أخبار مهمةالخطبة المسموعةخطبة الأسبوعخطبة الجمعةخطبة الجمعة القادمة ، خطبة الجمعة القادمة لوزارة الأوقاف المصرية مكتوبة word pdfعاجل

خطبة الجمعة القادمة 20 مايو 2022م : الزارع المجد ، للدكتور محروس حفظي

خطبة الجمعة القادمة

خطبة الجمعة القادمة 20 مايو 2022م : الزارع المجد ، للدكتور محروس حفظي ، بتاريخ: 19 شوال 1443هـ – الموافق 20 مايو 2022م.

 

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 20 مايو 2022م ، للدكتور محروس حفظي : الزارع المجد.

ولتحميل خطبة الجمعة القادمة 20 مايو 2022م ، للدكتور محروس حفظي : الزارع المجد ، بصيغة word  أضغط هنا.

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 20 مايو 2022م ، للدكتور محروس حفظي : الزارع المجد ، بصيغة  pdf أضغط هنا.

 

 

___________________________________________________________

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة

 

للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف

 

و للمزيد عن مسابقات الأوقاف

 

للمزيد عن أخبار الأوقاف

 

و للمزيد عن الدروس الدينية

عناصر خطبة الجمعة القادمة: الزارع المجد ، للدكتور محروس حفظي : كما يلي:

 

(1) حثَّ الإسلامُ على الزراعةِ وإعمارِ الأرضِ.

(2) أهمُّ الآلياتِ التي وضعَهَا الإسلامُ للنهوضِ بالعمليةِ الزراعيةِ.

 

ولقراءة خطبة الجمعة القادمة الزارع المجد ، للدكتور محروس حفظي : كما يلي:

الحمدُ للهِ حمدًا يُوافِي نعمَهُ، ويّكافىءُ مزيدَهُ، لكَ الحمدُ كما ينبغِي لجلالِ وجهِكَ، ولعظيمِ سلطانِكَ، والصلاةُ والسلامُ الأتمانِ الأكملانِ على سيدِنَا محمدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أمَّا بعدُ ،،،

العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة

(1) حثَّ الإسلامُ على الزراعةِ وإعمارِ الأرضِ:

لقد وجهَنَا سبحانَهُ إلى إحياءِ الأرضِ وزراعَتِهَا واستثمَارِهَا؛ لأنَّها هي مصدرُ الغذاءِ، وأساسُ الموادِ الخامِ للصناعةِ قالَ تعالِى: ﴿فَلْيَنْظُرِ الإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ* أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبّاً * ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقّاً* فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبّاً * وَعِنَباً وَقَضْباً* وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً* وَحَدَائِقَ غُلْباً * وَفَاكِهَةً وَأَبّاً * مَتَاعاً لَكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ﴾، كمَا أنَّ مهنةَ الزراعةِ مِن أعظمِ المهنِ، وأكثرهَا أجرًا؛ لأنَّ خيرَهَا متعدِّ للزراعِ وللبشرِ وغيرِهِم مِن الطيورِ والبهائمِ والحشراتِ، لكنَّها تحتاجُ إلى دراسةٍ وفقهٍ وحسنِ استغلالٍ فحينئذٍ تحصلُ الخيراتُ، وتأتِي البركاتُ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا، أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا، فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ، أَوْ إِنْسَانٌ، أَوْ بَهِيمَةٌ، إِلَّا كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ» (متفق عليه) .

وقد صرَّحَ نبيُّنَا صلِّى اللهُ عليه وسلم بأنَّ الزراعةَ والغرسَ مِن الأعمالِ التي تَبقَى للرجلِ بعدَ موتهِ فعن أنسٍ عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلم قال: «سَبْعَةٌ يجْرِي عَلَى الْعَبْدِ أَجْرُهُنَّ بَعْدَ مَوْتِهِ فِي بِرِّهِ: مَنْ عَلَّمَ عِلْمًا، أَوْ أَكْرَى نَهْرًا، أَو حَفْرَ بِئْرًا، أَوْ غَرَسَ نَخْلاً، أَوْ بَنَى مَسْجِدًا، أَوْ وَرَّثَ مُصْحَفًا، أَوْ تَرَكَ وَلَدًا يَسْتَغْفِرُ لَهُ» (شعب الإيمان)، وبمَا أنَّ النباتاتِ تقعُ في أسفلِ الهرمِ في السلسلةِ الغذائيةِ وهي المنتجُ الأولُ للغذاءِ وما لهَا مِن فوائدَ جمةٍ نجدُ أنَّ الاسلامَ قد حثَّ على الزراعةِ بكلِّ أنواعِهَا، وعدمِ تركِ الأرضِ بدونِ زراعةٍ فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَزْرَعْهَا، فَإِنْ لَمْ يَزْرَعْهَا، فَلْيُزْرِعْهَا أَخَاهُ» (مسلم)، ومنعَ قطعَ الاشجارِ إلَّا لمنفعةٍ ظاهرةٍ، وأوجبَ الرفقَ بالفلاحين وحرمَ ظلمَهُم، وقد فهمَ الصحابةُ ومَن بعدهِم مغزىَ هذا التوجيهِ الكريمِ، وطبقُوه في حياتِهم العمليةِ بكلِّ اخلاصٍ؛ طمعًا في ثوابِ اللهِ، وعمارةً للأرضِ، ورخاءً للإنسانيةِ، ولذا كانُوا رضوانُ اللهِ عليهِم سابقينَ في أمرِ الزرعِ، فكانَ “سيدُنَا طلحةُ بنُ عبيدِ اللهِ رضي اللهُ عنه أوَّلَ مِن أدخلَ زراعةَ القمحِ للمدينةِ، وكان يزرعُ على عشرين ناضحًا، وينتجُ ما يكفِي أهلهُ بالمدينةِ سنتَهُم” (تاريخ دمشق 25/103)

يقولُ الإمامُ ابنُ حزمٍ: «لم تزلْ الأنصارُ كلُّهُم، وكلُّ مِن قسَّمَ لهُ صلَّى اللهُ عليه وسلم أرضًا مِن فتوحِ بنِي قريظةَ، ومَن أقطعَهُ أرضًا مِن المهاجرين يزرعون ويغرسون بحضرتِهِ صلَّى اللهُ عليه وسلم، وكذلك كلُّ مَنْ أسلمَ مِن أهلِ البحرين، وعمانَ، واليمنِ، والطائفِ» (المحلى) .

وقد سخرَ اللهُ للإنسانِ كلَّ ما يحتاجُهُ لإعمارِ الأرضِ، وذللَ لهُ العقباتِ التي قد تقفُ في طريقهِ قالَ تعالَى: ﴿‌وَالْأَرْضَ ‌فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ﴾ أي: بسطنَاهَا ومهدنَاهَا بينَ أيدِيكُم؛ لِيَسْهُلَ عليكم العملُ فيها، والانتفاعُ بثمراتِهَا وخيراتِهَا، وقد حفلَ القرآنُ بكثيرٍ مِن الآياتِ التي تلفتُ انتباهَ الخلقِ إلى أنَّ الزراعةَ أحدُ المهنِ اللازمةِ لحياةِ البشريةِ، والتي لا تحيَا بدونِهَا قالَ تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾، ومن هذا المنطلقِ وعملًا بقولِ اللهِ: ﴿هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ﴾، وتأسيًا بأقوالِ الحبيبِ صلَّى اللهُ عليه وسلم، وعملِ الصحبِ الكرامِ، يفترضُ على الإنسانِ العاقلِ أنْ يقومَ برسالةِ عمارةِ الأرضِ، واستخراجِ كنوزِهَا، والمحافظةِ على هذه البيئةِ نقيةً صالحةً، ومواصلًا الليلَ بالنهارِ لتحقيقِ الاكتفاءِ الذاتيِّ مِن الزراعةِ وغيرِهَا، ولا يقعدنَّ عن الطلبِ والزراعةِ إنسانٌ صغيرٌ أو كبيرٌ، وقد وردَ «أنَّ كسرى خرجَ يومًا يتصيدُ فوجدَ شيخًا كبيرًا يغرسُ شجرَ الزيتونِ، فوقفَ عليهِ وقالَ لهُ: يا هذا أنت شيخٌ هرمٌ والزيتونُ لا يثمرُ إلا بعدَ ثلاثينَ سنةً فلِمَ تغرسهُ فقال: أيُّها الملكُ زرعَ لنَا مَن قبلَنَا فأكلنَا، فنحنُ نزرعُ لمَن بعدنَا فيأكل، فأعطاهُ كسرى ثلاثةَ آلافِ دينارٍ» (فيض القدير) .

العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة

(2) أهمُّ الآلياتِ التي وضعَهَا الإسلامُ للنهوضِ بالعمليةِ الزراعيةِ:

*وجوبُ التخطيطِ وحسنُ الإدارةِ: يجبُ على المزارعِ أنْ يكونَ على أتمِّ استعدادٍ لما سيواجههُ في عملهِ أو حياتهِ في المستقبلِ، وقد ضربَ القرآنُ مثلًا للتخطيطِ السليمِ الذي قامَ على أسسٍ منطقيةٍ، فأمكنَ بذلك تلافِي مجاعةٍ كانتْ تهددُ الناسَ جميعًا بالهلاكِ – فيوسفُ -عليه السلامُ – وهو أمينٌ على الخزائنِ – وذلك حين فسرَ الرؤيَا التي جاءتْ على لسانِ ملكِ مصرَ في قولِهِ تعالَى: ﴿وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلاَتٍ خُضْرٍ﴾ تولَّى– عليه السلامُ – تفسيرَ الرؤيَا ﴿تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ﴾ وزادَ عليهَا حيثُ قدمَ خطةً عمليةً تشملُ الشعبَ المصريَّ كلَّهُ أي أنَّ خطتَهُ اعتمدتْ على التشغيلِ الكاملِ للمجتمعِ بأكملهِ، والبرمجةِ الكاملةِ للوقتِ ثم التشغيلِ الشاملِ لطاقةِ كلِّ فردٍ في المجتمعِ كي يتمَّ مضاعفةُ الإنتاجِ، وتقليلُ الاستهلاكِ، إذ الأزماتّ والظروفُ الاستثنائيةُ تحتاجُ إلى سلوكٍ استثنائيٍّ، ولأنَّ سلوكَ الناسِ في الأزماتِ غيرُ سلوكِهِم في الظروفِ العاديةِ.

إنَّ يوسفَ – عليه السلامُ – قسمَ خطتَهُ إلى ثلاثِ مراحلٍ: المرحلةُ الأولى: هي الإنتاجُ والادخارِ مع استهلاكٍ محدودٍ، فيوسفُ – عليه السلامُ – حددَ خططَ الإنتاجِ بالزراعةِ، وحددَ استمرارَ الإنتاجِ الزراعيِّ سبعَ سنين، العملُ فيها دائبٌ لا ينقطع، ومع هذا الجهدِ الكبيرِ في الإنتاجِ المستمرِ كان هناك تحديدٌ واضحٌ للاستهلاكِ يبدو في قولِهِ: ﴿إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ﴾ وأمرَ – عليه السلامُ – بحفظِ السنابلٍ المخزونةِ من الغلالِ كاملةً كمَا هي ﴿فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ﴾ صيانةً لها مِن إتلافِهَا أو تعرضهَا للفقدانِ، وتلك طريقةٌ لم تعهدْهَا البشريةُ مِن قبل.

المرحلةُ الثانيةُ: إذا ما انتهتْ سنواتُ الإنتاجِ السبع، بما فيها مِن جهدٍ متصلٍ دائبٍ، واستهلاكٍ محدودٍ كان على الخطةِ أنْ تقابلَ تحديًّا ضخمًا هو توفيرُ الأقواتِ لسبعِ سنينَ عجافٍ، وبعبارةٍ أُخرى: بعدَ الإنتاجِ والجهدِ الدائبِ في المرحلةِ الأُولى سيأتِي تحملٌ أيضًا في المرحلةِ الثانيةِ وهو تحملٌ يحتاجُ إلى تنظيمٍ دقيقٍ يصلُ فيهِ الطعامُ إلى كلِّ فمٍ.

المرحلةُ الثالثةُ: ومع هذا التحملِ والتنظيمِ الدقيقِ، ينبغِي ألا تأتِي هذه السنواتُ العجافُ على كلِّ المدخراتِ، وإنَّما كان يوسفُ واضحًا في قولِهِ تعالَى: ﴿إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تُحْصِنُونَ﴾، فكان هذا الجزءُ المدخرُ هو«الخميرةُ» التي يستطيعُ بها المجتمعُ أنْ يقابلَ متطلباتِ البذرِ الجديدِ بعدَ السنواتِ العجافِ أي إعادةِ استثمارِ المدخراتِ، فكان على يوسفَ – عليه السلامُ – أنْ يوازنَ بينَ ثلاثةِ جوانبٍ، الإنتاجِ، والاستهلاكِ، والادخارِ، وأنْ يعيدَ استثمارَ المدخراتِ، ومرتْ المحنةُ بسلامٍ، بل كانتْ البلادُ المجاورةُ تأتيهٍ فيعطيهَا ما تريدُ فكانتْ مصرُ بحقٍ – وستظلُّ بإذنِ اللهِ تعالى – (مركزَ الغِلالِ والغذاءِ) لمَن حولَهَا مِن البلادِ المجاورةِ.

إنَّ بعدَ الشدةِ التي أشارَ إليها يوسفُ -عليه السلامُ – جاءُ الفرجُ الإلهيُّ، وعمَّ الرخاءُ والنماءُ الربانيُّ، وعادتْ الأمورُ إلى سيرتِهَا الأُولى قالَ تعالى: ﴿ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عامٌ فِيهِ يُغاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ﴾ وفيه إشارةٌ إلى فيضِ الخيرِ، فلا يلجأُ الناسُ إلى عصرِ الثمارِ إلّا بعدَ أنْ تفيضَ عن حاجةَ الاستهلاكِ الأساسيةِ وهي الأكلُ، فلا بدَّ مِن الأملِ والتفاؤلِ في أي خطةٍ أو مرحلةٍ، وإلَّا فما الداعِي إلى العملِ، حيثُ حركَ يوسفُ – عليه السلامُ – دوافعَ العملِ عندهُم بتحذيرِهِم مِن شدةِ سنواتِ القحطِ، ثم حركَهَا ثانيةً بفتحِ نافذةِ الأملِ، مِن هنا ندركُ أنَّ الإسلامَ لا يقومُ على التخمينِ أو التواكلِ، ولكنَّهُ يهتمُّ بأدقِّ الأساليبِ وأعمقِهَا سواءٌ في جوانبِ الاقتصادِ أو الغذاءِ أو غيرِهَا، وهو صالحٌ للتطبيقِ في كلِّ زمانٍ ومكانٍ.

*حثَّ الإسلامُ على إحياءِ الأرضِ الميتةِ: والإحياءُ هو قلعُ ما فيهَا مِن عشبٍ أو شجرٍ أو نباتٍ لا فائدةَ منهُ للإنسانِ أو الحيوانِ، أو جلبُ ماءٍ إليهَا مِن نهرٍ أو عينٍ، أو حفرُ بئرٍ لسيقهَا منهُ، أو حرثهَا أو غرسهَا أو تزبيلهَا أو ما يقومُ مقامَ التزبيلِ مِن نقلِ ترابٍ إليهَا أو رمادٍ … إلخ، فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَهِيَ لَهُ» (الترمذي وحسنه)، لكنَّ هذ الإحياءَ  له شروطٌ وضوابطٌ بحيثُ يقعُ في الإطارِ الذي حددَهُ الشارعُ الحكيمُ، ووفقَ ما تنظمُهُ الدولةُ مِن قوانينَ تحمِي بها ملكيتَهَا العامةَ وإلَّا فمخالفةُ القانونِ يعتدُّ تعديًّا على الشرعِ الحنيفِ قالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنِ اقْتَطَعَ شِبْرًا مِنَ الْأَرْضِ ظُلْمًا، طَوَّقَهُ اللهُ إِيَّاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ» (مسلم)، أما إذا سارَ  وفقَ ما أمرَ دينُنَا قاصدًا إعمارَ الأرضِ وتطهيرَهَا ممَّا لا يُرجَى منهُ نفعٌ ولا خيرٌ فلهُ الأجرُ العظيمُ، والثناءُ الجميلٌ قالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ بَنَى بُنْيَانًا مِنْ غَيْرِ ظُلْمٍ، وَلَا اعْتِدَاءٍ، أَوْ غَرَسَ غَرْسًا فِي غَيْرِ ظُلْمٍ، وَلَا اعْتِدَاءٍ، كَانَ لَهُ أَجْرٌ جَارٍ مَا انْتُفِعَ بِهِ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى» (أحمد، سنده ضعيف)، بل أوصىَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلم في حديثٍ عظيمٍ بغرسِ الشجرِ ولو أَزِفَ يومُ القيامةِ فعَنْ أَنَسِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَفِي يَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ، فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا تَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَغْرِسْهَا» (الأدب المفرد، وسنده صحيح)، فليسَ هناكَ حثٌّ على الزراعةِ أقوىَ مِن هذا الحديثِ؛ لأنَّهُ يدلُّ على الطبيعةِ المنتِجَةِ والخيِّرةِ للإنسانِ، فهو بفطرتهِ عاملٌ مِعطاءٌ كالنبعِ الفيَّاضِ لا ينضبُ ولا ينقطعُ حتى إنَّهُ ليظلُّ يعملُ حتى تلفظَ الحياةُ آخرَ أنفاسِهَا، فلو أنَّ الساعةَ تُوشكُ أنْ تقومَ لظلَّ يغرسُ ويزرعُ، وهو لن يأكلَ مِن ثمرِ غرسِهِ، ولا أحدٌ غيرهُ سيأكلُ منهُ؛ لأنَّ الساعةَ تدقُّ طبولَهَا، فالعملُ هنا يُؤدَّى لذاتِ العملِ؛ لأنَّهُ ضربٌ مِن العبادةِ، والقيامُ بحقِّ الخلافةِ للهِ في الأرضِ إلى آخرِ رمقٍ، يقولُ الإمامُ المناويُّ: «والحاصلُ أنَّهُ مبالغةٌ في الحثِّ على غرسِ الأشجارِ، وحفرِ الأنهارِ لتبقَى هذه الدارِ عامرةً إلى آخرِ أمدِهَا المحدودِ المعدودِ المعلومِ عندَ خالقِهَا، فكمَا غرسَ لك غيرُكَ فانتفعتْ بهِ فاغرسْ لمَن يجيءُ بعدَكَ لينتفعَ وإنْ لمْ يبقَ مِن الدنيَا إلا صبابة، وبهذا القصدِ لا يُنافِي الزهد، والتقللَ مِن الدنيا»(فيض القدير) .

إنَّ ثقافةَ الإحياءِ قديمةٌ قدمَ الإنسانِ على ظهرِ هذه الأرضِ فقد «كان ملوكُ فارسٍ قد أكثرُوا مِن حفرِ الأنهارِ، وغرسِ الأشجارِ وعمرُّوا الأعمارَ الطوالَ مع ما فيهِم مِن عسفِ الرعايَا، فسألَ بعضُ أنبيائِهِم ربَّهُ عن سببِ تعميرِهِم، فأوحَى اللهُ إليهِ أنَّهُم عمرُّوا بلادِي، فعاشَ فيها عبادِي» (الكشاف للزمخشري) .

*لا تحقِّرنَّ حرفةَ الزراعةِ فهي مهنةُ الأنبياءِ: إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ حينَ أهبطَ ادمَ -عليه السلامُ- مِن الجنةِ أمرَهُ أنْ يحرثَ بيدهِ، فيأكلَ مِن كدِّ يدهِ قالَ تعالى: ﴿قالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ﴾، ثم عملَ سيدُنَا إبراهيمُ ولوطُ – عليهما السلامُ- في مهنةِ الزراعةِ، فالاهتمامُ بها مظهرٌ حضاريٌّ يدلُّ على فهمِ المجتمعِ لسنةِ اللهِ في خلقهِ، ومدى صعودِهِ في سلمِ الحضارةِ الإنسانيةِ، ولقد رأينَا المسلمينَ في عهودِهِم الزاهرةِ يعتنونَ بالشجرِ حتى غيرِ المثمرِ، فيكفِي ظلُّهُ في أيامِ الصيفِ، وما يقعُ عليهِ من طيورٍ تسبحُ اللهَ، وتدعُو لمَن وفرَّ لها الظلَّ الظليلَ.

وقد استخدمَ رسولُنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزراعةَ وسيلةً لتحريرِ العبيدِ من الرِّقِ كأحدى الآلياتِ المنتشرةِ والميسرةِ في عصرهِ صلَّى اللهُ عليه وسلم فقد وردَ أنَّ سلمانَ الفارسيَّ أسلمَ وهو رقيقٌ «وَكَانَ لِلْيَهُودِ فَاشْتَرَاهُ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – بِكَذَا وَكَذَا دِرْهَمًا، وَعَلَى أَنْ يَغْرِسَ نَخْلًا يَعْمَلُ فِيهَا سَلْمَانُ حَتَّى تُطْعِمَ قَالَ: فَغَرَسَ رَسُولُ اللَّهِ النَّخْلَ إِلَّا نَخْلَةً وَاحِدَةً غَرَسَهَا عُمَرُ، فَحَمَلَتِ النَّخْلُ مِنْ عَامِهَا وَلَمْ تَحْمَلِ النَّخْلَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: مَنْ غَرَسَ هَذِهِ؟ قَالَ عُمَرُ: أَنَا غَرَسْتُهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: فَنَزَعَهَا رَسُولُ اللَّهِ ثُمَّ غَرَسَهَا، فَحَمَلَتْ مِنْ عَامِهَا» (أَحْمَدُ، وَالْبَزَّارُ، وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ)، وانضمَ سلمانُ رضي اللهُ عنه إلى الصحابةِ في نشرِ الإسلامِ، وخدمةِ المسلمين، فما أجدرَنَا أنْ نتأسَّى بفعلِ ذلك، ونملأَ أرضنَا الطيبةَ شجرًا مباركًا تبعثُ خضرتُهُ البهجةَ في القلوبِ، وتتغذىَّ منه الأجيالُ، ولفضلِ الزراعةِ وأثرِهَا على النفسِ يتمنَّى العبدُ في الجنةِ أن يزرعَ ويحصدَ مرةً أُخرى فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَوْمًا يُحَدِّثُ وَعِنْدَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ البَادِيَةِ فقال: إنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ اسْتَأْذَنَ رَبَّهُ فِي الزَّرْعِ، فَقَالَ لَهُ: أَوَلَسْتَ فِيمَا شِئْتَ؟ قَالَ: بَلَى، وَلَكِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَزْرَعَ، فَأَسْرَعَ وَبَذَرَ، فَتَبَادَرَ الطَّرْفَ نَبَاتُهُ وَاسْتِوَاؤُهُ وَاسْتِحْصَادُهُ وَتَكْوِيرُهُ أَمْثَالَ الجِبَالِ، فَيَقُولُ اللَّهُ دُونَكَ يَا ابْنَ آدَمَ، فَإِنَّهُ لاَ يُشْبِعُكَ شَيْءٌ، فَقَالَ الأَعْرَابِيُّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لاَ تَجِدُ هَذَا إِلَّا قُرَشِيًّا أَوْ أَنْصَارِيًّا، فَإِنَّهُمْ أَصْحَابُ زَرْعٍ، فَأَمَّا نَحْنُ فَلَسْنَا بِأَصْحَابِ زَرْعٍ، فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ» (البخاري) .

وقد اهتمَّ الأمراءُ والحُكَّامُ على مرِّ العصورِ، وتوالِي الدهورِ بإصلاحِ وسائلِ الريِّ وتنظيفِهَا، وبنوا السدودَ، وشقوا القنواتِ والأنهارَ التي لا يُحصَى عددُهَا حتى أنَّ مدينةً كالبصرةِ وحدَهَا كان بهَا ما يزيدُ على مائةِ ألفِ نهرٍ، ولكلِّ نهرٍ منها اسمٌ ينسبُ إلى صاحبهِ أو الناحيةِ التي صُبَّ فيها الماءُ، وأقامُوا الجسورَ والقناطرَ، كما أقامُوا السُّكُورَ على الأنهارِ للتحكمِ في كَمِّيةِ المياهِ.

نسألُ اللهَ أنْ يجعلَ بلدَنَا مِصْرَ سخاءً رخاءً، أمنًا أمانًا، سلمًا سلامًا وسائرَ بلادِ العالمين، وأنْ يوفقَ ولاةَ أُمورِنَا لما فيه نفعُ البلادِ والعبادِ.

 

_____________________________________

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة

 

وللإطلاع علي قسم خطبة الجمعة

 

تابعنا علي الفيس بوك

 

الخطبة المسموعة علي اليوتيوب

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات

 

وللإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة

 

للمزيد عن أخبار الأوقاف

 

وللمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف

 

للمزيد عن مسابقات الأوقاف

 

اظهر المزيد

كتب: د.أحمد رمضان

الدكتور أحمد رمضان حاصل علي الماجستير من جامعة الأزهر بتقدير ممتاز سنة 2005م ، وحاصل علي الدكتوراه بتقدير مع مرتبة الشرف الأولي من جامعة الأزهر الشريف سنة 2017م. مؤسس جريدة صوت الدعاة ورئيس التحرير وكاتب الأخبار والمقالات المهمة بالجريدة، ويعمل بالجريدة منذ 2013 إلي اليوم. حاصل علي دورة التميز الصحفي، وقام بتدريب عدد من الصحفيين بالجريدة. للتواصل مع رئيس التحرير على الإيميل التالي: [email protected] رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) للمزيد عن الدكتور أحمد رمضان رئيس التحرير أضغط في القائمة علي رئيس التحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »
error: Content is protected !!