خطبة الجمعة القادمة 1 سبتمبر 2023م : النبي (صلى الله عليه وسلم) كما تحدث عن نفسه للدكتور مسعود عرابي
خطبة الجمعة القادمة 1 سبتمبر 2023م بعنوان : النبي (صلى الله عليه وسلم) كما تحدث عن نفسه للدكتور مسعود عرابي، بتاريخ 16 صفر 1445هـ ، الموافق 1 سبتمبر 2023م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 1 سبتمبر 2023م بصيغة word بعنوان : النبي (صلى الله عليه وسلم) كما تحدث عن نفسه ، للدكتور مسعود عرابي
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 1 سبتمبر 2023م بصيغة pdf بعنوان : النبي (صلى الله عليه وسلم) كما تحدث عن نفسه ، للدكتور مسعود عرابي
عناصر خطبة الجمعة القادمة 1 سبتمبر 2023م ، بعنوان : النبي (صلى الله عليه وسلم) كما تحدث عن نفسه ، للدكتور مسعود عرابي.
أولاً: رعايةُ اللهِ تعالَى لنبيِّهِ ﷺ.
ثانيًا: حديثُهُ ﷺ عن نفسِهِ حديثُ صدق.
ثالثًا: ثمراتُ معــرفةِ المؤمنِ لبنبيِّهِ ﷺ.
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 1 سبتمبر 2023م ، بعنوان : النبي (صلى الله عليه وسلم) كما تحدث عن نفسه ، للدكتور مسعود عرابي ، كما يلي:
النبيُّ ﷺ كمَا تحدّثَ عن نفسِهِ.
الحمدُ للهِ الذي أتمَّ النعمَ على البشريةِ ببعثةِ سيدِ المرسلين، وأخرجَهُم بفضلِهِ مِن ظلماتِ الجهلِ والوهنِ والضلالِ إلى نورِ اليقينِ، وهدَى بهِ قلوبَ الحيارَى، وأوضحَ لهُم الطريقَ المبين، وجعلَ اتباعَهُ دليلَ النجاةِ، ومَن عصاهُ فهو مِن الهالكين.
وأشهدُ أنْ لا إلَهَ إلّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ الحقُّ المبينُ، وأشهدُ أنّ مُحمدًا عبدُهُ ورسولُهُ، أرسلَهُ ربُّهُ رحمةً للعالمين، وهدايةً للناسِ أجمعين، فاللهُمَّ صلِّ عليهِ صلاةً، وسلمْ عليهِ سلامًا أتمينِ أكملينِ إلى يومِ الدينِ، واكتبْ اللهُمَّ لنَا بفضلِه النجاةَ مِن حرِّ نارِكَ ياربَّ العالمين.
وبعــدُ … فإنَّ خطبتَنَا هذه بعونِ اللهِ ومـددِهِ وتوفيقِهِ ورعايتِهِ تدورُ حولَ هـذه العناصرِ:
أولاً: رعايةُ اللهِ تعالَى لنبيِّهِ ﷺ.
ثانيًا: حديثُهُ ﷺ عن نفسِهِ حديثُ صدق.
ثالثًا: ثمراتُ معــرفةِ المؤمنِ لبنبيِّهِ ﷺ.
العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة 1 سبتمبر 2023م : النبي (صلى الله عليه وسلم) كما تحدث عن نفسه:
أولاً: رعايةُ اللهِ تعالَى لنبيِّهِ ﷺ.
المتتبعُ لسيرةِ رسولِ اللهِ ﷺ العطرةِ، وحياتِه الصافيةِ الناصعةِ، وأخلاقِهِ الكريمةِ، وكلماتِهِ الرطبةِ على القلوبِ قبلَ الأسماعِ، يدركُ أنّه ﷺ صناعةٌ خاصةٌ، وشخصيةٌ فريدةٌ ما سَطَعَ على الزمانِ خيرٌ مِن شخصِهِ الكريمِ، ولا خُلقُه العظيمُ، وكان وصفُ البشرِ لسيدِ البشرِ غايةً في الجمالِ والوقارِ، فكيف بوصفِ ربِّ البشرِ لهُ ﷺ ، مِن جميلِ ما قيلَ فيهِ، هو وصفُ ساكنةِ الصحراءِ، وصاحبةِ الشاةِ العجفاءِ، والخيمةِ المتواضعةِ، أُمِّ معبدٍ بنتِ عامرٍ.
قالتْ: « رَأَيْتُ رَجُلًا ظَاهِرَ الْوَضَاءَةِ. حَسَنَ الْخُلُقِ، مَلِيحَ الْوَجْهِ … إِذَا تكلَّم سَمَا وَعَلَاهُ الْبَهَاءُ، حُلْوُ الْمَنْطِقِ… كأن منطقه خرزات نظم ينحدرن…، غصن بين غصنين، فهو أنضر الثلاثة، لَهُ رُفَقَاءُ يَحُفُّونَ بِهِ، إِذَا قال استمعوا لقوله، وإن أمر تبادروا لأَمْرِهِ، مَحْفُودٌ مَحْمُودٌ مَحْشُودٌ، لا عَابِسٌ وَلا مُفْنِدٍ ». قالَ زوجُهَا: هَذَا وَاللَّهِ صَاحِبُ قُرَيْشٍ الَّذِي تَطْلُبُه، وَلَوْ صَادَفْتُهُ لَالْتَمَسْتُ أَنْ أَصْحَبَهُ، ولأجهدن إِنْ وَجَدْتُ إِلَى ذَلِكَ سَبِيلًا. [ البداية والنهاية، لابن كثير].
ثم وصفَهُ هندُ بنُ أبِي هالةَ ــــ ابنُ السيدةِ خديجةَ رضي اللهُ عنها ــــ وصفًا جميلًا، كان مِمَّا جاءَ فيهِ: كَانَ دَائِمَ الْبِشْرِ … لَا يَذُمُّ أَحَدًا، وَلَا يُعَيِّرُهُ، وَلَا يَطْلُبُ عَوْرَتَهُ، وَلَا يَتَكَلَّمُ إِلَّا فِيمَا يُرجَا ثَوَابَهُ، إِذَا تَكَلَّمَ أَطْرَقَ جُلَسَاؤُهُ كَأَنَّمَا عَلَى رءوسهم الطير…».
وهذا الجمالُ في وصفِ أُمِّ معبدٍ وهندٍ بنِ أبِي هالةَ لرسولِ اللهِ ﷺ، يدلُّكَ على عظمتِهِ ﷺ، وأنّه
بشرٌ فوقَ البشرِ، ويتحدثُ رسولُ اللهِ ﷺ عن رعايةِ اللهِ لهُ، واصطفاءِ اللهِ لهُ، واختيارِهِ خاتمَ الأنبياءِ والمرسلينَ قبلَ خلقِ آدمَ عليهِ السلامُ، فعندَ الحاكمِ في المستدرَكِ، قالَ رسولُ اللهِ ﷺ : « إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ، وَخَاتَمُ النَّبِيِّينَ، وَأَبِي مُنْجَدِلٌ فِي طِينَتِهِ وَسَأُخْبِرُكُمْ عَنْ ذَلِكَ أَنَا دَعْوَةُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ، وَبِشَارَةُ عِيسَى، وَرُؤْيَا أُمِّي آمِنَةَ الَّتِي رَأَتْ ». وَكَذَلِكَ أُمَّهَاتُ النَّبِيِّينَ يَرَيْنَ، وَأَنَّ أُمَّ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ رَأَتْ حِينَ وَضَعَتْهُ لَهُ نُورًا أَضَاءَتْ لَهَا قُصُورُ الشَّامِ، ثُمَّ تَلَا قولَ اللهِ تعالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا}. [الأحزاب: 46].
وهذا خيرُ شاهدٍ على أنَّ بعثتَهُ ﷺ كانت نورًا سطعَ على الكونِ بأجمعِه، فقد جلَىَ بهِ اللهُ ظلماتِ الشركِ، واهتدَى بهِ الضالون، كمَا ينجلِي ظلامُ الليلِ بالسراجِ المنيرِ ويسيرُ في ضوئِهِ، ووصفَ المصباحَ بالإنارةِ؛ لأنَّ مِن المصابيحِ ما لا يضئُ. [ تفسير النسفي].
العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة 1 سبتمبر 2023م : النبي (صلى الله عليه وسلم) كما تحدث عن نفسه:
ثانيًا: حديثُ رسولِ اللهِ ﷺ عن نفسِهِ حديثُ صدق.
حديثُ رسولِ اللهِ ﷺ حديثُ شرفٍ وأمانةٍ وصدقٍ، فمَا نطقَ بالكذبِ قبلَ بعثتِهِ، حتى لقّبَهُ أهلُ الجاهليةِ، ومَن نصبُوا لهُ العداءَ بالصادقِ الأمينِ، فتوضعُ عندَهُ الأماناتُ، ويشاركُ في الأمورِ العظامِ رغمَ حداثةِ سنِّهِ، ولمَّا جمعَهُم يومًا ليخبرَهُم بأنَّ اللهَ تعالى اختارَهُ للبعثةِ وأرسلَهُ إليهِم رسولًا؛ ليخرجَهُم مِن عبادةِ الأصنامِ إلى عبادةِ اللهِ، ومِن الظلمِ إلى العدلِ، ومِن الجهالةِ إلى النورِ، ومِن القسوةِ والجفاءِ إلى الرحمةِ والمودةِ والإخاءِ، أقامَ عليهِم الحجةَ، واستنطقَهُم بمَا يصفونَهُ بهِ قبلَ بعثتِهِ، ففِي الصحيحينِ مِن حديثِ عبدِ اللهِ بنِ عباسٍ، قالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: { وَأَنْذِرْ عَشِــيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ }. [الشعراء: 214]، صَعِدَ النَّبِيُّ ﷺ عَلَى الصَّــفَا، فَجَعَلَ يُنَادِي: « يَا بَنِي فِهْـــــرٍ، يَا بَنِي عَـــدِيٍّ ». حَتَّى اجْتَمَعُوا، فَجَعَلَ الرَّجُــــــلُ إِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَخْرُجَ أَرْسَلَ رَسُـــولًا لِيَنْظُــــرَ مَا هُوَ، فَجَـــاءَ أَبُو لَهَبٍ وَقُرَيْشٌ، فَقَالَ ﷺ: « أَرَأَيْتَكُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلًا بِالوَادِي تُرِيدُ أَنْ تُغِيرَ عَلَيْكُمْ، أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟ ». قَالُوا: نَعَـــمْ، مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ إِلَّا صِدْقًا، قَالَ ﷺ: « فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ». فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: تَبًّا لَكَ سَائِرَ اليَوْمِ، أَلِهَذَا جَمَعْتَنَا؟ فَنَزَلَتْ: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ}. [المسد: 2].
وهذا تحذيرٌ لكلِّ مُتطاولٍ على مقامِ النبوةِ، فشرفُ رسولِ اللهِ مصانٌ، وكلامُهُ صدقٌ، ورسالتُهُ أيسرُ الشرائعِ، وأرحمُهَا بالخلقِ، فمَا جاءَ إلّا بالخيرِ، ولا أرادَ بالناسِ إلّا الخيرَ، فمَن نالَ مِن مقامِه بالسلبِ عاقبَهُ اللهُ بموتِ القلبِ، وفقدِ البصيرةِ، فهو يتخبطُ في ظلماتٍ تقودُهُ إلى نارٍ تلظَّى يصلاهَا وهو يشقَى، فلا شقاءَ للمرءِ بعدَ أنْ يُحرمَ مِن التلذذِ بمعرفةِ رسولِ الإسلامِ، ويعتبرَ بحياتهِ، ويستطيبَ لهُ العيشُ على سنتِه والاقتداءِ بأفعالِه، فذاقَ طعمَ الإيمانِ واستشعرَ حلاوةَ الطاعةِ مَن قنعَ واستسلمَ ورضيَ باللهِ ربًّا، وبالإسلامِ دينًا، وبمُحمدّ ﷺ نبيًّا ورسولًا.
وقد أثنَى اللهُ تعالى على صدقِ حديثِهِ، وعصمَهُ مِن كلِّ اتهامٍ، قالَ تعالَى: ﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾. [ النجم، 3، 4].
أي: ما يقولُ قولًا عن هوَى وغرضٍ، وكلُّ ما يبلغُهُ إنَّمَا هو وحيٌ ساقَهُ اللهُ إليهِ عن طريقِ جبريلَ ـــ عليه السلامُ ـــ ، فهو ﷺ يقولُ ما أُمِرَ بهِ، يبلغُهُ إلى الناسِ كاملًا موفورًا مِن غيرِ زيادةٍ عليهِ ولا نقصانٍ منهُ. [ تفسير ابن كثير].
ومِن حديثِهِ عن نفسِهِ أنَّ اللهَ ــ تعالَى ــــ عصمَهُ مِن كلِّ معصيةٍ منذُ أنَّ كانَ طفلًا صغيرًا يعيشُ في ديارِ بنِي سعدٍ، فيقولُ: « مَا هَمَمْتُ بِقَبِيحٍ مِمَّا يَهُمُّ بِهِ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ إِلَّا مَرَّتَيْنِ مِنَ الدَّهْرِ كِلْتَاهُمَا عَصَمَنِي اللَّهُ مِنْهُمَا ». [صحيح ابن حبان، والحاكم في المستدرك وغيرهما].
أرشدَ فيهِ رسولُ اللهِ ﷺ أُمتَهُ إلى الكفِّ عن المنكراتِ وإنْ كانتْ مِن الهفواتِ، فلا ينظرُ العبدُ إلى صغرِ الذنبِ بل ينظرُ إلى عظمةِ مَن عصَى، وعالجَ ﷺ القضيةَ بأسلوبِه الرائِع، وعبارتِه الجميلةِ، وكلامِه العذبِ الزلالِ، وبأبرعِ الوسائِل، وأيسرِهَا على قلبِ السامِعِ.
وامتدتْ يدُ العنايةِ والرعايةِ، وتحدثَ ﷺ عن نفسِهِ، كما عندَ أحمدَ وغيرِهِ، أنَّ رجلًا سألَ رسولَ اللهِ عن أولِّ شأنِهِ، ففالَ: « كَانَتْ حَاضِنَتِي مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَابْنٌ لَهَا فِي بَهْمٍ ــــ صغار الغنم ــــ لَنَا، وَلَمْ نَأْخُذْ مَعَنَا زَادًا، فَقُلْتُ: يَا أَخِي، اذْهَبْ فَأْتِنَا بِزَادٍ مِنْ عِنْدِ أُمِّنَا، فَانْطَلَقَ أَخِي وَمَكَثْتُ عِنْدَ الْبَهْمِ، أي: صغار الغنم. فَأَقْبَلَ طَيْرَانِ أَبْيَضَانِ كَأَنَّهُمَا نَسْرَانِ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: أَهُوَ هُوَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأَقْبَلَا يَبْتَدِرَانِي، فَأَخَذَانِي فَبَطَحَانِي إِلَى الْقَفَا، فَشَقَّا بَطْنِي، ثُمَّ اسْتَخْرَجَا قَلْبِي، فَشَقَّاهُ فَأَخْرَجَا مِنْهُ عَلَقَتَيْنِ سَوْدَاوَيْنِ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: ائْتِنِي بِمَاءِ ثَلْجٍ فَغَسَلَا بِهِ جَوْفِي، ثُمَّ قَالَ: ائْتِنِي بِمَاءِ بَرَدٍ فَغَسَلَا بِهِ قَلْبِي، ثُمَّ قَالَ: ائْتِنِي بِالسَّكِينَةِ فَذرَّاهَا فِي قَلْبِي، ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: حِصْهُ، فَحَاصَهُ، أي: خط بطنه فخاطها. وَخَتَمَ عَلَيْهِ بِخَاتَمِ النُّبُوَّةِ. فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ اجْعَلْهُ فِي كِفَّةٍ، وَاجْعَلْ أَلْفًا مِنْ أُمَّتِهِ فِي كِفَّةٍ، فَإِذَا أَنَا أَنْظُرُ إِلَى الْأَلْفِ فَوْقِي، أُشْفِقُ أَنْ يَخِرَّ عَلَيَّ بَعْضُهُمْ، فَقَالَ: « لَوْ أَنَّ أُمَّتَهُ وُزِنَتْ بِهِ لَمَالَ بِهِمْ، ثُمَّ انْطَلَقَا وَتَرَكَانِي، وَفَرِقْتُ فَرَقًا شَدِيدًا، ثُمَّ انْطَلَقْتُ إِلَى أُمِّي فَأَخْبَرْتُهَا بِالَّذِي لَقِيتُهُ، فَأَشْفَقَتْ عَلَيَّ أَنْ يَكُونَ أُلْبِسَ بِي، قَالَتْ: أُعِيذُكَ بِاللَّهِ، فَرَحَلَتْ بَعِيرًا لَهَا فَحَمَلَتْنِي عَلَى الرَّحْلِ، وَرَكِبَتْ خَلْفِي حَتَّى بَلَغْنَا إِلَى أُمِّي، فَقَالَتْ: أَوَأَدَّيْتُ أَمَانَتِي، وَذِمَّتِي؟ وَحَدَّثَتْهَا بِالَّذِي لَقِيتُ، فَلَمْ يَرُعْهَا ذَلِكَ، فَقَالَتْ: إِنِّي رَأَيْتُ خَرَجَ مِنِّي نُورًا، أَضَاءَتْ مِنْهُ قُصُورُ الشَّامِ ».
وظلتْ بهِ رعايةُ اللهِ وحمايتُه لهُ، حتى بلغَ مبلغَ الرجالِ، واصطفاهُ لرسالتِهِ، فعصمَهُ منذُ بدايةِ الخليقةِ، واختارَهُ خاتمَ الأنبياءِ والمرسلين قبل أنْ يَخلُقَ أبَا البشرِ، وأمُّهُ رأتْ نورًا سطعَ عندَ ولادتِهِ رأتْ منهُ قصورَ الشامِ، وحفظَهُ مِن كلِّ فعلٍ مِن أفعالِ الجاهليةِ لا يرتضِيهِ الإسلامُ، ونزعَ مِن قلبِهِ مكانَ الحقدِ والغلِّ والحسدِ، وأبدَلُه الحكمةَ والحلمَ والصبرَ، فلمَّا كان تحتَ هذه الرعايةِ والعنايةِ والحفظِ والعصمةِ مِن الذللِ والمعاصِي، صيّرَهُ اللهُ سيّدًا للبشرِ، فعندَ مسلمٍ قال رسولُ اللهِ ﷺ: « أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَوَّلُ مَنْ يَنْشَقُّ عَنْهُ الْقَبْرُ، وَأَوَّلُ شَافِعٍ وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ ».
العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة 1 سبتمبر 2023م : النبي (صلى الله عليه وسلم) كما تحدث عن نفسه:
ثالثًا: ثمراتُ معــرفةِ المؤمنِ لنبيِّهِ ﷺ.
ولمعرفةِ النبيِّ ﷺ ثمراتٌ تقطفُهَا الأفرادُ والمجتمعاتُ، ويعيشونَ في كنفِهَا سعداءَ أوفياءَ، يسودُهُم الودُّ والولاءُ والتراحمُ، فمَا حلَّ بالأمةِ مِن ضعفٍ ونكباتٍ، وضيقٍ في العيشِ إلّا بهجرانِهَا الاقتداءَ بنبيِّهَا، والحيادَ عن منهجِهِ ﷺ، والسيرَ في ركابِ الغربِ، والتقليدَ الأعمَى للمجتمعاتِ التي أعطتْ ظهرَهَا للأديانِ، ونصبتْ لهَا العداء، وانحدرُوا حتى جعلُوا مِن البشرِ دميةً يُلبِّي رغباتِه وشهواتِه دونَ رادعٍ مِن دينٍ أو وازعٍ مِن ضميرٍ، فانعكسَ ذلك بالسلبِ وفاحَ الفسقُ، وانتشرتْ الجريمةُ، وعسَى الناسُ في الأرضِ فسادًا، ولهثُوا وراءَ المادةِ، ونسُوا أنّ رسولَ الإسلامِ سيدُ ولدِ آدم، نامَ على الأرضِ، وافترشَ الرمالَ حصيرًا حتى أثَّرَ في جنبِه الشريفِ، وكان يبيتُ الليالِي طاويًّا، وهو سيدُ البشرِ.
تقولُ أمُّ المؤمنين عائشةُ ــــ رضي اللهُ عنهاـــــ ، لابنِ أختِهَا عروةَ بنِ الزبيرِ: وَاللهِ يَا ابْنَ أُخْتِي إِنْ كُنَّا لَنَنْظُرُ إِلَى الْهِلَالِ، ثُمَّ الْهِلَالِ، ثُمَّ الْهِلَالِ، ثَلَاثَةَ أَهِلَّةٍ فِي شَهْرَيْنِ، وَمَا أُوقِدَ فِي أَبْيَاتِ رَسُولِ اللهِ ﷺ نَارٌ، قَالَ: قُلْتُ: يَا خَالَةُ فَمَا كَانَ يُعَيِّشُكُمْ؟ قَالَتْ: « الْأَسْوَدَانِ التَّمْرُ وَالْمَاءُ، إِلَّا أَنَّهُ قَدْ كَانَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِيرَانٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَكَانَتْ لَهُمْ مَنَائِحُ، فَكَانُوا يُرْسِلُونَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَلْبَانِهَا، فَيَسْقِينَاهُ ».
فلو علمَ الناسُ سيرتَهُ العطرةَ، واستغنائَهُ عن الدنيا، ورضاهُ بالقليلِ منها، لمَا انشغلُوا بهَا، ولعاشُوا فيها سعداءَ، متعاونينَ على البرِّ والتقوى، متسابقينَ إلى الخيراتِ، فالعاقلُ مَن دانَ نفسَهُ وعملَ لِمَا بعدَ الموت، والغافلُ مَن اتبعَ نفسَهُ هواهَا، وتمنَّى على اللهِ أنْ يرحمَهُ.
فاللهُمَّ عرفنَا برسولِنَا الكريمِ معرفةً تغنينَا بهَا عن مواردِ الجهلِ، وترفعُ لنَا بهَا القدر، وترزقُنَا بها الاقداءَ بهِ على علمٍ وبصيرةٍ، اللهُمَّ إنَّا نسألُكَ التقَى والغنَى والعفافَ والرضَا، اللهُمَّ اجعلْ بلدَنَا مصرَ أمنًا أمانًا سخاءً رخاءً وسائرَ بلادِ المسلمين، وفقْ اللهُمَّ قادتهَا لكلِّ خيرٍ.. اللهُمَّ آمين!
بقلم/ مسعود عرابي … مدرس الفقه المقارن بجامعة الأزهر
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف