خطبة الجمعة القادمة 21 فبراير للشيخ عبد الناصر بليح: السنة النبوية ومكانتها في التشريع
خطبة الجمعة القادمة
خطبة الجمعة القادمة للشيخ عبد الناصر بليح : السنة النبوية ومكانتها في التشريع ، بتاريخ: 27 جماد آخر 1441هـ – 21 فبراير 2020م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة للشيخ عبد الناصر بليح : السنة النبوية ومكانتها في التشريع :
لتحميل خطبة الجمعة القادمة للشيخ عبد الناصر بليح : السنة النبوية ومكانتها في التشريع ، بصيغة word أضغط هنا.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة للشيخ عبد الناصر بليح : السنة النبوية ومكانتها في التشريع ، بصيغة pdf أضغط هنا.
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف
للمزيد علي قسم خطبة الجمعة القادمة
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة للشيخ عبد الناصر بليح : السنة النبوية ومكانتها في التشريع : كما يلي:
عناصر خطبة الجمعة القادمة للشيخ عبد الناصر بليح : السنة النبوية ومكانتها في التشريع :
“السَّنَةُ النَّبَوِيَّةُ وَمَكَانَتُهَا مِنْ التَّشْرِيع”
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أكمل لنا الدين وأتم علينا النعمة، “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا . يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا”(الأحزاب/70-71).
وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله القائل:” “من تمسك بسنتي عند فساد أمتي، فله أجر مائة شهيد”(البيهقي الطبراني ). اللهم صلاة وسلاماً عليك يا سيدي يا رسول الله وعلى ألك وصحبك ، وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد فيا جماعة الإسلام
“وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ”.
إخوة الإيمان: “حديثنا إليكم اليوم عن مكانة السنة النبوية المطهرة من التشريع ..
وفي حقيقة الأمر أن التشريع له عدة مصادر أولها القرآن الكريم ثم السنة النبوية المطهرة فالسنة، هي: “الشارحة والمبينة للقرآن، وقد وكل الله -تبارك وتعالى- مهمة تفسير القرآن، وبيان تعاليم الإسلام، وتفصيل الأحكام إلى رسوله، فلولا السنة لم يعرف الناس عدد ركعات الصلاة، وصفاتها وشروطها، وما يجب فيها، ولولا السنة لم يعرفوا تفصيل أحكام الصيام، والزكاة، والحج، والجهاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولم يعرفوا تفاصيل أحكام المعاملات، من زواج وطلاق وبيوع، ولم يعرفوا المحرمات، وما أوجب الله فيها من الحدود والعقوبات.
ولهذا أوجب الله طاعة رسوله، وقرنها بطاعته، قال سبحانه: “مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ”(النساء/80).وجعلها من أسباب رحمته وهدايته، قال تعالى: “وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُواْ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ”(النور/54). وقال تعالى: “وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ”(آل عمران: 132).وحذر الله من معصيته ومخالفته، فقال جل ذكره: “وَمَا ءاتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فانتَهُواْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ”(الحشر/7).
الإعراض عن السنة ضلال وهلاك”
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عباد الله:” لذلك حثنا الصادق المصدوق صلي الله عليه وسلم للتمسك بسنته حتي لا نضل بعدها أبداً فعن العرباض بن سارية قال: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب، فقلنا يا رسول الله إن هذه لموعظة مودع فماذا تعهد إلينا؟ قال:
” قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك، من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بما عرفتم من سنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ، وعليكم بالطاعة وإن عبدا حبشيا، فإنما المؤمن كالجمل الأنف حيثما قيد انقاد.”(ابن ماجه)وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ: “كُلُّ أُمَّتِى يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ، إِلاَّ مَنْ أَبَى” قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَنْ يَأْبَى قَالَ: “مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الْجَنَّةَ ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى”(البخاري).
وبين أن الاعراض عن السنة فرقة وهلاك عن معاوية رضي الله عنه قال:
“قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: “ألا إن من كان قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على اثنتين وسبعين ملة، وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة؛ اثنتان وسبعون في النار، وواحدة في الجنة وهي الجماعة”، وفي رواية قال: “من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي”.(أحمد والترمذي).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إنكم في زمان من ترك منكم عشر ما أمر به، هلك وعوقب عليه، ثم يأتي زمان من عمل منهم بعشر ما أُمِر به نجا”(الترمذي).
فالسنة إذًا -عباد الله-: هي كل ما شرعه النبي -صلى الله عليه وسلم- من أحكام، سواء بقوله أو فعله أو تقريره.
وإنه من الخطأ: أن تفهم السنة بمعنى المستحب فقط، كما يفهمها عامة الناس؛ يعني: إن فعلت أُجرت، وإن لم تفعل لم تأثم.
والحق والصواب: أن السنة تشمل الأمر والنهي، منها ما هو واجب تأثم على تركه، ومنها ما هو محرم تأثم على فعله، ومنها ما هو مستحب.
والضابط في هذا الأمر ” ما نهيتُكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فَأْتُوا منه ما استطعتم؛ فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرةُ مسائلهم، واختلافُهم على أنبيائهم”(البخاري ومسلمٌ).
عدم التأسي بالسنة جاهلية :”
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
#عباد الله: اعلموا جيداً أنه لكل عصر جاهليته ونحن جمعنا جاهلية كل العصور فكل ما جاء الإسلام ليمنعنا منه أصبحنا نفعله اليوم ,حتى أن أهل زماننا لم يأخذوا من الكفار طريقتهم في تعمير الدنيا ,ولم يأخذوا من أسلافهم طريقتهم في تعمير الآخرة.. نقول ذلك لأنه للأسف الشديد, ضعف الإيمان فى القلوب فابتعد الناس عن الوحى فأين نحن من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم…؟
أين الاقتداء والتأسي بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم…؟والله يقول: “لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا”(الأحزاب21). لقد
كثرت البدع وعظمت في هذا الزمان وساهمت في رواجها وسائل الإعلام, ويكمن خطر البدعة في كونها تبدأ يسيرة ثم تتعاظم وتتطور مع قدم الزمان .
فهذه بدعة الرفض كان منشؤها أول أمرها تفضيل عليٍ على عثمان وانتهت في هذه الأيام باتخاذ علي إلها من دون الله .
وبدأت بدعت التصوف بالزهد في الدنيا والانقطاع للآخرة وانتهت بالغلو في الأولياء والصالحين وصرف أنواع العباد لهم من دون الله واتخاذ قبورهم مساجد.
وبدأت بدعت الخوارج بالخروج على علي وانتهت بتكفير المسلمين واستباحة دمائهم .وهكذا جميع البدع تتعاظم مع مرور الزمان فالانحراف اليسير في أول الطريق يؤدي إلى الانحراف الكامل في نهاية الطريق.
أيها القرآنيون:
“إياكم أن تظنوا الحلال والحرام في القرآن فقط، فإذا قلنا لكم : قال رسول الله كذا، أو حرم كذا، أو بين كذا، قلتم: وهل هذا في القرآن؟ أعطنا آية من القرآن تذكر هذا.
والرسول –صلى الله عليه وسلم- أخبرنا عن أوصافكم و أن أناسًا من أمته سيأتون من بعده، يردون أحاديثه وسنته، ويقتصرون على القرآن فقال: “لا ألفين أحدكم متكئًا على أريكته، يأتيه أمر مما أَمرت به، أو نَهيت عنه، فيقول: لا أدري، ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه”(الترمذي)..
ويقول رسول الله صلي الله عليه وسلم: “ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان علي أريكته، يقول: عليكم بهذا القرآن، فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه، وإنَّ ما حرَّمَ رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حرم الله”( أبو داود).
فردُّ سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- وتشريعاته ضلال وهلاك، قال أيوب السختياني أحد كبار الفقهاء: “إذا حدثت الرجل بالسنة فقال: “دعنا من هذا، وحدثنا من القرآن، فاعلم أنه ضال مضل”.
فإن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- شرع أحكامًا وحرم أمورًا لم تُذكر في القرآن، وفصل أمورًا نحن نطيعه فيها ولم تُذكر في القرآن.
والذي ينبغي على المسلم أن يعلمه ويعتقده: أن السنة وحي من الله، وهي محفوظة كذلك بحفظ الله تعالى؛ لأنه لا يتم حفظ القرآن إلا بحفظ السنة، قال تعالى عن رسوله: “وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى”(النجم: 3-4).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من تمسك بسنتي عند فساد أمتي، فله أجر مائة شهيد”(البيهقي الطبراني ).
وعن ابن مسعود وأبي ذر رضي الله عنهما قالا:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من ورائكم أيام الصبر، فالمتمسك بما أنتم عليه له أجر خمسين، قالوا: يا رسول الله، منا أو منهم؟ قال: منكم”(الطبراني).
أخْبَرَنا النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بما سيكونُ من قِلَّةِ الدِّينِ في آخِرِ الزَّمانِ كما أخْبَرَنا بأَجْرِ المُتَمَسِّكِ بدِينِه في هذه الأزْمانِ حثًّا لنا على الصَّبْرِ مع رَجاءِ الأَجْرِ من اللهِ.
وفي هذا الحديثِ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: “إنَّ من وَرائِكُم” أَيْ: قُدَّامَكُم مِنَ الأَزْمانِ الآتيَةِ، أو خَلْفَكم من الأُمورِ الهاويَةِ “زَمانَ صَبْرٍ” أَيْ: أيامًا لا طَريقَ لكم فيها إلَّا الصَّبْرُ، أو أيَّامًا يُحمَدُ فيها الصَّبْرُ والمُرادُ بالزَّمانِ: هو الذي يَغلِبُ فيه الفِتَنُ، وتَضعُفُ شَوْكَةُ المُسلِمينَ، “لِلمُتَمَسِّكِ فيه”، أي: لِمَنْ صَبَرَ على التَّمسُّكِ بدِينِه واعْتَصَمَ به، “أَجْرُ خَمْسينَ شَهيدًا منكم” يَتَضاعَفُ له أجْرُه بأَجْرِ خَمْسينَ من شُهَداءِ الصَّحابَةِ، وهذا مِنْ عِظَمِ بَلاءِ هذا الزَّمانِ الذي يَجِدُ المُسلِمُ المُسْتَمْسِكُ بدِينِه كالقابِضِ على جَمْرةٍ من نارٍ. . “(صحيح الجامع).
البينة على من ادعى واليمين على من أنكر”
_____________________________
إخوة الإسلام :”
ونحن نتحدث عن مكانة السنة من التشريع فقد ساهمت السنة النبوية المطهرة في جميع التشريعات التي شرعها الإسلام إذ هي المصدر الثاني للتشريع وإذا أردنا أن نضرب مثالاً فإننا نجد أن قواعد العدل في الإسلام أسست علي القرآن والسنة جنباً إلي جنب فقد جاء القرآن مجملاً وجاءت السنة مفسرة فحث القرآن علي العدل :” إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ۚ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا”(النساء/58).وقال تعالي:” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ”(المائدة/8).
ولكن القاعدة الفقهية من السنة المطهرة توضح مبدأ من مبادئ العدل في الإسلام “البينة على من ادعى واليمين على من أنكر”
فتلك قاعدة فقهية وضعها النبي صلى الله عليه وسلم، وهي من أشهر قواعد الفقه الإسلامي والقانون بشكل عام، فالبينة هي الدليل والحجة التي تلزم المدعي الذي يزعم خلاف الظاهر، وليس أمام الجانب الأخر حال إنكاره إلا اليمين والقسم.
فالمدعى عليه جانبه قوي، لأنه الأصل، فاكتفى منه بالحجة الضعيفة وهي اليمين لاحتمال كذب المدعي عليه وإنكاره. وحتي لا يدعي احد علي أحد ادعاءات باطلة..
فعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما: “أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لو يعطى الناس بدعواهم، لادعى رجالٌ أموال قومٍ ودماءهم، لكن البينة على المدَّعِي، واليمين على من أنكر”(البيهقي وغيره هكذا، وبعضه في الصحيحين).
وهذا الحديث من أجلِّ الأحاديث وأرفعها، وأقوى الحجج وأنفعها، وقاعدة عظيمة من قواعد الشريعة المطهرة، وأصل من أصول أحكام الإسلام المحررة، وأعظم مرجع عند الخصام، وأكرم مستمسَك لقضاء الإسلام، وقيل: إنه فصل الخطاب الذي أوتيه داود عليه السلام.
وقال النووي رحمه الله:
“وهذا الحديث قاعدة كبيرة من قواعد أحكام الشرع، ففيه أنه لا يُقبَل قول إنسان فيما يدعيه بمجرد دعواه، بل يحتاج إلى بينة، أو تصديق المدَّعَى عليه، فإن طلب يمين المدعى عليه فله ذلك”(شرح مسلم للنووي).
وقال ابن دقيق العيد رحمه الله: وهذا الحديث أصل من أصول الأحكام، وأعظم مرجع عند التنازع والخصام، ويقتضي ألا يحكم لأحد بدعواه.
وهذا الحديث قاعدة عظيمة من قواعد الدين الذي يبني أحكامه على الحقائق، فإذا قال المدعي عندي بينة لابد أن يأتي بها وتكون بينة واضحة شهود عدول أو دليل مادي دامغ .. وإذا فقد الدليل وقال المدعي ليس عندي بينة فهنا ننتقل إلي اليمين، وهو فصل الخطاب..
فالبينة في اللغة:
“من بان بيناً فهو بين. والتبيين هو: الإيضاح والوضوح استبان الشيء، أي ظهر ووضح . والبينة هي كل ما يبين الدعوى فهي البرهان لإثبات الدعوى . ولا تكون بينة إلا إذا كانت قطعية يقينية في ذاتها . ومعلوم أن الحكم بها لا يكون يقينيا بمجرد وجودها وتوفرها .
أما البينة في الشرع: “اسم لكل ما يبين الحق ويظهره. “ولهذا سمى النبي صلى الله عليه وسلم الشهود بالبينة لوقوع البيان بقولهم، وارتفاع الإشكال بشهادتهم: “وتُعرف البينة بأنها: “الحجة الواضحة ، توضح الحق ويظهر بها”
طرق البينة:”
ـــــــــــــــــــ
ومن الثابت شرعاً ونظاماً أن البينة تكون بطرق كثيرة منها :”
الشهادة والإقرار والقرائن والمستندات الخطية:”
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وغيرها لكنها في الجملة لا تخرج عن كونها خبر والخبر يحتمل الصدق والكذب ، وتوافر البينة لا يكون بالضرورة يعني أن الحكم أضحى يقينيا فقد قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف: “إنما أنا بشر وأنكم تختصمون إليّ ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض ، فأقضي له على نحو ما أسمع ، فمن قضيت له بحق أخيه ، فإنما أقطع له قطعة من النار “وقول الرسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم:
“فأقضي له على نحو ما أسمع” يدل دلالة واضحة على أن النبي صلى الله عليه وسلم يعتمد في قضائه على الظاهر وحسب ، وليس على وجه اليقين كما هو الشيء في الظاهر والباطن . ولئن كان الرسول صلى الله عليه وسلم معصوم من الخطأ إلا أن هذا يدل – أيضاً – على أن البينة اليقينية المراد بها هنا ، هي تلك البينة الظاهرة التي لا يكتنفها الشك وتتوفر فيها شروط البينة.
فمعنى البينة اليقينية أي البينة التي وصلت إلى مرحلة استقرت معها – في وجدان القاضي:
القناعة والتصديق بمضمونها ، لخلوها من العيوب التي يُرد بها الخبر ، أما كون تلك البينة توافق الباطن من عدمه فذلك أمر مرده إلى علم الغيب ، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها . فالحكم يكون وفق القدر المتيقن من تلك البينة أما القول بأنه لابد أن الحكم يوافق الحقيقة معنى وحكماً ، باطناً وظاهراً ، فإن ذلك أمر لم يقل به أحد من أهل العلم .
فإذا ادعى أحد على أخيه أنه يطلبه مالاً، أو ادعى عليه حقًا من قرض أو دين أو بيع أو إجازة، فهذه الدعوى المجردة التي لا يسندها شيء دعوى ضعيفة، ولما كانت الدعوى ضعيفة طلب فيها بينة قوية ولما كان جانب المدعى عليه جانبًا قويًا، يعني أصل براءة ذمته يخرج باليمين. لكن إذا قوي جانب المدعي، ضعف جانب المدعى عليه، وإذا ضعف جانب المدعى عليه وقوي جانب المدعي، انتقلت اليمين من المدعى عليه إلى المدعي، وهذا هو الذي اعتمدت عليه الأدلة، ويدل عليه القياس الصحيح والمعنى، والقرائن الواضحة.
ودل الحديث على أن البينات ليست منحصرة في وجه من أوجه الثبوت:
بل هي عامة في كل ما يبين الحق ويظهره وهذه تستجد مع الأزمان، فلابد في البينات أن تراعي الحال والبلاد وأعراف الناس.
قال الله تعالى: “قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ”(هود/53).، يعني ما جئتنا بشيء يبين انك صادق في دعوى النبوة والرسالة وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك. وقال تعالى: ” لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّىٰ تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ”(البينة/1).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لو يُعطى الناس بدعواهم ، لادّعى رجالٌ أموال قوم ودماءهم، لكن البيّنة على المدّعي واليمين على من أنكر”.
لذلك لخص النبي صلى الله عليه وسلم، أصل النزاع وكيفية الحل، فلو كانت الموازين البشرية أو مقاييسها هي المرجعية فيما يقع بين الناس من اختلاف ، لعمت الفوضى، وانتشر الظلم، وضاعت حقوق الناس، وأُهدرت دماء واستبيحت أموال بغير حق ، لكن من رحمة الله أنه لم يترك الناس هملا ، ولم يكلهم إلى أنفسهم ، بل شرع لهم من الشرائع ما هو كفيل بتحقيق العدل والإنصاف بين الناس ، وما هو سبيل لتمييز الحق من الباطل ، بميزان لا يميل مع الهوى، ولا يتأثر بالعاطفة ، ولكنه راسخ رسوخ الجبال ، قائم على الوضوح والبرهان .
فالحديث يبيّن أن مجرد ادعاء الحق على الخصم لا يكفي، إذا لم تكن هذه الدعوى مصحوبة ببينة تبين صحة هذه الدعوى ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: “لكن البيّنة على المدّعي”.
فإذا افتقرت هذه الخصومة إلى بينة تدل على الحق، أو لم تكتمل الأدلة على صحتها ، توجه القاضي إلى المدعى عليه، وقد سماه النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث بالمنكر، والمقصود أنه ينكر الحق الذي يطالبه به خصمه، وينكر صحة هذه الدعوى.
ويطلب القاضي من المدعى عليه أن يحلف على عدم صدق هذه الدعوى، فإذا فعل ذلك، برئت ذمته، وسقطت الدعوى، والدليل على ذلك أن الأشعث بن قيس رضي الله عنه قال: “كانت بيني وبين رجل خصومة في بئر، فاختصمنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله: “شاهداك أو يمينه”.(مسلم).
أقول ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية: من خطبة الجمعة القادمة “
ـــــــــــــــــــــــــــ
الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله أما بعد فيا جماعة الإسلام ولعل سائلاً يسأل:
لماذا اختص المدعي بالبينة، والمنكر باليمين؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وما هي الحكمة من هذا التقسيم؟ والجواب على ذلك: أن الشخص إذا ادعى على غيره أمرًا، فإنه يدعي أمرًا خفيًا يخالف ظاهر الحال، فلذلك يحتاج إلى أن يساند دعواه تلك ببيّنة ظاهرة قوية تؤيد صحة دعواه، بينما يتمسّك المنكر بظاهر الأمر، ويبقى على الأصل، فجاءت الحجة الأضعف – وهي اليمين – في حقه.
فإذا لم يأت المدعي بالبينة، وأنكر المدعى عليه استحقاق خصمه وحلف على ذلك، لزم القاضي أن يحكم لصالح المنكر، لأنه حكمه هذا مبني على ظاهر الأمر والحال.
أمر آخر، أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث، في أن قضاء القاضي لا يحل حرامًا ولا يحل حلالاً، ولا يغير من حقائق الأمور، لأن القاضي لا يعلم الغيب، وقد يكون هناك من الأدلة الزائفة أو الشهادات الكاذبة ما يخفى عليه فيحكم بموجبها. وشدد النبي صلى الله عليه وسلم على تخويف الناس من أخذ الحرام فقال : ” من حلف على يمين يستحق بها مالا هو فيها فاجر – أي كاذب – ، لقي الله وهو عليه غضبان”(البخاري).
وأنزل الله تصديق ذلك: “إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَٰئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ”( آل عمران/ 77).
الإقرار والاعتراف سيد الأدلة:”
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ومن البينات: إقرار المدعى عليه، وهو في الحقيقة من أعظم الأدلة على صحة الدعوى، كما ذكر ذلك الفقهاء، ومن هذا الباب أيضا: القرائن الدالة على القضية، وفهم القاضي للمسألة باختبار يجريه على المتخاصمين، إلى غير ذلك من أنواع البيّنات .
الاختلاف في البينة ماهي؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جماعة الإسلام:” وللعلماء أقوال بشأن المراد بالبينة . فالجمهور يرى: أن كلمة البينة المراد بها الشهود .
بينما رأى الآخرون : إن البينة في كلام الله ورسوله وكلام الصحابة اسم لكل ما يبين الحق ، فلم تأت البينة في القرآن الكريم مراداً بها الشهود. وإنما أتت مراداً بها الحجة والدليل والبرهان مفردة ومجموعة . ولكل من القولين أدلته من الكتاب والسنة لكن الحقيقة أن الاختلاف حول المراد بالبينة بين الطرفين يبدو إنه اختلاف في اللفظ ، حول معنى كلمة البينة ، وليس اختلاف جوهري بحيث يتعدى إلى نفي جميع الطرق المؤدية للإثبات وعدم الاعتداد بها في الإثبات إلا عن طريق الشهادة . فالفقهاء الذين قصروا معنى البينة على الشهادة لقوله صلي الله عليه وسلم:
” شاهداك أو يمينه”.(مسلم). لم ينكروا في ذات الوقت العمل بالقرائن أو الإقرار أو المستندات الخطية أو القافة ونحوه من أدلة الإثبات ، بل هم في الجملة متفقون على الأخذ بها ، ولكن الاختلاف في معنى البينة وحسب .
ويمكن القول أن الرأي الراجح – والله أعلم – هو ما ذهب إليه أصحاب القول الثاني ، من أن البينة أسم لكل ما يبين الحق وأنها أعم من البينة في اصطلاح الفقهاء حين خصوها بالشاهدين أو الشاهد واليمين. ولو قصرنا البينة على الشهادة لضاعت حقوق الناس وانتهكت أعراضهم واستبيحت أموالهم، ولكن هناك من الكثير من الطرق التي يثبت بها الحكم شرعا لأن ذلك هو السبيل لحفظ حقوق الناس وإرساء دعائم العدل .
_____________________________________
الخطبة المسموعة (خطبة الجمعة) علي اليوتيوب
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة باللغات
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
الخطبة المسموعة (خطبة الجمعة القادمة المسموعة) علي اليوتيوب