أخبار مهمةالخطبة المسموعةخطبة الأسبوعخطبة الجمعةخطبة الجمعة القادمة ، خطبة الجمعة القادمة لوزارة الأوقاف المصرية مكتوبة word pdfعاجل

خطبة الجمعة 28 يوليو 2023م بعنوان : القرآن الكريم كتاب رحمة للعالمين للدكتور مسعود عرابي

خطبة الجمعة القادمة 28 يوليو 2023م بعنوان : القرآن الكريم كتاب رحمة للعالمين للدكتور مسعود عرابي، بتاريخ  10 محرم 1445هـ ، الموافق 28 يوليو 2023م

 

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 28 يوليو 2023م بصيغة word بعنوان : القرآن الكريم كتاب رحمة للعالمين ، للدكتور مسعود عرابي

 

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 28 يوليو 2023م بصيغة pdf بعنوان : القرآن الكريم كتاب رحمة للعالمين ، للدكتور مسعود عرابي

عناصر خطبة الجمعة القادمة 28 يوليو 2023م ، بعنوان : القرآن الكريم كتاب رحمة للعالمين ، للدكتور مسعود عرابي.

 

أولًا: القرآنُ الكريمُ كلامُ اللهِ المعجزُ المليءُ بالأسرارِ والعبرِ.

ثانيًا: المنحُ الربانيةُ في الآياتِ القرآنيةِ.

ثالثًا: واجبُ الأمةِ نحــــو كتابِ ربِّهَا.

 

ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 28 يوليو 2023م ، بعنوان : القرآن الكريم كتاب رحمة للعالمين ، للدكتور مسعود عرابي ، كما يلي:

القرآنُ الكريمُ كتابُ رحمةٍ للعالمين

الحمدُ للهِ الذي امتنَّ على عبادِه بنبيِّه المرسلِ، وكتابِه المنزلِ الذي لا يأتيهِ الباطلُ مِن بينِ يديهِ ولا مِن خلفِه تنزيلٌ مِن حكيمٍ حميدٍ، حتى اتسعَ على أهلِ الأفكارِ طريقُ الاعتبارِ بمَا فيهِ مِن القصصِ والأخبارِ، واتضحَ به سلوكُ المنهجِ القويمِ والصراطُ المستقيمُ، بما بَيَّنَ فيهِ مِن الأحكامِ، وفصّلَ فيهِ مِن الحلالِ والحرامِ، فهو الضياءُ والنورُ، والفسحةُ والسرورُ، والشفاءُ لِمَا في الصدورِ.

وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أنَّ مُحمدًا عبدُهُ ورسولُهُ، اللهُمّ صلِّ وسلمْ على المبعوثِ رحمةً للعالمين بشيرًا، ونذيرًا، والداعِي بإذنِ ربِّه وسراجًا منيرًا، أوضحَ الدلالةَ، وأزاحَ الجهالةَ، مُحمدٍ بنِ عبدِ اللهِ سيدِ المرسلين، وإمامِ المتقين، وعلى آلهِ الأبرار، وأصحابهِ المصطفينَ الأخيار… وبعدُ،،، عناصرُ الخطبةِ.

أولًا: القرآنُ الكريمُ كلامُ اللهِ المعجزُ المليءُ بالأسرارِ والعبرِ.

ثانيًا: المنحُ الربانيةُ في الآياتِ القرآنيةِ.

ثالثًا: واجبُ الأمةِ نحــــو كتابِ ربِّهَا.

العنصر الأول من خطبة الجمعة 28 يوليو 2023م بعنوان : القرآن الكريم كتاب رحمة للعالمين

أولاً: القرآنُ الكريمُ كلامُ اللهِ المعجزُ المليءُ بالأسرارِ والعبرِ.

مِن أعظمِ الهدايا التي أتحفَ بها ربُّنَا سبحانه وتعالى الخلقَ، هي القرآنُ الكريمُ، دستورُ هذه الأمةِ، ومصدرُ عزِّهَا، والمعجزةُ الخالدةُ ببقاءِ الدنيا، كلامُ اللهِ ــ تعالى ـــ المنزلُ على سيدِنَا مُحمدٍ ﷺ بواسطةِ أمينِ وحيِ السماءِ جبريل، المنقولُ إلينَا بالتواترِ، المتعبدُ بتلاوتِه، المتحدَّى بأقصرِ سورةٍ مِن سورِه، المبدوءُ بسورةِ الفاتحةِ، المختتمُ بسورةِ الناسِ، والقرآنُ الكريمُ بأسلوبِه المعجزِ المنظمِ، حيّرَ العقولَ، وأذهلَ الفحولَ مِن أهلِ اللغةِ، فتحداهُم أنْ يأتُوا بمثلِه فعجزُوا، ثم تحدّاهُم بعشرِ سورٍ فعجزُوا، ثم تحدّاهُم بسورةٍ فعجزُوا، ثم تحدّاهُم بآيةٍ مِن هذا النظمِ البديعِ فعجزُوا، فأعلنَهَا ربُّنَا تصدحُ في الآفاقِ على مرِّ العصورِ والأزمانِ، فقالَ تعالى: ﴿ قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً ﴾. [ الإسراء، 88 ].

فلمّا بانَ عجزُهم، أقرُّوا بأنَّه ليس بكلامِ ساحرٍ، ولا بكلامِ كاهنٍ، ولا بكلامِ كذابٍ، وإنَّ لهذا الكلامِ لحلاوة، وإنَّ عليهِ لطلاوة، وإنَّه يعلُو ولا يُعلَى عليه، هذه شهادةُ الكافرِ في القرآنِ الكريمِ، فكيف بالقلوبِ الصافيةِ، متى خالطتهَا بشاشةُ جمالِه، تزيدُهَا صفاء، وتهبهَا نقاء، وتجعلُهَا قابلةً للنفعِ في نفسِهَا ولغيرِهَا، فالأرضُ الخصبةُ تقبلُ الماءَ، فتنبتُ العشبَ والكلأَ الكثيرَ.

تجلتْ أســـــرارُ هذا الكتابِ العظيـــــمِ، في أثرهِ على النفـــــوسِ، وراحتهِ للقلــــــوبِ حتى نزلتْ ملائكةُ

الرحمنِ تهبطُ إلى الأرضِ، تستمعُ القرآنَ الكريمَ مِن صحابِيٍّ جليلٍ، اسمُه أُسَيدُ بنُ حُضيرٍ، أخرجَ مسلمٌ في صحيحِه، أَنَّ أُسَيْدَ بْنَ حُضَيْرٍ بَيْنَمَا هُوَ لَيْلَةً يَقْرَأُ فِي مِرْبَدِهِ، إِذْ جَالَتْ فَرَسُهُ، فَقَرَأَ، ثُمَّ جَالَتْ أُخْرَى، فَقَرَأَ، ثُمَّ جَالَتْ أَيْضًا، قَالَ أُسَيْدٌ: فَخَشِيتُ أَنْ تَطَأَ يَحْيَى، فَقُمْتُ إِلَيْهَا، فَإِذَا مِثْلُ الظُّلَّةِ فَوْقَ رَأْسِي فِيهَا أَمْثَالُ السُّرُجِ، عَرَجَتْ فِي الْجَوِّ حَتَّى مَا أَرَاهَا … فحدثَ رسولَ اللهِ ﷺ فقالَ: « تِلْكَ الْمَلَائِكَةُ كَانَتْ تَسْتَمِعُ لَكَ، وَلَوْ قَرَأْتَ لَأَصْبَحَتْ يَرَاهَا النَّاسُ مَا تَسْتَتِرُ مِنْهُمْ ». 

المعنى في هذا الحديثِ: أنَّ أُسيدَ بنَ حُضيرٍ الصحابِيَّ الجليلَ ذا الصوتِ الحسنِ الرقيقِ، قرأَ يومًا القرآنَ الكريمَ في منزلِه في جوفِ الليلِ، وقد ربطَ فرسَهُ في مربطِه بحبلٍ متينٍ، ونامَ ابنُه يحيى على الأرضِ قريبًا مِن الفرسِ، وفي هدوءِ الليلِ وروعتِه تجلجلَ صوتُ أُسيدِ بنِ حُضيرٍ بالقرآنِ الكريمِ، فسمعتْ الملائكةُ هذا الصوتَ الرقيقَ فتنزلتْ له، حتى دنتْ مِن الفرسِ، ورآهَا الفرسُ كأنَّ سحابةً تهبطُ عليه، فنفرَ، وأخذَ يضربُ الأرضَ بأقدامِه، ويلوحُ بعنقِه ذاتَ اليمينِ وذاتَ الشمالِ خوفًا مِمّا يراهُ، فسكتَ أُسيدٌ عن القراءةِ فهدأَ الفرسُ، فقرأَ فتحركَ، ثم سكتَ فسكنَ الفرسُ، فخشَى على ابنِه أنْ تطأَهُ الفرسُ بحوافرِهَا، فدفعتْهُ عاطفةُ الأبوةِ أنْ يرفعَ ولدَهُ، ويبعدَهُ، ثم يعودَ للقراءةِ كما كان، وعندما قامَ نحو ابنِه ليحملَهُ بعيدًا عن موطنِ الخطرِ، رأى ظلةً تعرجُ، وتمضِي نحو السماءِ حتى اختفتْ عن نظرِه، فأصبحَ يحدثُ رسولَ اللَّهِ ﷺ بهذا الأمرِ العجيبِ، فقال له ﷺ ليتَكَ مضيتَ في القراءةِ حتى الصباحِ، إنَّها الملائكةُ جاءت تستمعُ لقراءتِك، ولو بقيتَ حتى الصباحِ تقرأُ لبقيتْ مشغولةً بالسماعِ لا تتسترْ حتى يراهَا الناسُ. [ فتح المنعم شرح صحيح مسلم ].

فأسرارُه لا يحيطُ بها البشرُ، ولا تحويها علومُ الكونِ كافة، ولا يقفُ على حدودِهَا أهلُ البراعةِ في شتّى الفنونِ، وقد حباهُ اللهُ تعالى هذه الأسرارَ ليظلَّ على مرِّ العصورِ والأزمانِ يمطرُ على الدنيا بالغيثِ النافعِ، والحكمِ البارعةِ، والمعجزاتِ الباهرةِ، يجعلُ مِن المسلمِ يعتزُّ بدينِه، ويفتخرُ بكتابِه، ويتمسكُ بما فيه مِن الحبلِ المتينِ، والطريقِ المبينِ.

العنصر الثاني من خطبة الجمعة 28 يوليو 2023م بعنوان : القرآن الكريم كتاب رحمة للعالمين

ثانيًا: المنحُ الربانيةُ في الآياتِ القرآنية.

وجّهَ الحقُّ سبحانه وتعالى للخلقِ نداءً صريحًا لفتَ فيه انتباهَ كافةِ البشرِ يحضُّهُم فيه على الأخذِ بهذا القرآنِ الكريمِ، والاعتناءِ بمَا فيهِ، واتباعِ طريقِه، فلا صلاحَ ولا فلاحَ للعبدِ إلّا في التمسكِ بمَا فيهِ، فهو جامعٌ لخيرَي الدنيا والآخرةِ، وأنَّهُ الموعظةُ التي لا تعلوهَا موعظةً، والشفاءُ الجامعُ المانعُ مِن كلِّ داءٍ، والهدَى والرحمةُ التي اختصَّ بها عبادَهُ المؤمنين، قال تعالى: ﴿ يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾. [ يونس، 57 ].

أي: قد جاءَكُم كتابٌ مِن اللهِ جامعٌ للحكمِ العمليةِ، الكاشفةِ عن فضائلِ الأعمالِ والمرغبةِ فيها، والناهيةِ عن القبائحِ والمنفرةِ منها، وللحكمِ النظريةِ التي هي شفاءٌ لمَا في الصدورِ مِن الوساوسِ والشكوكِ، وسوءِ الاعتقادِ، وفيه هدى إلى الحقِّ واليقينِ، ورحمةٌ للمؤمنين، حيثُ أنزلتْ عليهم آياتُ القرآنِ، فنجوا بها مِن ظلماتِ الضلالِ إلى نورِ الإيمانِ، وتبدلتْ مقاعدُهُم مِن طبقاتِ النيرانِ بمصاعدَ مِن درجاتِ الجنانِ. [ تفسير البيضاوي ].

قال ابنُ عطيةَ: وهذه آيةٌ خُوطبَ بها جميعُ العالمِ، والموعظةُ التي خوطبُوا بها هي القرآنُ الكريمُ؛ لأنَّ الوعظَ إنَّما هو بقولٍ يأمرُ بالمعروفِ، ويزجرُ عن المنكرِ، ويرققُ القلوبَ بالثوابِ، ويتوعدُ بالتخويفِ والعقابِ، وهذه صفةُ الكتابِ العزيزِ، وقولُه: ﴿ مِنْ رَبِّكُمْ ﴾. أرادَ به أنَّ هذه الموعظةَ ليستْ مِن كلامِ مُحمدٍ ﷺ ولم يختلقْهَا، بل هي مِن عندِ اللهِ تعالى. [ تفسير ابن عطية ].

ثم بيّنَ رسولُ اللهِ ﷺ أنَّ في الأخذِ بالقرآنِ الكريمِ، وسلوكِ طريقِه، واتباعِ منهجِه، عصمةً مِن الضلالةِ، وتعلمًّا مِن الجهالة، وصونًا للإنسانِ في جميعِ أحوالِه، فعن أَبِي شريحٍ الخزاعِي، قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: « أَبْشِرُوا وَأَبْشِرُوا، أَلَيْسَ تَشْهَدُونَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟ » قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: « فَإِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ سَبَبٌ أي: حبل. طَرَفُهُ بِيَدِ اللَّهِ، وَطَرَفُهُ بِأَيْدِيكُمْ، فَتَمَسَّكُوا بِهِ، فَإِنَّكُمْ لَنْ تَضِلُّوا، وَلَنْ تَهْلِكُوا بَعْدَهُ أَبَدًا ». [ شعب الإيمان، وصحيح بن حبان ].

ثم كشفَ صلواتُ ربِّي وسلامُه عليهِ في حديثِه النبوِي الشريفِ، أنَّ الفتنَ ستلاحقُ الأجيالَ، وستمتدُّ على كلِّ حالٍ، وستشتدُّ كلّمَا تقاربَ الزمانُ على الزوالِ، ولا حارسَ لهم مِن الفتنِ، إلّا كتابَ اللهِ المعظمِ، ثم عددَ مصادرَ قوتِه، وجوامعَ أسرارِه، وبراهينهِ الساطعةِ التي تدلُّهُم على الهدايةِ وتحميهم مِن الزيغِ والغوايةِ، قالَ عليٌّ بنُ أبِي طالبٍ رضي اللهُ عنه: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: « إِنَّهَا سَتَكُونُ فِتْنَةٌ ». قَالَ: قُلْتُ فَمَا الْمَخْرَجُ مِنْهَا يا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: « كِتَابُ اللَّهِ فِيهِ نَبَأُ مَا قَبْلَكُمْ وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ، هُوَ الْفَصْلُ لَيْسَ بِالْهَزْلِ مَنْ يَرُدَّهُ مِنْ جَبَّارٍ قَصَمَهُ اللَّهُ، وَمَنِ ابْتَغَى الْهُدَى فِي غَيْرِهِ أَضَلَّهُ اللَّهُ هُوَ حَبْلُ اللَّهِ الْمَتِينُ وَالذَّكَرُ الْحَكِيمُ، وَهُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ الَّذِي لَا تَزِيغُ بِهِ الْأَهْوَاءُ وَلَا تَشْبَعُ مِنْهُ الْعُلَمَاءُ وَلَا يَخْلُقُ عَنْ رَدٍّ، وَلَا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ، وَهُوَ الَّذِي لَمْ تَنْتَهِ الْجِنُّ حِينَ سَمِعَتْهُ أَنْ قَالُوا: إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا، مَنْ قَالَ بِهِ صَدَقَ وَمَنْ عَمِلَ بِهِ أُجِرَ وَمَنْ حَكَمَ بِهِ عَدَلَ وَمَنْ دُعِيَ إِلَيْهِ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، وَمَنِ اعْتَصَمَ بِهِ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ». [ مسند البزار ].

والعجيبُ أنَّ اللهَ تعالى لَمّا جعلَ عظمَ مكانةِ الأمةِ في التمسكِ بكتابِه، والأخذِ بأسبابِه، وأنّهَا متى سارتْ على هديهِ سادتْ وقادتْ، هُيءَ لهم الأسباب، فيسرَهُ للقارئِ، وجعلَ فيه حلاوةً للمتدبرِ، ونورًا لمَن أرادَ به الهداية، وعونًا على الطاعةِ لمَن اتخذَهُ هاديًا ودليلًا، وعاصمًا له مِن وساوسِ النفسِ والشيطانِ، فهل يليقُ بأمةِ القرآنِ أنْ تتخذَ كلامَ ربِّهَا مهجورًا؟ وهو الذي تفضلَ عليها به وجعلَهُ لأمةِ الإسلامِ هدايةً ونورًا، فمَن يهدِيهم مِن بعدِ اللهِ متى تكاسلُوا عن الامتثالِ بأمرِه، والابتعادِ عن نهيهِ، والخوفِ مِن وعيدِه وتهديدِه، والطمعِ في مغفرتِه لعبيدِه.

عبادَ الله: تدبرُوا كلامَ ربِّكُم، وأحسنُوا استقبالَ هديتِه، فمَن أخذَ بهِ ما ضلَّ، وما كلَّ، وما ملَّ، وما ذلَّ، ومَن حادَ عن طريقِه أصيبَ بكلِّ ما مضَى، فيا مَن تطمعون فيمَا عندَ اللهِ، وتخشون مِن سوءِ المآلِ، أو أنْ يبطئَ بكم العملُ، ويقلَّ يومَ القيامةِ الرجاءُ والأملُ، فأبشرُوا بحديثِ رسولِ اللهِ ﷺ عن القرآنِ، فإنّهُ يكونُ لكم ناصرًا ومعينًا، وعندَ اللهِ شفيعًا في موقفٍ يفرُّ فيه المرءُ مِن أخيهِ وأُمّهِ وأبيهِ وزوجتِه وبنيهِ لكلِّ منهم شأنٌ يغنيهِ، يقولُ ﷺ: « اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِ، اقْرَءُوا الزَّهْرَاوَيْنِ الْبَقَرَةَ، وَسُورَةَ آلِ عِمْرَانَ، فَإِنَّهُمَا تَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ، أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ، أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ، تُحَاجَّانِ عَنْ أَصْحَابِهِمَا، اقْرَءُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ، فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ، وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ، وَلَا تَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ أي: السحرة ». [ صحيح مسلم ].    

في القرآنِ الكريمِ سورٌ تفضلَ اللَّهُ بزيادةِ الأجرِ لقارئِهَا، وحثَّ عليهَا، لِمَا فيها مِن عظاتٍ وآلاءٍ وتمجيدٍ وتحميدٍ، فسورةُ البقرةِ وآلِ عمرانَ لهما مِن أنوارِ التنزيلِ ما استحقَّا به أنْ يسميَا بالزهراوينِ أي: الكوكبينِ النيرينِ، يأتيانِ يومَ القيامةِ كالظلةِ لقارئهِمَا مِن حرِّ الموقفِ، وتدافعانِ عنه، وتشفعانِ لهُ يومَ القيامةِ، نعمْ القرآنُ الكريمُ كلُّه يشفعُ لقارئِه، لكنّ البقرةَ وآلَ عمرانَ تتقدمانِ القرآنَ كما يتقدمُ الوفدُ رؤساؤَه، وفي آخرِ البقرةِ آيتانِ فيهما اعترافٌ وإيمانٌ وثناءٌ ودعاءٌ، مَن قرأهمَا أُجيبَ دعاؤُه، ومَن باتَ عليهمَا باتَ محصنًا لا يقربُه شرُّ الشيطانِ. [ فتح المنعم شرح صحيح مسلم ].

العنصر الثالث من خطبة الجمعة 28 يوليو 2023م بعنوان : القرآن الكريم كتاب رحمة للعالمين

ثالثاً: واجبُ الأمةِ نحـــو كتابِ ربِّهَا:

أنزلَ اللهُ تعالى كتابَهُ العزيزَ على سيّدِ الخلقِ مُحمدٍ ﷺ ليسودَ ويقودَ، ويطبقَ كمنهجِ حياةٍ، لا ليقرأَ في المناسباتِ ويهجرَ في باقِي الأوقاتِ، ولا تقامُ حروفُه دونَ حدودِه، ولا تمرُّ كلماتُه عندَ القراءةِ مرورَ الكرامِ، بل لابدَّ مِن القراءةِ بتدبرٍ وتمعنٍ وتفكرٍ، فقد بيّنَ ربُّنَا سبحانَه وتعالَى في محكمِ التنزيلِ، أنَّ هذه الآياتِ المباركاتِ، لو نزلتْ على جبلٍ أصمٍّ أبكمٍ لخشعَ وتصدعَ، أمَا يجدرُ بقلبِ المؤمنِ أنْ يتدبرَ وهو يقرأُ، قال تعالى: ﴿ لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾. [ الحشر، 21 ]. يقولُ تعالى معظمًا لأمرِ القرآنِ ومبينًا علوَّ قدرِه، وأنّه ينبغِي أنْ تخشعَ له القلوب، وتتصدعَ عند سماعِه، لِمَا فيهِ مِن الوعدِ الحقِّ، والوعيدِ الأكيدِ، فإذا كان الجبلُ في غلظتِه وقساوتِه لو فهمَ هذا القرآنَ فتدبرَ ما فيه، لخشعَ وتصدعَ مِن خوفِ اللهِ عزّ وجلّ، فكيف يليقُ بكم أيُّها البشرُ أنْ لا تلينَ قلوبُكُم وتخشعَ وتتصدعَ مِن خشيةِ اللهِ، وقد فهمتُم عن اللهِ أمرَهُ وتدبرتُم كتابَهُ. [ تفسير ابن كثير ].

والخشوعُ والتذللُ لا يكونانِ مِن قلبٍ قاسٍ، غائبٍ عن تدبرِ القرآنِ، غير متلذذٍ بسماعِه، ولا متشوقٍ إلى الامتثالِ به واتباعِه، فمتى غلظَ القلبُ، وكساهُ السوادُ، وتمكنتْ منه الشبهاتُ والشهواتُ، قلَّ خيرُه، وكثرَ شرُّه، وضاقَ بالناسِ ذرعًا، ولم يرَ لهم معروفًا ولا يقدمُ لهم شكرًا، فأصبحَ عن الرحمةِ أبعد، لكنّ القرآنَ يرققُ الطباعَ، ويطربُ الأسماعَ، ويخشعُ القلوبَ، ويهذبُ الطباعَ، ومتى جمعَ العبدُ هذه، أصبحَ عنوانًا للرحمةِ، وموطنًا للشفقةِ، ومقصدًا للضعفاءِ وما أعطاهُ اللهُ هذا التشريفَ إلّا بعدمَا تدبرَ هذا الكتابَ الشريفَ، فكيف لا يُقالُ عنه أنّهُ كتابُ رحمةٍ للعالمين.

اللهُمّ اجعلْ القرآنَ الكريمَ ربيعَ قلوبِنَا، وجلاءَ همومِنَا وأحزانِنَا، اللهُمّ اجعلْهُ لنا إمامًا ونورًا وهدىً ورحمةً، وذكرنَا منه ما نسينَا وعلمنَا منه ما جهلنَا واجعلهُ حجةً لنَا يا ربَّ العالمين .. اللهم احفظْ مصرَ مِن شرِّ كلِّ حاقدٍ وحاسدٍ، ووفقْ اللهُمّ شعبَهَا وقادتَهَا وولاةَ أمرِهَا لكلِّ خيرٍ .. اللهُمّ آمين!

بقلم: مسعود عرابي .. عضو هيئة التدريس بجامعة الأزهر.

 

_____________________________________

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة

 

تابعنا علي الفيس بوك

 

الخطبة المسموعة علي اليوتيوب

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات

 

للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة

 

للمزيد عن أخبار الأوقاف

 

للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف

 

للمزيد عن مسابقات الأوقاف

اظهر المزيد

كتب: د.أحمد رمضان

الدكتور أحمد رمضان حاصل علي الماجستير من جامعة الأزهر بتقدير ممتاز سنة 2005م ، وحاصل علي الدكتوراه بتقدير مع مرتبة الشرف الأولي من جامعة الأزهر الشريف سنة 2017م. مؤسس جريدة صوت الدعاة ورئيس التحرير وكاتب الأخبار والمقالات المهمة بالجريدة، ويعمل بالجريدة منذ 2013 إلي اليوم. حاصل علي دورة التميز الصحفي، وقام بتدريب عدد من الصحفيين بالجريدة. للتواصل مع رئيس التحرير على الإيميل التالي: [email protected] رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) للمزيد عن الدكتور أحمد رمضان رئيس التحرير أضغط في القائمة علي رئيس التحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »