خطبة الجمعة القادمة 2 أغسطس : الرزق وأسبابه الخفية (2) .. التقوي ، للدكتور محروس حفظي
خطبة الجمعة القادمة
خطبة الجمعة القادمة 2 أغسطس 2024 م بعنوان : الرزق وأسبابه الخفية (2) .. التقوي ، للدكتور محروس حفظي ، بتاريخ 27 محرم 1446هـ ، الموافق 2 أغسطس 2024م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 2 أغسطس 2024 م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : الرزق وأسبابه الخفية (2) .. التقوي.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 2 أغسطس 2024 م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : الرزق وأسبابه الخفية (2) .. التقوي ، بصيغة word أضغط هنا.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 2 أغسطس 2024 م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : الرزق وأسبابه الخفية (2) .. التقوي ، بصيغة pdf أضغط هنا.
___________________________________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف
عناصر خطبة الجمعة القادمة 2 أغسطس 2024 م بعنوان : الرزق وأسبابه الخفية (2) .. التقوي ، للدكتور محروس حفظي :
(1) أثرُ المعاصِي في محقِ بركاتِ الأزراقِ.
(2) التقوَى خيرُ معينٍ لاستمطارِ الرزقِ الخفيِّ آجلاً وعاجلاً.
(3) ثمراتُ تحصيلِ التقوَى في الدنيَا والآخرةِ.
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 2 أغسطس 2024 م بعنوان : الرزق وأسبابه الخفية (2) .. التقوي ، للدكتور محروس حفظي : كما يلي:
« الرزقُ وأسبابُهُ الخفيَّةُ (2) التقوَى»
بتاريخ 27 المحرم 1445 هـ = الموافق 2 أغسطس 2024 م
الحمدُ للهِ حمداً يُوافِي نعمَهُ، ويُكافِىءُ مزيدَهُ، لك الحمدُ كما ينبغِي لجلالِ وجهِكَ، ولعظيمِ سلطانِكَ، والصلاةُ والسلامُ الأتمانِ الأكملانِ على سيدِنَا مُحمدٍ ﷺ، أمَّا بعدُ ،،،
العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة 2 أغسطس : الرزق وأسبابه الخفية (2) .. التقوي
(1) أثرُ المعاصِي في محقِ بركاتِ الأزراقِ:
إنَّ المعصيةَ لهَا أثرٌ عظيمٌ في مَحقِ بركةِ الرزقِ، قالَ تعالَى: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ﴾، وعَنْ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، رَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، قَالَ: «… وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِالذَّنْبِ يُصِيبُهُ» (أحمد) .
لقد فُتِحَ على الناسِ مِن أسبابِ الرَّخاءِ ما لم يُفتَحْ على أحدٍ قبلَهُم، وتفجَّرَتْ كنوزُ الأرضِ، وتوافَرَتْ الأموالُ والتجاراتُ، وتعدَّدتْ المُخترعاتُ والصناعاتُ، لكن غلَبَ على العالَمِ الشكوَى، والخوفُ مِن المُستقبَلِ مع توافُرِ كلِّ أسبابِ الرَّخاءِ؛ فمِن أينَ الخللُ؟! إنَّهَا “فقدانُ التقوى”، والركونُ للنفسِ والهوَى، وصدقَ اللهُ حينمَا قال: ﴿أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُم﴾، وفي هذا يقولُ ابنُ القيمِ: (وَلَمْ تَزَلْ أَعْمَالُ بَنِي آدَمَ تُحْدِثُ لَهُمْ مِنَ الْفَسَادِ الْعَامِّ وَالْخَاصِّ مَا يَجْلِبُ عَلَيْهِمْ مِنَ الْآلَامِ، وَالْأَمْرَاضِ، وَالْأَسْقَامِ، وَالطَّوَاعِينِ، وَالْقُحُوطِ، وَالْجُدُوبِ، وَسَلْبِ بَرَكَاتِ الْأَرْضِ، وَثِمَارِهَا، وَنَبَاتِهَا، وَسَلْبِ مَنَافِعِهَا، أَوْ نُقْصَانِهَا أُمُورًا مُتَتَابِعَةً يَتْلُو بَعْضُهَا بَعْضًا، وَمِنْ عُقُوبَات المعاصي: أَنَّهَا تَمْحَقُ بَرَكَةَ الْعُمُرِ، وَبَرَكَةَ الرِّزْقِ، وَبَرَكَةَ الْعِلْمِ، وَبَرَكَةَ الْعَمَلِ، وَبَرَكَةَ الطَّاعَةِ، وَبِالْجُمْلَةِ أَنَّهَا تَمْحَقُ بَرَكَةَ الدِّينِ وَالدُّنْيَا، فَلَا تَجِدُ أَقَلَّ بَرَكَةٍ فِي عُمُرِهِ وَدِينِهِ وَدُنْيَاهُ مِمَّنْ عَصَى اللَّهَ، وَمَا مُحِقَتِ الْبَرَكَةُ مِنَ الْأَرْضِ إِلَّا بِمَعَاصِي الْخَلْقِ) أ.ه.
إنَّ تقوَى اللهِ – سبحانه- جماعُ كلِّ خيرٍ، وسياجٌ مِن كلِّ شرٍّ، فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَوْصِنِي، قَالَ: «عَلَيْكَ بِتَقْوَى اللَّهِ فَإِنَّهُ جِمَاعُ كُلِّ خَيْرٍ » (أبو يعلى)، والعبدُ قد يُؤتَى رزقاً وفيراً مع ما هو مقيمٌ عليهِ مِن المعاصِي والمنكراتِ، فليسَ هذا علامةً على محبةِ اللهِ لهُ ورضاهُ عليهِ، وتلك مقاييسٌ فاسدةٌ كما قالَ سبحانَهُ: ﴿أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ﴾، وإنَّمَا هو استدراجٌ وإمهالٌ كمَا قالَ ربُّنَا: ﴿سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ﴾، وعَنْ عُقْبَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «إِذَا رَأَيْتَ اللَّهَ يُعْطِي الْعَبْدَ مِنَ الدُّنْيَا عَلَى مَعَاصِيهِ مَا يُحِبُّ، فَإِنَّمَا هُوَ اسْتِدْرَاجٌ» ثُمَّ تَلَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ﴾ (أحمد) .
الذنوبُ والمعاصِي لا تحجبُ الرزقَ عن البشريةِ وإنَّمَا تمنعُ بركتَهُ وحلاوتَهُ، قال ربُّنَا: ﴿وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْها مِنْ دَابَّةٍ وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ﴾، فهو يرزقُ العبادَ كلَّهُم مؤمنُهُم وكافرُهُم، مطيعُهُم وعاصيهم، لكن التقيُّ النقيُّ يُرزَقُ نعمةَ التوفيقِ والهدايةِ والصلاحِ في دارِ الفناءِ والبقاءِ، بينمَا العاصِي والمجرمُ يُحرَمُ لذةَ البركةِ وحلاوةَ ما أغدقَ اللهُ عليهِ، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إِنَّ اللهَ لَا يَظْلِمُ مُؤْمِنًا حَسَنَةً، يُعْطَى بِهَا فِي الدُّنْيَا وَيُجْزَى بِهَا فِي الْآخِرَةِ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيُطْعَمُ بِحَسَنَاتِ مَا عَمِلَ بِهَا لِلَّهِ فِي الدُّنْيَا، حَتَّى إِذَا أَفْضَى إِلَى الْآخِرَةِ، لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَةٌ يُجْزَى بِهَا» (مسلم) .
العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة 2 أغسطس : الرزق وأسبابه الخفية (2) .. التقوي
(2) التقوَى خيرُ معينٍ لاستمطارِ الرزقِ الخفيِّ آجلاً وعاجلاً:
تقوَى اللهِ – عزَّ وجلَّ- وحسنُ التوكلِ عليهِ، واعتمادُ القلبِ على اللهِ سبحانَهُ الذي يفوضُ المؤمنُ إليهِ أمرَهُ، مع إظهارِ العجزِ والضعفِ للهِ، واليقينِ بأنَّهُ لا فاعلَ في الوجودِ إلَّا هوَ سبحانَهُ ﴿وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُها وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها كُلٌّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ﴾، ولذا أرشدَنَا نبيُّنَا ﷺ إلى حسنِ التوكلِ على اللهِ فقَالَ ﷺ: «لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرُزِقْتُمْ كَمَا يُرْزَقُ الطَّيْرُ تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا» (الترمذي وابن ماجه)، والتوكلُ على اللهِ لا يستلزمُ تركَ السببِ، والسعيَ لطلبِ الرزقِ ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾، عن معاذِ بنِ جبلٍ قال: «سمعتُ رسولَ اللهِ ﷺ يقولُ: “يا أيُّها الناسُ اتخذُوا تقوَى اللهِ تجارةً يأتكُم الرزقُ بلا بضاعةٍ ولا تجارةٍ “، ثُمَّ قرأَ: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا﴾» (الطبراني، وفيه إسماعيل البجلي وهو ضعيف) .
إنَّ للطاعىةِ أثرًا في جلبِ الرزقِ، ونعمَ المالُ الصالحُ في يدِ العبدِ الصالحِ، قالَ تعالَى: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾، وقِيلَ لحاتمٍ الأصم: “على ما بنيتَ أمركَ في التوكلِ على اللهِ؟ قال: “على خصالٍ أربعةٍ: علمتُ أنَّ رزقِي لا يأكلُهُ غيرِي فاطمأنتْ نفسِي، وعلمتُ أنَّ عملِي لا يعملُهُ غيرِي فأنَا مشغولٌ بهِ، وعلمتُ أنَّ الموتَ يأتِي بغتةً فأنَا أبادرُهُ، وعلمتُ أنِّي لا أخلُو مِن عينِ اللهِ فأنَا مستحيِ منهُ” أ.ه.
أخي الحبيب: تقوَى اللهِ – عزَّ وجلَّ- ظاهراً وباطناً بتركِ جميعِ ما حرّمَ اللهُ، تفتحُ عليكَ بركاتُ السماءِ والأرضِ مِن غيرِ عناءٍ ولا تعبٍ، ولا كدٍّ ولا نَصَبٍ، ولعلك تحلظُ أنَّ اللهَ رتبَ نزولَ المطرِ والاستسقاءَ على الاسستقامةِ على منهجِ الخالقِ جلَّ وعلا، فقالَ تعالَى: ﴿وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا﴾، فالآيةُ تقررُ أنَّ الاستقامةَ على أمرِ اللهِ تؤدِّي إلى السعادةِ التي ليس بعدَها سعادة، وأنَّ رخاءَ العيشِ وشظافتَهُ هما لونٌ مِن ألوانِ الابتلاءِ والاختبارِ، كما قالَ تعالى: ﴿وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً﴾، وأنَّ الإعراضَ عن ذكرِ اللهِ عاقبتُهُ الخسرانُ المبينُ، والعذابُ الأليمُ قالَ ربِّي سبحانَهُ: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنا عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْناهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ * وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ﴾ .
يجبُ على العبدِ أنْ يشغلَ نفسَهُ بعبادةِ ربِّهِ – سبحانَهُ-، ويأخذَ بالأسبابِ ولا يتكلَ عليهَا، واللهُ – تعالَى- كفيلٌ بسوقِ رزقهِ إليهِ، قالَ تعالَى: ﴿وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ﴾ وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: وَلَا أَعْلَمُهُ إِلَّا وَقَدْ رَفَعَهُ، قَالَ يَقُولُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ: «يَا ابْنَ آدَمَ تَفَرَّغْ لِعِبَادَتِي، أَمْلَأْ صَدْرَكَ غِنًى، وَأَسُدَّ فَقْرَكَ، وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ، مَلَأْتُ صَدْرَكَ شُغْلًا، وَلَمْ أَسُدَّ فَقْرَكَ» (الترمذي وحسنه وابن ماجه) .
إنَّ أكلَ الحلالِ وإنْ كانَ يُتعبُ صاحبَهُ في دارِ الفناءِ لكنّهُ ييسرُ على صاحبِهِ الحسابَ في دارِ البقاءِ، فإنَّهُ سيُسألُ عن مالِهِ «مِن أينَ اكتسبَهُ، وفيمَ أنفقَهُ؟»، فتكونُ لديهِ الحجة، ويدخلُهُ اللهُ – عزَّ وجلَّ – الجنةَ، فعَنْ جَابِرٍ قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ ﷺ النُّعْمَانُ بْنُ قَوْقَلٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَرَأَيْتَ إِذَا صَلَّيْتُ الْمَكْتُوبَةَ، وَحَرَّمْتُ الْحَرَامَ، وَأَحْلَلْتُ الْحَلَالَ، أَأَدْخُلُ الْجَنَّةَ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «نَعَمْ» (مسلم) .
والإنسانُ في زحمةِ الحياةِ، وفي سبيلِ تحصيلِ لقمةِ العيشِ لأولادِهِ قد تسولُ لهُ نفسُهُ أكلَ الحرامِ، ويجمعُ تبريراتٍ واهيةً، وحججًا هشةً باليةً، قوامُهَا البحثُ عن تأمينِ مستقبلٍ مشرقٍ للأبناءِ، وكأنَّهُ لم يسمعْ قولَهُ تعالَى: ﴿وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا﴾، عَنْ جَابِرِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:«أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، فَإِنَّ نَفْسًا لَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ رِزْقَهَا وَإِنْ أَبْطَأَ عَنْهَا، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، خُذُوا مَا حَلَّ، وَدَعُوا مَا حَرُمَ» (ابن ماجه)، وهذا الصلاحُ أيضاً هو الذي سخرَ الخَضِرَ وموسَى –عليهما السلامُ– كي يبنيَا للغلامينِ اليتيمينِ الجدارَ الذي يحفظُ كنزهمَا- حتى يكبرَا- مِن أنْ تمتدَّ إليهِ آيادِي المعتدين، وعبثُ العابثين ﴿وَأَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما وَيَسْتَخْرِجا كَنزَهُما رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ﴾، وقد “أسندَ الإرادةَ إلى اللهِ؛ لأنّهَا في أمرٍ مستأنفٍ في الزمنِ طويلِ غيبٍ مِن الغيوبِ”، وفي هذا اعتدادٌ بصلاحِ أبيهِمَا، وحفظٌ لحقهِ فيهمَا، وأنَّ التقوَى والصلاحَ يورثانِ، فعن جعفرِ بنِ مُحمدٍ الصادقِ: “كان بينَ الغلامينِ وبينَ الأبِّ الذي حفظَا فيهِ سبعةَ آباءٍ” . (الكشاف للزمخشري، والمحرر الوجيز لابن عطية) .
ألَا فليوقنْ المسلمُ وليثقْ بمَا عندَ اللهِ – عزَّ وجلَّ-، فخزائنُهُ ملىءَ ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ﴾، وأرزاقُهُ لا تنفدُ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، فِيمَا رَوَى عَنِ اللهِ َتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ: «يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ، يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا، فَلْيَحْمَدِ اللهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ، فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ» (مسلم) .
إنَّ ما كُتبَ للعبدِ مِن الرزقِ يأتيهِ لا محالةَ إلّا أنّهُ مَن طلبَ الآخرةَ يأتيهِ بلا تعبٍ، ومَن طلبَ الدنيا يأتيهِ بتعبٍ ومشقّةٍ، فأيُّ فائدةٍ لهُ في المالِ إذا فاتتْ الراحةُ والهناءةُ، عن زيدِ بن ثابتٍ قال رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، يَقُولُ: «مَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ، فَرَّقَ اللَّهُ عَلَيْهِ أَمْرَهُ، وَجَعَلَ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا مَا كُتِبَ لَهُ، وَمَنْ كَانَتِ الْآخِرَةُ نِيَّتَهُ، جَمَعَ اللَّهُ لَهُ أَمْرَهُ، وَجَعَلَ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ» (ابن ماجه) .
العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة 2 أغسطس : الرزق وأسبابه الخفية (2) .. التقوي
(3) ثمراتُ تحصيلِ التقوَى في الدنيا والآخرةِ:
المستقرىءُ لنصوصِ القرآنِ الكريمِ وسنةِ النبيِّ الأمينِ ﷺ يجدُ أنّهمَا قد ذكرَ جملةً مِن الثمراتِ التي يجنيهَا العبدُ التقيُّ، ومنهَا:
أولاً: يُرزَقُ صاحبُ التقوَى نعمةَ التيسيرِ والتأييدِ والعونِ في حياتِهِ، ومغفرةَ ذنوبِه، وسترَ عيوبِهِ، ومخرجاً مِن الشبهاتِ، ونفاذَ البصيرةِ، وحسنَ الفراسةِ: قالَ تعالَى: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً﴾، وقال أيضاً: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾، وقالَ عزَّ شأنُهُ: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾.
ثانياً: تحصيلُ العلمِ النافعِ الذي يخدمُ البشريةَ: قالَ سبحانَهُ: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾.
ثالثاً: محبةُ اللهِ تعالَى، والملائكةِ والناسِ أجمعين: قال تعالى: ﴿بَلى مَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ وَاتَّقى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾، وقال أيضاً: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا﴾.
رابعاً: تحقيقُ البشرَى خاصةً عندَ نزولِ الموتِ: قال تعالى: ﴿أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ﴾.
خامساً: سببُ قبولِ العملِ وإنْ كانَ قليلاً، والنجاةُ مِن الفتنِ ما ظهرَ منهَا وما بطنَ: قال ربِّي: ﴿إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾، وقال سبحانه: ﴿وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ﴾.
سادسا: دخولُ جنةِ الرحمنِ يومَ القيامةِ: قال عزَّ وجلَّ: ﴿وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ﴾.
نسألُ اللهَ أنْ يرزقنَا حسنَ العملِ، وفضلَ القبولِ، إنَّهُ أكرمُ مسؤولٍ، وأعظمُ مأمولٍ، وأنْ يجعلَ بلدَنَا مِصْرَ سخاءً رخاءً، أمناً أماناً، سلماً سلاماً وسائرَ بلادِ العالمين، ووفقْ ولاةَ أُمورِنَا لِمَا فيهِ نفعُ البلادِ والعبادِ.
كتبه: الفقير إلى عفو ربه الحنان المنان
د / محروس رمضان حفظي عبد العال ،،،،
مدرس التفسير وعلوم القرآن – كلية أصول الدين والدعوة – أسيوط
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
وللإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
وللمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف