خطبة الجمعة القادمة 14 يونيو : حرمة الدماء والأموال والأعراض في ضوء خطبة حجة الوداع ، للدكتور محروس حفظي
خطبة الجمعة القادمة
خطبة الجمعة القادمة 14 يونيو 2024 م بعنوان : حرمة الدماء والأموال والأعراض في ضوء خطبة حجة الوداع ، للدكتور محروس حفظي ، بتاريخ 8 ذو الحجة 1445هـ ، الموافق 14 يونيو 2024م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 14 يونيو 2024 م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : حرمة الدماء والأموال والأعراض في ضوء خطبة حجة الوداع.
ولتحميل خطبة الجمعة القادمة 14 يونيو 2024 م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : حرمة الدماء والأموال والأعراض في ضوء خطبة حجة الوداع ، بصيغة word أضغط هنا.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 14 يونيو 2024 م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : حرمة الدماء والأموال والأعراض في ضوء خطبة حجة الوداع ، بصيغة pdf أضغط هنا.
___________________________________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف
عناصر خطبة الجمعة القادمة 14 يونيو 2024 م بعنوان : حرمة الدماء والأموال والأعراض في ضوء خطبة حجة الوداع، للدكتور محروس حفظي :
(1) حُرمةُ الدماءِ والأموالِ والأعراضِ.
(2) إقرارُ مبدأِ المساواةِ بينَ البشرِ جميعًا.
(3) إبطالُ بعضِ المعاملاتِ والعاداتِ الجاهليةِ الخاطئةِ.
(4) المُعامَلةُ الحسَنةُ مع النساءِ.
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 14 يونيو 2024 م بعنوان : حرمة الدماء والأموال والأعراض في ضوء خطبة حجة الوداع ، للدكتور محروس حفظي : كما يلي:
حرمةُ الدماءِ والأموالِ والأعراضِ في ضوءِ خطبةِ حجةِ الوداعِ
بتاريخ 8 ذو الحجة 1445 هـ = الموافق 14 يونيو 2023 م»
الحمدُ للهِ حمدًا يُوافِي نعمَهُ، ويُكافىءُ مزيدَهُ، لك الحمدُ كما ينبغِي لجلالِ وجهِكَ، ولعظيمِ سلطانِكَ، والصلاةُ والسلامُ الأتمانِ الأكملانِ على سيدِنَا محمدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أمَّا بعدُ ،،،
لقد وقفَ النبيُّ ﷺ خطيبًا بجُموعِ المسلمين في حجةِ الوداعِ؛ ليُذكرَهُم بمبادىءِ دِينِهِم، وسماحةِ شريعتِهِم، وأرادَ أنْ يُوصِي أمتَهُ مِن بعدهِ بجملةٍ مِن الوصايَا؛ لتكونَ على بصيرةٍ مِن أمرِهَا، وقد أشعرَ ﷺ المسلمينَ بأنَّ تلك اللحظاتِ التي يلتقيَهُم فيها ما هي إلا لحظاتُ المُودِّعِ لدُنياهُ، المُفارقُ لأصحابهِ، إذ خاطبَهُم بعبارةٍ تستدعِي انتباهَهُم فقالَ:«لَعَلِّي لَا أَلْقَاكُمْ بَعْدَ عَامِي هَذَا» (النسائي)، وفيما يلي عرضٌ لأهمِّ ما اشتملتْ عليه خطبةُ حجةِ الوداعِ من دروسٍ وعبرٍ نهتدِي بها في واقعِنَا المعاصرِ:
العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة 14 يونيو 2024م
(1) حُرمةُ الدماءِ والأموالِ:
لقد كرَّمَ اللهُ الإنسانَ كمَا قال سبحانَهُ: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً﴾، فلقد خلقَ اللهُ الإنسانَ بيدهِ، ونفخَ فيهِ مِن روحِهِ، وأسجدَ لهُ ملائكتَهُ، وسخرَ لهُ ما في السمواتِ وما في الأرضِ جميعًا منهُ، وأنزلَ الكتبَ، وأرسلَ الرسلَ، كلُّ هذا مِن أجلِ الإنسانِ، وأنزلَ عليهِ شريعةً ضمنتْ لهُ كلَّ الحقوقِ، وضمنتْ لهُ الحياةَ السعيدةَ الأبيَّةَ، ومِن أعظمِ وأكبرِ هذه الحقوقِ التي ضمنتهَا الشريعةُ للإنسانِ “حقُّ الحياةِ”، ولا يجوزُ أبدًا لأحدٍ أنْ يسلبَ هذه الحياةَ مِمّن وهبهَا لهُ اللهُ تعالَى إلّا ما وردَ بهِ النصُّ، قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ:”لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: الثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ” (مسلم)، فلا يجوزُ أبدًا أنْ تُنتهكَ حرمةُ الحياةِ، وأنْ تُسفكَ دماءُ الخلقِ قالَ ربُّنَا: ﴿وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ﴾، ولعظمِ حقِّ الحياةِ للإنسانِ كان أولُ شيءٍ يقتصُّ منهُ اللهُ – عزَّ وجلَّ– فيما يتعلقُ بالخلقِ مَن سلبَ حياةَ إنسانٍ دونَ وجهِ حقٍّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنَّ أَوَّلَ مَا يُقْضَى بَيْنَ العِبَادِ فِي الدِّمَاءِ»(الترمذي وحسنه).
وقد جاءَ ذلك واضحًا في بدايةِ الخطبةِ قال ﷺ: «إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا» (رواه مسلم)، لقد صانتْ الشريعةُ النفسَ البشريةَ أيَّما صيانة، فحرمتْ الاعتداءَ عليها بأي وسيلةٍ كانتْ، وأمرتْ بحفظِ الأموالِ، وعدمِ الاستيلاءِ عليها بأيِّ وجهٍ كان، حتى عدتْ حفظَ النفسِ والمالِ أحدَ (الكلياتِ الستِّ) التي جاءتْ كلُّ الشرائعِ السماويةِ للمحافظةِ عليها، وهي:(حفظُ الدينِ والعقلِ والنفسِ والمالِ والعرضِ، والوطنِ وسلامةِ أراضيهِ أو الأمنِ العام).
إنَّ قتْلَ النفسِ بغيرِ حقٍّ حرامٌ قالَ ربُّنَا:﴿وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ﴾، وقد جاءتْ السنةُ وفصلتْ تلك الحالاتِ التي يجوزُ فيها إزهاقُ الروحِ البشريةِ فعَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: “لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ، إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: الثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ” (متفق عليه)، ثم إنَّ الذي يتولَّى ذلك السلطاتُ المختصةُ كالقضاءِ وغيرِها مِن الجهاتِ الرسميةِ والتنفيذيةِ، أمَّا أنْ يُعطي الإنسانُ لنفسهِ سلطةَ التسليطِ على رقابِ الخلقِ فهذه جريمةٌ نكراءُ تخالفُ الشرعَ والقانونَ حتى عدَّ ربُّنَا مَن يقتلُ أو يتسببُ في إزهاقِ نفسٍ واحدةٍ فكأنَّهُ قضَى على البشريةِ جمعاءَ والعكسُ بالعكسِ قالَ تعالى: ﴿مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً﴾، وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: “يَجِيءُ مُتَعَلِّقًا بِالْقَاتِلِ تَشْخَبُ أَوْدَاجُهُ دَمًا يَقُولُ: سَلْ هَذَا فِيمَ قَتَلَنِي” (النسائي، وسنده صحيح)، وقد توعدَ القرآنُ الكريمُ مَن يعتدِي على النَّفسِ البشريةِ بأشدِّ الوعيدِ فقالَ تعالى: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}، ولذا هو مقرونٌ بالشِّركِ باللهِ فى أكثرِ مِن آيةٍ قال جلَّ جلالُهُ {وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا}، وما ذاك إلّا لأهميةِ النفسِ الإنسانيةِ وقدسيتِهَا عندَ باريهَا .
العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة 14 يونيو 2024م
(2) إقرارُ مبدأِ المساواةِ بينَ البشرِ جميعًا:
وإذا كان البعضُ يتغنَّى بالإعلانِ العالمِي لحقوقِ الإنسانِ باعتبارهِ أولُ إعلانٍ يصدرُ عن هيئةٍ عالميةٍ- فإنَّ المتأملَ في السُّنَّةِ النَّبويةِ عامةً، وفي خطبةِ الوداعِ خاصةً والتي ألقهَا رسولُ الإنسانيةِ جمعاءَ منذُ أكثرَ مِن أربعةِ عشرَ قرنًا، حيثُ لخَّصَ فيها مقاصدَ الإسلامِ في كلماتٍ جامعةِ، وأرسَى فيها مبادئَ الرحمةِ والإنسانيةِ، وحقوقَ الإنسانِ على اختلافِ الأجناسِ والألوانٍ واللغاتِ، تُعتبرُ بمثابةِ الإعلانِ العالمِي الأولِ لحقوقِ الإنسانِ قالَ ﷺ فِي وَسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا أَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ، إِلَّا بِالتَّقْوَى أَبَلَّغْتُ» ، قَالُوا: بَلَّغَ رَسُولُ اللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: «أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟» ، قَالُوا: يَوْمٌ حَرَامٌ، ثُمَّ قَالَ: «أَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟» ، قَالُوا: شَهْرٌ حَرَامٌ، قَالَ: ثُمَّ قَالَ: «أَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟» ، قَالُوا بَلَدٌ حَرَامٌ، قَالَ: «فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ بَيْنَكُمْ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ» ـ قَالَ: وَلَا أَدْرِي قَالَ: أَوْ أَعْرَاضَكُمْ، أَمْ لَا ـ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا أَبَلَّغْتُ، قَالُوا: بَلَّغَ رَسُولُ اللَّهِ، قَالَ: «لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ» (أحمد، وإسناده صحيح)، لقد تركَ كلَّ المعاييرِ السَّائدةِ آنذاكَ للتَّفاضلِ كالقوةِ والضَّعفِ، والموقعِ الاجتماعيِ أو الاقتصادِي، أو الطبقةِ التي ينتمِي إليها الإنسانُ، أو الجنسِ واللونِ، وهو معيارٌ يدفعُ إلى الرُّقِي والسُّموِّ بالإنسانِ بعيدًا عن المقاييسِ الزائفةٍ، والمعاييرِ الزائلةِ، والقرآنُ الكريمُ يقررُ مقصدَ المساواةٍ في كثيرٍ مِن آياتهِ كي يتعايشَ الناسُ فيما بينهم، ويتشاركُوا المعارفَ، ويتبادلُوا الخبراتِ، وبهذا تُعَمَّرُ الحياةُ، وتستقرُّ الشعوبُ، وتنهضُ المجتمعاتُ قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} .
العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة 14 يونيو 2024م
(3) إبطالُ بعضِ المعاملاتِ والعاداتِ الجاهليةِ الخاطئةِ:
لقد أبطلَ رسولُنَا ﷺ بعضَ عاداتِ الجاهليةِ؛ باعتبارِ فسادِهَا، وعدمِ صلاحيتِهَا كالثأرِ للدماءِ، والتفاخُرِ بالنَّسَبِ، والتعالِي على الناسِ، ووَأْدِ البناتِ، ثم انتقلَ ﷺ مِن الخطابِ النظرِي إلى الخطابِ التطبيقِي العملِي حتى يكونَ أكثرَ وقعًا في نفوسِ السامعين فقالَ: «أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَيَّ مَوْضُوعٌ، وَدِمَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ، وَإِنَّ أَوَّلَ دَمٍ أَضَعُ مِنْ دِمَائِنَا دَمُ ابْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ، كَانَ مُسْتَرْضِعًا فِي بَنِي سَعْدٍ فَقَتَلَتْهُ هُذَيْلٌ، وَرِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ، وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُ رِبَانَا رِبَا عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ» (رواه مسلم)، وليسٍ معنى ذلك أنَّ عاداتِ الجاهليةِ كلَّهَا كانتْ خاطئةً وإلّا فهناك أشياءٌ وأمورٌ وأخلاقٌ كانتْ في الجاهليةِ حسنةً وأقرَّهَا الإسلامُ وذلك كنصرِ المظلومِ والصدقِ والأمانةِ والجودِ والكرمِ، والغيرةِ على الأعراضِ… إلخ .
لقد فتحَ رسولُنَا ﷺ بابَ الأملِ للدخولِ في الإسلامِ أمامَ العصاةِ والمذنبينَ والمجرمين، فالدماءُ التي سالتْ في الجاهليةِ لا قصاصَ فيها ولا ديةَ؛ لأنَّ الإسلامَ يمحُو ما قبلَهُ مِن الكبائرِ والصغائرِ فعن عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ قَالَ: «لَمَّا أَلْقَى الله فِي قَلْبِي الْإِسْلَامَ، قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ لِيُبَايِعَنِي، فَبَسَطَ يَدَهُ إِلَيَّ، فَقُلْتُ: لَا أُبَايِعُكَ يَا رَسُولَ اللهِ حَتَّى تَغْفِرَ لِي مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِي، قَالَ: فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ ﷺ: ” يَا عَمْرُو أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْهِجْرَةَ تَجُبُّ مَا قَبْلَهَا مِنَ الذُّنُوبِ، يَا عَمْرُو أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَجُبُّ مَا كَانَ قَبْلَهُ مِنَ الذُّنُوبِ» (أحمد وإسناده صحيح) .
ثم نبَّهَ ﷺ في حجةِ الوداعِ على تحريمِ الربا، – إذ فيه استغلالٌ لحاجةِ الناسِ، وفيه مفاسدٌ عظيمةٌ لا يقدرُ قدرَهَا إلّا اللهُ – فأولُّ ربَا وضعَهُ ﷺ هو ربَا عباسِ بنِ عبدِ المطلبِ، كان يتعاملُ بهِ في الجاهليةِ قبلَ الإسلامِ؛ ليكونَ أسوةً لغيرهِ في انتهاجِ هذا الخلقِ، كما حرَّمَ كلَّ معاملةٍ تتمُّ دونَ طيبِ نفسِ صاحبِهَا فعَنْ عَمْرِو بْنِ يَثْرِبِيٍّ الضَّمْرِيِّ، قَالَ: «شَهِدْتُ خُطْبَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِنًى، فَكَانَ فِيمَا خَطَبَ بِهِ أَنْ قَالَ: وَلَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ مِنْ مَال أَخِيهِ، إِلَّا مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُهُ» (أحمد).
العنصر الرابع من خطبة الجمعة القادمة 14 يونيو 2024م
(4) المُعامَلةُ الحسَنةُ مع النساءِ:
كانتْ المرأةُ في البلادِ العربيةِ قبلَ الإسلامِ وصلتْ إلى أقصَى درجاتِ الإهانةِ والاحتقارِ، فكانت في كثيرٍ مِن الأحيانِ تعتبرُ مِن سقطِ المتاعِ! حتى لقد حرمتهَا طائفةٌ مِن هؤلاءِ حقَّ الحياةِ، فكانت تُقتَلُ بدونِ سببٍ بل كانت تُدفَنُ حيَّةً – ويُسمَّى الوأدُ- خشيةَ العارِ والفقرِ، وقد أنزلَ اللهُ فيها قولَهُ تعالى: ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾، فكانُوا يفعلونَ ذلك خشيةَ العارِ والفقرِ، فجرّمَ اللهُ هذا أيَّمَا تجريمٍ، بل زوالُ وفناءُ الدنيا بمَا فيهَا أهونُ عندَ اللهِ – تعالى- مِن سلبِ حياةِ إنسانٍ بريءٍ، فعَنِ الْبَرَاءِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ قَتْلِ مُؤْمِنٍ بِغَيْرِ حَقٍّ» (ابن ماجه) .
لقد أسسَ رسولُ اللهِ ﷺ في مطلعِ خطبةِ الوادعِ الحقوقَ الأساسيةَ في الحياةِ الزَّوجيةِ، والتي تُنظمُ العلاقة بين الرجل والمرأة، فقال ﷺ: «فَاتَّقُوا اللهَ فِي النِّسَاءِ، فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللهِ، وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ، فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ، وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ» (رواه مسلم)، فالعلاقةُ بينَ الرجلِ والمرأةِ تُرسِي القواعدَ لبناءِ المجتمعِ القويمِ، فهي اللبنةُ الأولَى فيهِ، فإذا كانتْ قائمةً على الخيرِ والصلاحِ صلحَ المجتمعُ بأكملهِ، وقد بيَّنَ لنَا اللهُ مبدأَ العلاقةِ بينَ الزوجينِ أجملَ بيانٍ وأكملِهِ فقالَ سبحانَهُ: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ}، فالمرأةُ في الإسلامِ مكلفةٌ مثلُ الرجلِ بما أمرَ اللهُ بهِ وما نهَى عنهُ، وإنَّ جزاءَهَا مثلُهُ قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} .
ويجبُ أنْ نعِي أنَّ مفهومَ القوامةِ في الإسلامِ والتي نصتْ عليها آيةُ النساءِ في قولهِ: ﴿الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ بِما حَفِظَ اللَّهُ﴾، قائمٌ على تبادلِ الواجباتِ، والقيامُ على أمرِ الزوجةِ بالحمايةِ والرعايةِ خاصةً في وقتِ الأزماتِ، وتلبيةِ متطلباتِ بيتِ الزوجيةِ؛ لأنَّ الأسرةَ تشبهُ السفينةَ، تتعرضُ لأمواجٍ وصعوباتٍ، فلا بدَّ لهذه السفينةِ مِن ربانٍ يتولَّى قيادتَهَا، ويعبرُ بها إلى برِّ الأمانِ، وليستْ القوامةُ معناهَا القهرُ والاستبدادُ بالرأيِ كما يعتقدُ البعضُ، بل هي بذلك تكليفٌ لا تشريفٌ، وضابطُهَا التعاملُ في نطاقِ الأسرةِ بما يحققُ السعادةَ لها في حدودِ شرعِ اللهِ تعالى، وفقًا لقولهِ ﷺ: «أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا، وَخِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِهِمْ» ( أبو داود، والترمذي)، وعندَ تتبعِ الأحكامِ الشَّرعيةِ المتعلقةِ بالزوجينِ نرى صورةً كاملةً حيثُ قرَّرتْ حقوقَ كلِّ طرفٍ، وواجباتِ كلِّ طرفٍ في فقهٍ مرنٍ مُتكاملٍ، يزيلُ الضَّررَ، ويحفظُ كرامةَ كلٍّ منهما، ولذا نهَى الشارعُ الحكيمُ عن إلحاقِ أحدِ الزَّوجينِ الضَّررَ بالآخرِ سواءٌ أكانَ الضررُ حِسِّيًّا أم معنويًّا، قال صلَّى اللهُ عليه وسلم:«لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» (ابن ماجه) .
تابع / خطبة الجمعة القادمة 14 يونيو 2024م
وبالجملةِ: فقدعالجتْ الشريعةُ جوانبَ حياةِ الفردِ والمجتمعِ، ولم تَغفِلْ أيَّ مظهرٍ مِن مظاهرِ الحياةِ – سواءٌ الاجتماعيةِ، أو الاقتصاديةِ … إلخ – إلّا ووضعتْ لهُ المنهجَ القويمَ، والعلاجَ السليمَ، ويكونُ التمسكُ بتلك هو سبيلُ الفلاحِ والنجاحِ والاستقرارِ ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ .
إنَّ الإسلامَ أولَى حياةَ الإنسانِ، وجعلَ لهَا حمايةً وقداسةً أيًّا كان جنسُهُ أو لونُهُ أو عرقُهُ أو ملتُهُ بخلافِ مَن يدعونَ ذلكَ دونَ تطبيقِهِ على أرضِ الواقعِ، فبنُو إسرائيلَ مثلًا يدّعُون أنَّهُم “شعبُ اللهِ المختار” وقد حكًى اللهُ ذلك عنهم وردَّهُ عليهِم ردًّا مخرسًا فقالَ سبحانَهُ على لسانِهِم: ﴿نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ﴾ .
هُم يدعونَ أنَّ القداسةَ والحمايةَ والحفظَ وحقَّ الحياةِ مقصورٌ عليهِم، وقد نقلَ القرآنُ الكريمُ عنهُم ذلك هذا الاعتقادَ الفاسدَ والتمييزَ غيرَ المبررِ فقالَ ربُّنَا: ﴿ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾، ألَا ما أقبحَ هذه العنصريةَ المتعجرفةَ المستهينةَ بحقِّ حياةِ، الآخرينَ مِن النساءِ والأطفالِ والمساكين.
نسألُ اللهَ أنْ يرزقنَا حسنَ العملِ، وفضلَ القبولِ، إنَّهُ أكرمُ مسؤولٍ، وأعظمُ مأمولٍ، وأنْ يجعلَ بلدنَا مِصْرَ سخاءً رخاءً، أمنًا أمانًا، سلمًا سلامًا وسائرَ بلادِ العالمين، وأنْ يوفقَ ولاةَ أُمورِنَا لما فيه نفعُ البلادِ والعبادِ.
كتبه: الفقير إلى عفو ربه الحنان المنان د / محروس رمضان حفظي عبد العال
مدرس التفسير وعلوم القرآن – كلية أصول الدين والدعوة – أسيوط
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
وللإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
وللمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف