خطبة الجمعة القادمة 18 مارس 2022م : “التكاتف الوطني في التعامل مع الأزمات”، للدكتور محروس حفظي
خطبة الجمعة القادمة
خطبة الجمعة القادمة 18 مارس 2022م : “التكاتف الوطني في التعامل مع الأزمات” ، للدكتور محروس حفظي ، بتاريخ: 15 شعبان 1443هـ – الموافق 18 مارس 2022م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 18 مارس 2022م ، للدكتور محروس حفظي : “التكاتف الوطني في التعامل مع الأزمات”.
ولتحميل خطبة الجمعة القادمة 18 مارس 2022م ، للدكتور محروس حفظي : “التكاتف الوطني في التعامل مع الأزمات”، بصيغة word أضغط هنا.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 18 مارس 2022م ، للدكتور محروس حفظي : “التكاتف الوطني في التعامل مع الأزمات” ، بصيغة pdf أضغط هنا.
___________________________________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف
عناصر خطبة الجمعة القادمة: “التكاتف الوطني في التعامل مع الأزمات”، للدكتور محروس حفظي : كما يلي:
(1) حثُّ الإسلامِ على ضرورةِ التكاتفِ وقتَ الأزماتِ.
(2) مِن أساليبِ الإسلامِ في كيفيةِ إدارةِ الأزماتِ الاقتصاديةِ.
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة “التكاتف الوطني في التعامل مع الأزمات”، للدكتور محروس حفظي : كما يلي:
خطبةٌ بعنوان «التكاتفُ الوطنيُّ في التعاملِ مع الأزماتِ
الحمدُ للهِ حمدًا يُوافِي نعمَهُ، ويُكافىءُ مزيدَهُ، لكَ الحمدُ كمَا ينبغِي لجلالِ وجهِكَ، ولعظيمِ سلطانِك، والصلاةُ والسلامُ الأتمانِ الأكملانِ على سيدِنَا محمدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أمَّا بعدُ ،،،
العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة
(1) حثُّ الإسلامِ على ضرورةِ التكاتفِ وقتَ الأزماتِ:
إنَّ الإنسانَ حياتُهُ لا تسيرُ على وتيرةٍ واحدةٍ، فهو معرضٌ للصحةِ والمرضِ والفقرِ والغنىَ، والقوةِ والضعفِ قالَ تعالَى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾، ومِن سننِ اللهِ الكونيةِ أنْ يُنَزِّلَ على البشرِ مِن وقتٍ لآخرَ بعضَ الأزماتِ والمحنِ؛ ليختبرَهُم حسبَمَا قالَ: ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ﴾، ودينُنَا أرشدَنَا أنْ نقفَ بجوارِ بعضِنَا بعضًا وقتَ البلايا والمصائبِ فعَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ: «الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا» وشبَّكَ أصابعَهُ (متفقٌ عليه)؛ وصورُ التعاونِ كثيرةٌ ومتنوعةٌ لا تقفُ عندَ حدٍّ معينٍ، ومنها التعاونُ المعنويُّ والماديُّ وها هو رسولُنَا يوجهُنَا إلى حسنِ التعاطفِ والترابطِ فيمَا بينَنَا فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «مَا آمَنَ بِي مَنْ بَاتَ شَبْعَانًا وَجَارُهُ جَائِعٌ إِلَى جَنْبِهِ وَهُوَ يَعْلَمُ بِهِ» (الْبَزَّار، وَإِسْنَاده حَسَنٌ)، وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ، فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا ظَهْرَ لَهُ، وَمَنْ كَانَ لَهُ فَضْلُ مِنْ زَادٍ، فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا زَادَ لَهُ» (مسلم)، وهناكَ بعضُ الخلقِ انتكستْ فطرتُهُم، وضاعتْ إنسانيتُهُم، وفقدُوا وطنيتَهُم، فباتُوا لا يشعورونَ بمَن حولَهُم، وصارُوا يستغلونَ حاجةَ الناسِ وقتَ شدتِهِم وعوزِهِم، فملأَ الجشعُ والطمعُ قلوبَهُم، وحبُ الذاتِ والتكالبُ على الحطامِ نفوسَهُم، وهُم في سبيلِ جشعِهِم لا يُمانِعُونَ أنْ يزدادَ مالُهُم مِن قوتِ المساكينِ وعرقِهِم وسعيِهِم وكدِّهِم، فيرتكبونَ بعضَ المخالفاتِ والموبقاتِ في التجارةِ وكسبِ المالِ، وهؤلاءِ نسوا أنَّ المالَ في ذاتِهِ وسيلةٌ إلى الانتفاعِ بهِ، وليسَ منفعةً بذاتِهِ فأنتَ لا تلبسُ الدنانيرَ إذَا عريتَ، ولا تأكُلُهَا إذا جعتَ، ولا تقيكَ حرَّ الشمس،ِ وبردَ الشتاءِ، ولكنَّهَا وسيلةٌ إلى تحقيقِ ذلك، وعلى العكسِ فهناكَ صاحبُ الضميرِ الحيِّ، والإيمانِ القويِّ، والوطنيةِ الحقيقةِ لا المزيفةِ الذي يسعَى في تحقيقِ مصالحِ الناسِ، ويقدمُ يدَ العونِ لهُم، ويسدُّ خُلَّتِهِمْ، فَحُقَّ لهُ أنْ يُحشرَ في أعلَى عليينَ مع النبيينَ والصديقينَ فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الأَمِينُ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ»
العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة
(2) مِن أساليبِ الإسلامِ في كيفيةِ إدارةِ الأزماتِ الاقتصاديةِ:
وضعَ دينُنَا منهجًا متكاملًا للتعاملِ مع مختلفِ الأزماتِ خاصةً الاقتصاديةَ منها؛ لأنَّها ترتبطُ بقوتِ ومعاشِ الناسِ، وفيمَا يلِي عرضٌ لجانبٍ مِن هذا المنهجِ المتكاملِ:
*اللجوءُ إلى اللهِ واستغفارِهِ، والاستعانةُ بهِ: إنَّ ملاذَ الإنسانِ عندَ نزولِ المحنِ والجوائحِ والأزماتِ أنْ يهرعَ إلى خالقِهِ، ويكثرَ مِن التضرعِ إليهِ، ويطيلَ الوقوفَ ببابِهِ، واللهُ عندَ حسنِ ظنِّ عبدِهِ بهِ، ولذَا أرشدَ سيدُنَا نوحٌ – عليه السلامُ –قومَهُ إلى ذلكَ فقالَ على لسانِهِ آمرًا لهُم: ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهاراً﴾، وقد أوصىَ الزبيرُ بنُ العوامِ ابنَهُ عبدَ اللهِ بقضاءِ دينِهِ وقالَ لهُ: «يَا بُنَيَّ, إِنْ عَجَزْتَ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ فَاسْتَعِنْ عَلَيْهِ مَوْلَايَ, قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا دَرَيْتُ مَا أَرَادَ حَتَّى قُلْتُ: يَا أَبَتِ , مَنْ مَوْلَاكَ؟ قَالَ: اللَّهُ , قَالَ: وَاللَّهِ مَا وَقَعْتُ فِي كُرْبَةٍ مِنْ دَيْنِهِ إِلَّا قُلْتُ: يَا مَوْلَى الزُّبَيْرِ , اقْضِ عَنْهُ دَيْنَهُ, فَيَقْضِيهِ» (البخاري)، ولا يستثقلنَّ المسلمُ هذا العلاجَ – الاستغفارُ واللجوءُ إلى ربِّهِ ومولاهُ – لكنْ هذا يحتاجُ إلى يقينٍ وثقةٍ بربِّ العالمين، فهو القادرُ على كلِّ شيءٍ، وها هو رسولُنَا يرشدُ أحدَ أصحابِهِ الذي أرهقتْهُ الديونُ إلى أنْ يلزمَ الاستغفارَ فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: «دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ ذَاتَ يَوْمٍ الْمَسْجِدَ، فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ أَبُو أُمَامَةَ، فَقَالَ: يَا أَبَا أُمَامَةَ مَا لِي أَرَاكَ جَالِسًا فِي الْمَسْجِدِ فِي غَيْرِ وَقْتِ صَلَاةٍ؟، قَالَ: هُمُومٌ لَزِمَتْنِي وَدُيُونٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: أَفَلَا أُعَلِّمُكَ كَلَامًا إِذَا قُلْتَهُ أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّكَ، وَقَضَى عَنْكَ دَيْنَكَ؟ قَالَ: قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: قُلْ إِذَا أَصْبَحْتَ وَإِذَا أَمْسَيْتَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْبُخْلِ وَالْجُبْنِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ الدَّيْنِ وَقَهْرِ الرِّجَالِ، قَالَ: فَقُلْتُ ذَلِكَ، فَأَذْهَبَ اللَّهُ هَمِّي، وَقَضَى عَنِّي دَيْنِي» (أبو داود)، فيجبُ على المسلمِ أنْ يعتقدَ اعتقادًا جازمًا أنَّ الذي يُدبرُ الأمرَ، ويُسيرُ الخلقَ هو اللهُ عزَّ وجلَّ، وعليه أنْ يكلَ أمرَهُ إليه، فلهُ الحكمةُ البالغةُ في أقدارِهِ، وتوزيعِ أرزاقِهِ عَنْ صُهَيْبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ: «عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ» (مسلم)
*حسنُ التدبيرِ والاقتصادِ في المعيشةِ: إذا كانَ الإنسانُ – في الأوقاتِ العاديةِ – مطالبٌ أنْ يحسنَ التدبيرَ في أمورهِ الماليةِ والمعيشيةِ، فمِن بابِ أولَى وقتَ الأزماتِ، وهو مقصدٌ قرآنيٌّ أصيلٌ حيثُ مدحَ اللهُ التوسطَ في مواضعَ كثيرةٍ مِن القرآنِ، وربطَهَا في أغلبِهَا بالإنفاقِ الماديِّ كقولِهِ تعالي: ﴿وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا﴾، وقولِهِ تعالى: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا﴾، وحثَّ عليه نبيُّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «مَا عَالَ مُقْتَصِدٌ قَطُّ» (الطَّبَرَانِيُّ وَرِجَالُهُ وُثِّقُوا، وَفِي بَعْضِهِمْ خِلَافٌ)، والإسرافُ والتبذيرُ يؤثرُ على حياةِ الإنسانِ وأولادِهِ مِن بعدِهِ قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ، خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ، وَلَسْتَ تُنْفِقُ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللهِ، إِلَّا أُجِرْتَ بِهَا، حَتَّى اللُّقْمَةُ تَجْعَلُهَا فِي فِي امْرَأَتِكَ» (متفق عليه)
إنَّ منهجَ الإسلامِ هو تربيةُ الإنسانِ على ثقافةِ الاستغناءِ عن الأشياءِ لا على الاستهلاكِ والبذخِ حتى لا تستعبدُهُم المادةُ خاصةً عندمَا تشتدُّ بهم الفاقةُ، وهذا ما ربَّى عليهِ رسولُنَا أصحابَهُ ووجهَهُم إليهِ فعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ لَمَّا بَعَثَ بِهِ إِلَى الْيَمَنِ قَالَ لَهُ: إِيَّاكَ وَالتَّنَعُّمَ ; فَإِنَّ عِبَادَ اللَّهِ لَيْسُوا بِالْمُتَنَعِّمِينَ» (أَحْمَدُ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ)، وأبرزُ مَن سلكَ هذا المنهجَ مِن بعدهِ سيدُنَا عمرُ مع عمالِهِ ومَن استخلفَهُم فعَنْ أَبِي عُثْمَانَ قَالَ: كَتَبَ إِلَيْنَا عُمَرُ وَنَحْنُ بِأَذْرَبِيجَانَ: «… وَإِيَّاكُمْ وَالتَّنَعُّمَ، وَاخْشَوْشِنُوا وَاخْلَوْلِقُوا» (ابن حبان) .
*حثُ الإسلامِ على تعجيلِ الزكاةِ والإكثارِ مِن الصدقاتِ وقتَ الأزماتِ: إنَّ بذلَ الزكاةِ والصدقاتِ أحدُ أهمِّ الركائزِ الاجتماعيةِ التي تنشرُ الترابطَ والتكاتفَ، وتبثُّ روحَ التعاونِ والتراحمِ خاصةً وقتَ الشدةِ، إذْ لا يصحُ شرعًا ولا عرفًا أنْ يستحوذَ على المالِ فئةٌ معينةٌ فلا تنظرُ إلى غيرِهَا، فالمسلمونَ جميعًا كالجسدِ الواحدِ إذا اشتكَى منهُ عضوٌ تأثرَ باقي جسدهِ عَنِ النُّعْمَانِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ، وَتَرَاحُمِهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى» (مسلم)، وقدْ رغبَ ربُّنَا في غيرِ آيةٍ على الإنفاقِ في وجوهِ الخيرِ المتنوعةِ فقالَ تعالى: ﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾، ولذَا أجازَ الفقهاءُ وقتَ حلولِ الأزماتِ تعجيلَ دفعِ الزكاةِ إلى مستحقِّيهَا متى بلغَ المالُ النصابَ المقررَ شرعًا حتى يتحققَ المغزىَ والمقصدُ منها وهو سدُّ حاجةِ الفقيرِ والسائلِ، وهذا ما أفتَى بهِ رسولُنَا فعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «أَنَّ العَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَعْجِيلِ صَدَقَتِهِ قَبْلَ أَنْ تَحِلَّ، فَرَخَّصَ لَهُ فِي ذَلِكَ» (الحاكم وصححه ووافقه الذهبي) .
لقد كانَ مِن أخلاقِ الجيلِ الأولِ مِن الصحابةِ – رضيَ اللهُ عنهم – الإيثارُ وعدمُ الضنِّ والبخلِ على الآخرينَ بما يملكونَهُ وقد مدحَهُم اللهُ على هذا فقالَ: ﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾، وانظرْ في هذا الأنموذجِ الذي قلَّمَا يجودُ الزمانُ بمثلِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَعَثَ إِلَى نِسَائِهِ، فَقُلْنَ: مَا مَعَنَا إِلَّا الْمَاءُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «مَنْ يَضُمُّ – أَوْ يُضِيفُ – هَذَا؟» فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ: أَنَا، فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى امْرَأَتِهِ فَقَالَ: أَكْرِمِي ضَيْفَ رَسُولِ اللَّهِ، فَقَالَتْ: مَا عِنْدَنَا إِلَّا قُوتٌ لِلصِّبْيَانِ، فَقَالَ: هَيِّئِي طَعَامَكِ، وَأَصْلِحِي سِرَاجَكِ، وَنَوِّمِي صِبْيَانَكِ إِذَا أَرَادُوا عَشَاءً، فَهَيَّأَتْ طَعَامَهَا، وَأَصْلَحَتْ سِرَاجَهَا، وَنَوَّمَتْ صِبْيَانَهَا، ثُمَّ قَامَتْ كَأَنَّهَا تُصْلِحُ سِرَاجَهَا فَأَطْفَأَتْهُ، وَجَعَلَا يُرِيَانِهِ أَنَّهُمَا يَأْكُلَانِ، وَبَاتَا طَاوِيَيْنِ، فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ فَقَالَ: لَقَدْ ضَحِكَ اللَّهُ – أَوْ: عَجِبَ – مِنْ فَعَالِكُمَا، فأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾» (البخاري) .
*محاربةُ كلِّ أنواعِ الاستغلالِ: إذا كانَ دينُنَا قد أرشدَ ووجهَ إلى طريقِ الكسبِ الحلالِ عن طريقِ البيعِ والشراءِ فقالَ تعالى: ﴿وَأَحَلَّ ﷲ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾، إِلَّا أنَّهُ ضبطَ وقيدَ هذه المعاملاتِ بمَا يجبُ أنْ تكونَ عليهِ مِن مراعاةِ حقوقِ الناسِ، والتزامِ العدلِ فيمَا بينهُم، وعدمِ أكلِ أموالِهِم بالباطلِ فقالَ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لا تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ﴾، وفي سبيلِ تحقيقِ ذلك حرمَ ربُّنَا عدةَ معاملاتٍ فيها استغلالٌ لظروفِ وحاجةِ الناسِ: كالاحتكارِ الذي هو حبسُ السلعِ عن الخلقِ رغمَ حاجتِهِم إليها؛ ليبيعَهَا المستغلُّ وقتَ الغلاءِ بسعرٍ أعلَى، ونظرًا لنيتِهِ الخبيثةِ، وسوءِ طويتِهِ المريضةِ بشرَهُ نبيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالإفلاسِ فعَنْ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «مَنِ احْتَكَرَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ طَعَامَهُمْ، ضَرَبَهُ اللَّهُ بِالْجُذَامِ وَالْإِفْلَاسِ» (ابن مَاجَهْ وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ)، بلْ حكمَ عليهِ بالطردِ مِن رحمةِ اللهِ، فهو كمَا لمْ يرحمْ خلقَ اللهِ ولم يشفقْ عليهم – بل مصَّ دمَهُم، ومنعَ قوتَهُم – كانَ عقابُهُ مِن جنسِ عملِهِ، ودعَا بالبركةِ والخيرِ للذي يقلِّبُ سلعتَهُ، ويبعَهَا بالحلالِ دونَ استغلالٍ أو احتكارٍ فعَنْ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «الْجَالِبُ مَرْزُوقٌ، وَالْمُحْتَكِرُ مَلْعُونٌ» (ابن ماجه، إِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ)، والاحتكارُ لا يكونّ في الأقواتِ فحسب، وإنَّمَا في كلِّ ما يحتاجُ إليه الناسُ مِن مالٍ وأعمالٍ ومنافعَ، وقد أجمعَ العلماءُ على أنَّهُ لو احتكرَ إنسانٌ شيئًا، واضطرَّ الناسُ إليهِ، ولم يجدُوا غيرَهُ أُجبرَ على بيعِهِ، قالَ الإمامُ النوويُّ: «أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ عِنْدَ إِنْسَانٍ طَعَامٌ واضطرَّ الناسُ إليهِ ولم يجدُوا غيرَهُ أُجبرَ عَلَى بَيْعِهِ؛ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنِ النَّاسِ» أ.ه، فالمستغلُّ مهمَا حققَ مِن ربحٍ وكسبٍ إِلَّا أنَّهُ إلى زوالٍ وفناءٍ؛ لأنَّهّ ركنَ إلى مالِهِ، فملأَ بهِ جيبَهُ، وغزَّى بهِ بطنَهُ، وصارَ عبدًا لهُ قالَ تعالى: ﴿وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾، ولذا دعَا عليهِ رسولُنَا بالخيبةِ والخسرانِ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ، وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ، وَعَبْدُ الخَمِيصَةِ إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ، وَإِنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ، تَعِسَ وَانْتَكَسَ، وَإِذَا شِيكَ فَلاَ انْتَقَشَ» (البخاري)
إنَّ الاحتكارَ والاستغلالَ جريمةٌ دينيةٌ واجتماعيةٌ وإنسانيةٌ وثمرةٌ مِن ثمراتِ الانحرافِ عن منهجِ اللهِ تعالى، أَلَا فليتبْ فاعلُهُ، ويرجعْ إلى رشدهِ وصوابهِ وإِلَّا فقدْ برئتْ منهُ ذمةُ اللهِ فعَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنِ احْتَكَرَ طَعَامًا أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، فَقَدْ بَرِئَ مِنَ اللَّهِ، وَبَرِئَ اللَّهُ مِنْهُ، وَأَيُّمَا أَهْلُ عَرْصَةٍ أَصْبَحَ فِيهِمُ امْرُؤٌ جَائِعٌ، فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُمْ ذِمَّةُ اللَّهِ تَعَالَى» (أحمد، وسنده صحيح)
كما نهَى الإسلامُ عن الغشِّ بكلِّ أشكالِهِ وصورِهِ ماديًّا كانَ أمْ معنويًّا فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللهِ مَرَّ عَلَى صُبْرَةِ طَعَامٍ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا، فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلًا فَقَالَ: مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ؟ قَالَ أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: أَفَلَا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ كَيْ يَرَاهُ النَّاسُ، مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي» (مسلم)، ونهَى أيضًا عن تطفيفِ الكيلِ والميزانِ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ اسْتَعْمَلَ سِبَاعَ بْنَ عُرْفُطَةَ عَلَى الْمَدِينَةِ فَقَرَأَ: ﴿وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ﴾ فَقُلْتُ: هَلَكَ فَلَانٌ لَهُ صَاعَانِ، صَاعٌ يُعْطِي بِهِ وَصَاعٌ يَأْخُذُ بِهِ» (الْبَزَّارُ، وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ) إلى غيرِ ذلكَ مِن المعاملاتِ التي فيها بخسٌ وهضمٌ لحقوقِ الآخرين، ولذا شرعَ الإسلامُ للمسئولِ – حمايةً للصالحِ العامِ وضبطَ حياةِ الخلقِ- مراقبةَ هؤلاءِ ومعاقبتَهُم بكلِّ وسيلةٍ يراهَا مناسبةً لردعِ مَن تسولُ له نفسُهُ الإضرارَ بالمجتمعِ، أو إحداثَ خللٍ داخلَ صفوفِهِ ولا أدلَّ على ذلكَ ممَّا فعلُهُ سيدُنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ في عامِ المجاعةِ لمَّا وجدَ أنَّ القحطَ قد اشتدَّ، والطعامَ قد نَدُرَ، صادرَ كثيرًا مِن الطيباتِ وأودعَهَا بيتَ المالِ، وقسمَهَا على الناسِ كلٌّ بقدرِ حاجتهِ – طبقاً لإحصاءاتٍ دقيقةٍ- ولم ينكرْ عليه أحدٌ مِن الصحابةِ فعلَهُ، بلْ أقرُوه فيمَا عملَ.
نسألُ اللهَ أنْ يجعلَ بلدنَا مِصْرَ سخاءً رخاءً، أمنًا أمانًا، سلمًا سلامًا وسائرَ بلادِ العالمين، وأنْ يوفقَ ولاةَ أُمورِنَا لِمَا فيهِ نفعُ البلادِ والعبادِ.
كتبه: د / محروس رمضان حفظي عبد العال
عضو هيئة التدريس بجامعة الأزهر
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
وللإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
وللمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف