خطبة الجمعة 5 نوفمبر 2021م “مفهوم العبادة” للدكتور محمد حرز
خطبة الجمعة القادمة بعنوان : مفهوم العبادة ، للدكتور محمد حرز ، بتاريخ 29 ربيع الأول 1443هـ ، الموافق 5 نوفمبر 2021م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 5 نوفمبر 2021م بصيغة word بعنوان : مفهوم العبادة، للدكتور محمد حرز.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 5 نوفمبر 2021م بصيغة pdf بعنوان : مفهوم العبادة، للدكتور محمد حرز.
عناصر خطبة الجمعة القادمة 5 نوفمبر 2021م بعنوان : مفهوم العبادة.
أولًا: شموليةُ العبادةِ في الإسلام .
ثانيًا: شروطُ قبولِ العبادةِ .
ثالثًا: واعبد ربَّكَ حتى يأتيك اليقين.
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 5 نوفمبر 2021م بعنوان : مفهوم العبادة : كما يلي:
الحمدُ للهِ القائلِ في محكمِ التنزيلِ: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ (البقرة: 21) ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وليُّ الصالحين، وَأشهدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وصفيُّهُ من خلقهِ وخليلُهُ ,القائلُ كما في صحيح البخاريِّ من حديث عُمَرَ بن الخطاب -رَضِيَ اللهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: “إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ”. فاللهم صلِّ وسلمْ وزدْ وباركْ على النبيِّ المختارِ وعلى آلهِ وأصحابهِ الأطهارِ الأخيارِ وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدينِ.
أما بعدُ ….. فأوصيكُم ونفسي أيها الأخيارُ بتقوى العزيزِ الغفارِ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (آل عمران :102)
أيها السادةُ: ((مفهومُ العبادةِ )) عنوانُ وزارتِنَا وعنوانُ خطبتِنَا
عناصرُ اللقاءِ
أولًا: شموليةُ العبادةِ في الإسلام .
ثانيًا: شروطُ قبولِ العبادةِ .
ثالثًا: واعبد ربَّكَ حتى يأتيك اليقين.
أيها السادةُ : بدايةً ما أحوجنا في هذه الدقائقِ المعدودةِ إلى أنْ يكونَ حديثُنَا عن العبادةِ ومفهومِهَا الشاملِ الأشملِ وخاصةً ونحن نعيشُ زمانًا يخطئُ الكثيرُ من المسلمين في فهمِ حقيقةِ العبادةِ في الإسلامِ فيظنُّ الكثيرُ منهم أنّ عبادةَ اللهِ مقتصرةٌ على الصلاةِ والصيامِ والزكاةِ والحجِّ وبعضِ الأذكارِ ويعتقدون أنهم بعملهم هذا قد أقاموا الإسلامَ في حياتهِم وهذا فهمٌ غيرُ صحيحٍ لحقيقةِ العبادةِ في الإسلام. فالعبادةُ أعمُّ وأشملُ من هذا كلِّه ..يا رب
ليتك تحلو والحياةُ مريرةٌ *** وليتك ترضي والأنامُ غضابُ
وليت الذي بيني وبينك عامرٌ *** وبيني وبين العالمين خرابُ
إذا صح منك الودُّ فالكلُّ هينٌ *** وكلُّ ما فوق الترابِ ترابُ
أولاً: شموليةُ العبادة في الإسلام .
أيها السادةُ : إنّ مفهومَ العبادةِ في الإسلام أعمُّ وأشملُ مما يعتقدُه كثيرٌ من الناسِ، فالعبادةُ ليست مجردَ صلاةٍ وزكاةٍ وصيامٍ وحجٍّ فحسب، ولكنّ العبادةَ التي خلقنا اللهُ من أجلها أعمُّ وأوسعُ من هذا كلِّه فهي تعظيمُ اللهِ عز وجل والخضوعُ والتذللُ له وإفرادهُ بالطاعةِ المطلقةِ، ومن أجل عمارة الأرضِ وعبادتهِ وتقواه،..فالعبادةُ تشملُ أداءَ الفرائضِ وعمارةَ الكونِ معًا ، فدينُنَا الحنيفُ قائمٌ على التوازنِ بين حاجةِ الروحِ والجسدِ ، ويشملُ أبوابَ الخيرِ كلَّها ، من العبادةِ إلى طلَبِ الرِّزقِ، وحُسنِ الخُلُقِ، والصِّدقِ في الحديثِ، والصفحِ الجميلِ ، والإصلاحِ بين الناسِ، والإنفاقِ على الأهلِ، إلى غيرِ ذلك مِن أفعالِ البرِّ. فالعبادةُ لها معنيان: الأولُّ: عامٌ واسعٌ يتضمنُ عمارةَ الكونِ زراعةً ، وصناعةً، وإتقانًا للعملِ، بما يعودُ نفعُهُ على المجتمعِ كلِّه، ويكونُ سببًا في رقي الوطنِ وتقدمهِ.والثاني : خاصٌ يطلقُ على العبادةِ بمفهومِهَا الخاص، فيشملُ إقامةَ شعائرِ الإسلامِ، وأداءَ أركانِه من الصلاةِ، والزكاةِ، والصيامِ، والحجِ
.والمؤمنُ الحقيقيُّ هو من يفهم هذا التوازنَ في مفهوم العبادةِ بين معناها الخاص ومعناها العام والعبادةُ: اسمٌ جامعٌ لكلِّ ما يحبهُ اللهُ ويرضاهُ من الأقوالِ والأعمالِ الباطنةِ والظاهرةِ فالصلاةُ والزكاةُ والصيامُ والحجُّ وصدقُ الحديثِ وأداءُ الأمانةِ وبرُّ الوالدين وصلةُ الأرحامِ والوفاءُ بالعهودِ …فالعبادةُ في الإسلام تشملُ حياةَ الإنسانِ كلَّها، أقوالَه وأفعالَه، حركاتِه وسكناتِه، ظاهرَه وباطنَه، علاقاتِه الأسريةَ والاجتماعيةَ والدوليةَ وعمارةَ الكونِ ..قال عز مَن قال ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّه رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴾ (الأنعام: 162،163 ) ،والعبادةُ في الإسلام ليست طقسًا من الطقوسِ التي يمارسُها المرءُ متى شاء؟ وكيفما شاء، وإنما هي الغايةُ الكبرى والهدفُ الأسمى التي من أجلها خَلقَ اللهُ الخلقَ قال تعالى: ((وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ))(الذاريات :56) ومن أجلها أرسلَ اللهُ الرسلَ قال تعالى: ((وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ))(النحل:36 (وقال تعالى)) وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ )) (الأنبياء:25) وجعل العبادةَ لازمًا لرسولهِ صلى الله عليه وسلم حتى الموت فقال مخاطبًا إياه ((وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ))(الحجر:99) ووصف اللهُ ملائكتَهُ وأنبياءَهُ بعبادتهِ سبحانه فقال تعالى: (( وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ عِندَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ )) (الأنبياء:19 ( وقال تعالى: ((إِنَّ الَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ) ((الأعراف:206) وذمَّ اللهُ المستكبرين عن عبادتهِ فقال جل وعلا : (( وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) ((غافر:60) ونعتَ اللهُ صفوةَ خلقهِ بالعبوديةِ له وهذا أعظمُ وصفٍ عرفتهُ البشريةٌ كلّهَا أنْ تكونَ عبدًا للهِ جل وعلا قال ربُّنا: (( عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا )) (الإنسان:6) وقال تعالى: ((وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا))(الفرقان:63) والعبادةُ الحقيقيةُ هي الاعترافُ التامُ بأنّ لكلٍّ من الروحِ والجسدِ متطلباتهِ التي يجبُ إشباعُهَا والوفاءُ بها قَالَ سَلْمَانُ : يا أَبَا الدَّرْدَاءِ ” إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ ” فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : صَدَقَ سَلْمَانُ “ رواه البخاري قال ربُّنا: ( وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ) ( القصص : 77) ( وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ) مما أباحَ اللهُ فيها من المآكلِ والمشاربِ والمساكن والمناكحِ .. فأيُّ دينٍ أعظمُ من هذا الدينِ ؟ وأيُّ شريعةٍ أكملُ من هذه الشريعةِ؟ التي شملتْ جوانبَ الحياةِ كلَّهَا وأعطت كلَّ ذي حقٍ حقَّهُ.
والعبادةُ في الإسلام حقٌ واجبٌ من حقوق اللهِ على عبادهِ كما في الصحيحين عَنْ مُعَاذٍ رضي اللهُ عنه قَالَ: كُنْتُ رِدْفَ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم عَلَى حِمَارٍ يُقَالُ لَهُ: عُفَيْرٌ، فَقَالَ: «يَا مُعَاذُ، هَلْ تَدْرِي حَقَّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ، وَمَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللهِ؟». قلتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أعْلَمُ! قالَ: «فإنَّ حَقَّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ: أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَحَقَّ الْعِبَادِ عَلَى اللهِ: أَنْ لا يُعَذبَ مَنْ لا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا». فقلتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفلا أُبَشِّرُ بِهِ النَّاسَ؟ قَالَ: “لا تُبَشِّرْهُمْ فيَتَّكِلوا” والعبادةُ في الإسلام لها مقاصدٌ وغاياتٌ، فيها منافعٌ ومصالحٌ للعباد في الدارين… قال تعالى: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ (النحل:97 ) والعبادةُ في الإسلام غايتُها وقايةُ النفسِ والأسرةِ والمجتمعِ كلِّه من كلِّ الآفاتِ والمهلكات…ِ ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ (البقرة: 21) .
والعبادةُ في الإسلام طريقٌ إلى مغفرةِ الذنوبِ ومحوِ السيئاتِ، ورفعِ الدرجاتِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ: «الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ، مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ، إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ». رواه مسلم. ويقول ربُّنَا سبحانه: ﴿ وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى * جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى ﴾ )طه: 75، 76) والعبادةُ في الإسلام طريقُ الفوزِ والفلاحِ، وسبيلُ النجاةِ من عذاب اللهِ ، قال تعالى: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ ﴾ (المؤمنون: 1 – 11) . فبالعبادةِ تسمو الرّتبُ، وبالعبادةِ يترقى العبدُ في مدارجِ السالكين، ويلتحقُ بعباد اللهِ المنَعّمِين في زمرة الأكابرِ والصالحين قال جل شأنه: ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ﴾ (النساء: 69) ……إلهي
زادي قليلٌ ما أراه مبلِّغي ***أللزَّاد أبكي أم لطول مسافتي
أتحرّقني بالنّار يا غايةَ المُنى*** فأين رَجائي فيك؟ أين مخافتي؟
ثانيًا: شروطُ قبولِ العبادةِ .
أيها السادةُ : قبولُ العبادة يتوقفُ على شرطين أساسين بدونِهمَا معًا لا يقبلُ اللهُ منكم عدلًا ولا صرفًا الأولُ: الإخلاصُ: لذا أمرنا اللهُ بالإخلاصِ في جميع الطاعاتِ والفرائضِ وفي كلِّ ما يأتي المسلمُ ويذَر مما أمر اللهُ به أو نهى عنه، فقال تعالى: ((وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ)) [البينة:5]، وقال تعالى: ((فَاعْبُدْ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ)) [الزمر:2، 3] ،وعن عمرَ بن الخطابِ رضي اللهُ عنه قال: سمِعت رسولَ اللهِ يقول:( إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إلىهِ) رواه البخاري. و الإخلاصُ هو حقيقةُ الدينِ ، ومفتاحُ دعوةِ المرسلين قال ربُّنا { وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا } { وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ)والإخلاصُ هو أن يكونَ قصدُ الإنسانِ في سكناتهِ وحركاتهِ وعباداتهِ الظاهرةِ والباطنةِ خالصةً لوجهِ اللهِ تعالى لا يريدُ بها شيئًا من حطامِ الدنيا أو من ثناءِ الناس ِعليه .والإخلاصُ هو لبُّ العبادةِ وروحُهَا. والإخلاصُ هو أساسُ قبولِ الأعمالِ وردّهَا فهو الذي يؤدي إلى الفوزِ أو الخسران، وهو الطريقُ إلى الجنةِ أو إلى النارِ، فإنّ الإخلالَ به يؤدي إلى النارِ، وتحقيقُه يؤدي إلى الجنةِ والإخلاصُ تصفيةُ العملِ من كلِّ شائبةٍ. والإخلاصُ إفرادُ الحقِّ سبحانه بالقصدِ في الطاعةِ. والإخلاصُ أنْ يكونَ العملُ لله تعالى، لا نصيبَ لغير اللهِ فيه. قال ربُّنَا: { قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163) } (سورة الأنعام ) والإخلاصُ نسيانُ رؤية الخلقِ بدوامِ النظرِ إلى الخالقِ. والمخلصُ هو الذي يكتمُ حسناتِه كما يكتمُ سيئاتِه .لذا حرص الصحابةُ والسلفُ على إخلاصهِم في العملِ للهِ ربِّ العالمين. بل أوصي عمرُ بنُ الخطابِ أبا موسي الأشعريّ : من خلصت نيتُه كفاه اللهُ تعالى ما بينه وبين الناسِ)) الشرط ُالثاني : موافقةُ الشرع:ِ أي الإتباعُ لما جاء به النبيُّ المختارُ صلى الله عليه وسلم قَالَ تَعَالَى(قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [آل عمران: 31 ) وفي الصّحيحين من حديثِ أبي هريرةَ -رضي اللهُ تعالى عنه- أنَّ النّبيَّ -صلى اللهُ عليه وسلم- قال: “من أطاعني فقد أطاعَ اللهَ، ومن عصاني فقد عصى اللهَ” وفي حديث أم المؤمنين عائشة رضي اللهُ عنها قالت: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: “من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه، فهو ردٌّ“ رواه البخاريُّ ومسلمٌ، وفي روايةٍ لمسلمٍ: (( من عمل عملًا ليس عليه أمرنا، فهو ردٌّ((.وقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: كما في حديث العرباض بن سارية «لقد تركتُكُم على مِثْلِ البيضاءِ، ليلُها كنهارِها، لا يزيغُ عنها إلاّ هالكٌ)) رواه الترمذي
فانتبه أيها الحبيبُ فاللهُ تباركَ وتعالى لا يقبلُ من الأعمالِ إلا ما كان خالصًا صوابًا .والخالصُ هو ما ابتغيتَ به وجهَ اللهِ والصوابُ هو ما وافقتَ به هدىَ الحبيبِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم .: لِمَن أعملُ ؟ وكيف أعملُ ؟ لماذا عملتَ ؟! لماذا تكلمتَ ؟ لماذا صَمَتَّ ؟ لماذا أحببتَ ؟ لماذا أبغضتَ ؟ لماذا عاديتَ ؟ لماذا أعطيتَ ؟ لماذا منعتَ ؟ لماذا أتيتَ ؟ لماذا دخلتَ ؟ لماذا خرجتَ ؟هل تبتغى بعملِكَ وجهَ اللهِ ؟ ثم هل كان عملُكَ هذا موافقًا هدى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ؟ فالسؤالُ الأولُ عن الإخلاصِ والسؤالُ الثاني عن الإتباعِ روي عن الفُضيل بن عياض أنّه تلا قولَهُ تعالى:((لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا))(الملك :2) فقال: أخلصهُ وأصوبهُ. قالوا: يا أبا علي ما أخلصُهُ وأصوبُهُ؟ قال: إذا كان العملُ خالصًا ولم يكن صوابًا، لم يُقْبَلْ، وإذا كان صوابًا ولم يكن خالصًا لم يُقْبَلْ، حتى يكونَ خالصًا صوابًا، والخالصُ إذا كان للهِ عزّ وجلّ، والصوابُ إذا كان على السنّةِ.
إلهي لا تعذبني فإني *** مقرٌ بالذي قد كان مني
فكم من زلةٍ لي في البرايا *** وأنت علىّ ذو فضلٍ ومني
يظن الناسُ بي خيرًا وإني *** لشر الناسِ إذ لم تعفوا عني
أقولُ قولي هذا واستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم
الخطبةُ الثانيةُ: الحمدُ للهِ ولا حمدَ إلا لهُ وبسمِ اللهِ ولا يستعانُ إلا بهِ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ …………………… وبعدٌ
ثالثًا: واعبد ربَّكَ حتى يأتيك اليقينُ
أيها السادةُ : الكثيرُ من الناس ينتظرُ المرضَ أو الموتَ حتى يستقيمَ، والصحيحُ استقمْ وانتظرْ الموتَ ولا تنتظر الموتَ حتى تستقيمَ يقولُ اللهُ تعالى: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) [الحجر: 99]؛ أي: اعبُد ربَّكَ حتى يأتِيَك الموتُ الذي أنت مُوقِنٌ به. قال القُرطبيُّ – رحمه اللهُ -: “والمُرادُ: استِمرارُ العبادةِ مُدَّةَ حياتِهِ، كما قال العبدُ الصالِحُ: (وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا)[مريم: 31]“.فعلينا أنْ نبقَى على عبادةِ ربِّنَا حتى نلقَاهُ، وأنْ نستَقِيمَ على شرعِ اللهِ، مُمتَثِلين أمرَ اللهِ: (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا) [هود: 112].
وعن الزُّهريِّ، أنّ عُمرَ بنَ الخطابِ تلَا هذه الآيةَ: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا) [فصلت: 30] قال: ” الاستقامةُ : أنْ تستقيمَ على الأمرِ والنهي، ولا تروغَ روغانَ الثعالبِ
وقال سُفيانُ الثقَفِيُّ: يا رسولَ اللهِ: قُل لِي في الإسلام قَولًا لا أسأَلُ عنه أحدًا بعدَك، قال: «قُل: آمنتُ بالله فاستَقِم» (رواه مسلم).
وما أعظمَ كرامةَ مَن استقامَ على دينِ اللهِ، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ).
فعلى المرءِ أن يُواصِلَ سَيرَهُ إلى ربِّهِ، ويَصدُقَ في عملِه مع اللهِ، وأن يلتَزِمَ بشرعِه دائمًا، ولا يربِطَ عبادتَه لله بزمنٍ أو مكانٍ أو أشخاصٍ؛ بل يبقَى صادِقًا ثابِتًا على دين اللهِ على كلِّ حالٍ.
فهذا أبو بكرٍ الصدِّيقُ – رضي اللهُ عنه وأرضاه – قد تعلَّمَ منه الصحابةُ الكِرامُ درسًا في الاستِقامةِ، إذ قامَ فيهم خَطيبًا بعد وفاةِ النبيِّ – صلى الله عليه وسلم – قائِلًا: “ألا مَن كان يعبُدُ مُحمدًا – صلى الله عليه وسلم -، فإن مُحمدًا قد ماتَ، ومَن كان يعبُدُ اللهَ، فإن اللهَ حيٌّ لا يمُوتُ، وقال: (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) [الزمر: 30]، وقال: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ) [آل عمران: 144]“.
وهكذا يتربَّى العُظماءُ على هذا المبدأِ. قال عُروةُ – رحمه اللهُ -: “بلَغَنَا أنّ الناسَ بكَوا على النبيِّ – صلى الله عليه وسلم – حين ماتَ وقالوا: واللهِ لوَدِدِنَا أنَّا مِتنا قبلَهُ، نخشَى أن نُفتَتنَ بعدَه”، فقال مَعنُ بن عديٍّ: “لكنِّي واللهِ ما أُحبُّ أنِّي مِتُّ قبلَه حتى أُصدِّقَه ميتًا كما صدَّقتُه حيًّا”. كما علينا عبادَ اللهِ أن نحذَرَ مِن إفسادِ أعمالِنا الصالِحةِ بالرجوعِ إلى المعاصِي، قال تعالى مُحذِّرًا لنا: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا) [النحل: 92].
هذه المرأةُ البَلهاءُ الخَرقاءُ كان مِن شأنِها: أن تغزِلَ الصُّوفَ في أولِ النهارِ، حتى إذا أوشكَتْ على إتمامِ غَزلِها آخرَ النهارِ نقَضَت غزلَها وأفسَدَتْه، ثم عادَت إلى الغَزلِ والنَّقضِ مرَّةً أُخرى، فحذَّر اللهُ مِن التشبُّه بصَنِيعِها، وذلك بإفسادِ الأعمالِ الصالِحةِ بأعمالٍ سيئةٍ تنقُضُها، وتُذهِبُ بركتَها. وقد كان – صلى الله عليه وسلم – يستَعِيذُ بالله مِن الحَورِ بعد الكَورِ، أي: الرُّجوعِ مِن الإيمانِ إلى الكفرِ، أو مِن الطاعةِ إلى المعصِيةِ.
فحافِظُوا – عبادَ اللهِ – على أعمالِكم، ولا تُعرِّضُوها للإحباطِ أو الفسادِ، واحرِصُوا على مُداومةِ الطاعاتِ، والاستِمرارِ في تزكِيةِ النفسِ وتطهيرِها، وأتبِعُوا الحسنةَ بحسنةٍ، والعملَ الصالِحَ بآخرٍ. والمحافظةِ على إعمار أوطانِكم وخاصةً أصبحنا نعيشُ زمانًا من كثرةِ الجنازاتِ يُنسي بعضُها بعضًا ،فكلنا جنائزٌ مؤجلةٌ وكلنا جنائزٌ نمشي على الأرضِ ..ولله درُّ القائلِ:
يَا صَاحِبِي لا تَغْتَرِرْ بِتَنَعُّمٍ**** فَالْعُمْرُ يَنْفَدُ وَالنَّعِيمُ يَزُولُ
كُلُ اِبنِ أُنثى وَإِن طالَت سَلامَتُهُ ***يَومًا عَلى آلَةٍ حَدباءَ مَحمولُ
وَإِذَا حَمَلْتَ إِلَى الْقُبُورِ جِنَازَةً*** فَاعْلَمْ بِأَنَّكَ بَعْدَهَا مَحْمُولُ
فاللهم ارزُقنا الاستِقامةَ على شرعِك، والثباتَ على دينِك، اللهم إنا نعُوذُ بك مِن الفتَن ما ظهرَ منها وما بطَن، ونعُوذُ بك مِن الحَورِ بعد الكَورِ وأن نُرَدَّ على أعقابِنا.
كتبه العبد الفقير إلى عفو ربه
د/ محمد حرز
إمام بوزارة الأوقاف
_______________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف