خطبة الأسبوعخطبة الجمعةخطبة الجمعة خطبة الأسبوع ، خطبة الجمعة القادمة، خطبة الاسبوع، خطبة الجمعة وزارة الأوقاف

تحويل القبلة وفضل ليلة النصف من شعبان للشيخ عبد الواحد محمد

لتحميل الخطبة بصيغة Word إضغط هنا

لتحميل الخطبة بصيغة  pdf إضغط هنا

تحويل القبلة وفضل ليلة النصف من شعبان

كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ـــــ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ـــــ يُصَلِّي نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَيُكْثِرُ النَّظَرَ إِلَى السَّمَاءِ يَنْتَظِرُ أَمْرَ اللَّهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ قَولَه تَعَالَى:﴿قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ﴾ [البقرة: 144] .

وَعَنِ الْبَرَاءِ بنِ عازبٍ:أَنَّ النَّبِيَّ ـــــ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ـــــ صلَّى إلى بيتِ المقدِسِ ستةَ عشَرَ شهرًا،أو سبعةَ عشَرَ شهرًا، وكان يُعجِبُه أن تكونَ قِبلتُه قِبَلَ البيتِ،وأنه صلَّى،أو صلَّاها،صلاةَ العصرِ وصلَّى معَه قومٌ، ممن كان صلَّى معَه فمرَّ على أهلِ المسجدِ وهم راكِعونَ،قال: أشهَدُ باللهِ،لقد صلَّيتُ معَ النبيِّ ـــــ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ـــــ قِبَلَ مكةَ، فداروا كما هم قِبَلَ البيتِ،وكان الذي مات على القِبلةِ قبلَ أن تُحَوَّلَ قِبَلَ البيتِ رجالٌ قُتِلوا، لم نَدرِ ما نقولُ فيهِم، فأنزَل اللهُ:﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾[الْبَقَرَةِ: 143].رواه الْبُخَارِيُّ (4486).

قوله(فخرَج رجلٌ):هو عباد بن بِشر الأشهلي،أو عبَّاد بن نَهِيكٍ الأنصاري الخطمي.

               قال ابن كثير:”وَالْمَشْهُورُ أَنَّ أَوَّلَ صَلَاةٍ صَلَاهَا إِلَى الْكَعْبَةِ صَلَاةُ الْعَصْرِ،وَلِهَذَا تَأَخَّرَ الْخَبَرُ عَنْ أَهْلِ قُبَاءَ إِلَى صَلَاةِ الْفَجْرِ”. تفسير ابن كثير(1/331).

وفى رواية عن البراء :”صليتُ مع النبيِّ ـــــ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ـــــ إلى بيتِ المقدسِ ستةَ عشرَ شهرًا. حتى نزلت الآيةُ التي في البقرةِ…”. رواه مسلم(525).

وعن ابن عباس قال:”صلَّى رسولُ اللهِ ـــــ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ـــــ وأصحابهُ إلى بيتِ المقدسِ ستَّةَ عشرَ شهرًا ثم صُرِفت القِبلةُ بعدُ”. رواه أحمد فى مسنده(4/64)و صححه أحمد شاكر.

عن عبدالله بن عمر قال:”بينما الناسُ في صلاةِ الصبحِ بقباءَ إذ جاءهم آتٍ فقال: إن رسولَ اللهِ ـــ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـــ قد أُنزلَ عليه الليلةَ, وقد أُمِرَ أن يستقبلَ الكعبةَ فاستقبَلوها. وكانت وجوهُهم إلى الشامِ، فاستداروا إلى الكعبةِ”.                                                                          رواه البخاري(4494)و مسلم(526).

 

مسجد القبلتين(مسجد بنى سلمة) يقع شَمالَ غربِ المدينة النبوية على مساحة(3920) مترٍ مربعٍ.

ولما كان شأن ذلك التحويل كبيرًا مهَّد الله ــ تعالى ــ له في القرآن تمهيدًا طويلًا، قال ابن القيم:”تأمَّل حكمةَ العزيز الحكيم،ولطفَه،وإرشادَه في هذه القصة،لما علم أن هذا التحويلَ أمر كبير كيف وطَّأَهُ، ومهَّدَهُ وذلَّله بقواعدَ قبلَهُ”. بدائع الصنائع ( 4/965).

          تنازع السلف في المراد بالسفهاء: فقيل:هم اليهود،وقيل:هم مشركوا مكة، وقيل:هم المنافقون.

والحق أنهم جميعًا سفهاء.

        تصحيح لخطأ مشهور:

يعتقد البعض أن النبي ـــ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـــ  كان فى مسجد بنى سلمة(مسجد القبلتين) أثناء نزول الوحى بتحويل القبلة،و هذا ــــ كما قال السيوطي ــــ تحريف للحديث؛فإن قصة بني سلمة لم يكن فيها النبي ـــ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـــ  إمامًا ولا هو الذي تحوَّل في الصلاة.   

هل تحوَّلت القبلة إلى الكعبة مرتين؟

قال ابن عبد البر:”وَاخْتَلَفُوا فِي صَلَاتِهِ بِمَكَّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ حِينَ فُرِضَتِ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ:

فَقَالَتْ طَائِفَةٌ:كَانَتْ صَلَاتُهُ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ مِنْ حِينِ فُرِضَتِ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ بِمَكَّةَ إِلَى أَنْ قَدِمَ الْمَدِينَةَ، ثُمَّ بِالْمَدِينَةِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا عَلَى حَسَبِ اخْتِلَافِ الرِّوَايَةِ فِي ذَلِكَ،و ساق بسنده إلى ابن عباس أنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يُصَلِّي نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَهُوَ بِمَكَّةَ وَالْكَعْبَةُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَبَعْدَ مَا هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا، ثُمَّ صُرِفَ إِلَى الْكَعْبَةِ.

وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّمَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – أَوَّلَ مَا افْتُرِضَتِ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ إِلَى الْكَعْبَةِ طُولَ مُقَامِهِ بِمَكَّةَ، ثُمَّ لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ صَلَّى إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا. وَقِيلَ: سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا. وَقِيلَ: ثَمَانِيَةَ عَشَرَ شَهْرًا، ثُمَّ صَرَفَهُ اللَّهُ تَعَالَى إِلَى الْكَعْبَةِ.

و ساق بسنده إلى الى ابن عباس أنه قال:”صَلَّى أَوَّلَ مَا صَلَّى إِلَى الْكَعْبَةِ، ثُمَّ صُرِفَ عَنْهَا إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ،فَصَلَّتِ الْأَنْصَارُ نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ قَبْلَ مَوْتِهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – ثَلَاثَ حِجَجٍ، وَصَلَّى بَعْدَ قُدُومِهِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا، ثُمَّ وَجَّهَهُ اللَّهُ تَعَالَى إِلَى الْكَعْبَةِ الْبَيْتِ الْحَرَامِ”.

ثم ذكر حديث الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ:”لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – الْمَدِينَةَ صَلَّى نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا وَكَانَ يُحِبُّ أَنْ يُحَوَّلَ إِلَى الْكَعْبَةِ …”.

قَالَ أَبُو عُمَرَ:ظَاهِرُ هَذَا الْحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ صَلَّى إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ لَا قَبْلَ ذَلِكَ،وَاللَّهُ أَعْلَمُ”. الاستذكار(7/211).

اختلف العلماء حين فرضت الصلاة أوَّلًا بمكة،هل كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يستقبل بيت المقدس،أم يستقبل الكعبة؟ على قولين:  فذهبت طائفة إلى الأول، قاله ابن عباس ـــ رضي الله عنهما ـــ .

وذهبت طائفة إلى الثاني،وأنه لم يزل يُصلي إلى الكعبة طُول مُقَامِهِ بمكة على ما كانت عليه صلاة إبراهيم،وإسماعيل،فلما قَدمَ المدينةَ صَلَّى إلى بيت المقدس ستة عشر شهرًا،أو سبعة عشر شهرًا، على الخلاف، ثم صرفه الله إلى الكعبة “.  أفاده القرطبي فى تفسيره(2/150).   و قد عدَّ الآلوسي نسخَ القبلة مرتين دعوى ـــ كما فى تفسيره(1/405).

               سُميت القبلةُ قبلةً؛لأن المصلىَ يقابلها وتقابله،وقيل: لإقبال الناس عليها. عون المعبود(1/14).

تحويل القبلة أولُ نسخ في الإسلام:

عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال :”أول ما نُسخ من القرآن ــــ فيما ذُكر لنا ــــ شأنُ القبلة”. رواه الحاكم (3114)، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين.

وقال ابن عبد البر:” وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ أَوَّلَ مَا نُسِخَ مِنَ الْقُرْآنِ شَأْنُ الْقِبْلَةِ”. الاستذكار(7/210).

وقال القرطبي :”وأجمع العلماء على أن تحويل القبلة أول نسخ في الإسلام” الجامع لأحكام القران(2/ 151).

وقال ابن كثير:”إن تَحْوِيلَ الْقِبْلَةِ أَوَّلُ نَسْخٍ وَقَعَ فِي الْإِسْلَامِ “. البداية و النهاية(4/32).

وقت تحويل القبلة:

قال الطبري:”صرف الله عز وجل قبلةَ المسلمين من الشام إلى الكعبة وذلك في السنة الثانية من مَقْدَم النبي ـــ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـــ المدينة في شعبان،واختلف السلف من العلماء في الوقت الذي صُرفت فيه من هذه السنة، فقال بعضهم ـــ وهم الجمهور الأعظم ــــ صُرفت في النصف من شعبان على رأس ثمانية عشر شهرًا من مَقْدَم رسول الله ــــ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـــ المدينة”. تاريخ الطبري( 2/18).

وقال ابن الجوزي:”اختلف العلماء في مدّة صلاة النبيّ ـــــ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ـــــ إلى بيت المقدس، بعد قدومه المدينةَ على ستة أقوال:

(52) أحدها: أنها ستة عشر شهرًا ، أو سبعة عشر، قاله البراء بن عازب.

والثاني: سبعة عشر شهرًا ، قاله ابن عباس. والثالث: ثلاثة عشر شهرًا، قاله معاذ بن جبل.

والرابع: تسعة أشهر،قاله أنس بن مالك. والخامس:ستة عشر شهرًا،والسادس:ثمانية عشر شهرًا،رُوِي القولان عن قتادة”. زاد المسير في علم التفسير(1/118).

وقال العظيم آبادي: وكان تحويل القبلة في رجب بعد زوال الشمس قبل قتال بدر بشهرين”. عون المعبود(3/ 365).

وقال الحافظ ابن كثير:”فَصْلٌ فِى تَحْوِيل الْقِبْلَةِ فِي سَنَةِ ثنتين من الهجرة قبل وقعة بدر،وقال بَعْضُهُمْ: كَانَ ذَلِكَ فِي رَجَبٍ مِنْ سَنَةِ ثِنْتَيْنِ ،وَبِهِ قَالَ قَتَادَةُ وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ ،وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ.

وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ ظَاهِرُ حَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ.

[حَدِيثُ عبدالله بن عباس:”صلَّى رسولُ اللهِ ـــــ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ـــــ وأصحابهُ إلى بيتِ المقدسِ ستَّةَ عشرَ شهرًا ثم صُرِفت القِبلةُ بعدُ”. رواه أحمد(2252) بإسناد صحيح، وفى رواية:”كان رسولُ اللهِ ـــــ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ـــــ يُصلِّي وهو بمكةَ نَحْوَ بيتِ المقدسِ والكعبةُ بينَ يدَيهِ،وبعدما هَاجَرَ إلى المدينةِ سِتَّةَ عَشَرَ شهرًا ثم صُرِفَ إلى الكعبةِ”. مسند أحمد(4/357)].

قال ابن كثير:”وهذا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فى رَجَبٍ مِنَ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ،وَاللَّهُ أَعْلَمُ”. وَقِيلَ: فِي شَعْبَانَ مِنْهَا.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ بَعْدَ غَزْوَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ: وَيُقَالُ صُرِفَتِ الْقِبْلَةُ فِي شَعْبَانَ عَلَى رَأْسِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ شَهْرًا مِنْ مَقْدَمِ رَسُولِ اللَّهِ ـــــ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ـــــ الْمَدِينَةَ. وَحَكَى هَذَا الْقَوْلَ ابْنُ جَرِيرٍ [فى تاريخه (2/416)]مِنْ طريق السُّدِّي فسنده عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَنَاسٍ مِنَ الصَّحابة.

قال الجمهور الأعظم: إنما صُرِفَتْ فِي النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ عَلَى رَأْسِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ شَهْرًا مِنَ الْهِجْرَةِ.

ثُمَّ حُكي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ أَنَّهَا حُوِّلَتْ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ النِّصْفَ مِنْ شَعْبَانَ،وَفِي هَذَا التَّحْدِيدِ نَظَرٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ…”. البداية و النهاية(4/31ـــ 32) بتصرف يسير.

وقال الحافظ ابن حجر:”وكان التحويل في نصف شهر رجب من السنة الثانية على الصحيح،وبه جزم الجمهور،ورواه الحاكم بسند صحيح عن ابن عباس”.الفتح(1/97).

مَن مات قبل تحويل القبلة:

قال ابن الملقن :”ولم يقتل أحد قبل بدر إنما مات قبل التحويل البراء بن معرور في صفر، قبل مقدم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – المدينة، وأبو أمامة أسعد بن زرارة مات ومسجد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يبنى بعد الهجرة بستة أشهر، نبَّه عليه الدمياطي بخطه قبالة قوله: وكان الذي مات على القبلة قبل أن تحول قبل البيت رجال قتلوا”.

                                                  التوضيح لشرح الجامع الصحيح لابن الملقن(22/47).

وقال ابن حجر أيضًا:”الذين ماتوا بعد فرض الصلاة و قبل تحويل القبلة من المسلمين عشَرة أنفس:

فبمكة من قريش: عبد الله بن شهاب والمطلب بن أزهر الزهريان والسكران بن عمرو العامري وبارض الحبشة منهم حطاب بالمهملة بن الحارث الجمحي،وعمرو بن أمية الأسدي،وعبد الله بن الحارث السهمي،وعروة بن عبد العزى وعدي بن نضلة العَدَوِيَّان،ومن الأنصار بالمدينة: البراء بن معرور بمهملات وأسعد بن زرارة، فهؤلاء العشَرة متفقٌ عليهم.

ومات في المدة ـــ أيضًا ـــ إياس بن معاذ الأشهلي،لكنه مختلف في إسلامه،ولم أجد في شيء من الأخبار أن أحدًا من المسلمين قُتل قبل تحويل القبلة لكن لا يلزم من عدم الذكر عدم الوقوع،فإن كانت هذه اللفظةُ محفوظةً فتحمل على أن بعض المسلمين ممن لم يشتهر قُتل في تلك المدة في غير الجهاد ولم يُضبط اسمُه؛لقلة الاعتناء بالتاريخ إذ ذاك،ثم وجدت في المغازي ذكرَ رجلٍ اختُلف في إسلامه،وهو سويد بن الصامت،فقد ذكر بن إسحاق أنه لقي النبيَّ ـــــ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ـــــ قبل أن تلقاه الأنصارُ في العقبة فعرض عليه الإسلامَ فقال:إن هذا القول حسن. وانصرف إلى المدينة فقُتل بها في وقعة بُعاثَ ــــ بضم الموحدة وإهمال العين وآخره مثلثة ـــــ وكانت قبل الهجرة قال:فكان قومه يقولون:لقد قُتل وهو مسلم،فيحتمل أن يكون هو المرادَ وذَكر لي بعض الفضلاء أنه يجوز أن يُراد من قتل بمكة من المستضعفين كأبوي عمار. قلت(ابن حجر): يحتاج إلى ثبوت أن قتلهما بعد الإسراء”. الفتح(1/98).

وقال الإمام محمد بن أبي بكر القرشي ،المعروف بالدماميني :” وعدَّ المفسرون من هؤلاء الذين ماتوا قبل تحويل القبلة: البراءَ بنَ معرور، وأسعدَ بنَ زُرارةَ، كذا ذكره الواحدي في “أسباب النزول”، ومات أسعدُ في السنة الأولى من الهجرة، والبراءُ بنُ معرورٍ في صفرٍ قبلَ قدوم النبي – صلى الله عليه وسلم – بشهر.

لكن قال بعض الحفاظ: تحويلُ القبلة كان قبلَ بدر، ولم يُقتل قبلها أحدٌ من الصحابة”. مصابيح الجامع(8/158).

اخْتَلَفُوا فِي الحِكْمَةِ من تَكْرَارِ قوله تعالى:﴿وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ﴾ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ:

قال ابن كثير:” قِيلَ:تَأْكِيدٌ ؛لِأَنَّهُ أَوَّلُ نَاسِخٍ وَقَعَ فِي الإسلام … وَقِيلَ: بَلْ هُوَ مُنَزَّلٌ عَلَى أَحْوَالِ،فَالْأَمْرُ الْأَوَّلُ لِمَنْ هُوَ مُشَاهِدٌ الْكَعْبَةَ، وَالثَّانِي لِمَنْ هُوَ فِي مَكَّةَ غَائِبًا عَنْهَا،وَالثَّالِثُ لِمَنْ هُوَ فِي بَقِيَّةِ الْبُلْدَانِ ــــ هَكَذَا وَجَّهَهُ فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيُّ ـــ .

وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ:” الْأَوَّلُ لِمَنْ هُوَ بِمَكَّةَ،وَالثَّانِي لِمَنْ هُوَ فِي بَقِيَّةِ الْأَمْصَارِ،وَالثَّالِثُ لِمَنْ خَرَجَ فِي الْأَسْفَارِ”،وَرَجَّحَ هَذَا الْجَوَابَ الْقُرْطُبِيُّ…”.تفسير ابن كثير(1/334).

وقال ابن الجوزي:”فإنه تكرير تأكيد ليحسم طمع أهل الكتاب في رجوع المسلمين أبداَ إلى قبلتهم”زاد المسير (1/159).

وقال الشوكاني:”كرر سبحانه هذا؛لتأكيد الأمر باستقبال الكعبة،وللاهتمام به؛لأن موقع التحويل كان مُعتنىً به في نفوسهم،وقيل: وجه التكرير لأن النسخ من مَظانِّ الفتنة،ومواطنِ الشبهة،فإذا سمعوه مرةً بعد أخرى ثبتوا،واندفع ما يختلج في صدورهم،وقيل:إنه كَرَّر هذا الحكمَ؛لتعدد عِلَلِهِ فإنه ــــ سبحانه ـــــ ذكر للتحويل ثلاثَ علل:

الأولى : ابتغاء مرضاته .

والثانية : جرى العادة الإلهية أن يولي كل أهل ملة وصاحب دعوة جهة يستقل بها.

والثالثة : دفع حجج المخالفين فقرن بكل علة معلولها”. فتح القدير(1/156).

                تحويل القبلة دليل على صدق النبي ــــ صلى الله عليه وسلم ـــ :

تشهد أناجيل النصارى أن تحويل القبلة علامةٌ على صدق النبوة؛ففي إنجيل يوحنا:” 19َقَالَتْ لَهُ الْمَرْأَةُ: يَاسَيِّدُ،أَرَى أَنَّكَ نَبِيٌّ20آبَاؤُنَا عَبَدُوا اللهَ فِي هَذَا الْجَبَلِ،وَأَنْتُمُ الْيَهُودَ تُصِرُّونَ عَلَى أَنَّ أُورُشَلِيمَ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ الْمَرْكَزَ الْوَحِيدَ لِلْعِبَادَةِ21فَأَجَابَهَا يَسُوعُ:صَدِّقِينِي يَاامْرَأَةُ،سَتَأْتِي السَّاعَةُ الَّتِي فِيهَا تَعْبُدُونَ الآبَ لاَ فِي هَذَا الْجَبَلِ وَلاَ فِي أُورُشَلِيمَ”.إنجيل يوحنا (الإصحاح الرابع:19ــ21).

من مظاهر تعظيم القبلة فى الإسلام:

1ـــ عدم البصاق ناحية القبلة:

عن أنس بن مالك:أن النبيَّ ــــ صلى الله عليه وسلم ـــ رأى نُخامةً في القبلةِ،فشقَّ ذلك عليه,حتى رُئِيَ في وجهِه ، فقام فحكَّه بيدِه ، فقال: إن أحدَكم إذا قام في صلاِته،فإنه يناجي ربَّه،أو إن ربَّه بينَه وبين القبلةِ،فلا يَبزُقَن أحدُكم قِبَلَ قبلتِه، ولكن عن يسارِه أو تحتَ قدمَيْه” ثم أخذ طَرَفَ رِدَائِه، فبصقَ فيه، ثم ردَّ بعضَه على بعضٍ، فقال:” أو يَفْعَلْ هكذا”. رواه البخاري(405).

و عن حذيفة بن اليمان أن النبيَّ ــــ صلى الله عليه وسلم ـــ قال:”مَنْ تَفَلَ تِجَاهَ القِبْلَةِ،جاء يومَ القيامةِ تَفْلُهُ بينَ عَيْنَيْهِ”. رواه أبو داود ( 3824)،ورواه ابن حبان(1639)بلفظ:”مَن تفَل تجاهَ القِبْلةَ جاء يومَ القيامةِ وتَفْلَتُه بَيْنَ عينَيْهِ”.و هو حديث صحيح،وقال المنذري:”إسناده صحيح أو حسن أو ما قاربهما “.الترغيب والترهيب(1/161).

2ـــ استقبال القبلة شرط لصحة الصلاة :

قال تعالى:﴿قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَه…﴾،فلا تصح الصلاة إلا بالتوجه إلى المسجد الحرام الذي بمكة،و قد أمر النبيُّ ــــ صلى الله عليه وسلم ـــ بذلك المسيءَ صلاتَهُ فقال:”إذا قُمْتَ إلى الصلاةِ فأسبِغِ الوُضوءَ،ثم استقبِلِ القِبلةَ فكبِّرْ…”.    رواه البخاري(6251)

عن أبى هريرة.

و قد أُمر المسلمُ باستقبالها كل يوم وليلة خمسَ مرات ،وعلى هذا فإن المسلم إذا أتى بالفرائض الخمس فقط يكون قد اتجه إلى القبلة في العام 1800مرة(360يوم×5صلوات=1800مرة).

 

 

 

        هناك حالات لا يُشترط فيها التوجهُ إلى القبلة وهي :

(أ)عند شدة الخوف:

قال ابن القيم:”وقد أمر الله ــــ سبحانه ــــ المسلمين حالَ مواجهة عدوهم أن يصلوا صلاةَ الخوف فيقصروا من أركانها،ويفعلوا فيها الأفعالَ الكثيرة،ويستدبروا فيها القبلة،ويسلمون قبل الأمام،بل يصلون رجالًا،وركبانًا حتى لو لم يمكنهم إلا الإيماء أتوا بها على دوابِّهم إلى غير القبلة”. الصلاة وحكم تاركها (1/100) .

(ب)في النافلة في السفر سواء كان على طائرة أو على سيارة،أو على بعير،فإنه يصلي حيث كان وجهه في صلاة النفل ، مثل : الوتر ، وصلاة الليل ، والضحى وما أشبه ذلك .

و قد ثبت أن الرسول ــــ صلى الله عليه وسلم ـــ كان يصلى إلى راحلته في السفر حيثما توجهت به. المجموع( 3/191) .

فعَنْ جَابِرِ بْنِ عبد الله قَال:” كَانَ رَسُولُ اللَّه ِ ــــ صلى الله عليه وسلم ـــ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ فَإِذَا أَرَادَ الْفَرِيضَةَ نَزَلَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ”. رواه البخاري(385) .

(ج)عند الجهل بمكانها:

قال شيخ الإسلام :”ومن اشتبهت عليه القبلة فيصلي في الوقت بالاجتهاد،والتقليد،ولا يؤخرها ليصلي بعد الوقت باليقين “.

(د)عند العجز عن استقبالها كمريض وجهُه إلى غير القبلة ولا يستطيع أن يتوجه إليها ، فإن استقبال القبلة يَسقط عن المصلى في هذه الحالة لقوله تعالى:﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُم ﴾[التغابن:16]،وقولِه تعالى:﴿لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلا وُسْعَهَا﴾[البقرة: 286]،وقولِ النبي ــــ صلى الله عليه وسلم ــــ :”إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ “. رواه البخاري (7288) ومسلم (1337) عن أبى هريرة.

3ـــ عدم استقبالها أو استدبارها ببول أو غائط:

وذلك لأن جهة القبلة أشرفُ الجهات فَصِينَت عن ذلك،فقد قِيلَ لسلمان الفارسي: قَدْ عَلَّمَكُمْ نَبِيُّكُمْ ــــ صلى الله عليه وسلم ــــ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى الْخِرَاءَةَ،قَالَ:فَقَالَ:أَجَلْ،لَقَدْ نَهَانَا أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ لِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِالْيَمِينِ أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِرَجِيعٍ أَوْ بِعَظْمٍ” .رواه مسلم(262).

ولا فرق في تحريم استقبال القبلة عند قضاء الحاجة بين البنيان،والفضاء ــــ على الراجح من كلام أهل العلم ـــــ ،قال ابن القيم:”ومن خواصِّها أيضًا أنه يَحرم استقبالها،واستدبارها عند قضاء الحاجة دون سائر بقاع الأرض،وأصح المذاهب في هذه المسألة أنه لا فرق في ذلك بين الفضاء،والبنيان لبضعة عشر دليلًا قد ذُكرت في غير هذا الموضع،وليس مع المُفرِّق ما يقاومها ألبتة،مع تناقضهم في مقدار الفضاء،والبنيان،وليس هذا موضعَ استيفاء الحِجاج من الطرفين” زاد المعاد في هدي خير العباد (1/47).

من الدروس المستفادة من تحويل القبلة:

إن تحويل القبلة من المسجد الأقصى بالقدس إلى المسجد الحرام بمكة المكرمة من الأحداث العظيمة في تاريخ الأمة الإسلامية،ذلك لأن فيه الكثيرَ من الدلالات،والإشارات،والتوجيهات،والفوائد،ولما ترتب عليها من نتائج،ومواقف.

 

 

و من هذه الدروس،و العِبَر:

1ــــ لله المشرق ،و المغرب، و سائر الجهات:

إن الجهة لا تفضُل إلا بتفضيل اللهِ لها،فَحَيْثُمَا وَجَّهْنَا اللهُ تَوَجَّهْنَا،فَالطَّاعَةُ فِي امْتِثَالِ أَمْرِهِ وَ لَوْ وَجَّهَنَا فِي كُلِّ يَوْمٍ مَرَّاتٍ إِلَى جِهَاتٍ متعددة؛فنحن عبيدُه وفى تصرفه،وَخُدَّامُهُ حَيْثُمَا وَجَّهَنَا تَوَجَّهْنَا.

2ــ مكانة النبي ـــ صلى الله عليه و سلم ـــ عند الله ـــ عز و جل ـــ :

قال تعالى:﴿قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ﴾ [البقرة:144].

و لم يقل : فلنولينك قبلةً نرضاها،و هذا هو وعد الله ـــ عز و جل ــــ له،قال تعالى:﴿وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى﴾[الضحى:5].

وعن عائشة أنها قالت للنبي ـــ صلى الله عليه و سلم ـــ :”ما أرى ربك إلا يُسارع فى هواك”. رواه البخاري(4510).

كم للنبي المصطفى من آيةٍ                   غرَّاءَ حارَ الفِكْرُ في معناها

لما رأى الباري تقلُّبَ وجهِهِ               ولاَّه أعظمَ قِـــــــــبلةٍ يرضاها.

3ـــ تسليةُ النبي ـــ صلى الله عليه و سلم ـــ و أصحابِه :

قال ابن كثير :”في تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة المشرفة،وهذا ــــ والله أعلم ــــ فيه تسليةٌ للرسول ـــ صلى الله عليه و سلم ـــ،وأصحابه الذين أُخرجوا من مكة،وفارقوا مسجدَهم،ومصلاهم،وقد كان رسول الله ـــ صلى الله عليه و سلم ـــ يصلي بمكة إلى بيت المقدس والكعبة بين يديه،فلما قدِم المدينةَ وُجِّه إلى بيت المقدس ستة عشر شهرًا،أو سبعة عشر شهرًا،ثم صَرَفه الله إلى الكعبة بعدُ،ولهذا يقول تعالى:﴿وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾[البقرة/115]. تفسير القرآن العظيم(1/158).

4ـــ وسطية الأمة و شهادتها على الأمم:

من فضل الله على هذه الأمة أنها أمة وسط،عَدْلٌ خيار،و أنها ستكون شاهدةً على غيرها من الأمم،بل ستشهد أن الرسل قد بلَّغوا رسالاتِ ربهم،فمكانُها محمودٌ بين الأمم،قال تعالى:﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا…﴾[البقرة:143].

عَنْ أَبِي سَعِيدٍالخدري أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ــــ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـــ قال:«يدعى نوح يوم القيامة،فيقول:لبيك وسعديك يا رب، فيقول:هل بلغت؟ فيقول : نعم، فيقال لأمته:هل بلغكم ؟ فيقولون:ما أتانا من نذير،فيقول : من يشهد لك ؟ فيقول: محمد وأمته،فيشهدون أنه قد بلَّغ :﴿وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ﴾،فذلك قوله جل ذكره﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾والوسط العدل» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ(4487).

إن الوسط من كل شىء هو مركز الاعتدال منه،ونقطة التوازن فيه،وإنما عبّر بالوسط؛لأنه بين الإفراط والتفريط.

       إعجاز عددي:

عدد آيات سورة البقرة(286)آية،و الآية التى ذُكر فيها قوله تعالى:﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا﴾هى الآية (143)،

مما يدل على أنها وسط فى كل شىء حتى فى موضع الحكم عليها بالوسطية فى القرآن الكريم.

 

5ـــ لا يُضيع الله عَمَلَ عاملٍ:

قال تعالى: :﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾[البقرة:143]؛تطمينًا لقلوب المؤمنين الذين وقع فى نفوسهم شىءٌ من صلاتهم،التي كانوا يصلّونها إلى بيت المقدس،وساورهم القلق فى شأن تلك الصلاة التي صلّوها إلى بيت المقدس، فكان أن تداركهم الله برحمته، وأنزل هذه الآية.

و قال عز و جل:﴿فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ﴾[آل عمران:195].

6ـــ سرعة استجابة الصحابة الكرام لأمر الله و رسوله ـــ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـــ :

عن عبدالله بن عمر قال:”بينما الناسُ في صلاةِ الصبحِ بقباءَ إذ جاءهم آتٍ فقال: إن رسولَ اللهِ ـــ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـــ قد أُنزلَ عليه الليلةَ, وقد أُمِرَ أن يستقبلَ الكعبةَ فاستقبَلوها. وكانت وجوهُهم إلى الشامِ، فاستداروا إلى الكعبةِ”. رواه البخاري(4494)و مسلم(526).

وهذا يدل على كمال طاعتهم لله،ولرسوله،وانقيادهم لأوامر الله ـــــ عز وجل ــــ رضوان الله عليهم أجمعين.

ولم يقل أحد منهم:ما هذا؟ ولم؟ وكيف؟؛ إذ إن من شأن المؤمن أن يتلقى أمرَ الرسول ـــ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـــ بالقبول والتسليم؛امتثالا لقوله تعالى:﴿وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾[الحشر:7].

وفى قوله تعالى:﴿وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ﴾إشارةٌ إلى أن هذه المحنةَ التي امتُحِن بها المؤمنون كبيرةٌ،لا يجوزها بقلبٍ سليم،ونفسٍ مطمئنة إلّا الذين هداهم الله وثبَّت أقدامَهم على طريق الحق واليقين،﴿وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [البقرة:213].

7ـــ ﴿وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾:

حين أمر الله نبيه ـــ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـــ أن يتحول بالمسلمين إلى المسجد الحرام فى الصلاة وجدها اليهود فرصةً سانحة للعمل،فأذاعوا أن محمدًا إنما فعل ذلك على حساب عقيدته،للخلاف الذي بينه وبينهم،وأن بيت المقدس هو قبلة الأنبياء جميعًا،فكيف استباح محمدٌ لنفسه أن يخرج على شريعة الأنبياء،وهو الذي يدعو إلى الإيمان بهم جميعًا؟ فإذا كان دينُه من عند الله،فهذا الذي فعله هو إبطالٌ لهذا الدين،وإعلان صريح بالخروج على أحكامه،وأما إذا كان ما يدعو إليه من دين هو من عمله، فإن له أن يغيّر فيه،ويبدّلَ كيف يشاء،على ألا يعقد صلة بينه وبين الأنبياء.

بمثل هذه التخرُّصات كان يلقى اليهودُ المسلمين،وقد أثاروا بهذه المقولات بلبلةً واضطرابًا،حتى لقد وقع عند بعض المسلمين أن صلاتهم التي اتجهوا بها إلى بيت المقدس لم تكن قائمةً على وجهها الصحيح.

ليلة النصف من شعبان فى الميزان:

“خَلَقَ اللهُ تَعَالَى الزَّمَانَ، وَجَعَلَهُ ظَرْفًا لِلْأَعْمَالِ، وَفَاضَلَ سُبْحَانَهُ بَيْنَ الْأَزْمَانِ كَمَا فَاضَلَ بَيْنَ سَائِرِ خَلْقِهِ مِنَ الْبَشَرِ وَالْبِقَاعِ وَغَيْرِهَا،وَ مَعْرِفَةُ فَضِيلَةِ الزَّمَانِ عَلَى غَيْرِهِ تُدْرَك بِالنَّصِّ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ كَائِنًا مَنْ كَانَ أَنْ يُفَضِّلَ زَمَانًا لَمْ يَرِدْ لَهُ فَضْلٌ لَا فِي الْكِتَابِ وَلَا فِي السُّنَّةِ، وَلَا أَنْ يَشْرَعَ فِيهِ عِبَادَاتٍ لَمْ يَشْرَعْهَا اللهُ تَعَالَى وَلَا رَسُولُهُ ـــ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـــ ،وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَلَيْسَ بِمُسْتَسْلِمٍ لِشَرْعِ الله عَزَّ وَجَلَّ، وَلَا خَاضِعٍ لِأَمْرِهِ، وَلَا مُجْتَنِبٍ لِنَهْيِهِ؛ إِذِ الِاسْتِسْلَامُ لِشَرِيعَةِ الله عَزَّ وَجَلَّ يَقْتَضِي الْعَمَلَ بِهَا، وَاتِّبَاعَ سُنَّةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ــــ .

وَمِنْ شُؤْمِ الْبِدْعَةِ أَنَّهَا لَا تَقِفُ عِنْدَ حَدٍّ؛ فَلَيْسَ ثَمَّةَ زِمَامٌ يَزُمُّهَا،وَلَا غَايَةٌ تَبْلُغُهَا،وَالنَّاسُ يَتَوَسَّعُونَ فِيهَا جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ،حَتَّى يَبْلُغُوا بِهَا الشِّرْكَ ــــ وَالْعِيَاذُ بِالله تَعَالَى ــــ أَوْ يَعْمَلُوا أَعْمَالًا شَنِيعَةً مُنْكَرَةً،لَا يَرْضَاهَا كَثِيرٌ مِمَّنْ غَرَّتْهُمُ الْبِدْعَةُ فِي أَوَّلِ ظُهُورِهَا”. (قاله د. إبراهيم بن محمد الحقيل).

إن تَحْرِيرَ الْقَوْلِ فِى فضل هذه الليلة يكون بالنظر إليها من جهتين:

الأولى: مَا وَرَدَ فِيهَا مِنَ الْفَضْلِ.

الثَانِية:مَا جَاءَ فِيهَا مِنْ أَعْمَالٍ مَخْصُوصَةٍ كَصِيَامِ نَهَارِهَا،وَقِيَامِ لَيْلِهَا،وَاخْتِصَاصِهَا بِصَلَاةٍ معيَّنة، وَاتِّخَاذِهَا عِيدًا فِي كَثِيرٍ مِنَ الْبُلْدَانِ.

وقد اختلفت كلمة النقَّاد فى الحكم على أحاديثِ ليلة النصف من شعبان،فمنهم مَن قال:إنها ليلة كسائر الليالى،و منهم مَن أثبت لها فضلًا على غيرها من الليالى ــــ ما عدا ليلةَ القدر ــــ .

(أ)بعض أقوال من لم يُثبت لها فضلًا:

عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم:”لَمْ أُدْرِكْ أَحَدًا مِنْ مَشْيَخَتِنَا وَلَا فُقَهَائِنَا يَلْتَفِتُونَ إِلَى لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ , وَلَمْ نُدْرِكْ أَحَدًا مِنْهُمْ يَذْكُرُ حَدِيثَ مَكْحُولٍ,وَلَا يَرَى لَهَا فَضْلًا عَلَى مَا سِوَاهَا مِنَ اللَّيَالِي”.قَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ: «وَالْفُقَهَاءُ لَمْ يَكُونُوا يَصْنَعُونَ ذَلِكَ». رواه ابن وضَّاح في البدع (108) بإسناد صحيح .

وَعَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ أنه قِيلَ لَهُ:إِنَّ زِيَادًا النُّمَيْرِيَّ يَقُولُ:إِنَّ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ أَجْرُهَا كَأَجْرِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ,فَقَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: «لَوْ سَمِعْتُهُ مِنْهُ وَبِيَدِي عَصًا لَضَرَبْتُهُ بِهَا»وَكَانَ زِيَادٌ قَاضِيًا “.البدع(109) بإسناد صحيح.

وقال العُقَيْلِي :”وَفَى النُّزُولِ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ أَحَادِيثُ فِيهَا لِينٌ،وَالرِّوَايَةُ فِي النُّزُولِ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ أَحَادِيثُ ثَابِتَةٌ صِحَاحٌ،فَلَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ دَاخِلَةٌ فِيهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ”. الضعفاء الكبير (3/29) .

و قال الإمام أبو بكر ابن العربي المالكي:”ليس في ليلة النصف من شعبان حديثٌ يساوي سماعَه”.عارضة الأحوذي شرح سنن الترمذي (3/257).

وقال:” ليس في ليلة النصف من شعبان حديثٌ يُعول عليه لا في فضلها،ولا في نسخ الآجال فيها،فلا تلتفتوا إليه”.

أحكام القرآن (4/ 117).

وقال القرطبي:”وليس في ليلة النصف من شعبان حديثٌ يُعوَّل عليه لا في فضلها ولا في نسخ الآجال فيها،فلا تلتفتوا إليها” تفسير القرطبي(16/128).

وقال الحافظ أبو الخطاب ابن دحية:«قَالَ أَهْلُ التَّعْدِيلِ وَالتَّجْرِيحِ: وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ حَدِيثٌ يَصِحُّ»،فَتَحَفَّظُوا عِبَادَ اللَّهِ مِنْ مُفْتَرٍ يَرْوِي لَكُمْ حَدِيثًا يَسُوقُهُ فِي مَعْرضِ الْخَيْرِ، وَاسْتِعْمَالُ الْخَيْرِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَشْرُوعًا مِنَ الرَّسُولِ ـــ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـــ ، فَإِذَا صَحَّ أَنَّهُ كَذِبٌ،خَرَجَ مِنَ الْمَشْرُوعِيَّةِ،وَكَانَ مُسْتَعْمِلُهُ مِنْ خَدَمَةِ الشَّيْطَانِ لاسْتِعْمَالِهِ حَدِيثًا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ـــ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـــ لَمْ يُنْزِلِ اللَّهُ بِهِ مِنْ سُلْطَانٍ”. ما وضح واستبان في فضائل شهر شعبان(1/43ـــ 44).

وَقَالَ عَلَّامَةُ الشَّامِ جَمَالُ الدِّينِ الْقَاسِمِيُّ:«قَالَ أَهْلُ التَّعْدِيلِ وَالتَّجْرِيحِ:لَيْسَ فِي فَضْلِ لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ حَدِيثٌ يَصِحُّ». إصلاح المساجد من البدع والعوائد (ص: 99).

وقد تعقَّبَه الألباني في الحاشية فقال: «فلا تلتفت إلى ما سينقله المصنف أنه ليس في فضل ليلة النصف حديث يصح، نعم،لا يلزم من ثبوت هذا الحديث اتخاذ هذه الليلة موسمًا يجتمع الناس فيها،ويفعلون فيها من البدع ما ذكره المؤلف -رحمه الله تعالى-» اهـ. .

وَقَالَ الشَّيْخُ مُحَمَّد رَشِيد رِضَا:«وَكُلُّ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي لَيْلَةِ نِصْفِ شَعْبَانَ دَائِرٌ أَمْرُهَا بَيْنَ الْوَضْعِ وَالضَّعْفِ وَعَدَمِ الصِّحَّةِ». مِجلة المنار(31/ 331).

وَقَالَ الشَّيْخُ عَلِي مَحْفُوظ:«وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ أَنَّ كُلَّ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ دَائِرَةٌ بَيْنَ الضَّعْفِ وَالْوَضْعِ وَعَدَمِ الصِّحَّةِ». الإبداع في مضار الابتداع (287).

وقال الشيخ ابن باز:”وقد ورد في فضلها أحاديث ضعيفة لا يجوز الاعتماد عليها”. مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة النبويةــــ عدد (26) ص (3) شوال 1394هـ. .

(ب) بعض أقوال مَن أثبتَ لها فضلًا:

قال المباركفورى:”اعلم أنه قد ورد في فضيلة ليلة النصف من شعبان عدةُ أحاديثَ مجموعها يدل على أن لها أصلا “. تحفة الأحوذي(3/439).

وقال الشافعي:”وَبَلَغَنَا أَنَّهُ كَانَ يُقَالُ : إنَّ الدُّعَاءَ يُسْتَجَابُ فِي خَمْسِ لَيَالٍ فِي لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ, وَلَيْلَةِ الْأَضْحَى, وَلَيْلَةِ الْفِطْرِ, وَأَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ رَجَبٍ, وَلَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ”. الأم( 1/265).

وقال الإمام أبو عمرٍو ابن الصلاح:”وَأما لَيْلَة النّصْف من شعْبَان فلهَا فضيلة،وإحياؤها بِالْعبَادَة مُسْتَحبٌّ، وَلَكِن على الِانْفِرَاد من غير جمَاعَة”. الباعث على إنكار البدع والحوادث لابى شامة(1/44).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية:”وأما ليلة النصف من شعبان ففيها فضل،وكان من السلف من يصليها لكن اجتماع الناس فيها لإحيائها في المساجد بدعة “.الفتاوى الكبرى لابن تيمية(5/344).

وقال ابن تيمية:سئل : عن صلاة نصف شعبان ؟ .فأجاب :إذا صلى الإنسانُ ليلةَ النصف وحدَه أو في جماعة خاصة كما كان يفعل طوائف من السلف فهو أحسن،وأما الاجتماع في المساجد على صلاة مقدرة كالاجتماع على مائة ركعة بقراءة ألف: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾دائما. فهذا بدعة لم يستحبها أحد من الأئمة، والله أعلم …”.

ثم قال:” وأما ليلة النصف فقد روي في فضلها أحاديث وآثار ونقل عن طائفة من السلف أنهم كانوا يصلون فيها فصلاة الرجل فيها وحده قد تقدمه فيه سلف وله فيه حجة فلا ينكر مثل هذا،وأما الصلاة فيها جماعة فهذا مبني على قاعدة عامة في الاجتماع على الطاعات والعبادات، فإنه نوعان:

أحدهما:سنة راتبة إما واجب وإما مستحب كالصلوات الخمس والجمعة والعيدين. وصلاة الكسوف والاستسقاء والتراويح فهذا سنة راتبة ينبغي المحافظة عليها والمداومة.

والثاني: ما ليس بسنة راتبة مثل الاجتماع لصلاة تطوع مثل قيام الليل أو على قراءة قرآن أو ذكر الله أو دعاء . فهذا لا بأس به إذا لم يتخذ عادة راتبة” . مجموع الفتاوى(23 /132 ).

وقال:”ومن هذا الباب: ليلة النصف من شعبان؛فقد روي في فضلها من الأحاديث المرفوعة والآثار ما يقتضي أنها ليلة مُفضَّلة، وأن من السلف مَن كان يخصها بالصلاة فيها، ومن العلماء من السلف من أهل المدينة وغيرهم من الخلف من أنكر فضلَها، وطعن في الأحاديث الواردة فيها، كحديث «إن الله يغفر فيها لأكثرَ من عدد شعْر غَنَم كَلْب».

وقال: لا فرق بينها وبين غيرها، لكنَّ الذي عليه كثير من أهل العلم، أو أكثرهم من أصحابنا وغيرهم على تفضيلها، وعليه يدل نص أحمد؛ لتعدد الأحاديث الواردة فيها، وما يصدق ذلك من الآثار السلفية، وقد رُوي بعضُ فضائلها في المسانيد والسنن، وإن كان قد وضع فيها أشياء أخر “. اقتضاء الصراط المستقيم (2 / 632).

وقال ابن نجيم الحنفي:”ومن المندوبات:إحياء ليالي العشر من رمضان وليلتي العيدين وليالي عشر ذي الحجة وليلة النصف من شعبان ـــ كما وردت به الأحاديث ــــ … ويُكره الاجتماعُ على إحياء ليلة من هذه الليالي في المساجد ،قال في الحاوي القدسي : ولا يصلي تطوع بجماعة غير التراويح وما روي من الصلوات في الأوقات الشريفة كليلة القدر وليلة النصف من شعبان وليلتي العيد وعرفة والجمعة وغيرها تصلى فرادى ، ومن هنا يعلم كراهة الاجتماع على صلاة الرغائب التي تفعل في رجب ” . البحر الرائق ( 2 / 56) .

وقال محمد أنور شاه الكشميري الهندي:”هذه الليلة ليلة البراءة وصح الروايات في فضل ليلة البراءة، وأما ما ذكر أرباب الكتب من الضعاف والمنكرات فلا أصل لها”.العرف الشذي شرح سنن الترمذي(2/ 172).

وقال شرف الدين موسى بن أحمد الحجاوي:”وأما ليلة النصف من شعبان ففيها فضل وكان في السلف من يصلي فيها”.الإقناع في فقه الإمام أحمد بن حنبل(1/ 154).

وقال ابن حجر الهيتمي:”وَالْحَاصِلُ أَنَّ لِهَذِهِ اللَّيْلَةِ فَضْلًا،وَأَنَّهُ يَقَعُ فِيهَا مَغْفِرَةٌ مَخْصُوصَةٌ وَاسْتِجَابَةٌ مَخْصُوصَةٌ،وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الشَّافِعِيُّ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – إنَّ الدُّعَاءَ يُسْتَجَابُ فِيهَا،وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِي الصَّلَاةِ الْمَخْصُوصَةِ لَيْلَتهَا وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهَا بِدْعَةٌ قَبِيحَةٌ مَذْمُومَةٌ يُمْنَعُ مِنْهَا فَاعِلُهَا، وَإِنْ جَاءَ أَنَّ التَّابِعِينَ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ كَمَكْحُولٍ وَخَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ وَلُقْمَانَ وَغَيْرِهِمْ يُعَظِّمُونَهَا وَيَجْتَهِدُونَ فِيهَا بِالْعِبَادَةِ، وَعَنْهُمْ أَخَذَ النَّاسُ مَا ابْتَدَعُوهُ فِيهَا وَلَمْ يَسْتَنِدُوا فِي ذَلِكَ لِدَلِيلٍ صَحِيحٍ وَمِنْ ثَمَّ قِيلَ أَنَّهُمْ إنَّمَا اسْتَنَدُوا بِآثَارٍ إسْرَائِيلِيَّةٍ وَمِنْ ثَمَّ أَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ أَكْثَرُ عُلَمَاء الْحِجَازِ كَعَطَاءٍ وَابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ وَفُقَهَاء الْمَدِينَة وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَغَيْرِهِمْ قَالُوا وَذَلِكَ كُلُّهُ بِدْعَةٌ إذْ لَمْ يَثْبُت فِيهَا شَيْءٌ عَنْ النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ “. الفتاوى الفقهية الكبرى(2/80ـــ 81) .

وقال الشيخ محمود شلتوت:”والذي صح عن النبي ــــ صلى الله عليه وسلم ـــ وحُفظت روايتُه عن أصحابه،وتلقاه أهل العلم بالقبول إنما هو فقط شهر شعبان كله،لا فرق بين ليلة وليلة،وقد طَلب فيه الإكثارَ من الصوم على وجه خاص؛تدريبًا للنفس على الصوم،وتهيئتها لاستقبال رمضان حتى لا يفاجئ الناس فيه بتغيير مألوفهم،فيشق عليهم”. مجلة التوحيد عدد (8) لسنة(1409ه) .

وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين:”ومن هذا الباب ليلة النصف من شعبان روي في فضلها أحاديث ومن السلف من يخصها بالقيام،ومن العلماء من السلف وغيرهم من أنكر فضلها وطعن في الأحاديث الواردة فيها،لكن الذي عليه كثير من أهل العلم أو أكثرهم على تفضيلها”.مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين(7/156).

 

وقال الشيخ عطية صقر ــــ إجابةً على سوال جاء فيه: هل ليلة النصف من شعبان لها فضل؟ ـــ :

“الجواب: قد ورد فى فضلها أحاديث صحح بعض العلماء بعضًا منها وضعفها آخرون ـــ وإن أجازوا الأخذ بها فى فضائل الأعمال ـــــ .

وقال ــــ بعد سرد الأحاديث ــــ :”بهذه الأحاديثِ وغيرِها يمكن أن يقال:إن لليلة النصف من شعبان فضلًا، وليس هناك نص يمنع ذلك”.  فتاوى الأزهر( 10/131).

وقال أ.د/ وَهْبَة الزُّحَيْلِيّ أستاذ ورئيس قسم الفقه الإسلاميّ وأصوله بجامعة دمشق – كلّيَّة الشَّريعة سابقًا:

“ويُندب إحياءُ ليالي العيدين(الفطر والأضحى)،وليالي العشر الأخير من رمضان لإحياء ليلة القدر،وليالي عشر ذي الحجة،وليلة النصف من شعبان، ويكون بكل عبادة تعمُّ الليلَ أو أكثرَه؛للأحاديث الصحيحة الثابتة في ذلك، ويندب الإكثارُ من الاستغفار بالأسحار “. الفقه الإسلامي وأدلته(2/299).

وفي الموسوعة الفقهية:”اخْتُصَّتْ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ بِاسْتِحْبَابِ قِيَامِهَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ؛ لِمَا وَرَدَ مِنْ أَحَادِيثَ صَحِيحَةٍ فِي فَضْلِهَا (الموسوعة الفقهية:إِحْيَاءُ اللَّيْل).

               بَالَغَ بَعْضُ مَنْ عَظَّمَ هَذِهِ اللَّيْلَةَ(ليلةَ النصف) فَزَعَمُوا أَنَّهَا المَقْصُودَةُ بِقَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾ [الدخان: 4]،وليست ليلةَ القدر ، وأن هذه الليلة يفرق فيها كل أمر حكيم ، وتنسخ الآجال فيها، مَعَ أَنَّ نَصَّ الْقُرْآنِ صَرِيحٌ يُفِيدُ أَنَّهَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ، وَأَنَّهَا فِي رَمَضَانَ؛ وَلِذَلِكَ قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ :«مَنْ قَالَ إِنَّهَا لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ كَمَا رُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ فَقَدْ أَبْعَدَ النُّجْعَةَ؛ فَإِنَّ نَصَّ الْقُرْآنِ أَنَّهَا فِي رَمَضَانَ» تفسير ابن كثير (4/ 210).

وقال ابن العربي:«وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ:إنَّهَا لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ،وهو باطل؛لأن الله ـــ تعالى ــــ قال في كتابه الصادق القاطع:﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ…﴾ [البقرة: 185]، فنَصَّ على أنَّ ميقاتَ نزوله رمضان، ثم عبّر عن زمانيةِ الليلِ ها هنا بقوله:﴿ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ ﴾ [الدخان: 3] فمن زعم أنها في غيره(رمضان)،فقد أعظم الفريةَ على الله ـــ تعالى ــــ » . أحكام القرآن (4/ 117).

            أقوى حديثين فى فضل ليلة النصف من شعبان:

 لقد ثبت في فضل هذه الليلة حديثان ــــ بناءً على اجتهاد الشيخ الألباني ــــ وهما :

الحديث الأول: عن أبى ثعلبة الخشني(واسمه جُرْثُومَةُ بْنُ الْأَشَقِّ) أن النبيَّ ــــ صلى الله عليه وسلم ـــ قال:”إذَا كَانَ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ اطَّلَعَ اللَّهُ إلَى خَلْقِهِ فَيَغْفِرُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَيُمْلِي لِلْكَافِرِينَ وَيَدَعُ أَهْلَ الْحِقْدِ بِحِقْدِهِمْ حَتَّى يَدَعُوهُ”. رواه البيهقي فى الشعب (3551) والطبراني(590 ــــ 593)،وحسنه الألباني في صحيح الجامع برقم (171) ، والصحيحة برقم (1143) .

الحديث الثاني:عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّه ــــ صلى الله عليه وسلم ـــ قَالَ:”إِنَّ اللَّهَ لَيَطَّلِعُ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ إِلَّا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ”. رواه ابن ماجه(1380)، وابن أبى عاصم فى السنة(510)، وحسنه الألباني وقال الأرنؤوط: حسن بشواهده.

وفى رواية عبد الله بن عمرو:”يَطَّلِعُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى خَلْقِهِ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِعِبَادِهِ إِلَّا لِاثْنَيْنِ: مُشَاحِنٍ، وَقَاتِلِ نَفْسٍ “.رواه أحمد(6642)،و صححه أحمد شاكر،وقال الأرنؤوط: صحيح بشواهده.

والناظر في هذين الحديثين يجد الآتي :

أولًا: إنهما لا يدعوان إلى قيام ، أو صيام ، أو أي عمل من الأعمال.

ثانيًا: الشرك من أعظم ، وأقبح الذنوب التي تحبط الأعمال ، وتحجب مغفرة الرحمن .

ثالثًا : ما ورد في هذين الحديثين من منح ، وعطايا من الله تعالى لعباده محض فضل يشمل كل العباد إلا من استثناهم الحديث،وهم: المشرك ، والمشاحن،و الحاقد، فيجب على المسلم أن يحذر  هذه الذنوبَ الثلاثة.

رابعًا:سلامة الصدر من أجل القربات التي يتقرب بها العبد إلى ربه تعالى،والشحناء وحقد المسلم على أخيه المسلم يحجب المغفرة حتى في أوقات الرحمة،والمغفرة،فعن أبى هريرة أن النبيَّ ــــ صلى الله عليه وسلم ـــ قال:”تُفتَحُ أبوابُ الجنَّةِ يومَ الإثنينِ،ويومَ الخميسِ،فيُغفَرُ لِكُلِّ عبدٍ لا يشرِكُ باللَّهِ شيئًا،إلَّا رجلًا كانت بينَهُ وبينَ أخيهِ شحناءُ، فيُقالُ: أنظِروا هذَينِ حتَّى يصطلِحا ، أنظِروا هذَينِ حتَّى يصطلِحا ، أنظِروا هذَينِ حتَّى يصطلِحا”. رواه مسلم (4652) .

قال ابن الأثير: «المشاحن: المعادي، والشحناء: العداوة، والتشاحن: تفاعل منه، وقال الأوزاعي: أراد بالمشاحن ها هنا صاحب البدعة المفارق لجماعة الأمة». «النهاية» (2/1111).

أنشد أَحْمَدُ بْنُ مُوسَى بْنِ الْحَكَمِ:

تَرَى النَّاسَ يُحْيُونَ الضَّغَائِنَ بَيْنَهُمْ                     وَعِنْدَ ذَوِي التَّقْوَى تَمُوتُ الضَّغَائِنُ

إِذَا مَا هَفَا يَوْمًا أَخُوكَ فَلا تَكُنْ                           لَهُ مُضْمِرَ الشَّحْنَاءِ فِيمَنْ يُشَاحِنُ.

أمالي الجوهري(1/10).

حكم صيام النصف من شعبان :

قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ :«فَأَمَّا صَوْمُ يَوْمِ النِّصْفِ مُفْرَدًا فَلَا أَصْلَ لَهُ، بَلْ إِفْرَادُهُ مَكْرُوهٌ، وَكَذَلِكَ اتِّخَاذُهُ مَوْسِمًا تُصْنَعُ فِيهِ الْأَطْعِمَةُ، وَتُظْهَرُ فِيهِ الزِّينَةُ، هُوَ مِنَ المَوَاسِمِ المُحْدَثَةِ المُبْتَدَعَةِ الَّتِي لَا أَصْلَ لَها…”. اقتضاء الصراط المستقيم (2/ 632).

وقال الحافظ ابن رجب:”فأما صيام يوم النصف منه – أي شعبان- فغير منهي عنه فإنه من جملة الأيام البيض الغر المندوب إلى صيامها من كل شهر”. لطائف المعارف (ص 261) .

وقال المباركفوري:«لم أجد في صوم يوم ليلة النصف من شعبان حديثاً مرفوعًا صحيحًا».تحفة الأحوذي (3/368).

وقال الشيخ مشهور حسن سلمان:«إن ليلة النصف من شعبان لم يكن في ليلها قيام,ولم يثبت في نهارها صيام». حسن البيان فيما ورد في ليلة النصف من شعبان(ص6).

ما ورد من أحاديثَ في فضل صيام النصف من شعبان أو إحياء ليلته:

لم ترتقِ هذه الأحاديثُ إلى درجة الصحة، وقد جمع هذه الأحاديثَ بطرقها وشواهدها الشيخ حماد الأنصاري في رسالة سماها “إسعاف الخلان بما ورد في ليلة النصف من شعبان”.ومن هذه الأحاديث:

 1ــــ حديث علي بن أبى طالب مرفوعًا:”إِذَا كَانَتْ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَقُومُوا لَيْلَهَا وَصُومُوا نَهَارَهَا فَإِنَّ اللَّهَ يَنْزِلُ فِيهَا لِغُرُوبِ الشَّمْسِ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ أَلَا مِنْ مُسْتَغْفِرٍ لِي فَأَغْفِرَ لَهُ أَلَا مُسْتَرْزِقٌ فَأَرْزُقَهُ أَلَا مُبْتَلًى فَأُعَافِيَهُ أَلَا كَذَا أَلَا كَذَا حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ”.فحديث موضوع:رواه ابن ماجة(1388)،و ذكره ابن الجوزي في العلل المتناهية( 923)،وقال:هذا حديث لا يصح،وابن لَهيعة ذاهب الحديث،وضعفه العراقي في المغني عن حمل الأسفار رقم (1/ 157)،والبوصيري في مصباح الزجاجة(491)وقال:هذا إسناد فيه ابن أبي سبرة … قال أحمد وابن معين يضع الحديث، وقال صلاح الدين العلائي:”ضعيف باتفاق أهل النقل”الفتاوى(37).

2ــــ حديث كردوس بن عمرو مرفوعًا:”من أحيا ليلتَيِ العيدِ وليلةَ النصفِ من شعبانَ لم يمُتْ قلبُه يومَ تموتُ القلوبُ”.قال ابن الجوزي فى العلل المتناهية(2/562):لا يصح،و فيه آفات.وقال الذهبي فى ميزان الاعتدال(3/308):منكر مرسل.

وقال ابن حجر العسقلاني فى الإصابة( 3/290):[فيه] مروانُ هذا متروك متهم بالكذب.

3ـــ حديث أبى أمامة الباهلي مرفوعًا:”خَمْسُ لَيَالٍ لا تُرَدُّ فيهن الدعوةُ:أولُ ليلةٍ من رجبٍ،وليلةُ النِّصفْ من شعبانَ وليلةُ الجُمُعةِ،وليلةُ الفِطْرِ،وليلةُ النحرِ”. رواه ابن عساكر فى تاريخ دمشق(10/408 )وقال : [فيه] بندار بن عمر الروياني، قال النخشبي:كذاب. وضعفه السيوطي فى الجامع الصغير(3952).

4ـــ حديث عَائِشَةَ:فَقَدْتُ رَسُولَ اللهِ ـــ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ــــ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَخَرَجْتُ،فَإِذَا هُوَ بِالْبَقِيعِ،رَافِعٌ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ،فَقَالَ لِي: أَكُنْتِ تَخَافِينَ أَنْ يَحِيفَ اللهُ عَلَيْكِ وَرَسُولُهُ؟ قَالَتْ: قُلْتُ:يَا رَسُولَ اللهِ،ظَنَنْتُ أَنَّكَ أَتَيْتَ بَعْضَ نِسَائِكَ،فَقَالَ: إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَنْزِلُ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا،فَيَغْفِرُ لِأَكْثَرَ مِنْ عَدَدِ شَعَرِ غَنَمِ كَلْبٍ”.رواه الترمذي(739)،

وقال:حَدِيثُ عَائِشَةَ لاَ نَعْرِفُهُ إِلاَّ مِنْ هَذَا الوَجْهِ مِنْ حَدِيثِ الحَجَّاجِ، وَسَمِعْتُ مُحَمَّدًا(يعنى البخاريَّ) يُضَعِّفُ هَذَا الحَدِيثَ،وقَالَ: يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عُرْوَةَ، وَالحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ.

و رواه ابن ماجه (1389)،و أحمد(26018) و اللفظ له،و إسناده ضعيف.

ما ورد في إحصاء قبض الأرواح ليلتها:

عن راشد بن سعد مرفوعًا:”في لَيلةِ النَّصفِ مِن شَعبانَ يوحي اللَّهُ إلى ملَكِ الموتِ بِقبضِ كلِّ نفسٍ يريدُ قبضَها في تلكَ السَّنةِ”. رواه أبو بكر الدِّينَوري فى المجالسة و جواهر العلم( 944) بإسناد ضعيف،كما قال محقق الكتاب الشيخ مشهور حسن.

كيفية إحياء ليلة النصف من شعبان:

قال أبو شامة:”ولا ينبغي تخصيص العبادات بأوقات لم يخصَّها بها الشرع، بل يكون جميع أفعال البر مرسلة في جميع الأزمان ليس لبعضها على بعض فضل إلا ما فضله الشرع وخصه بنوع من العبادة، فإن كان ذلك اختص بتلك الفضيلة تلك العبادة دون غيرها كصوم يوم عرفة وعاشوراء والصلاة في جوف الليل والعمرة في رمضان، ومن الأزمان ما جعله الشرع مفضلاً فيه جميع أعمال البر، كعشر ذي الحجة وليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، أي: العمل فيها أفضل من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر، فمثل ذلك يكون أيُّ عمل من أعمال البر حصل فيها كان له الفضل على نظيره في زمن آخر، فالحاصل أن المكلف ليس له مَنْصِب التخصيص، بل ذلك إلى الشارع، وهذه كانت صفةَ عبادة رسول الله ــــ صلى الله عليه وسلم ـــ “.الباعث على إنكار البدع والحوادث (ص: 77).

قال ابن الصلاح:«وأما ليلة النصف من شعبان فلها فضيلة،وإحياؤها بالعبادة مستحب،ولكن على الانفراد من غير جماعة،واتخاذ الناس لها ولليلة الرغائب موسمًا وشعارًا بدعة منكرة،وما يزيدونه فيها على الحاجة والعادة من الوقيد ونحوه، فغير موافق للشريعة». مساجلة علمية بين العز بن عبد السلام وابن الصلاح (ص:41).

وقال ابن رجب الحنبلي:”لم يثبت قيامها وصيامها بعينها شيء عن النبي ــــ صلى الله عليه وسلم ـــ ،ولا عن أصحابه،وثبت فيها عن طائفة من التابعين من أعيان فقهاء أهل الشام كخالد بن معدان،ومكحول،ولقمان بن عامر،وغيرهم أنهم كانوا يعظمون هذه الليلة،ويجتهدون فيها بالعبادة،وعنهم أخذ الناس فضلها وتعظيمها، وقد قيل: إنه بلغهم في ذلك آثار إسرائيلية،فلما اشتهر ذلك عنهم في البلدان،اختلف الناس في ذلك،فمنهم من قبله،و وافقهم على تعظيمها،

ومن ذلك طائفة من عباد البصرة،وغيرهم،وأنكر ذلك أكثر علماء الحجاز،منهم: عطاء،وابن أبي مليكة،ونقله عبد الرحمن بن زيد بن أسلم من فقهاء أهل المدينة،وهو قول أصحاب مالك وغيرهم، قالوا: ذلك كله بدعة”. في “لطائف المعارف” (ص144).

ثم قال ابن رجب: «واختلف علماء أهل الشام في صفة إحيائها على قولين:

أحدهما: أنه يستحب إحياؤها جماعة في المساجد،كان خالد بن معدان،ولقمان بن عامر وغيرهما يلبسون فيها أحسن ثيابهم،ويتبخرون ويكتحلون ويقومون في المساجد ليلتهم تلك،ووافقهم إسحاق بن راهويه على ذلك، وقال في قيامها في المساجد جماعة: ليس ذلك ببدعة، نقله عنه حربٌ الكِرماني في مسائله.

والثاني: أنه يكره الاجتماع فيها في المساجد للصلاة والقصص والدعاء، ولا يكره أن يصلي الرجل فيها بخاصة نفسه، وهذا قول الأوزاعي إمام أهل الشام وفقيههم وعالمهم ».

وقال الشيخ محمود شلتوت :«والذي صح عن النبي ــــ صلى الله عليه وسلم ـــ إنما هو فضل شهر شعبان كله وفيه الإكثار من الصوم، أما خصوص ليلة النصف والاجتماع لإحيائها وصلاتها ودعائها لم يرد فيها شيء صحيح عن النبي ـــــ صلى الله عليه وسلم ـــــ ولم يعرفها أحد من أهل الصدر الأول».الفتاوى (ص:188).

هل لليلة النصف من شعبان دعاءٌ خاصٌّ؟:

الدعاء في هذه الليل بدعاء مخصوص لم يرد فيه شيء عن النبي ـــــ صلى الله عليه وسلم ـــــ ،وقدأُحْدِثَ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ أَدْعِيَةٌ مَخْصُوصَةٌ،حَتَّى صَارَ النَّاسُ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْبِلَادِ الْإِسْلَامِيَّةِ يُؤَلِّفُونَهَا وَيُوَزِّعُونَهَا عَلَى الْعَامَّةِ فِي كُتُبٍ مَطْبُوعَةٍ.

هل يكره الصيام بعد انتصاف شهر شعبان؟:

اختلف العلماء في صيام التطوع بعد انتصاف شعبان،فذهب الجمهور إلى جوازه،وذهب الشافعية إلى كراهته؛مستدلين بحديث أبى هريرة أن رَسُولَ اللَّه ــــ صلى الله عليه وسلم ـــ قَالَ:”إذا بَقِيَ نِصْفٌ من شعبانَ فلا تَصُومُوا”.أخرجه أبو داود (2337)،والترمذي(738)،وقال:”حسن صحيح”،والنسائي في«الكبرى» (2911)،وابن ماجه(1651)،وقد استنكره الإمام أحمد؛لأنَّه تفرد به العلاء بن عبد الرحمن،قال بعضهم: هو من رجال مسلم،وقال الحافظ في “التقريب”: إنَّه صدوق، وربَّما وَهِم.

وقال أحمد،و يحيى بن معين:إنَّه منكر.   وقد استدلَّ البيهقي والطحاوي على ضعفه بحديث أبي هريرة مرفوعًا:”لا يتقدمن أحدكم رمضان بصوم يوم، أو يومين”. أخرجه البخاري (1914)، ومسلم (1082).

قال الشوكاني: جمهور العلماء ضعَّفوا هذا الحديث.

وقد صححه ابن عبدالبر فى الاستذكار(3/253)،وصححه الألباني،لكنه ضعيف -على الراجح ــــ وقد أنكره الأئمة الذين يُدان بقولهم في هذا الشأن، فلا حرج في الصيام بعد انتصاف شعبان،ويؤيد هذا الأحاديثُ الصحيحة،كحديث عائشة المتقدم في صيام النبي ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ لأكثرِ شعبان،وحديث أبي هريرة أن رَسُولَ اللَّه ــــ صلى الله عليه وسلم ـــ قَالَ:«لا يتقدمنَّ أحدُكم رمضانَ بصوم يوم أو يومين ـــ إلا أن يكون رجلٌ كان يصوم صومَه فليَصم ذلك اليومَ ــــ ». فيه النهي عن صوم يوم أو يومين فقط من آخر شعبان خشية أن يزاد في الشهر ويلحق به ما ليس منه،إلا أن يكون صومًا اعتاده فلا بأس ،وعن أم سلمة قالت:«ما رأيت النبي ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ يصوم شهرين متتابعين إلا شعبان، ورمضان». أخرجه الترمذي (726)، والنسائي (4/ 150)، وابن ماجه (1648)، وأحمد (6/ 293)،و هو صحيح.

ذكر بعض من وُلِدَ أو مات ليلة النصف من شعبان:

ــــ مَاتَ الإمام أبو حنيفة بِبَغْدَادَ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ سنة (150) ه . الانتقاء في فضائل الثلاثة الأئمة الفقهاء لابن عبد البر(1/122).

ــــ وُلد الإمام أبو محمدٍ سفيانُ بن عيينةَ الهلاليُّ ليلةَ النصف من شعبان سنة(107)ه.الأنساب للسمعاني(13/440).  

ـــ وُلد أبو طاهرٍ محمد بن الحسين بن محمد بن سعدون البزاز الموصلي ليلةَ النصف من شعبان سنة (367)ه. تاريخ بغداد(3/54).

ــــ ولد أَبُو بَكْر أَحْمَد بْن سُلَيْمَان بْن عَلِيّ بْن عمران الْمُقْرِئ الواسطي ليلة النصف من شعبان سنة (362)ه . تاريخ بغداد(5/294).

ــــ توفي الإمام الحافظ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ، إِمَامُ أَهْلِ خُرَاسَانَ ليلة النصف من شعبان سنة (238)ه . تاريخ بغداد(7/362).

ــــ مات الإمام الليث بن سعدٍ الفهمي المصري ليلة النصف من شعبان سنة (175)ه، وهو ابن ثنتين وثمانين سنة. تاريخ دمشق(50/380)،وتهذيب الكمال (15 / 449).

ــــ وُلِدَ الْحَافِظُ أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ ناصر الْبَغْدَادِيُّ لَيْلَةَ النِّصْفِ من شعبان سنة (467)ه.

ــــ توفي الْمَلَكُ الصَّالِحُ نجم الدّين أَيُّوب بْن الْملك الْكَامِل مُحَمَّدِ بْن الْملكِ الْعَادِل أبي بكر بْنِ الْأَمِير نجمِ الدّين أَيُّوبَ الأيوبي المصري يومَ الأحد لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ سنة(647)ه بالمنصورة،وكانت مدةُ ملكه للديار المصرية تسعَ سنين وسبعةَ أشهر وعشرين يومًا،و هو صَاحب الْمدَارِس ببين القصرين، وقلعة الرَّوْضَة – تجاه مصر الْقَدِيمَة على النّيل ـــ . مورد اللطافة في من ولي السلطنة والخلافة ليوسف بن تغري الحنفي (2/17).

ــــ وُلد القاضى أبو الحسين محمد بن محمد بن الفَرّاء،شيخ الحنابلة بالعراق ليلة النِّصف من شَعبان سنة (451)ه. مناقب الإمام أحمد(1/704).

ــــ ولد المحدّث اللّغويّ النّحويّ الأديب القاضى جمال الدّين محمّد بن عمر الحميريّ،الحضرميّ،الشّافعي. الشّهير ب (بَحْرَق) ليلة النّصف من شعبان، سنة (869)ه بحضر موت ،و من تصانيفه: «الأسرار النبوية في اختصار الأذكار النووية» و «مختصر الترغيب والترهيب» للمنذري،و «الحديقة الأنيقة في شرح العروة الوثقية» و «عقد الدّر في الإيمان بالقضاء والقدر» . شذرات الذهب في أخبار من ذهب لابن العماد (10/244).

أول جمعة فى المسجد الأقصى،قبلةِ المسلمين الأولى:

قال ابن كثير:” ذكر أول جمعة أقيمت ببيت المقدس بعد فتحه في الدولة الصلاحية:

لما نُزِّه البيتُ المقدسُ مما كان فيه من الصُّلبان والنواقيس،والرهبان والخنازير والقساقيس، ودخله أهل الإيمان ،ونودي بالأذان وهرب الشيطان،وقرئ القرآن،وطهر المكان،فكان إقامة أول جمعة فيه في اليوم الرابع من شعبان، بعد يوم الفتح بثمان،فنُصِب المنبرُ إلى جانب المحراب المطهَّر،وبسطت البسط الرفيعة في تلك العراص الوسيعة،وعلقت القناديل وتلي التنزيل عوضًا عما كان يقرأ من التحريف في الإنجيل،وجاء الحق وبطلت تلك الأباطيل،وصفت السجادات،وكثرت السَّجَدات،وتنوعت العبادات،وأديمت الدعوات،ونزلت البركات،وانجلت الكربات،وأقيمت الصلوات،ونطق الأذان،وخرس الناقوس،وحضر المؤذنون وغاب القسوس، وطابت الأنفاس، واطمأنت النفوس،وأقبلت السعود وأدبرت النحوس، وحضر العباد والزهاد والأبدال والأقطاب والأوتاد،وعُبِد الواحد،وكثر الراكع والساجد،والقائم والقاعد،وامتلأ الجامع،وسالت لرقة القلوب المدامع،وقال الناس : هذا يوم كريم،وفضل عظيم وموسم وسيم،وهذا يوم تجاب فيه الدعوات وتصب البركات وتسيل العبرات وتقال العثرات،فأذن المؤذنون للصلاة وقت الزوال،وكادت القلوب تطير من الفرح بتلك الحال،ولم يكن السلطان إلى تلك الساعة عين خطيبًا،وقد تهيأ لها خلق من العلماء خوفًا أن يدعي إليها أحدهم فلا يكون نجيبًا ، فبرز للخطباء المرسومُ السلطانيُّ الصلاحيُّ،وهو في قبة الصخرة الغراء: أن يكون القاضي محيي الدين ابنُ الزكي اليومَ خطيبًا، فلبِس الخِلعة السوداءَ وصعِد المنبر،وقد كساه الله البهاء،وأكرمه بكلمة التقوى وأعطاه السكينة والوقار،والسَّناء،فخطب بالناس خطبةً عظيمة سنية فصيحة بليغة،ذكر فيها شرف البيت المقدس،وما ورد فيه من الفضائل والترغيبات،وما فيه من الدلائل والأمارات،وما منَّ الله به على الحاضرين من هذه النعمة التي تَعدل الكثيرَ من القربات ــــ وقد أوردها الشيخ شهاب الدين أبو شامة في “الروضتين ” بطولهاــــ ،فكان أولّ ما قال حين تكلم:﴿فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾  [الأنعام:45].ثم أورد تحميداتِ القرآن كلَّها،ثم قال:”الحمد لله معزِّ الإسلام بنصره،ومذلِّ الشرك بقهره،ومصرِّف الأمور بأمره،ومديمِ النعم بشكره،ومستدرجِ الكافرين بمكره،الذي قدَّر الأيامَ دولًا بعدله،وجعل العاقبةَ للمتقين بفضله،وأفاء على عباده من ظله،وأظهر دينه على الدين كله،القاهر فوق عباده فلا يمانع،والظاهر على خليقته فلا يُنازَع،والآمر بما يشاء فلا يُراجَع،والحاكم بما يريد فلا يدافع،أحمده على إظفاره وإظهاره،وإعزازه لأوليائه،ونصره لأنصاره،وتطهيره بيته المقدس من أدناس الشرك وأوضاره،حمد من استشعر الحمد باطن سره وظاهر جهاره ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الأحد الصمد،الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد،شهادةَ من طهَّر بالتوحيد قلبَه،وأرضى به ربَّه،وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله،رافع الشك وداحض الشرك،وراحض الإفك،الذي أسري به من المسجد الحرام إلى هذا المسجد الأقصى، وعرج به منه إلى السماوات العلا،إلى سدرة المنتهى، عندها جنة المأوى،إذ يغشى السدرة ما يغشى،ما زاغ البصر وما طغى ــــ صلى الله عليه ـــــ وعلى خليفته الصديق،السابق إلى الإيمان،وعلى أمير المؤمنين عمرَ بنِ الخطاب،أولِ من رفع عن هذا البيت شعارَ الصُّلبان،وعلى أمير المؤمنين عثمانَ بنِ عفانّ ذي النورين، جامعِ القرآن،وعلى أمير المؤمنين عليِّ بنِ أبي طالبٍ،مزلزلِ الشرك،ومُكسِّر الأوثان، وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان .

ثم ذكر الموعظة،وهي مشتملة على تغبيط الحاضرين على ما يسره الله على أيديهم من فتح بيت المقدس الذي من شأنه كذا وكذا،فذكر فضائلَه ومآثرَه،وأنه أول القبلتين،وثاني المسجدين، وثالثُ الحرمين، لا تشد الرحال بعد المسجدين إلا إليه،ولا تعقد الخناصر بعد المَوْطِنَين إلا عليه،وإليه أسري برسول الله ــــ صلى الله عليه وسلم ــــ من المسجد الحرام،وصلى فيه بالملائكة المقربين والأنبياء والرسل الكرام،ومنه كان المعراج إلى السماوات ، ثم عاد إليه،ثم سار منه إلى المسجد الحرام على البراق ، وهو أرض المحشر والمنشر يوم التلاق ، وهو مقر الأنبياء ومقصد الأولياء،وقد أسس على التقوى من أول يوم .

وذكر الخطيبُ تمام الخطبتين،ودعا للخليفة العباسي،ثم للسلطان الملك الناصر صلاح الدين ــــ رحمهما الله تعالى ــــ وبعد الصلاة جلس الشيخ زين الدين أبو الحسن علي بن نجا المصري على كرسي الوعظ بإذن السلطان ، فوعظ الناس وكان وقتًا مشهودًا وحالًا محمودًا،فلله الحمد والمنة.

واستمر القاضي محيي الدين بن الزكي يخطب بالناس في أيام الجمع أربعَ جُمُعات،ثم قرر السلطانُ للقدس خطيبًا مستقرًا،وأرسل إلى حلبَ فاستحضر المنبرَ الذي كان الملكُ العادلُ نورُ الدينِ محمودٌ قد استعمله لبيت المقدس،وقد كان يُؤمِّل أن يكون فتحُه[المسجد الأقصى] على يديه،فما كان إلا على يَدي بعض أتباعه بعد وفاته ـــــ رحمه الله تعالى ــــ “. البداية والنهاية (16/ 589ــــ 592).

              الخليفة العباسي الذى فُتح بيتُ المقدس فى عهده هو الخليفة الناصر لدين الله، أبو العباس أحمد بن المستضيء بأمر الله(ولد سنة 553هـ/1157م،وتوفي في سنة 622هـ /1225م) عن عمر ناهز التاسعة والستين سنة بعد أن حكم سبعًا وأربعين سنة،وقد بويع له بالخلافة بعد موت أبيه سنة 575هـ/1180م ،ولم يَلِ الخلافةَ خليفةٌ أطولُ مدةً منه سواء أكان من أسلافه،أم ممن جاء بعده،وهو الخليفة الرابع والثلاثون من خلفاء الدولة العباسية.

            القاضي محيي الدين بن الزكي(550ــــ 598ه):

قال ابن كثير:”هو محمد بن علي بن محمد بن يحيى بن عبد العزيز أبو المعالي القرشي،محيي الدين،قاضي قضاة دمشق وكل منهما كان قاضيًا أبوه وجده وأبو جده يحيى بن علي،وهو أول من ولي الحكم بدمشق منهم، وكان هو جد الحافظ أبي القاسم بن عساكر لأمه،و قد ترجمه ابن عساكر في التاريخ ،و لم يزد على القرشي .

و هو أول من خطب بالقدس لما فتح … “.البداية والنهاية(16/ 718 ).

 

إعداد:

عبد الواحد محمد محمد عبد الغفار

إمام و خطيب بمديرية أوقاف البحيرة

إدارة دمنهور(ثــــــــــان).

******

 

اظهر المزيد

admin

مجلس إدارة الجريدة الدكتور أحمد رمضان الشيخ محمد القطاوي رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) تليفون (phone) : 01008222553  فيس بوك (Facebook): https://www.facebook.com/Dr.Ahmed.Ramadn تويتر (Twitter): https://twitter.com/DRAhmad_Ramadan الأستاذ محمد القطاوي: المدير العام ومسئول الدعم الفني بالجريدة. الحاصل علي دورات كثيرة في الدعم الفني والهندسي للمواقع وإنشاء المواقع وحاصل علي الليسانس من جامعة الأزهر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »