أخبار مهمةالخطبة المسموعةخطبة الأسبوعخطبة الجمعةخطبة الجمعة القادمة ، خطبة الجمعة القادمة لوزارة الأوقاف المصرية مكتوبة word pdfعاجل

خطبة الجمعة القادمة 20 سبتمبر 2024م : وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا ، للشيخ كمال المهدي

خطبة الجمعة القادمة 20 سبتمبر 2024م بعنوان : وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا ، للشيخ كمال المهدي ، بتاريخ 17 ربيع الأول 1446هـ ، الموافق 20 سبتمبر 2024م

 

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 20 سبتمبر 2024م بصيغة word بعنوان : وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا ، للشيخ كمال المهدي

 

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 20 سبتمبر 2024م بصيغة pdf بعنوان : وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا ، للشيخ كمال المهدي

عناصر خطبة الجمعة القادمة 20 سبتمبر 2024م ، بعنوان : وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا ، للشيخ كمال المهدي.

 

١_ حالةُ العربِ قبلَ ميلادِ النبيِّ ﷺ وبعثتِهِ.

٢ _حرصُ النبيِّ ﷺ على تحقيقِ السلامِ.

٣أنواعُ السلامِ.

 

ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 20 سبتمبر 2024م ، بعنوان : وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا ، كما يلي:

 

” وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا ” للشيخ/  كمال المهدي

17 ربيع الأول 1446 هـ ، الموافق 20 سبتمبر 2024م

 

إنّ الحمدَ للهِ، نحمدُهُ ونستعينُهُ ونستهديهِ ونستغفرُهُ، ونعوذُ باللهِ مِن شرورِ أنفسِنَا ومِن سيئاتِ أعمالِنَا، مَن يهدهِ اللهُ فلا مُضلَّ لهُ، ومَن يُضْلِلْ فلا هاديَ لهُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أنَّ مُحمدًا عبدُهُ ورسولُهُ، فصلوات الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. 

أما بعد:-

أحبتِي في اللهِ: ها نحن نلتقِي مِن جديدٍ لنواصلَ الحديثَ عن رسولِ اللهِ ﷺ الذي كان ميلادُهُ سلامًا وأمنًا وأمانًا للبشريةِ جمعاء.

 فسلامُ اللهِ عليكَ يا حبيبِي يا رسولَ اللهِ   ..   سلامُ اللهِ عليكَ يا خيرَ خلقِ اللهِ .

تابع / خطبة الجمعة القادمة 20 سبتمبر 2024م : وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا

أحبتِي في اللهِ : لقد كان العالَمُ عامةً والعربُ خاصةً في زمِن نشأةِ النبيِّ ﷺ، وقبلَ بعثتِهِ قد ذاقَ مِن ويلاتِ الحروبِ الكثيرَ والكثيرَ، وكانت القبائلُ العربيةُ تتقاتلُ فيمَا بينهَا لأتفَهِ الأسبابِ، كانت العصبيةُ القَبَلِيَّةُ تحكمهُم، يشعلونَ الحروبَ لقرونٍ طويلةٍ مِن أجلِ سبقٍ أو نيلِ ثأرٍ، ويهدرونَ في ذلك الدماءَ، ويقيمونَ العداواتِ، إلى أنْ شاءَ اللهُ جلَّ وعلا أنْ ينقلَ البشريةَ مِن الخوفِ إلى الأمنِ ومِن الحروبِ إلى السلامِ فبعثَ فيهِم رسولَ اللهِ ﷺ الذي دعا للسلامِ منذُ نعومةِ أظفارِهِ، فقد كان في أولِ سنينَ عمرِهِ يسعَى في إحلالِ السلامِ بمجتمعِهِ، بالمشاركةِ في فضائلِ الأخلاقِ، والإصلاحِ بينَ الناسِ، ونصرةِ المظلومِ، فشاركَ ﷺ في حلفِ الفضولِ، وقال: (لقد شهدتُ في دارِ عبدِاللهِ بنِ جُدْعَانَ حلفًا ما أحبُّ أنَّ لي بهِ حُمْرَ النَّعَمِ، ولو أُدعَى بهِ في الإسلامِ لأجبتُ ) [رواه البيهقي في السنن الكبرى].

بل كان ﷺ مع شدةِ حبِّهِ للسلامِ يكرَهُ اسمَ الحربِ ولا يحبُّ التسميةَ بهِ، فقد وردَ عن عليٍّ رضي اللهُ عنه قال: ( لمَّا وُلِدَ الحَسَنُ جاء رسولُ اللهِ ﷺ فقال: أَرُوني ابْني، ما سمَّيْتُموه؟ قُلتُ: سمَّيْتُه حَربًا، قال: بلْ هو حَسَنٌ، فلمَّا وُلِدَ الحُسَينُ، قال: أَرُوني ابْني، ما سمَّيْتُموه؟، قُلتُ: سمَّيْتُه حَربًا، قال: بلْ هو حُسَينٌ، فلمَّا وَلَدتُ الثَّالثَ جاء النَّبيُّ ﷺ، فقال: أَرُوني ابْني، ما سمَّيْتُموه؟ قُلتُ: حَربًا، قال: بلْ هو مُحْسِنٌ، ثُم قال: سمَّيْتُهم بأسماءِ وَلَدِ هارونَ: شَبَّرُ، وشَبيرٌ، ومُشبِّرٌ).

ولما هاجرَ ﷺ إلى المدينةِ المنورةِ أولُ شيءٍ فعلَهُ أنَّهُ عقدَ ميثاقَ التحالفِ الإسلامِي، أي: عقدَ المؤاخاةَ بينَ المؤمنينَ (المهاجرينَ والأنصار) أولًا، ثم بينَ المسلمينَ وبينَ اليهودِ في المدينةِ، وبذلك استطاعَ ﷺ أنْ يبنيَ مجتمعًا في المدينةِ يسودُهُ الأمنُ والسلامُ.

ومِن أعظمِ الأدلةِ على حرصِ النبيِّ ﷺ على التعايشِ السلمِيِّ، والسعيِ إليهِ بكلِّ وسيلةٍ ممكنةٍ ما دامَ الخصمُ لا يريدُ العدوان – تلك الوثيقةُ المعروفةُ التي وقَّعَهَا رسولُ اللهِ ﷺ مع قريشٍ في الحديبيةِ، فإنَّ فيها موادًّا تدلُّ على مدَى اهتمامِ الإسلامِ بقضيةِ السلامِ، والتعايشِ السلمِي، فإنَّ رسولَ اللهِ ﷺ لمَّا أرادَ أنْ يكتبَ وثيقةَ الصلحِ بينَهُ وبينَ أهلِ مكةَ، دعَا ﷺ عليَّ بنَ أبِي طالبٍ فقالَ: (اكتُبْ بِسْمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ) فقال سُهيلُ بنُ عمرٍو: لا نعرِفُ الرَّحمنَ الرَّحيمَ، اكتُبْ باسمِكَ اللَّهمَّ فقال ﷺ لِعليٍّ: (اكتُبْ هذا ما صالَحَ عليهِ محمَّدٌ رسولُ اللهِ ﷺ) فقال سُهيلُ بنُ عمرٍو: لو نعلَمُ أنَّك رسولُ اللهِ لاتَّبَعْناك ولم نُكذِّبْك اكتُبْ بنَسَبِك مِن أبيك فقال رسولُ اللهِ ﷺ لِعليٍّ: (اكتُبْ محمَّدُ بنُ عبدِ اللهِ) فكتَب: مَن أتَى منكُم ردَدْنَاهُ عليكم ومَن أتَى منَّا ترَكْناهُ عليكم فقالوا: يا رسولَ اللهِ نُعطيهم هذا ؟ فقال رسولُ اللهِ ﷺ: (مَن أتاهُم منَّا فأبعَدَهُ اللهُ، ومَن أتانَا منهُم فردَدْناهُ جعَل اللهُ لهُ فرَجًا ومخرَجًا)

تابع / خطبة الجمعة القادمة 20 سبتمبر 2024م : وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا

انظروا أحبتي في اللهِ كيف رضيَ ﷺ بحذفِ لقبهِ حرصًا على السلامِ، وطلبًا للصلحِ، انظرُوا كم بلغتْ مرونةُ الإسلامِ حتى إنَّ النبيَّ ﷺ رضِيَ في عهدِهِ أنْ يعيدَ الهاربَ مِن صفوفِ الكفارِ، في حينٍ التزمَ بألَّا يعيدُوا إليهِ مَن تركَ صفوفَ المسلمينَ، وهربَ إلى قريشٍ، وهو غايةٌ في التنازلِ بهدفِ إقرارِ السلامِ..

وها هو ﷺ عندَ فتحِ مكةَ فعلَ ما يكون أسوةً حسنةً لِمَن بعدَهُ، فالكلُّ يعرفُ مدى الأذَى الذي تسببَ فيهِ أهلُ مكةَ لرسولِ اللهِ ﷺ، والذي تدرجُوا فيهِ مِن إفراغِ أحشاءِ الشاةِ على رأسِهِ، إلى اتهامِهِ بالسحرِ والجنونِ، والمسِّ، ثم دفعِهِ إلى مغادرةِ وطنِهِ مُكرهاً، ومصادرةِ ما كان يملكُ، إلى غيرِ ذلكَ مِن ألوانِ الإيذاءِ حتَّى أنَّهُ ﷺ قال: (ما أُوذِيَ نبيٌّ مثلَ ما أوذيتُ).

فبمقتضَى ما تحملُ النفسُ البشريةُ مِن الغرائزِ والشرورِ، يُتوقعُ أنْ يضمرَ رسولُ اللهِ ﷺ ذلك في نفسِهِ حتى تحينَ الفرصةُ المناسبةُ فينتقمَ لهَا، ولكن هل تجدُ النبيَّ ﷺ فعلَ ذلكَ حينَ دخلَ مكةَ مُنتصراً فاتحاً، بعدَ أنْ خرجَ منهَا مُكرهاً مُستضعفاً؟

إنَّ التاريخَ الذي نقلَ لنَا سيرتَهُ ﷺ يروِي لنَا عكسَ ذلكَ تماماً، فحينَ رأَى سادةَ قريشٍ عندَ فتحِ مكةَ، توجًّهَ إليهِم قائلاً: (ما ترَونَ أنِّي فاعلٌ بكم؟ قالوا: أخٌ كريمٌ، وابنُ أخٍ كريمٍ، فقال ﷺ: أقولُ كمَا قالَ أخِي يوسفُ: لا تثريبَ عليكُم، اذهبُوا فأنتُم الطلقاءُ).

 ولمَّا أعطَى رسولُ اللهِ ﷺ رايتَهُ يومَ فتحِ مكةَ سعدَ بنَ عبادةَ، وهو أمامَ الكتيبةِ، فَقالَ سَعْدُ بنُ عُبَادَةَ: يا أبَا سُفْيَانَ، اليومَ يَوْمُ المَلْحَمَةِ، اليومَ تُسْتَحَلُّ الكَعْبَةُ، فَقالَ أبو سُفْيَانَ: يا عَبَّاسُ، حَبَّذَا يَوْمُ الذِّمَارِ، ثُمَّ جَاءَتْ كَتِيبَةٌ -وهي أقَلُّ الكَتَائِبِ- فيهم رَسولُ اللَّهِ ﷺ وأَصْحَابُهُ، ورَايَةُ النَّبيِّ ﷺ مع الزُّبَيْرِ بنِ العَوَّامِ، فَلَمَّا مَرَّ رَسولُ اللَّهِ ﷺ بأَبِي سُفْيَانَ، قالَ: ألَمْ تَعْلَمْ ما قالَ سَعْدُ بنُ عُبَادَةَ؟ قالَ: ما قالَ؟ قالَ: كَذَا وكَذَا، فَقالَ: كَذَبَ سَعْدٌ، ولَكِنْ هذا يَوْمٌ يُعَظِّمُ اللَّهُ فيه الكَعْبَةَ، ويَوْمٌ تُكْسَى فيهِ الكَعْبَةُ).

تابع / خطبة الجمعة القادمة 20 سبتمبر 2024م : وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا

** فهذا هو حبيبُنَا ﷺ لم يكنْ أبدًا داعيًا للحربِ ولا إلى المخاصمةِ، ولا إلى التنازعِ والمشاجَرةِ، بل كان رحيمًا سمحا عَفُوًّا، ففِي بدايةِ الدعوةِ المكيةِ وشدةِ ما وجَدَهُ ﷺ مِن قومهِ يأتيهِ مَلَكُ الجبالِ يستأذنُهُ بأنْ يُطبقَ على كفارِ قريشٍ جبلَيْ مكةَ، فيختارُ سبيلِ السِّلْمِ والسلامِ، ويقولُ: “بل أرجُو أن يُخرجَ اللهُ مِن أصلابِهِم مَنْ يعبدُ اللهَ وحدَهُ لا يشركُ بهِ شيئًا”(رواه البخاري، ومسلم)، فسلامُ اللهِ عليكَ يا حبيبِي يا رسولَ اللهِ، سلامٌ عليكَ يومَ ولدتَ ويومَ المماتِ ويومَ تُبعثُ حيًّا، سلامٌ عليكَ يا مَن  أرسَى قواعدَ السلامِ وجاءَ بالإسلامِ ليسودَ بينَ الناسِ السلمُ والسلامُ والأمنُ والأمانُ..

أحبتِي في اللهِ :إنَّ الذي يقرأُ في كتابِ اللهِ وفي سيرةِ رسولِ اللهِ ﷺ يدركُ بمَا لا يدعُ مجالاً للشكِّ أنَّ الأصلَ هو تقديمُ السلامِ على الحربِ، واختيارُ التفاهمِ لا التصارع، ويكفِي أنَّ كلمةَ السلمِ بمشتقاتِهَا قد جاءتْ في القرآنِ الكريمِ مائةً وأربعينَ مرةً، بينما جاءتْ كلمةُ الحربِ بمشتقاتِهَا ستَ مراتٍ فقط!!

والفرقُ بينَ العددينِ هو الفرقُ بينَ نظرةِ رسولِ اللهِ ﷺ إلى كِلا الأمرينِ، ففِي معظمِ أحوالِهِ ﷺ كان يبحثُ عن الطرقِ السلميةِ والهادئةِ للتعاملِ مع المخالفينَ لهُ، ويحرصُ على تجنُّبِ الحربِ ما استطاعَ إلى ذلكَ سبيلاً، وذلك إلى حدٍّ قد يتعجبُ لهُ المحللونَ والدارسونَ كثيرًا، ولِمَا لا وقد قال لهُ ربُّهُ جلَّ وعلا : (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا) [الأنفال: 61].

** والسلامُ الذي جاءَ بهِ النبيُّ ﷺ ودعَا إليهِ ليسَ قاصرًا على السلامِ بينَهُ وبينَ أعدائِهِ بل كان سلامًا شاملًا يشملُ السلامَ مع اللهِ والسلامَ مع النفسِ والسلامَ مع المسلمينَ والسلامَ مع غيرِ المسلمينَ والسلامَ مع الكونِ، وتعالُوا بنَا لنفصلَ القولَ في ذلكَ…  وأبدأُ (بالسلامِ مع اللهِ) :

والسلامُ مع اللهِ: يكونُ بتحقيقِ الاستسلامِ للهِ والانقيادِ له بالطاعةِ وتحقيقِ التوحيدِ واجتنابِ الشركِ وتركِ الجحودِ والتكذيبِ بهِ جلَّ جلالُهُ، وهذا أعظمُ أنواعِ السلامِ الذي لو فقدَهُ الإنسانُ فلن يُحققَ السلامَ الحقيقيَّ بكمالِهِ حتى لو تحققتْ لهُ بعضُ مظاهرِ السلامِ الأخرى، وقد بيّنَ جلَّ وعلا ذلكَ في كتابِهِ العزيزِ فقالَ: ( الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ) [الأنعام: 82].

تابع / خطبة الجمعة القادمة 20 سبتمبر 2024م : وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا

فإذا لم يتحققْ السلامُ مع اللهِ كانتْ الحربُ مِن اللهِ جلَّ وعلا، وأيُّ حربٍ، قالَ تعالى: (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) [البقرة: 279]، يقولُ الشيخُ الشعراوي: أمَّا حربُ اللهِ فلا نقولُ فيهَا إلّا قولَ اللهِ: ﴿وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ﴾

وهذه بعضُ جنودِ اللهِ بيّنَها ربُّنَا جلَّ وعلا في حربِهِ على قومِ فرعونَ قالَ تعالى : (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُّجْرِمِينَ) [الأعراف :133].

وقال سبحانه: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) [النحل: 112]. قوله: ﴿كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً﴾ أي: كانت تعيشُ في أمانٍ وسلامٍ لا يشوبُهُ خوفٌ، وفى سكونٍ واطمئنانٍ لا يخالطهُمَا فزعٌ أو انزعاجٌ.

واعلمُوا أحبتي في اللهِ: أنَّ المعصيةَ والمروقَ عن أوامرِ اللهِ تعالى سببٌ مِن أسبابِ الحربِ الربانيةِ التي تزلزلُ وتدمرُ ويعيشُ المرءُ فيهَا في حربٍ نفسيةٍ روحيةٍ يصارعُ في الضنكِ والشقاءِ والعناءِ.

** النوعُ الثاني مِن أنواعِ السلامِ: (السلامُ مع النفسِ).

والسلامُ النفسِي لا يتحققُ إلّا بالتخليةِ عمّا يكدرُ حياةَ الإنسانِ، ويجعلُهُ في حربٍ داخليةٍ فلابُدَّ أخي الحبيب أنْ تتخلَّى عن الحسدِ والحقدِ والعداوةِ والبغضاءِ وإلّا ستعيشُ في همٍّ وكربٍ ومنازعاتٍ داخليةٍ تؤدِّي بكَ إلى الأمراضِ النفسيةِ.

فأيُّ عناءٍ وأيُّ شقاءٍ يعيشُهُ الإنسانُ الذي فرّقَ همومُ الدنيا قلبَهُ وجعلتهُ مشتتًا فلا يفيقُ إلّا في معسكرِ الأمواتِ..  وللهِ درُّ الشافعِيِّ حينَ قال:

لَمَّا عَفَوْتُ وَلَمْ أحْقِدْ عَلَى أحَدٍ              أرحتُ نفسي من همَّ العداواتِ

إنِّي أُحَيي عَدُوِّي عنْدَ رُؤْيَتِهِ                              لأدفعَ الشَّرَّ عني بالتحياتِ

وأُظْهِرُ الْبِشرَ لِلإِنْسَانِ أُبْغِضهُ             كما إنْ قدْ حَشى قَلْبي مَحَبَّاتِ

النَّاسُ داءٌ وَدَاءُ النَّاسِ قُرْبُهُمُ               وفي اعتزالهمُ قطعُ المودَّاتِ

** النوعُ الثالثُ مِن أنواعِ السلامِ:( السلامُ مع المسلمينَ).

ويكونُ ذلكَ بالمسالمةِ وبكفِّ الأذَى، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: (الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ)، وعن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قال: (إِنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ: أَيُّ الْمُسْلِمِينَ خَيْرٌ؟ قَالَ: مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ).

تابع / خطبة الجمعة القادمة 20 سبتمبر 2024م : وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا

** النوعُ الرابعُ مِن أنواعِ السلامِ:( السلامُ مع غيرِ المسلمين).

إنَّ الناظرَ في دينِ الإسلامِ يجدُ أنَّ اللهَ جلَّ وعلا جعلَ أصلَ العلاقةِ بينَ المسلمينَ وغيرِهِم السلامَ، ونهَى المسلمينَ عن حربِ غيرهِم إلَّا أنْ يعتدُوا، فوضعَ قاعدةً ذهبيةً في التعاملِ مع الغيرِ بقولِهِ تعالَى: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ) [الممتحنة: 8].

واعتبرَ النبيُّ ﷺ عدمَ السلامِ مع غيرِ المسلمِ جريمةً يستحقُّ عليهَا المسلمُ العقابَ، فرُوي عنهُ ﷺ أنَّهُ قال: (مَن آذَى ذِميًّا فأنا خصْمُهُ، ومَن كنتُ خصْمَهُ خصَمْتُهُ يومَ القيامةِ).

وأخبرَ ﷺ أنَّ دمائَهُم وأنفسَهُم معصومةٌ، وقتلَهُم حرامٌ بالإجماعِ، يقولُ ﷺ:(مَن قتلَ معاهدًا لم يَرِحْ رائحةَ الجنةِ، وإنَّ ريحَها لَيوجدُ مِن مسيرةِ أربعينَ عامًا)؛ [رواه البخاري].

* وأخيرًا السلامُ مع الكونِ :

المسلمُ يعيشُ في سلامٍ مع الكونِ كلِّهِ، فلا يُؤذِي حيواناً، ولا يحرقُ نباتاً، ولا يُتلفُ شجراً، ولا ثمراً، إنّمَا هو بناءٌ معطاءٌ، يحبُّ الخيرَ لا الشر، والبناءَ لا الهدم، والتعميرَ لا التخريب. وما أجملَ أنْ يعيشَ الإنسانُ في سلامٍ مع نفسِهِ، وأسرتِهِ، وعائلتِهِ، وجيرانِهِ، وأصدقائِهِ، والمجتمعِ والكونِ كلِّهِ.

تابع / خطبة الجمعة القادمة 20 سبتمبر 2024م : وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا

وفي الختامِ أحبتِي في اللهِ

ليكنْ أحدُنَا سلامًا على مَن حولَهُ، وذلك ببذلِ النَّدَى وكفِّ الأذَى، وأداءِ الحقوقِ والواجباتِ التي أوجبَهَا الإسلامُ على المسلمينَ تجاهَ بعضِهِم، فإلى جانبِ سلامةِ اليدِ واللسانِ مِن دمائِهِم وأعراضِهِم وأموالِهِم، فإنَ سلامةَ الصدرِ لإخوانِكَ المسلمينَ أعظمُ هذه الحقوقِ والواجباتِ، فلا تحملُ حقدًا، ولا حسدًا، ولا بغضاءَ، ولا شحناءَ، ولا عداوةً، ولا غلًّا؛ فعن عبدِاللهِ بنِ عمروِ بنِ العاص قال: (قِيلَ لرسولِ اللهِ أيُّ الناسِ أفضلُ قال كلُّ مخمومِ القلبِ صدوقِ اللسانِ قالوا صدوقُ اللسانِ نعرفُه فما مخمومُ القلبِ قال هو التقيُّ النقيُّ لا إثمَ فيه ولا بغيَ ولا غِلَّ ولا حسدَ)؛ [صحيح الترغيب والترهيب]. 

وقال سفيانُ بنُ دينارٍ، قلتُ لأبِي بشرٍ: ” أخبرنِي عن أعمالِ مَن كان قبلنَا؟»، قال: «كانوا يعملون يسيرًا ويُؤْجَرُون كثيرًا”. فلا قيمةَ للحياةِ بدونِ سلامٍ، فبالسلامِ تتحققُ الراحةُ والطمأنينةُ والتنميةُ والحبُّ والوئامُ.

فقد قال ﷺ : (مَن أَصبحَ آمنًا في سِرْبِه، معافًى في جَسدِه، عندَهُ قوتُ يومِهِ، فكأنّمَا حيزتْ لهُ الدُّنيا) (رواه الترمذي). دلالةً واضحةً على الإنسانِ لا يكونُ سعيدًا في هذه الدنيا إلّا بالسلامِ.

أسألُ اللهَ تعالى أنْ يرزقنَا الأمنَ والأمانَ والسلامةَ والسلامَ والاستقرارَ..

كتبه : الشيخ /كمال السيد محمود محمد المهدي

إمام وخطيب بوزارة الأوقاف المصرية

_____________________________________

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة

 

تابعنا علي الفيس بوك

 

الخطبة المسموعة علي اليوتيوب

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات

 

للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة

 

للمزيد عن أخبار الأوقاف

 

للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف

 

للمزيد عن مسابقات الأوقاف

اظهر المزيد

كتب: د.أحمد رمضان

الدكتور أحمد رمضان حاصل علي الماجستير من جامعة الأزهر بتقدير ممتاز سنة 2005م ، وحاصل علي الدكتوراه بتقدير مع مرتبة الشرف الأولي من جامعة الأزهر الشريف سنة 2017م. مؤسس جريدة صوت الدعاة ورئيس التحرير وكاتب الأخبار والمقالات المهمة بالجريدة، ويعمل بالجريدة منذ 2013 إلي اليوم. حاصل علي دورة التميز الصحفي، وقام بتدريب عدد من الصحفيين بالجريدة. للتواصل مع رئيس التحرير على الإيميل التالي: [email protected] رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) للمزيد عن الدكتور أحمد رمضان رئيس التحرير أضغط في القائمة علي رئيس التحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »