حسام الدين الأزهري يكتب: الاستعداد العلمي والإيماني لرمضان
ساعات معدودات ويطل علينا شهر الخيرات والبركات، شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان..
ويُعد هذا الشهر الكريم فرصة سانحة للتقرب إلى الله تعالى وابتغاء مرضاته؛ حيث تكون القلوب مقبلة على الخير، والأرواح مستشرفة للترقي في معارج الإيمان، والنفوس مهيأة للتغيير الإيجابي نحو الأفضل، وأبواب الجنة مُفتّحة، وأبواب النار مُغلّقة، والشياطين مُصفّدة..
إن شهر رمضان بكل تأكيد منحة إلهية وفضل كبير ينبغي للمسلم الواعي أن يستثمر كل لحظة فيه خير استثمار؛ بل عليه أن يغتنمها ويستثمرها الاستثمار الأمثل، ولعل من أبرز الأسباب المعينة على الاستعداد للشهر الفضيل وتحقيق الاستفادة القصوى منه أن يكون لدي المسلم مخططا واضحا على كل المستويات، لا سيما كل من المستوى الروحي والإيماني وأيضا المستوى الفقهي والعلمي.
أولا- الاستعداد الروحي والإيماني:
إن النفس البشرية بحاجة للتهيئة المستدامة والتمهيد المتدرج حتى تصل لدرجة راقية ومستقرة من الإيمان والعبادة، وهذا يمكن تحقيقه والوصول إليه عن طريق المجاهدة، والله تعالى يقول في محكم التنزيل:«وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا» [العنكبوت:69]، وهذه الآية الكريمة وردت في ختام سورة العنكبوت، والتي افتتحت بقوله تعالى: {الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت: 1 – 3].
يقول ابن القيّم في الفوائد : «{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا} علَّق سبحانه الهدايةَ بالجهاد، فأكْملُ الناس هدايةً أعظمُهم جهادًا، وأفرضُ الجهاد جهادُ النَّفْس، وجهادُ الهوى، وجهادُ الشَّيطان، وجهادُ الدُّنيا؛ فمَن جاهد هذه الأربعة في الله، هداه الله سُبُل رِضاه الموصلة إلى جنَّته، ومَن ترَك الجهاد، فاتَه من الهُدى بحسَب ما عطَّل من الجهاد، قال الجُنيد: والذين جاهدوا أهواءَهم فينا بالتوبة، لنهدينهم سُبُلَ الإخلاص».
ولذلك قال أحد الصالحين: “جاهدت نفسي في قيام الليل عاما، فذقت حلاوته عشرين عاما”.
ومن الأمور العملية المفيدة في هذا الجانب التي علينا أن نبدأ فيها من الآن:
- التهيئة النفسية والروحية من خلال معايشة أجواء رمضان، ومطالعة ما كتب في فضائله، والفرح والسرور بقرب بلوغ الشهر العظيم.
- الحرص على قراءة القرآن بخشوع وتدبر.
- الحرص على قيام الليل ولو بركعتين، حتى إذا جاء رمضان كان مستعدا لصلاة القيام.
- إبراء الذمة من الصيام الواجب، فقد روى عن أبي سلمة أنه قال سمعت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تقول: “كان يكون علي الصوم من رمضان فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان”.
- الدعاء، وقد ورد عن بعض السلف أنهم كانوا يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان، ثم يدعونه خمسة أشهر بعدها حتى يتقبل منهم.
- الإنفاق والصدقة قدر المستطاع.
ثانيا: المستوى الفقهي والعلمي:
يقول تعالى في كتابه الحكيم: { يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ } [ المجادلة : 11 ]، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين”. فالعلم مقدم على القول والعمل ، ولا عمل دون علم، ومن رزق فقهًا في الدين وأحكامه فذاك الموفق على الحقيقة ، فالفقه في الدين من أعظم المنن والنعم .
ومن الأمور العملية المفيدة في هذا الجانب التي علينا أن نبدأ فيها من الآن التزود بالعلم الشرعي ليقف المسلم على أحكام الصيام ومعرفة فضائل شهر رمضان عن طريق مطالعة أحكام الصيام مطالعة واعية، وحضور مجالس العلم.