَى إكرامِهِم، والإحسانِ إليهِم، وما أكثرُ ما يتساهلُ بذلك الكبارُ، فتنشأُ المشكلاتُ، وتختلُ العلاقاتُ، وتكونُ القطيعةُ، فعن النُّعْمَانِ قال: «أَعْطَانِي أَبِي عَطِيَّةً، فَقَالَتْ عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ: لاَ أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ: إِنِّي أَعْطَيْتُ ابْنِي مِنْ عَمْرَةَ بِنْتِ رَوَاحَةَ عَطِيَّةً، فَأَمَرَتْنِي أَنْ أُشْهِدَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: أَعْطَيْتَ سَائِرَ وَلَدِكَ مِثْلَ هَذَا؟، قَالَ: لاَ، قَالَ: «فَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلاَدِكُمْ»، قَالَ: فَرَجَعَ فَرَدَّ عَطِيَّتَهُ» (البخاري)، كما وصى ﷺ بكف الصبيان عن كيد الشَّيطانِ وأذاه، وتعويذيهم فعَنْ جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: “إِذَا اسْتَجْنَحَ اللَّيْلُ، أَوْ قَالَ: جُنْحُ اللَّيْلِ، فَكُفُّوا صِبْيَانَكُم، فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ تَنْتَشِرُ حِينَئِذٍ، فَإِذَا ذَهَبَ سَاعَةٌ مِنَ العِشَاءِ فَخَلُّوهُمْ …” (البخاري) .

سادسًا: رحمتُه ﷺ في قضاءِ ديونِ الموتَى: كمَن ماتَ وعليهِ ديونٌ كان ﷺ يتكفَّلُ بقضاءِ ديونِهِم رحمةً بهِم، وكان رسولُ اللهِ ﷺ يُوصِي المسلمين بقضاءِ ديونِ موتاهُم رحمةً بهم وحفظًا لحقوقِ الدائنِين، فهي رحمةٌ شاملةٌ استوعبتْ الأحياءَ والأموات، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يُؤْتَى بِالرَّجُلِ المُتَوَفَّى عَلَيْهِ الدَّيْنُ، فَيَسْأَلُ:«هَلْ تَرَكَ لِدَيْنِهِ فَضْلًا؟» فَإِنْ حُدِّثَ أَنَّهُ تَرَكَ وَفَاءً صَلَّى، وَإِلَّا قَالَ لِلْمُسْلِمِينَ: صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ، فَلَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ الفُتُوحَ، قَالَ: «أَنَا أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، فَمَنْ تُوُفِّيَ مِنَ المُؤْمِنِينَ فَتَرَكَ دَيْنًا فَعَلَيَّ قَضَاؤُهُ، وَمَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ» (البخاري) .

سابعًا: خوفُهُ ﷺ على الميتِ مِن العذابِ: حذَّرَنَا ﷺ مِن أسبابِ عذابِ القبرِ، بل مرَّ ذاتَ يومٍ على قبرينِ يُعذَّبانِ فدعَا بجريدةٍ رطبةٍ وشقَّهَا نصفينِ رجاءَ أنْ يخففَ عنهمَا العذاب، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرَّ النَّبِيُّ ﷺ عَلَى قَبْرَيْنِ فَقَالَ: «إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ مِنْ كَبِيرٍ» ثُمَّ قَالَ: «بَلَى أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ يَسْعَى بِالنَّمِيمَةِ، وَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لاَ يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ» قَالَ: ثُمَّ أَخَذَ عُودًا رَطْبًا، فَكَسَرَهُ بِاثْنَتَيْنِ، ثُمَّ غَرَزَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى قَبْرٍ، ثُمَّ قَالَ: «لَعَلَّهُ يُخَفَّفُ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا» (متفق عليه) .

تابع / خطبة الجمعة القادمة 29 سبتمبر 

إنَّ رحمةَ النبيِّ ﷺ في هذا الموقفِ لا تصلُ فقط إلى الطائعينَ والمتقين، وإنَّمَا تصلُ إلى عصاةٍ ومذنبين، فالأولُ كان يمشِي بالنميمةِ، والآخرُ كان لا يستترُ مِن بولِهِ، وبالتالِي لا تستقيمُ صلاتُهُ، ومع ذلك فقلبُهُ يتحرَّكُ لهمَا، ويضعُ جريدةً رطبةً على قبرِهِمَا راجيًا مِن اللهِ أنْ يُخفِّفَ عنهمَا! إنَّها الرحمةُ في أروعِ وأبهَى صورِهَا.

ثامنًا: رحمتُه ﷺ بالضعفاءِ عمومًا: كان ﷺ يهتمُّ بأمرِ الضعفاءِ والخدمِ والأجراءِ الذين هم مظنةُ وقوعِ الظلمِ عليهِم، والاستيلاءِ على حقوقِهِم، فعَنِ المَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ، قَالَ: لَقِيتُ أَبَا ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ، وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ، وَعَلَى غُلاَمِهِ حُلَّةٌ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: إِنِّي سَابَبْتُ رَجُلًا فَعَيَّرْتُهُ بِأُمِّهِ، فَقَالَ لِي النَّبِيُّ ﷺ: «يَا أَبَا ذَرٍّ أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّهِ؟ إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ، إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ، جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ، فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَلاَ تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ» (متفق عليه) بل كان ﷺ يتألَّمُ إذا حصلتْ لهم مسغبةٌ، ونزلتْ بهِم فاقةٌ، فيُسارعُ بالعَمَلِ على رفعِ ما نزلَ بهِم فعن جَرِيرٍ قَالَ: «كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ ﷺ فِي صَدْرِ النَّهَارِ، قَالَ: فَجَاءَهُ قَوْمٌ حُفَاةٌ عُرَاةٌ مُجْتَابِي النِّمَارِ أَوِ الْعَبَاءِ، مُتَقَلِّدِي السُّيُوفِ، عَامَّتُهُمْ مِنْ مُضَرَ، بَلْ كُلُّهُمْ مِنْ مُضَرَ فَتَمَعَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللهِ ﷺ لِمَا رَأَى بِهِمْ مِنَ الْفَاقَةِ، فَدَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ، فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ وَأَقَامَ، فَصَلَّى ثُمَّ خَطَبَ فَقَالَ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾، وَالْآيَةَ الَّتِي فِي الْحَشْرِ: ﴿اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ﴾ تَصَدَّقَ رَجُلٌ مِنْ دِينَارِهِ، مِنْ دِرْهَمِهِ، مِنْ ثَوْبِهِ، مِنْ صَاعِ بُرِّهِ، مِنْ صَاعِ تَمْرِهِ – حَتَّى قَالَ – وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ» قَالَ: فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ بِصُرَّةٍ كَادَتْ كَفُّهُ تَعْجِزُ عَنْهَا، بَلْ قَدْ عَجَزَتْ، قَالَ: ثُمَّ تَتَابَعَ النَّاسُ، حَتَّى رَأَيْتُ كَوْمَيْنِ مِنْ طَعَامٍ وَثِيَابٍ، حَتَّى رَأَيْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللهِ ﷺ يَتَهَلَّلُ، كَأَنَّهُ مُذْهَبَةٌ» (مسلم)، انظرْ إلى غضبِهِ ﷺ حين رأىَ الفاقةَ التي بالمضريين تكدّرَ خاطرُهُ، ودعا أصحابَهُ إلى مواساتِهِم، بل استنفرَهُم بضميرِ الإنسانيةِ فيهِم، فلمَّا حصلَ لهُم ما يكفيهِم سُرَّ بذلك، وهكذا المسلمُ يعملُ على قدرِ وسعهِ بقضاءِ حوائجِ المحتاجين، قالَ تعالَى: ﴿لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آَتَاهُ اللَّهُ﴾ .

تاسعًا:  أنَّه ﷺ راعَى ما ركَّبَ اللهُ بالخلقِ مِن غرائز، فيمكنُ أصحابَهُ مِن أنْ يقضُوا وطرَهُم المباح، عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ، قَالَ: أَتَيْنَا رَسُولَ اللهِ ﷺ وَنَحْنُ شَبَبَةٌ مُتَقَارِبُونَ، فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ لَيْلَةً، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ رَحِيمًا رَقِيقًا، فَظَنَّ أَنَّا قَدِ اشْتَقْنَا أَهْلَنَا، فَسَأَلَنَا عَنْ مَنْ تَرَكْنَا مِنْ أَهْلِنَا، فَأَخْبَرْنَاهُ، فَقَالَ: «ارْجِعُوا إِلَى أَهْلِيكُمْ، فَأَقِيمُوا فِيهِمْ وَعَلِّمُوهُمْ، وَمُرُوهُمْ فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ، ثُمَّ لِيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ» (متفق عليه)، فمالكٌ ورفقتُهُ شبابٌ، والشبابُ مظنةُ قوةِ الشهوةِ، فلمَّا قضُوا هذه المدةَ عندَهُ، وشعرَ النبيُّ ﷺ برغبتِهِم في معاشَرَةِ أهليهِم، أمَرَهُم بالرجوعِ إلى أهلِهِم؛ ليقضُوا وطرَهُم المباحَ.

أين هذه الرحمةُ مِن بعضِ الآباءِ الذين استرعاهُم اللهُ على بناتٍ يمتنعُ مِن تزويجهنَّ؛ ليصيبَ عرَضًا مِن الدنيا، إمّا بزيادةِ مهرٍ، أو غيرِه؟! وكأنَّهُ ما سمعَ شيئًا عن أقوالِ سيدِنَا ﷺ فنفذتْ إلى قلبِهِ القاسِي فيرحم ضعفَ هذا الشابِّ الذي يستقبلُ الحياةَ والتي ربَّما تفتحُ له بعضَ خزائِنِهَا عاجلًا أو آجلًا مصداقًا لقولِهِ سبحانَهُ: ﴿وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ﴾ .

تابع / خطبة الجمعة القادمة 29 سبتمبر 

أينَ هذه الرحمةُ مِن بعضِ الأزواجِ الذين يتغربونَ السنينَ الطويلةَ عن أهليهِم، وتطالبُهُم نساؤُهُم بالرجوعِ إليهنَّ فيمتنعونَ مع قدرتِهِم على الرجوعِ؛ حرصًا منهم على زيادةِ المالِ، والتخففِ مِن نفقةِ السفرِ؟!

عاشرًا: رحمةُ النبيِّ ﷺ بأُمَّتِهِ في الآخرةِ: مِن أعظمِ صورِ رحمتِهِ ﷺ بأُمَّتِهِ في عرصاتِ يومِ القيامةِ أنَّهُ يقولُ: “أُمَّتِي أُمَّتِي”، كلمةٌ يقولُهَا النبيُّ ﷺ في موقفٍ ينشغلُ كلُّ امرئٍ فيهِ بنفسِهِ.

إنَّها رحمةٌ عجيبةٌ، تستحقُّ الوقوفَ أمامَهَا طويلًا، يا لهَا مِن رحمةٍ تذيبُ ذا العقلِ الراجحِ خجلًا حين يُدركُ معنَاهَا، كلٌّ منشغلٌ بنفسِهِ، الأُمُّ لا يهمُّهَا وليدَهَا، الخليلُ يتخلَّى عن خليلِهِ، الأنبياءُ يرفضونَ التوسُّلَ إلى اللهِ مِن أجلِ البشرِ، بل ينشغلونَ بأنفسِهِم، وما هُم فيهِ مِن هولِ موقفِ يومِ الدينِ، أمَّا نبيُّنَا فيقول: “يا ربِّ أُمَّتي أُمَّتي” ففي حديثِ الشفاعةِ الطويلِ عن أنسٍ “… وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِمُحَمَّدٍ ﷺ، فَيَأْتُونِي، فَأَقُولُ: أَنَا لَهَا، فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّي، فَيُؤْذَنُ لِي، وَيُلْهِمُنِي مَحَامِدَ أَحْمَدُهُ بِهَا لاَ تَحْضُرُنِي الآنَ، فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ المَحَامِدِ، وَأَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا، فَيَقُولُ: يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَقُلْ يُسْمَعْ لَكَ، وَسَلْ تُعْطَ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ، أُمَّتِي أُمَّتِي، فَيَقُولُ: انْطَلِقْ فَأَخْرِجْ مِنْهَا مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ شَعِيرَةٍ مِنْ إِيمَانٍ، فَأَنْطَلِقُ فَأَفْعَلُ، ثُمَّ أَعُودُ، فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ المَحَامِدِ، ثُمَّ أَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا، فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَقُلْ يُسْمَعْ لَكَ، وَسَلْ تُعْطَ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ، أُمَّتِي أُمَّتِي، فَيَقُولُ: انْطَلِقْ فَأَخْرِجْ مِنْهَا مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ – أَوْ خَرْدَلَةٍ – مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجْهُ، فَأَنْطَلِقُ، فَأَفْعَلُ، ثُمَّ أَعُودُ فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ المَحَامِدِ، ثُمَّ أَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا، فَيَقُولُ: يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَقُلْ يُسْمَعْ لَكَ، وَسَلْ تُعْطَ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ أُمَّتِي أُمَّتِي، فَيَقُولُ: انْطَلِقْ فَأَخْرِجْ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ أَدْنَى أَدْنَى أَدْنَى مِثْقَالِ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ، فَأَخْرِجْهُ مِنَ النَّارِ” (البخاري) .

وختامًا: إنَّ انشغالَ سيدِنَا رسولِ اللهِ ﷺ بأمتِهِ ورحمتَهُ بهَا فاقتْ كلَّ الحدودِ، ومدى تقديرِ ربِّ العالمين سبحانَهُ لهذه الرحمةِ، فعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ:«تَلَا قَوْلَ اللهِ فِي إِبْرَاهِيمَ: ﴿رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي﴾، وَقَالَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: ﴿إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾، فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ: «اللهُمَّ أُمَّتِي أُمَّتِي»، وَبَكَى، فَقَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: «يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ، وَرَبُّكَ أَعْلَمُ، فَسَلْهُ مَا يُبْكِيكَ؟» فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فَسَأَلَهُ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ بِمَا قَالَ، وَهُوَ أَعْلَمُ، فَقَالَ اللهُ: يَا جِبْرِيلُ، اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ، فَقُلْ: إِنَّا سَنُرْضِيكَ فِي أُمَّتِكَ، وَلَا نَسُوءُكَ” (مسلم) .

نسألُ اللهَ أنْ يرزقَنَا حسنَ العملِ، وفضلَ القبولِ، إنَّهُ أكرمُ مسؤولٍ، وأعظمُ مأمولٍ، وأنْ يجعلَ بلدَنَا مِصْرَ سخاءً رخاءً، أمنًا أمانًا، سلمًا سلامًا وسائرَ بلادِ العالمين، وأنْ يوفقَ ولاةَ أُمورِنَا لِمَا فيهِ نفعُ البلادِ والعبادِ.

                                  كتبه: د / محروس رمضان حفظي عبد العال

                               مدرس التفسير وعلوم القرآن – كلية أصول الدين والدعوة – أسيوط

_____________________________________

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة

 

وللإطلاع علي قسم خطبة الجمعة

 

تابعنا علي الفيس بوك

 

الخطبة المسموعة علي اليوتيوب

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات

 

وللإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة

 

للمزيد عن أخبار الأوقاف

 

وللمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف

 

للمزيد عن مسابقات الأوقاف

اظهر المزيد

كتب: د.أحمد رمضان

الدكتور أحمد رمضان حاصل علي الماجستير من جامعة الأزهر بتقدير ممتاز سنة 2005م ، وحاصل علي الدكتوراه بتقدير مع مرتبة الشرف الأولي من جامعة الأزهر الشريف سنة 2017م. مؤسس جريدة صوت الدعاة ورئيس التحرير وكاتب الأخبار والمقالات المهمة بالجريدة، ويعمل بالجريدة منذ 2013 إلي اليوم. حاصل علي دورة التميز الصحفي، وقام بتدريب عدد من الصحفيين بالجريدة. للتواصل مع رئيس التحرير على الإيميل التالي: [email protected] رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) للمزيد عن الدكتور أحمد رمضان رئيس التحرير أضغط في القائمة علي رئيس التحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »