خطبة الجمعة القادمة 2 أكتوبر 2020م: متطلبات الولاء والانتماء للوطن ، للشيخ كمال المهدي
خطبة الجمعة القادمة بعنوان (متطلبات الولاء والانتماء للوطن) ، للشيخ كمال المهدي ، بتاريخ 15 من صفر 1442 الموافق 2 أكتوبر 2020 م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة word : متطلبات الولاء والانتماء للوطن ، للشيخ كمال مهدي
لتحميل خطبة الجمعة القادمة pdf : متطلبات الولاء والانتماء للوطن ، للشيخ كمال مهدي
ولقراءة الخطبة كما يلي:
الحمد لله رب العالمين وصلاة وسلاما على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين…
أحبتي في الله:-
حديثنا اليوم سيدور حول متطلبات الولاء والانتماء للوطن..
وبداية نقول أن الانتماء إلى الوطن يعني البقاء محبا للوطن ومدافعا عنه وعدم اضراره بأي صورة.. فحب الوطن فطرة في داخل الإنسان ولو كان الوطنُ كثبانَ رملٍ بصحراء، أو تعرض فيه للأذى والبلاء،
فَتَرَى الْبَلَدَ الْقَلِيلَ الْأَمْطَارِ، الْكَثِيرَ الْحَرِّ أَوِ الْكَثِيرَ الْأَوْبِئَةِ، وَمَعَ هَذَا لَا يَعْدِلُ بِهِ أَهْلُهُ جَنَّاتٍ فِي الْأَرْضِ وَأَنْهَارًا.
قَالَ الشَّاعِرُ الْقَدِيمُ:
وَكُنَّا أَلِفْنَاهَا وَلَمْ تَكُ مَأْلَفًا***
وَقَدْ يُؤْلَفُ الشَّيْءُ الَّذِي لَيْسَ بِالْحَسَنْ…
كَمَا تُؤْلَفُ الْأَرْضُ الَّتِي لَمْ يَكُنْ بِهَا**”
هَوَاءٌ وَلَا مَاءٌ وَلَكِنَّهَا وَطَنْ…
فمن الملاحظ أن الإنسان لو غادر وطنه يبقى الشوق والحنين في العودة إليه..
(ََوَلِمَ لا) !!
وهو المكان الذي وُلِدَ وتربى ونشأ فيه، فالوطن فيه ذكرياتٌ لا تُنسى، فيه الأبناء والآباء والأجداد، والأهل والأحباب والأصحاب .
وصدق القائل:-
كم منزل في الأرض يألفه الفتى *** وحنينه أبدًا لأول منزل..
ولنافي رسول اللّه صلى الله عليه وسلّم الأسوة والقدوة الحسنة في حب الوطن في بداية بعثته وعند هجرته..
ففي بداية نزول الوحي عليه صلى الله عليه وسلم بغار حراء ذهبَ مع زوجتِه السيدةخديجة رضي الله عنها إلى ورقة بن نوفل، وقصَّ عليه ما حدث معه من أمر نزول جبريل عليه، وإذا بورقة يفسر له ذلك حتى قال: ( ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أَو مُخْرِجِيّ هم؟!، قال: نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرًا مؤزرًا )
قال السفيري: قوله صلى الله عليه وسلم ( أو مخرجي هم؟ ) استفهام إنكاري على وجه التفجع والتألم، كأنه استبعد صلى الله عليه وسلم أن يخرجه قومه من بلده..
**وعند هجرته صلى الله عليه وسلم استمع أخي الحبيب ماذا فعل صلى الله عليه وسلم عند خروجه من مكة نظر إليها متألماً وكله شوق وحنين وقال مقولته الشهيرة.
ففي سنن الترمذي بإسناد صحيح: عن عبد الله بن عدي بن حراء قال: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- واقفا على الحزورة فقال: (إنكِ لخيرُ أرض الله وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أني أُخرِجت منك ما خرجت).
وفي ذلك دلالة واضحة على حب النبي صلى الله عليه وسلم الشديد لبلده ووطنه مكة، كما تدلُ علَى شدةِ حزنِه لمفارقته له، إِلا أَنه اضطُرَ لذلك.
ولما تحتم عليه البقاء في المدينة ومفارقة وطنه كان من دعائه صلى الله عليه وسلم:(اللهم حبب إلينا المدينة، كحبنا مكة، أو أشد) أخرجه البخاري..
* فقدكانت الهجرة من مكة إلى المدينة أمراً صعباً وشاقاً على النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك على أصحابه رضوان الله عليهم ، وإن أصابهم فيها ما أصابهم من بلاء وعذاب، لأنها وطنهم الذي وُلِدُوا وتربوا فيه، وعاشوا على أرضه،
** ولما كان الخروج من الوطن قاسيًا على النفس فقد كان من فضائل المهاجرين أنهم ضحوا بأوطانهم هجرةً في سبيل الله..
يقول إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَدْهَمَ : ((عَالَجْتُ الْعِبَادَةَ، فَمَا وَجَدْتُ شَيْئًا أَشَدَّ عَلَيَّ مِنْ نِزَاعِ النَّفْسِ إِلَى الْوَطَنِ)) .
**ومما يدل على أن الخروج من الوطن قاسيا على النفس أن الله جل وعلا جعل النفي عن الوطن عقوبة ضمن مجموعة من العقوبات القاسية التي تضمنتها هذه الآية الكريمة . قال تعالى : (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض).
فالنفي من الأرض دليل على شدة العذاب به وما ذاك إلا لأن الوطن محبوب.
**ومما يدل على حب الوطن أن العربي قديما كان حين يخرج من وطنه يحمل معه ترابا من وطنه وبين الحين والحين يفتح الكيس ويشم التراب!
**وقد أشار رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إِلَى أَنَّ تُرْبَةَ الْأَرْضِ التي يَعِيشُ فِيهَا الْإِنْسَانُ قَدْ تَكُونُ عُنْصُرًا مِنْ عَنَاصِرِ الدَّوَاءِ الَّذِي يَشْفِيهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ، فَهَذَا طِبٌّ نَبَوِيٌّ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْن ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَرْقِي الْمَرِيضَ فَيَجْعَلُ فِي أُصْبُعِهِ رِيقَهُ، ثُمَّ يَضَعُ الْأُصْبُعَ عَلَى التُّرَابِ فَيَعْلَقُ بِهِ التُّرَابُ، ثُمَّ يَقُولُ: (بِسْمِ اللهِ، تُرْبَةُ أَرْضِنَا بِرِيقَةِ بَعْضِنَا، يُشْفَى سَقِيمُنَا بِإِذْنِ رَبِّنَا).
وصدق القائل:-
بِلاَدِي وَإِنْ جَارَتْ عَلَيَّ عزيزة
*** وَأَهْلِي وَإِنْ ضَنُّوا عَلَيَّ كِرَامُ..
فالإنسان بفطرته كما يحب نفسه ويخشى عليها من القتل ونحوه كذلك يحب وطنه ويخشى عليه من أي سوء يمسه. فجعل الله جل وعلا الإخراج من الوطن قرين إزهاق النفس والروح وهما شديدتان على الإنسان قال تعالى:- (ولو أنَّا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم).
**هذا الوطن الذي نعيش فيه وننتمي إليه له علينا متطلبات وواجبات…
أولها:- شعور الفرد بأفضال الوطن عليه، ومن ثَمَّ عليه أن يكون وفياً ومُحبّاً لوطنه،
**ثانيها:- الدفاع عن الوطن..
ويكون الدفاع عنه إمّا بالقول وإمّا بالفعل.
فالدفاع عن الوطن واجبٌ شرعي، وإن الموت في سبيل ذلك شهامةٌ وشهادة.. وفي قصة الملأ من بني إسرائيل: ( قَاَلوُا وَمَاَ لََنَا أَلا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا) فالباعث لهم على القتال في سبيل الله هو ما حدث لهم من الإخراج من الأوطان وفوت الديار.
**ثالثها:- الالتزام بالقوانين والأنظمة، والمحافظة والحرص على سلامة ممتلكاته..
هذا وحريٌّ بكلّ فردٍ أن يؤدّي مهامّه ووظائفه بإخلاصٍ وحبّ، وأن يحافظ على مال الوطن وثرواته، ويعمل على نشر الأخلاق الفاضلة ويتحلّى بها، ولابُدّ من نبذ أسباب الاختلاف والفرقة بين الأفراد والجماعات وإقامة شرع الله تعالى في كل الأمور.
**رابعها:- المساهمة الإيجابية بالقول، أو الفعل، أو الفكر، أو غير ذلك من الوسائل المُمكنة في خدمة الوطن، ورفعة منزلته، ورُقيّه؛ لأنّ ذلك يُحقّق مصلحة الأفراد جميعهم، ويعود عليهم بالنّفع والخير.
**خامسها:- تربية الأبناء على حب الوطن وتقدير خيراته، ومقدّراته، والمحافظة على مرافقه.
**سادسها:- تكاتف أفراد الوطن مع بعضهم البعض دون عصبيّةٍ، أو عنصريّةٍ، أو تفريقٍ، أو إقامة جماعات، وأحزاب، وفِرَق متباغضة ومتننافرة، فمن واجب المسلم أن يسعى لوحدة أفراد المجتمع والوطن.
** فغنى عن البيان أن نعرف جميعا أن الانتماء للوطن يقتضي الحرص عليه ودفع الضرر عنه، وقد ظهر هذا جليّا في المجتمع المسلم إبان عهد الرسول صلي الله عليه وسلم حين حاول المسلمون دفع الضرر عن المدينة بحفر الخندق حولها في غزوة الأحزاب عام ٥ هـ، ولما أغارت غطفان علي المدينة عرض الرسول صلي الله عليه وسلم علي الأنصار أن يصالحهم علي ثلث تمر المدينة فقال الأنصار يا رسول الله : لقد كنا أذل الناس فأعزنا الله بالإسلام ولقد كان أهل غطفان لا ينالون من ثمره إلا قرى (كرما وجودا) أو بيعا، أفحين أكرمنا الله تعالي بالإٍسلام وأعزنا الله بك نعطيهم أموالنا؟
والله لا نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم.
**والحقيقة أن أيَّةَ أمةلا تتقدم إلا بعمق إخائها وصدق انتمائها لربها ووطنها ولهذا كان الفهم الصحيح للانتماء سرّا من أسرار التقدم وسببا من أسباب الازدهار
*ولا يمكن أن يكون الانتماء حقا إلا إذا وجدت في أرجاء الأمة أصداؤه الدينية والإنسانية والسياسة والاقتصادية ولا يبني التاريخ ولا يؤسس المجد إلا بهذا..
****
وختاما أقول أن الولاء والانتماء يعملان على حماية المجتمع من عوامل الفساد والانحراف، والظواهر السلبية كالفساد والتجسس، وعمليات التخريب والإرهاب وغيرها التي تظهر في غيابهما؛ لأن الفرد الذي يشعر بالولاء والانتماء لوطنه يبتعد عن كل ما يؤدي إلى الإضرار بالمصلحة الوطنية، ولو كان ذلك على حساب مصلحته الشخصية…
**أسأل الله تعالى أن يديم على بلادنا الأمن والإيمان والسلامة والسلام، وأن يحفظها من فساد المفسدين وكيد الحاقدين، وصلى اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..
*****
كتبه:- كمال السيد محمود محمد المهدي
إمام وخطيب ومدرس بوزارة الأوقاف المصرية