خطبة الأسبوعخطبة الجمعةخطبة الجمعة خطبة الأسبوع ، خطبة الجمعة القادمة، خطبة الاسبوع، خطبة الجمعة وزارة الأوقاف

الوفاء بالعهود،و أثره في حياة الأفراد والأمم بقلم الشيخ/ عبد الواحد محمد عبد الغفار

تحميل الخطبة بصيغة WORD

الوفاء بالعهود،و أثره في حياة الأفراد والأمم

أهمية الوفــــــــــــاء بالعهد فى منظور الإسلام:

قال الرّاغب الأصفهانيّ:”الوفاء أخو الصدق والعدل، والغدر أخو الكذب والجور، وذلك أنَّ الوفاء صدق اللسان والفعل معًا، والغدر كذب بهما؛ لأنَّ فيه مع الكذب نقضَ العهد،والوفاء يختصُّ بالإنسان، فمن فُقِد فيه فقد انسلخ من الإنسانية كالصدق، وقد جعل الله تعالى العهد من الإيمان، وصيَّره قوَّامًا لأمور الناس، فالناس مضطرون إلى التعاون ولا يتمُّ تعاونهم إلا بمراعاة العهد والوفاء،ولولا ذلك لتنافرت القلوب،وارتفع التعايش،ولذلك عظَّم الله ــــ تعالى ــــ أمرَه فقال تعالى: ﴿وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ…﴾ [البقرة:40] ،وقال تعالى:﴿وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذا عاهَدْتُمْ …﴾[النحل: 91]”.الذريعة إلى مكارم الشريعة( 292).

وقال عزَّ مِن قائل:﴿أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَلاَ يِنقُضُونَ الْمِيثَاقَ﴾ [الرعد: 19-20].

وقال الشوكاني في تفسير هذه الآية:”أىْ: بما عقدوه من العهود فيما بينهم وبين ربهم، أو فيما بينهم وبين العباد ﴿وَلاَ يِنقُضُونَ الْمِيثَاقَ﴾[الرعد:20]:الذي وثقوه على أنفسهم،وأكَّدوه بالأيمان ونحوها،وهذا تعميم بعد التخصيص؛لأنَّه يدخل تحت الميثاق كلُّ ما أوجبه العبد على نفسه،كالنذور ونحوها،ويحتمل أن يكون الأمر بالعكس، فيكون من التخصيص بعد التعميم على أن يراد بالعهد جميع عهود الله،وهي أوامره ونواهيه التي وصى بها عبيده،ويدخل في ذلك الالتزامات التي يلزم بها العبد نفسه،ويراد بالميثاق: ما أخذه الله على عباده، حين أخرجهم من صلب آدم في عالم الذرِّ المذكور في قوله سبحانه: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ… ﴾ [الأعراف:172]”.فتح القدير(4/105).

وقال القرطبي:”وَالْأَمَانَةُ وَالْعَهْدُ يَجْمَعُ كُلَّ مَا يَحْمِلُهُ الإنسان من أمر دينه ودنياه قولًا،وفعلا. وَهَذَا يَعُمُّ مُعَاشَرَةَ النَّاسِ وَالْمَوَاعِيدَ وَغَيْرَ ذَلِكَ،وَغَايَةُ ذَلِكَ حِفْظُهُ وَالْقِيَامُ بِهِ،وَالْأَمَانَةُ أَعَمُّ مِنَ الْعَهْدِ، وَكُلُّ عَهْدٍ فَهُوَ أَمَانَةٌ فِيمَا تَقَدَّمَ فِيهِ قَوْلٌ أَوْ فِعْلٌ أَوْ مُعْتَقَدٌ”.تفسير القرطبي(12/107).

وقال الشيخ محمود شلتوت:”العدل،والوفاء قُطْباالنظام؛فلا عُمرانَ مع الظلم،و لا نظامَ مع المحسوبية،ولا ثقةَ مع نقض العهـــود،و إهمالُ شرع الله نقض لعهد الإيمان،و إخلالٌ بالتزاماته”. كتاب “إلى القرآن” للشيخ شلتوت(ص56).

“وقد وصف القرآن الذين يوفون بالعهد بأحسن الصفات فقال:﴿وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾ [البقرة: 177]، وقال:﴿ بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾[آل عمران: 76]، ونقض الميثاق يؤدي إلى سوء السلوك والأخلاق، قال تعالى: ﴿فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىَ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ…﴾  [المائدة: 13]… واستمرارًا لورود العهد والميثاق في مجال بناء الأمة على الأخلاق السامية؛ يأمر الله عباده على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم بعدد من الوصايا التي تُكَوِّن جيلًا ذا خلق رفيع، ثم يختم تلك الوصايا الخالدة بقوله سبحانه: ﴿وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾[الأنعام: 152] فالوفاء بالعهد، ضمانة لأداء تلك الأوامر، واجتناب ما ورد من نواهي، ومن ثمَّ يكون الانقياد والطاعة وحسن الخلق، وإخلاف العهد نقض للعهد، ينحطُّ بصاحبه إلى أسوأ البشر أخلاقًا – وبخاصة إذا كان العهد مع الله – فإنَّ المتصف بتلك الصفة ينتقل من مجتمع الصادقين المتقين إلى تجمع المخادعين الكاذبين من المنافقين ﴿فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُواْ اللّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ﴾  [التوبة: 77]”.العهد و الميثاق فى القرآن الكريم(183) لـ ناصر العمر.

الوفاء بالعهد من صفات الله- عز وجل- :

قال تعالى:﴿وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة:81].

و قال تعالى:﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ [التوبة:111].

قال ابن القيم:”ومن وافق اللهَ في صفة من صفاته قادته تلك الصفة إليه بزمامه،وأدخلته على ربه،وأدنته منه،وقربته من رحمته،وصيرته محبوبًا،فإنه سبحانه رحيم يحب الرحماء،كريم يحب الكرماء،عليم يحب العلماء،قوي يحب المؤمن القوي،وهو أحب إليه من المؤمن الضعيف،حتى يحب أهل الحياء،جميل يحب أهل الجمال،وتر يحب أهل الوتر”. الجواب الكافي (ص67).

الوفاء بالعهد من أخلاق الأنبياء:

قال الله ـــ تعالى ــــ :﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وَكانَ رَسُولًا نَبِيًّا * وَكانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ وَكانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا﴾[مريم:54ـــ55].

وقال الله ـــ تعالى ــــ :﴿أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِما فِي صُحُفِ مُوسى*وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى*أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى *وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى*وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى* ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ الْأَوْفى﴾[النجم:36ـــ41]

وعن ابن عباس أنه قال:”أَخْبَرَنِي أَبُو سُفْيَانَ،أَنَّ هِرَقْلَ قَالَ لَهُ:سَأَلْتُكَ مَاذَا يَأْمُرُكُمْ؟ فَزَعَمْتَ أَنَّهُ أَمَرَكُمْ بِالصَّلاَةِ، وَالصِّدْقِ، وَالعَفَافِ، وَالوَفَاءِ بِالعَهْدِ، وَأَدَاءِ الأَمَانَةِ»،قَالَ:”وَهَذِهِ صِفَةُ نَبِيٍّ”.رواه البخاري (2681).

قال ابن بطال: “قد جاء فضل الوفاء بالعهد، وذم الخَتْر(الغدر) في غير موضع في الكتاب والسنة، وإنما أشار البخاري في هذا الحديث إلى سؤال هرقل لأبي سفيان، هل يغدر؟ إذ كان الغدر عند كلِّ أمة مذمومًا قبيحًا، وليس هو من صفات رسل الله، فأراد أن يمتحن بذلك صدق النبي؛ لأن من غدر ولم يفِ بعهد لا يجوز أن يكون نبيًّا؛ لأنَّ الأنبياء والرسل عليهم السلام أخبرت عن الله بفضل من وفى بعهد، وذم من غدر وخَتْر”.شرح البخاري(5/356).

             حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى الْحَمْسَاءِ قال:« بَايَعْتُ النَّبِيَّ ــــ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ــــ بِبَيْعٍ قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ وَبَقِيَتْ لَهُ بَقِيَّةٌ فَوَعَدْتُهُ أَنْ آتِيَهُ بِهَا فِي مَكَانِهِ، فَنَسِيتُ، ثُمَّ ذَكَرْتُ بَعْدَ ثَلَاثٍ، فَجِئْتُ فَإِذَا هُوَ فِي مَكَانِهِ،فَقَالَ:”يَا فَتًى، لَقَدْ شَقَقْتَ عَلَيَّ، أَنَا هَاهُنَا مُنْذُ ثَلَاثٍ أَنْتَظِرُكَ ».أخرجه أبو داود (4996)،والبيهقى (20624) و هو حديث ضعيف الإسناد.

الوفاء بالعهد يكون حتى مع غير المسلم ـــ و لو كان خائنًا ــــ :

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ :”مَا خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – إِلَّا قَالَ:”لَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ ، وَلَا دِينَ لِمَنْ لَا عَهْدَ لَهُ “. رواه أحمد (12406) و ابن حبان( 194 ) بإسناد حسن.

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أن رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ:” لَا يَجْتَمِعُ الْإِيمَانُ وَالْكُفْرُ فِي قَلْبِ امْرِئٍ، وَلَا يَجْتَمِعُ الصِّدْقُ وَالْكَذِبُ جَمِيعًا ، وَلَا تَجْتَمِعُ الْخِيَانَةُ وَالْأَمَانَةُ جَمِيعًا “. رواه أحمد (8593)بإسناد حسن.

و لقد”ظلَّ تاريخ الإسلام منذ فجر عهده،وعلى مرِّ مراحله التاريخية صفحةً بيضاءَ نقية،لم يُدنَّس بخيانةٍ،ولا غدرٍ،ولا نقضِ عهد بدون وجود ناقضٍ من العدو”.الوفاء بالعهود والمواثيق فى الشريعة الإسلامية لـ عبد الله بن محمد الحجيلي(337).

وقال النووي:”واتفق العلماء على جواز خداع الكفار في الحرب وكيف أمكن الخداع إلا أن يكون فيه نقضُ عهد أو أمانٍ فلا يحِل”. شرح صحيح مسلم (12/45) .

قال تعالى:﴿وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ﴾ [الأنفال:58].

وعن سُليمِ بن عامرٍ الخبائري الكلاعي قال:(كان بين معاويةَ وبين الروم عهدٌ، وكان يسيرُ نحو بلادِهم، حتى إذا انقضى العهدُ غَزاهُم،فجاء رجل على فرسٍ أو بِرْذَونٍ،وهو يقولُ:الله أكبرُ،الله أكبرُ،وفاءٌ لا غَدْرٌ، فنظروا فإذا عَمرو بن عَبَسَةَ،فأرسَلَ إليه معاويةُ،فسأله،فقال: سمعتُ رسولَ الله -صلَّى الله عليه وسلم- يقولُ:”مَن كانَ بينهُ وبين قومٍ عهدٌ،فلا يَشُدَّ عُقدةً ولا يحلَّها حتى يَنقضيَ أمَدُها أو يَنْبِذَ إليهم على سَوَاءٍ” فرجع معاوية).أخرجه أبو داود (2759)،والترمذي(1671)،والنسائي”الكبرى”(8679)وأحمد(17015)،وابن حبان(4871)،و إسناده صحيح.

ومعنى قوله: “ينبذ إليهم على سواء” أي: يُعلمُهم أنه يُريد أن يغزوَهم،وأن الصلح الذي كان بينه وبينهم قد ارتفع،فيكون الفريقان في ذلك على السواء.

قال الطبري:” فإن قال قائل: وكيف يجوز نقض العهد بخوف الخيانة، والخوف ظن لا يقين؟.

قيل: إن الأمر بخلاف ما إليه ذهبت،وإنما معناه: إذا ظهرت أمارات الخيانة من عدوك، وخفت وقوعهم بك، فألق إليهم مقاليدَ السَّلم، وآذنهم بالحرب”.جامع البيان (12 / 35 – 36).

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَأن رَسُولَ اللَّهِ ــــ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ــــ قَالَ:«أَدِّ الْأَمَانَةَ إِلَى مَنِ ائْتَمَنَكَ، وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ». رواه أبو داود ( 3535) ، و صححه الألباني في الصحيحة (423).

وعن عبدالله بن عمرٍو أنّ رسول الله ــــ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ــــ قال: «من قتل مُعاهَدًا لم يَرَحْ رائحةَ الجنَّةِ، وإنَّ ريحَها توجدُ من مسيرةِ أربعين عامًا”. رواه البخاري( 3166).

(المعاهد) يجوز بكسر الهاء وفتحها على الفاعل والمفعول، وهو في الحديث بالفتح أشهر وأكثر، والمعاهد: من كان بينك وبينه عهد، وأكثر ما يطلق في الحديث على أهل الذمة، وقد يطلق على غيرهم من الكفار إذا صولحوا على ترك الحرب مدة.

قال الحافظ ابن حجر:”وَالْمُرَاد بِهِ مَنْ لَهُ عَهْد مَعَ الْمُسْلِمِينَ،سَوَاء كَانَ بِعَقْدِ جِزْيَة،أَوْ هُدْنَة مِنْ سُلْطَان،أَوْ أَمَان مِنْ مُسْلِم ” فتح البارى (12/259) .

وقال الشوكاني :” المعاهد: هو الرجل من أهل دار الحرب يدخل إلى دار الإسلام بأمان، فيحرم على المسلمين قتله بلا خلاف بين أهل الإسلام حتى يرجع إلى مأمنه، ويدل على ذلك أيضاً قوله تعالى: (وَإِنْ أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ”. نيل الأوطار  (7 / 96).

وعَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَمِقِ الْخُزَاعِيِّ أن رَسُولَ اللَّهِ ــــ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ــــ قَالَ: «مَنْ أَمَّنَ رَجُلًا عَلَى دَمِهِ، فَقَتَلَهُ، فَإِنَّهُ يَحْمِلُ لِوَاءَ غَدْرٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ». رواه ابن ماجه(2688) و أحمد(21996) بإسناد صحيح.

و فى رواية”أَيُّمَا رَجُلٍ أَمَّنَ رَجُلًا عَلَى دَمِهِ ثُمَّ قَتَلَهُ، فَأَنَا مِنَ القاتل برئ وإن كان المقتول كافرًا” رواه ابن حبان (5982) وأحمد(21997), و البيهقي(18203) بإسناد حسن.

و فى رواية النسائي فى الكبرى(8741)،والحاكم(8040) عن عمرو بن الحمِق أيضًا:«إِذَا اطْمَأَنَّ الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ ثُمَّ قَتَلَهُ بَعْدَمَا اطْمَأَنَّ إِلَيْهِ نُصِبَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِوَاءُ غَدْرٍ».صححه الحاكم ووافقه الذهبي.

ومِنْ آثَارِ عَقْدِ الْأَمَانِ عَدَمُ التَّعَرُّضِ لَهُمْ،فعن صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ،عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَبْنَاءِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ــــ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ــــ عَنْ آبَائِهِمْ دِنْيَةً عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ــــ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ــــ قَالَ: “أَلَا مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِدًا، أَوِ انْتَقَصَهُ، أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ،أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ،فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ”. رواه أبو داود( 3052) وقال الألباني: صحيح.

وعن أمّ هانىء بنت أبى طالب قالت: « ذهبتُ إلى رسولِ اللهِ ــــ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ــــ عامَ الفتحِ،فوجدتُه يغتسلُ,وفاطمةُ ابنتهُ تسترُهُ بثوبٍ,قالت فسلمتُ,فقال: مَن هذه ؟”،قلتُ:أمُّ هانئٍ بنتُ أبي طالبٍ,قال: “مرحبا بأمِّ هانئٍ” فلما فرغ من غُسلِه قام فصلى ثمانىَ ركَعات,ملتحفًا في ثوبٍ واحدٍ,فلما انصرف قلتُ: يا رسولَ اللهِ،زعمَ ابنَ أمي علي بن أبي طالب أنه قاتلٌ رجلًا أجرتُه، فلانُ ابنُ هُبيرةُ,فقال رسولُ اللهِ ــــ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ــــ :”قد أجرنا من أجرتِ،يا أمَّ هانئٍ”.قالت أمُّ هانئٍ : وذلك ضُحىً “. رواه البخاري(357)ومسلم (336).              

          الكفار على أربعة أقسام :

الأول : الكافر المحارب ، الذي اجتمعنا معه في ميدان القتال ومواقع النزال .

الثاني : الذمي ، وهو من يدفع الجزية لولي أمر المسلمين كل عام .

الثالث : المعاهد ، وهو من كان بيننا وبينه عهد لمدة معينة أو مطلقة .

الرابع : المستأمِن الذي أُعطي أمانًا من مسلم .

            قال السَّرْخسي:”ولو أن قومًا من أهل الحرب لهم منعة دخلوا دارنا بأمان فشرطوا علينا أن نمنعهم مما نمنع منه المسلمين وأهل الذمة فعلينا الوفاء لهم بهذا الشرط، حتى إذا أغار عليهم أهل الحرب فعلينا القيام بدفع الظلم عنهم لقوله ـــــ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ــــــ :”المؤمنون عند شروطهم”وهذا؛لأن الالتزام بسبب الأمان التزام بالشرط، فينظر إلى الشرط كيف كان وكذلك لو وادعونا على مال معلوم بهذا الشرط فعلى الإمام أن يفي لهم بالمشروط عليهم إن قدر على ذلك، وإن لم يقدر عليه فليس له أن يطالبهم بشيء من المال المشروط عليهم. لأنهم التزموا ذلك بمقابلة الحماية، فإذا عجز عن حمايتهم لم يكن له أن يأخذ منهم شيئا من المال”. شرح السير الكبير (5/ 133).

قال ابن قدامة:”وجملته أن الأمان إذا أعطي أهل الحرب، حرم قتلهم ومالهم والتعرض لهم، ويصح من كل مسلم بالغ عاقل مختار، ذكرًا كان أو أنثى، حرًا كان أو عبدًا، وبهذا قال الثوري والأوزاعي، والشافعي، وإسحاق، وابن القاسم، وأكثر أهل العلم”. المغني(9/195).

وقال الحافظ ابن عبد البَر:”أمان الرفيع والوضيع جائز عند جماعة العلماء، وأمان العبد والمرأة عند الجمهور جائز”. الاستذكار( 14/87).

وعن حذيفة بن اليمان ــــ رضى الله عنهما ــــ قال:”ما منعني أن أشهدَ بدرًا إلا أني خرجتُ أنا وأبي حسيلٌ ،قال: فأخذنا كفارُ قريشٍ،قالوا:إنكم تريدون محمدًا؟ فقلنا:ما نريدُه،ما نريدُ إلا المدينةَ،فأخذوا منا عهْدَ اللهِ وميثاقَه لننصرفنَّ إلى المدينةِ ولا نُقاتلُ معَه،فأتينا رسولَ اللهِ ــــ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ــــ فأخبرناهُ الخبرَ،فقال:”انصرفا،نَفِي بعهدِهم،ونستعينُ اللهَ عليهم “. رواه مسلم(1787).

           “حُسَيْلٌ” تصغير (حِسْل)،وهو اسمُ أَبِى حُذَيْفَةَ،وكان قد أصاب دمًا في قومه،فهرب إلى المدينة،وحالف بني عبد الأشهل ، فسماه قومه ” اليمان ” ؛لحلفه لليمانية (الأنصار) . سير أعلام النبلاء (2/ 362).

خيانة العهد من صفات اليهود:

إن المتأمل لتاريخ اليهود، والمتتبعَ للأحداث التاريخية، يجد أنَّ الغدر من أبرز الصفات التي اتصفت بها الأمة اليهودية، فقد اشتهروا بالغدر والخيانة لكل من يخالفهم.

“وصف الله اليهود إلا قليلًا منهم بأنهم أهل خيانة، فقال تعالى:﴿ وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىَ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمُ…﴾ [المائدة: 13].فهذه الآية تدلُّ على أنَّ الخيانة من الصفات التي تبرز في اليهود بين حين وآخر، فالخيانة شأنهم وديدنهم، وطريقتهم في معاملة الناس،فمن خيانتهم محاولتُهم اغتيالَ الرسول، وقد كان بينه وبينهم عهد أمان،ومن خيانتهم تواطؤهم مع الأحزاب، وقد كان بينهم وبين الرسول عهد وأمان “. الأخلاق الإسلامية لـ عبد الرحمن الميداني (1/614) .

خيانة العهد من علامات المنافقين:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ــــ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ــــ قَالَ: ” آيَةُ المُنَافِقِ ثَلاَثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ “. رواه البخاري (33) ومسلم (58).

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال:”أربعٌ من كنَّ فيه كان منافقًا خالصًا، ومن كانت فيه خَصلة منهنَّ،كانت فيه خصلةٌ من النفاق حتى يدعها:إذا اؤتمن خان،وإذا حدَّث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر”. رواه البخاري (34) ومسلم (58).

قال المناوي:”وإذا عاهد غدر” أي: نقض العهد. فيض القدير(1/463) .

وقال العظيم آبادي: “وإذا عاهد غدر” أي: نقضَ العهد وترك الوفاءَ بما عاهد عليه. عون المعبود(12/289) .

وعن أنس بن مالك قال:”إذا كانت في البيت خيانة ذهبت منه البركة”. رواه الخرائطي فى مكارم الأخلاق (155) .

وعن خالد الربعي قال: كان يقال:”إنَّ من أجدر الأعمال أن لا تؤخِّر عقوبته، أو يعجل عقوبته، الأمانة تُخان، والرحم تُقطع، والإحسان يُكفر”. رواه الخرائطي فى مكارم الأخلاق (ص71).

وعن مجاهد، قال: “المكر والخديعة والخيانة في النار، وليس من أخلاق المؤمن المكر ولا الخيانة”.رواه الخرائطي فى مكارم الأخلاق (ص72).

وعن ميمون بن مهران قال:”ثلاثة المسلم والكافر فيهن سواء: من عاهدته وفِّ بعهده مسلمًا كان أو كافرًا، فإنما العهد لله عزَّ وجلَّ، ومن كانت بينك وبينه رحم فصلها، مسلمًا كان أو كافرًا ومن ائتمنك على أمانة فأدِّها إليه مسلمًا كان أو كافرًا”.

وقال الفضيل بن عياض:”أصل الإيمان عندنا وفرعه وداخله وخارجه بعد الشهادة بالتوحيد، وبعد الشهادة للنبي صلى الله عليه وسلم بالبلاغ، وبعد أداء الفرائض – صدق الحديث، وحفظ الأمانة، وترك الخيانة، ووفاء بالعهد، وصلة الرحم، والنصيحة لجميع المسلمين”.تاريخ دمشق (48/399) .

وذكر أعرابي رجلًا خائنًا فقال:”إنَّ الناس يأكلون أماناتِهم لقمًا، وإن فلانًا يحسوها حسوًا”.عيون الأخبار لابن قتيبة(125) .

وقال الماوردي:”وأما الاستسرار بالخيانة فضعة؛ لأنَّه بذُلِّ الخيانة مهين، ولقلة الثقة به مستكين. وقد قيل في منثور الحكم: من يخن يهن. وقال خالد الربعي: قرأت في بعض الكتب السالفة: أن مما تعجل عقوبته ولا تؤخر: الأمانة تخان، والإحسان يكفر، والرحم تقطع، والبغي على الناس،ولو لم يكن من ذم الخيانة إلا ما يجده الخائن في نفسه من المذلة، لكفاه زاجرًا، ولو تصور عقبى أمانته وجدوى ثقته، لعلم أنَّ ذلك من أربح بضائع جاهه، وأقوى شفعاء تقدمه مع ما يجده في نفسه من العزِّ، ويقابل عليه من الإعظام”.أدب الدنيا و الدين (325) .

وقال أيضًا: “والداعي إلى الخيانة شيئان: المهانة وقلة الأمانة، فإذا حسمهما عن نفسه بما وصفت ظهرت مروءته” أدب الدنيا و الدين (326) .

وقال العارف المحاسبي:”ثلاثة عزيزة أو معدومة: حسن وجه مع صيانة، وحسن خلق مع ديانة، وحسن إخاء مع أمانة”.فيض القدير للمُناوي  (3/404) .

وقال حكيم:”لو عَلِمَ مضيع الأمانة، ما في النكث والخيانة، لقصر عنهما عنانه”.

وقالوا: من خان مان”،و”من مان هان، وتبرأ من الإحسان”.

– وقال ابن حزم:”الغدر:هو الذي لا يحتمله أحد ولا يغضي عليه كريم، وهو المسلاة حقًّا، ولا يلام السالي عنه على أي وجه كان، ناسيًا أو متصبرًا، بل اللائمة لاحقة لمن صبر عليه”.طوق الحمامة (253) .

وقال أيضًا:”الخيانة في الحرم أشدُّ من الخيانة في الدماء،العرض أعزُّ على الكريم من المال،ينبغي للكريم أن يصون جسمه بماله،ويصون نفسه بجسمه،ويصون عرضه بنفسه،ويصون دينه بعرضه،ولا يصون بدينه شيئًا”.الأخلاق و السير (80) .

 الخائن يُرفع له لواء يوم القيامة :

عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن النبي ــــ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ــــ قَالَ: “لكل غادر لواءٌ يوم القيامة يعرف به”.

رواه مسلم (1737) .

قال ابن بطال:”دلَّ أنَّ الغدر حرام لجميع الناس، برهم، وفاجرهم؛ لأن الغدر ظلم، وظلم الفاجر حرام كظلم البرِّ التقي… إنَّ محارم الله عهود إلى عباده، فمن انتهك منها شيئًا لم يف بما عاهد الله عليه، ومن لم يفِ فهو من الغادرين، وأيضًا فإنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لما فتح مكة مَنَّ على أهلها كلِّهم، مؤمنهم، ومنافقهم، ومعلوم أنه كان فيهم منافقون، ثم أخبر صلى الله عليه وسلم، أنَّ مكة حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، وأنَّه لا يحلُّ قتال أحد فيها، وإذا كان هذا، فلا يجوز الغدر ببرٍّ منهم ولا فاجر؛ إذ شمل جميعهم أمان النبي وعفوه عنهم”.شرح البخاري (5/351).

وعَنِ ابْنِ عُمَرَ أن النَّبِيَّ ــــ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ــــ قَالَ: “إِنَّ الغَادِرَ يُرْفَعُ لَهُ لِوَاءٌ يَوْمَ القِيَامَةِ،يُقَالُ: هَذِهِ غَدْرَةُ فُلاَنِ بْنِ فُلاَنٍ “. رواه البخاري (6177) و مسلم (1735).

قال النووي:” قال أهل اللغة‏ : اللواء الراية العظيمة،لا يمسكها إلا صاحبُ جيش الحرب أو صاحب دعوة الجيش ويكون الناس تبعا له‏ .قالوا‏ :‏ فمعنى لكل غادر لواء أي علامة يشهر بها في الناس‏ ؛لأن موضوع اللواء الشهرة مكان الرئيس علامة له وكانت العرب تنصِب الألوية في الأسواق الحفلة لغدرة الغادر ؛لتشهيره بذلك، وأما الغادر فإنه الذي يواعد على أمر ولا يفي به‏ . ‏ يقال : غدر يغدِر بكسر الدال في المضارع “.

وقال ابن حجر:”والحكمة في نصب اللواء أن العقوبة تقع غالبا بضد الذنب فلما كان الغدر من الأمور الخفية ناسب أن تكون عقوبته بالشهرة ونصب اللواء أشهر الأشياء عند العرب “. فتح الباري(10/579).

قال العلامةأحمد محمد شاكر:”والحكمة في هذا أنه لما كان الغدر خفيًا لا يطلع عليه الناس فيوم القيامة يصير علمًا منشورًا على صاحبه بما فعل ” . عمدة التفسير(1/820).وصدق الله إذ يقول:﴿ يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ﴾[الطارق:9].

           كانت العرب إذا غدر الرجل بجاره، أوقدوا له نارًا بمنى، أيام الحج على الأخشب (وهو الجبل المطلُّ على منى). ثم صاحوا: هذه غدرة فلان.

قالت امرأة من هاشم:                فإن نهلك فلم نعرف عقوقًا                               ولم توقد لنا بالغدر نار.

نهاية الأرب فى فنون الأدب للنويري(1/111).

وعن علي بن أبي طالب أن النَّبِيَّ ــــ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ــــ قَالَ: “من أخفر مسلمًا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يُقبل منه صَرفٌ ولا عدْلٌ”. رواه البخاري ( 1870) ومسلم (1370). 

أقسام العهد:

العهد نوعان:

1) عهد مع الله ــــ عزَّ وجلَّ ــــ :  قال الله سبحانه وتعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا [الأعراف: 172]، فقد أخذ الله العهد على عباده جميعًا، أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا؛ لأنَّه ربهم وخالقهم،قَالَ الزَّجَّاجُ:”كُلُّ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَنَهَى عَنْهُ فَهُوَ مِنَ الْعَهْدِ”. تفسير القرطبي(10/257).

2) عهد مع عباد الله:

ومنه العهود التي تقع بين الناس، بين الإنسان وبين أخيه المسلم، وبين المسلمين وبين الكفار وغير ذلك من العهود المعروفة، فقد أمر الله تعالى بالوفاء بالعهد، فقال عزَّ وجلَّ:﴿وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولًا﴾ [الإسراء: 34] .

يعني أنَّ الوفاء بالعهد مسؤول عنه الإنسانُ يوم القيامة، يُسأل عن عهده هل وفَّى به أم لا؟ قال تعالى: ﴿وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ ﴾ [النحل:91] يعني ولا تخلفوا العهد”.شرح رياض الصالحين للشيخ ابن عثيمين  (4/45) .

وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ…﴾ [المائدة: 1]، وهذا أمر من الله بالوفاء بكل العقود، ما تعلق منها بما عاهد المؤمن ربَّه عليه، وما عاهد عليه الناسَ من عقود مختلفة.

قال الطبري: “يعني: أوفوا بالعهود التي عاهدتموها ربكم، والعقود التي عاقدتموها إياه، وأوجبتم بها على أنفسكم حقوقًا، وألزمتم أنفسكم بها لله فروضًا، فأتموها بالوفاء والكمال والتمام منكم لله بما ألزمكم بها، ولمن عاقدتموه منكم بما أوجبتموه له بها على أنفسكم، ولا تنكثوها فتَنقضوها بعد توكيدها.

واختلف أهل التأويل في العقود التي أمر الله – جل ثناؤه – بالوفاء بها بهذه الآية، بعد إجماع جميعهم على أن معنى العقود: العهود”. تفسير الطبري (8 / 63).

وعن أبي هريرة أن النبي ــــ صلى الله عليه وسلم ــــ قال:”قال الله: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرًّا ثم أكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرًا فاستوفى منه، ولم يعط أجره”.رواه البخاري(2227).

قال المناوي:”ثم غدر”أي: نقض العهد الذي عاهد عليه؛ لأنَّه جعل الله كفيلًا له فيما لزمه من وفاء ما أعطى، والكفيل خصم المكفول به للمكفول له”. فيض القدير (3/315) .

وقال الصنعاني:”فيه دلالة على شدة جرم من ذكر، وأنه تعالى يخصمهم يوم القيامة نيابة عمن ظلموه، وقوله أعطى بي، أي: حلف باسمي وعاهد، أو أعطى الأمان باسمي وبما شرعته من ديني، وتحريم الغدر والنكث مجمع عليه”.سبل السلام  (2/116) .

أسباب الوقوع في الغدر:

1- ضعف التربية وفساد البيئة.

2- حب الكفار وموالاتهم.

3- صحبة الذين اشتهروا بالغدر.

4- ضعف الإيمان بالله.

5- عدم التأمل في العواقب الوخيمة للغدر.

الوسائل المعينة على ترك الغدر:

1- تقوية الإيمان بالله تعالى.

2- البعد عن أصدقاء السوء ومجالسة أهل الصلاح.

3- التأمل في الآثار الوخيمة للغدر على الفرد والمجتمع.

4- تدبر الآيات القرآنية التي حذرت من الغدر، وعدم الوفاء.

5- ترك الطَّمع واللهث وراء الدنيا.

6- مجاهدة النفس، وتربيتها على التحلي بالوفاء والصدق.

فوائد الوفاء بالعهد:

الآثار المترتبة على الالتزام بالعهد والميثاق متنوعة ومتعددة، فهناك الآثار التي تخص الفرد وأخرى تعم الجماعة، بعضها في الحياة الدنيا، وأخرى يوم القيامة، فمن هذه الآثار:

1- الإيمان:

وردت آيات كثيرة تنفي الإيمان عن الناقضين لعهدهم، وتصفهم بالكفر،وفي المقابل وصف الله ـــــ سبحانه وتعالى ـــــ الموفين لعهدهم ومواثيقهم بالإيمان،قال تعالى:﴿وَمَا لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ [الحديد: 8].

2- التقوى:

التقوى أثر من آثار الوفاء بعهد الله، وثمرة من ثمرات الالتزام بميثاقه،قال تعالى:﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة: 63].

3- محبة الله:

أثبت الله محبته للمتقين الموفين بعهدهم، المستقيمين على عهودهم ومواثيقهم حتى مع أعدائهم ما استقاموا هم على تلك العهود، قال تعالى:﴿فَمَا اسْتَقَامُواْ لَكُمْ فَاسْتَقِيمُواْ لَهُمْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾ [التوبة: 7].

4- حصول الأمن في الدنيا، وصيانة الدماء:

لم تقتصر آثار الوفاء بالعهد والميثاق على المسلمين وحدهم، وإنما شمل عدل الله، الكفار الذين لم يدخلوا في دين الإسلام، ولهم عهود مع المسلمين، فجاءت الآيات صريحة بوجوب الوفاء لهم وصيانة دمائهم.

5- حصول الأجر العظيم:

وعد الله الموفين بعهدهم بجزاء عظيم، قال تعالى:﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ …﴾ [الأحزاب: 23-24].

وقال:﴿وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ [الفتح: 10].

6- دخول الجنات:

فقد ورد في أكثر من آية جزاء من وفَّى بعهده، والتزم بميثاقه، وهو الوعد بدخول الجنة، قال تعالى:﴿وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ﴾ [البقرة: 40] قال ابن جرير:”وعهده إياهم أنهم إذا فعلوا ذلك أدخلهم الجنة” العهد،والميثاق فى القرآن الكريم(204) لـ ناصر العمر ــــ بتصرُّف ـــــ .

ومن أهم الصفات التى تميِّز المسلمَ،و تُوصله إلى أعلى مراتب الإيمان وفاؤه بالعهد،قال تعالى:﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ﴾[المؤمنون:8].

وقال تعالى:﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ*وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهاداتِهِمْ قائِمُونَ *وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ * أُولئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ﴾ [المعارج:32ــــ 35].

وعن عبادة بن الصّامت أنّ رسول الله ــــ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ــــ قال: «اضْمَنُوا لِي سِتًّا مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَضْمَنْ لَكُمْ الْجَنَّةَ:اصْدُقُوا إِذَا حَدَّثْتُمْ،وَأَوْفُوا إِذَا وَعَدْتُمْ،وَأَدُّوا إِذَا اؤْتُمِنْتُمْ،وَاحْفَظُوا فُرُوجَكُمْ،وَغُضُّوا أَبْصَارَكُمْ ، وَكُفُّوا أَيْدِيَكُمْ ». رواه أحمد (22809) و ابن حبان( 271 ) بإسناد حسن.

من مجالات الوفاء:

ـــــ الوفاء مع الله ــــــ   تعالى ــــــ  :

قال تعالى:﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ﴾ [الأعراف :172ـــــ173].

قال القرطبي:”الْأَمَانَةُ اسْمُ جِنْسٍ، فَيَدْخُلُ فِيهَا أَمَانَاتُ الدِّينِ؛ فَإِنَّ الشَّرَائِعَ أَمَانَاتٌ ائْتَمَنَ اللَّهُ عَلَيْهَا عِبَادَهُ،وَ يَدْخُلُ فِيهَا أَمَانَاتُ النَّاسِ مِنَ الْوَدَائِعِ”.تفسير القرطبي(18/292).

قال الشيخ محمد الأمين الهرري الشافعي:”قوله تعالى:﴿وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذا عاهَدْتُمْ …﴾[النحل: 91 ]أي: وأتموا عهد الله، وهو شامل بما عهد الله تعالى إلى عباده ووصاهم به، وأوجبه عليهم، وبما أوجبه الإنسان على نفسه كنذر ونحوه، وبما عاهده الناس بعضهم بعضا،فمن آمن برسول من رسل الله تعالى، فقد عاهد الله حين الإيمان به أن يمتثل أمره ونهيه،وما شرعه للناس ووصاهم به فهو مما عهده إليهم،وما التزمه الإنسان من عمل البر بنذر أو يمين فهو عهد عاهد عليه ربه كما قال تعالى ناعيًا على المنافقين سوءَ فعلهم: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ*فَلَمَّا آتاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ…﴾الآيةَ[التوبة:75ـــــ 76].

وكذلك من عاهد السلطان وبايعه على الطاعة في المعروف، أو عاهد غيره على القيام بعمل مشروع وجب عليه الوفاء إذا لم يكن من قبيل المعصية”. تفسير حدائق الروح والريحان(9/139).

ــــــ الوفاء بالوعد مع الناس:

أ)إعطاء الأجير حقَّه:

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أن رَسُولَ اللَّهِ ــــ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ــــ قَالَ:” أَعْطُوا الْأَجِيرَ أَجْرَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ”.رواه ابن ماجه(2443)،وأبويعلى(6682) بإسناد حسن لغيره ـــ كما قال شعيب الأرنؤوط ـــ .

ب)الوفاء مع الأهل ،والأقارب:

قال المُقَنَّع محمد بن عُمَيْر الكِنْدِي:

وَإِنَّ  الَّذِي   بَيْنِي   وَبَيْنَ   بَنِي   أَبِي                              وبَيْنَ   بَنِي   عَمِّي   لَمُخْتَلِفٌ   جِدَّا

أَرَاهُمْ  إِلَى  نَصْرِي  بِطَاءً  وإنْ   هُمُ                        دَعَوْنِي   إِلَى   نَصْرٍ    أَتَيْتُهُمُ    شَدَّا

فَإِنْ  أَكَلُوا  لَحْمِي  وَفَرْتُ  لُحُومَهُمْ                    وَإِنْ هَدَمُوا مَجْدِي بَنَيْتُ لَهُمْ  مَجْدا

وَإِنْ  ضَيَّعُوا  غَيْبِى  حَفِظْتُ  غُيُوبَهُمْ                 وإنْ هُمْ هَوُوا غَيِّي هَوِيتُ لَهُمْ رَشْدًا

وإنْ  زَجَرُوا  طَيْرًا  بِنَحْسٍ  تَمُرُّ  بِي                       زَجَرْتُ  لَهُمْ  طَيْرًا  تمُرُّ  بهِمْ   سَعْدَا

وَلاَ  أَحْمِلُ   الْحِقْدَ   الْقَدِيمَ   عَلَيْهِمُ             وَلَيْسَ رَئِيسُ الْقَوْمِ مَنْ يَحْمِلُ  الحِقْدَا

لهُمْ  جُلُّ  مَالِي  إِنْ  تَتَابَعَ  لِي   غِنًى                      وَإِنْ  قَـــــــــــــــــــلَّ  مَالِي   لَمْ   أُكَلِّفْهُمُ   رِفْدَا.

ج) الوفاء مع الوطن:

و ذلك بالحفاظ على معالمه وآثاره ومنشآته العامة والخاصة، وعدمِ الإفساد في أرضه أو تخريبه وتدميره؛ وعدم قتله جنوده المناضلين وحراسه الساهرين ،الذين تمتد إليهم يد الغدر والخيانة بين الحين والحين,وإن مما يؤلم الإنسانَ أن يموت الحارس على يد مَن يحرسه ويدافع عنه، و فى المثل: شعب لا يعرف الوفاء شعب لا يعرف التقدم.

قال عمرو بن أهتم بن سمي السعدي:

                           لَعَمْرُكَ ما ضاقَتْ بِلاَدٌ بأَهْلِهَا                                           ولكنَّ أَخلاقَ الرِّجالِ تَضيقُ.

وقال أبو فِراس الحَمْداني:

بلادى ـــــ و إن جارت عليَّ ــــ عزيزة                             وأهلى ـــــ وإن ضَنُّوا عليَّ ـــــ كرامُ.

وقال أحمد شوقي:

وَلِلأَوطانِ في دَمِ كُلِّ حُرٍّ                                                           يَدٌ سَلَفَت وَدَينٌ مُستَحِقُّ.

إن مثل الذي خان وطنَه وباع بلادَه مثلُ الذي يسرق من مال أبيه ليُطعم اللّصوص، فلا أبوه يسامحه ولا اللّص يكافئه.

وما أجملَ هذا المثلَ العربيَّ:”لا تَرمِ حجرًا في البئر التي شربت منها!”.

أمثال العرب في الوفاء بالعهد:

– يقال في المثل: أوفى من فكيهة:

وهي امرأة من بني قيس بن ثعلبة، كان من وفائها أنَّ السليك بن سلكة، غزا بكر بن وائل، فلم يجد غفلة يلتمسها، فخرج جماعة من بكر، فوجدوا أثر قدم على الماء، فقالوا: إنَّ هذا الأثر قدم ورد الماء. فقصدوا له، فلمَّا وافى حملوا عليه فعدا حتى ولج قبة فكيهة فاستجار بها، فأدخلته تحت درعها، فانتزعوا خمارها، فنادت إخوتها، فجاءوا عشرة، فمنعوهم منها. المحاسن و الأضداد للجاحظ (ص47) .

– ويقال: أوفى من أمِّ جميل:

وهي من رهط ابن أبي بردة من دوس، وكان من وفائها أنَّ هشام بن الوليد بن المغيرة المخزومي قتل رجلًا من الأزد، فبلغ ذلك قومه بالسراة، فوثبوا على ضرار بن الخطاب الفهري ليقتلوه، فعدا حتى دخل بيت أمِّ جميل وعاذ بها، فقامت في وجوههم، ودعت قومها فمنعوه لها. المحاسن و الأضداد للجاحظ (ص47) .

– ويقال: أوفى من الحارث بن عباد:

 وكان من وفائه أنه أسر عدي بن ربيعة ولم يعرفه، فقال له: دلَّني على عدي ابن ربيعة ولك الأمان، فقال: أنا آمن إن دللتك عليه؟ قال: نعم. قال: فأنا عدي بن ربيعة. فخلاه. المحاسن و الأضداد للجاحظ (ص48) .

– وقال الحارث بن عمرو بن حجر الكندي:”أنجزَ حرٌّ ما وعَدَ”.الأمثال لأبى عُبيد بن سلام(ص 71).

– قال الزمخشري:”أوصت أعرابية ابنًا لها، فقالت: يا بني، اعلم أنَّه من اعتقد الوفاء والسخاء، فقد استجاد الحلة بربطتها وسربالها،وإياك والنمائم؛ فإنها تُنبت السخائم، وتفرق بين المحبين، وتحسى أهلَها الأمرَّيْن”. ربيع الأبرار (5/299ـــ 300).

وقَالَ الأصمعي: قَالَ أعرابي :”إذا أردت أن تعرف وفاءَ الرجل ، ودوامَ عهده ، وكرمَ أخلاقه ، فانظر إِلَى حنينه إِلَى أوطانه ، وشوقِه إِلَى إخوانه ، وبكائِه على مَا مضى من زمانه” . رواه ابن عساكر فى تاريخ دمشق(37756).

الوفاء من شيم الكرام و الغدر من صفات اللئام.

الكريم إذا وعد وفى.

أمهل بالوعد وعجل بالوفاء.

أبطأ الناس في قطع الوعود أحرصهم على الوفاء بها.

إن من علامة وفاء المرء ودوام عهده، حنينَه إلى إخوانه، وشوقَه إلى أوطانه، وبكاءَه على ما مضى من زمانه، وإن من علامة الرشد أن تكون النفوس إلى مولدها مشتاقة، وإلى مسقط رأسها توّاقة، وللألف والعادة قطع الرجل نفسه لصلة وطنه.

ـــ وقال أعرابي:”وعد الكريم نقد وتعجيل ووعد اللئيم مطل وتعليل”.

ـــ وقال أعرابي آخر:” العذر الجميل خير من المطل الطويل”.

ـــ من كافأ الناس بالمكر كافئوه بالغدر.

ـــ الغدر هو أحقر الجرائم الإنسانية وأكثرها خسَّةً ؛لأنّ الإنسان يستطيع دائمًا أن يفعل ما يريد في مواجهة الآخرين وليس من خلفهم.

ـــ كم مرة هزمتنا الخيانة دون قتال!.

ـــ من ضيّع الأمانة ورضي بالخيانة فقد تبرّأ من الديانة.

ـــ أسد مفترس أمامك خير من كلب خائن وراءك.

وقال الشاعر:

إذا قلت في شئٍ “نعم” فأتـمّـه                فإنّ “نعم” دين على الحرّ واجب

وإلا فقل لا واسترح وأرح بها                       لئلا يقول النّاس إنّك كـاذب

وقال آخر :

إنّ الكريم إذا حباك بموعدٍ                         أعطاكه سلسًا بغير مطال.

 

وقال آخر:

لا كلف الله نفسا فوق طاقتها               ولا تجـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــود يد إلا بما تجد

                                 فلا تعد عـــــــــــــــــــــدة إلا وفيت بها                   واحــــــــذر خلاف مقال للذي تعد.

وقال صالح اللخمي:

لئن جمع الآفات فالبخل شرها       وشر من البخل المواعيد والمطل

ولا خير في وعد إذا كان كاذبًا            ولا خير في قول إذا لم يكن فعل .

وقال آخر:

                                       ولقد وعدت وأنت أكرم واعد                لا خـــــــير في وعـــــــد بغير تمام

          أنعم علي بما وعدت تكرُّمًـا               فالمَطْل يُذهب بهجةَ الإنعام.

 

قال أبو تمَام:

إذا جَارَيْتَ في خُلُقٍ دَنِيئًا                        فأنتَ ومنْ تجارِيه سواءُ

رأيتُ الحرَّ يجتنبُ المخازي                 ويَحْمِيهِ عنِ الغَدْرِ الوَفاءُ

وما مِنْ شِدَّةٍ إلاَّ سَيأْتي                           لَها مِنْ بعدِ شِدَّتها رَخاءُ

لقد جَرَّبْتُ هذا الدَّهْرَ حتَّى                 أفَادَتْني التَّجَارِبُ والعَناءُ.

حكم وأمثال في الغدر:

– قولهم: قد خلس فلانٌ بما كان عليه.

قال أبو بكر: معناه: قد غدر به “. الزاهر فى معانى كلمات الناس للأنباري(2/40).

– أغدر من غَدِير.

قيل سمي الغدير غديرًا؛ لأنه يغدر بصاحبه، أي يجفُّ بعد قليل، وينضُب ماؤه. جمهرة الأمثال للعسكري (2/86) .

– أغدر من عتيبة بن الحارث:

وذلك أن أنيس بن مرة بن مرداس السلمي نزل به في صرم من بني سليم فأخذ أموالها وربط رجالها حتى افتدوا  . جمهرة الأمثال للعسكري (2/87) .

– الوفاء من شيم الكرام، والغدر من همم اللئام.

– لا تلبس ثيابك على الغدر. محاضرات الأدباء للراغب  (1/351) .

تقال في الحث على الوفاء ومدحه.

– أسرع غدرة من الذئب. مجمع الأمثال للميداني  (1/349) .

وقالوا: لا عذر في الغدر. والعذر يصلح في كلِّ المواطن، ولا عذر لغادر ولا خائن.    نهاية الأرب فى فنون الأدب للنويري (3/364) .

من أخبار أهل الوفاء:

– قال أمير المؤمنين علي بن أبى طالب:”الوفاء توأم الصدق، ولا أعلم جُنَّة أوقى منه، وما يغدر من علم كيف المرجع. ولقد أصبحنا في زمان اتخذ أكثر أهله الغدر كَيسًا(عقلًا) ، ونسبهم أهل الجهل فيه إلى حسن الحيلة. ما لهم قاتلهم الله؟ قد يرى الحول القلب وجه الحيلة، ودونها مانع من الله ونهيه، فيدعها رأي عين بعد القدرة عليها، وينتهز فرصتها من لا خريجة له في الدين”. ربيع الأبرار للزمخشري (5/300) .

– وقال أيضًا: “إذا كان الغدر طبعًا، فالثقة بكل أحد عجز”. المستطرف(134) .

– قال الأبشيهي: “وكم أوقع القدر في المهالك من غادر، وضاقت عليه من موارد الهلكات فسيحات المصادر، وطوقه غدره طوق خزي، فهو على فكِّه غير قادر”. المستطرف(216) .

– وقال أيضًا:”أيُّ سوء أقبحُ من غدر يسوق إلى النِّفاق، وأيُّ عار أفضحُ من نقض العهد إذا عُدَّت مساوئ الأخلاق”. المستطرف(217) .

و من قصص أهل الوفاء بالعهد :

1ــــ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ــــ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ــــ :” أَنَّهُ ذَكَرَ رَجُلًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، سَأَلَ بَعْضَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يُسْلِفَهُ أَلْفَ دِينَارٍ، فَقَالَ: ائْتِنِي بِالشُّهَدَاءِ أُشْهِدُهُمْ، فَقَالَ: كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا، قَالَ: فَأْتِنِي بِالكَفِيلِ، قَالَ: كَفَى بِاللَّهِ كَفِيلًا، قَالَ: صَدَقْتَ، فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى، فَخَرَجَ فِي البَحْرِ فَقَضَى حَاجَتَهُ، ثُمَّ التَمَسَ مَرْكَبًا يَرْكَبُهَا يَقْدَمُ عَلَيْهِ لِلْأَجَلِ الَّذِي أَجَّلَهُ، فَلَمْ يَجِدْ مَرْكَبًا، فَأَخَذَ خَشَبَةً فَنَقَرَهَا، فَأَدْخَلَ فِيهَا أَلْفَ دِينَارٍ وَصَحِيفَةً مِنْهُ إِلَى صَاحِبِهِ، ثُمَّ زَجَّجَ مَوْضِعَهَا، ثُمَّ أَتَى بِهَا إِلَى البَحْرِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي كُنْتُ تَسَلَّفْتُ فُلاَنًا أَلْفَ دِينَارٍ، فَسَأَلَنِي كَفِيلاَ، فَقُلْتُ: كَفَى بِاللَّهِ كَفِيلًا، فَرَضِيَ بِكَ، وَسَأَلَنِي شَهِيدًا، فَقُلْتُ: كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا، فَرَضِيَ بِكَ، وَأَنِّي جَهَدْتُ أَنْ أَجِدَ مَرْكَبًا أَبْعَثُ إِلَيْهِ الَّذِي لَهُ فَلَمْ أَقْدِرْ، وَإِنِّي أَسْتَوْدِعُكَهَا، فَرَمَى بِهَا فِي البَحْرِ حَتَّى وَلَجَتْ فِيهِ، ثُمَّ انْصَرَفَ وَهُوَ فِي ذَلِكَ يَلْتَمِسُ مَرْكَبًا يَخْرُجُ إِلَى بَلَدِهِ، فَخَرَجَ الرَّجُلُ الَّذِي كَانَ أَسْلَفَهُ، يَنْظُرُ لَعَلَّ مَرْكَبًا قَدْ جَاءَ بِمَالِهِ، فَإِذَا بِالخَشَبَةِ الَّتِي فِيهَا المَالُ، فَأَخَذَهَا لِأَهْلِهِ حَطَبًا، فَلَمَّا نَشَرَهَا وَجَدَ المَالَ وَالصَّحِيفَةَ، ثُمَّ قَدِمَ الَّذِي كَانَ أَسْلَفَهُ، فَأَتَى بِالأَلْفِ دِينَارٍ، فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا زِلْتُ جَاهِدًا فِي طَلَبِ مَرْكَبٍ لِآتِيَكَ بِمَالِكَ،فَمَا وَجَدْتُ مَرْكَبًا قَبْلَ الَّذِي أَتَيْتُ فِيهِ،قَالَ: هَلْ كُنْتَ بَعَثْتَ إِلَيَّ بِشَيْءٍ؟ قَالَ: أُخْبِرُكَ أَنِّي لَمْ أَجِدْ مَرْكَبًا قَبْلَ الَّذِي جِئْتُ فِيهِ،قَالَ: فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَدَّى عَنْكَ الَّذِي بَعَثْتَ فِي الخَشَبَةِ، فَانْصَرِفْ بِالأَلْفِ الدِّينَارِ رَاشِدًا “. أخرجه البخاري تعليقًا(2291).

قوله:”زَجَّجَ”: سَمَّرَها بِمَساميرَ كالزَّجِّ أو حَشا شُقوقَ لصاقِها بِشَيءٍ وَرَقَعَه بِالزَّجِّ.

وقوله:”يَنْقُر”: يَحْفِر.

2ـــــ قال عديُّ بن حاتم:”أتينا عمر في وفد، فجعل يدعو رجلًا رجلًا ويسمِّيهم. فقلت: أما تعرفني يا أمير المؤمنين؟ قال: بلى. أسلمت إذ كفروا، وأقبلت إذ أدبروا، ووفيت إذ غدروا، وعرفت إذ أنكروا. فقال عديُّ: فلا أبالي إذًا”.رواه البخاري(4394) .

3ــــ يُحكى أن أعرابيًا دخل بستانًا ليستريح فأناخ ناقتَه ثم نام قليلًا ،فقامت الناقة و أحدثت فسادًا كبيرًا في البستان فجاء صاحب البستان فقتل الناقة ،فاستيقظ الأعرابي و قتل صاحبَ البستان ،فأقبل أولاد صاحب البستان و أمسكوا بالأعرابي للقصاص ،فطلب الأعرابي منهم أن يُمهلوه حتى يرجع إلى أولاده فيوصيَ لهم ثم يعود، قالوا:و من يضمن لنا أنك ستعود؟. و بينما هم كذلك مرَّ بهم أبو هريرة ـــ رضي الله عنه ـــ و علم أمرَهم ثم قال: أنا أضمن الرجل،فذهب الرجل إلى أهله بعد أن وعدهم بالعودة في يوم معلوم ،و جاء اليوم الذي انتظروه، و ذهب أولاد القتيل إلى أبي هريرة فقالوا: كيف تضمن رجلًا لا تعرفه و لا تعرف بلدَه ؟. قال أبو هريرة : حتى لا يقالَ: إن أهل المروءة قد ولَّوا . و بينما هم كذلك إذ ظهر الرجل في الأفق و أقبل حتى وقف بينهم فقالوا : لماذا عُدتَ و قد كان بإمكانك أن تنجوَ  بنفسك ؟ قال: حتى لا يقال: إن أصحاب الوفاء  قد ولَّوا ، عندها قال أولاد القتيل: و نحن قد عفونا عنك حتى لا يقال: إن أهل العفو قد ولَّوا”.

و هذه القصة لا أعلم درجتها من حيثُ الصحةُ و عدمُها ، بالإضافة إلى أنه” لا تجوز الكفالة في الحدود”.

4ــــ قال الإبشيهي:”و ممّا أسفرت عنه وجوه الأوراق،وأخبرت به الثّقات في الآفاق،وظهرت روايته بالشّام والعراق، وضرب به الأمثال في الوفاء بالاتّفاق،حديث السَّمَوْأَل بنِ عاديا،وتلخيص معناه أنّ امرأ القيس الكنديّ، لما أراد المضيّ إلى قيصر ملك الرّوم، أودع عند السّموأل دروعًا وسلاحًا،وأمتعة تساوي من المال جملة كثيرة،فلمّا مات امرؤ القيس أرسل ملك كندة يطلب الدّروع والأسلحة المودعة عند السّموأل. فقال السّموأل:لا أدفعها إلّا لمستحقّها،وأبى أن يدفع إليه منها شيئا،فعاوده فأبى،وقال:لا أغدر بذمّتي، ولا أخون أمانتي،ولا أترك الوفاء الواجب عليّ. فقصده ذلك الملك من كندة بعسكره فدخل السّموأل في حصنه، وامتنع به،فحاصره ذلك الملك،وكان ولد السّموأل خارج الحصن فظفِر به ذلك الملِكُ فأخذه أسيرًا ثمّ طاف حول الحصن،وصاح بالسّموأل،فأشرف عليه من أعلى الحصن،فلمّا رآه قال له:إنّ ولدك قد أسرته،و ها هو معي،فإن سلّمت إليّ الدروعَ والسّلاحَ الّتي لامرىءِ القيس عندك،رحلت عنك،و سلّمتُ إليك ولدَك،وإن امتنعتَ من ذلك ذبحتُ ولدك وأنت تنظر،فاختر أيّهما شئت؟.فقال له السّموأل:ما كنت لأخْفِرَ ذِمَامي، وأُبطلَ وفائي،فاصنع ما شئت.فذبح ولدَه وهو ينظر،ثمّ لمّا عجز عن الحصن رجع خائبًا،واحتسب السّموأل ذبحَ ولده وصبر؛محافظةً على وفائه،فلمّا جاء الموسم وحضر ورثةُ امرىء القيس سلّم إليهم الدّروع والسّلاح،ورأى حفظَ ذِمامه ورعايةَ وفائه أحبَّ إليه من حياة ولده وبقائه؛فصارت الأمثال في الوفاء تُضرب بالسّموأل، وإذا مدحوا أهل الوفاء في الأنام ذكر السّموأل في الأوّل(يقال:أوفى من السموأل بن عاديا)،وكم أعلى الوفاءُ رتبةَ مَن اعتقله بيديه، وأغلى قيمةَ مَن جعله نُصْبَ عينيه، واستنطق الأفواهَ لفاعله بالثّناء عليه،واستطلق الأيدي المقبوضةَ عنه بالإحسان إليه”.

المستطرف فى كل فنّ مستظرف(1/ 432) .

و من قصص أهل الوفاء بالعهد :

1ــــ  ممن اشتهر بالغدر عمرو بن جرموز: غدر بالزُّبير بن العوَّام، وقتله بوادي السباع  .  نهاية الأرب فى فنون الأدب للنويري (3/366) .

2ــــ قال ملك لصاحب ملك آخر: أطلعني على سرِّ صاحبك، قال: إليَّ تقول هذا؟ وما ذاق أحد كأسًا أمرَّ من الغدر، والله لو حول ثواب الوفاء إليه لما كان فيه عوض منه، ولكن سماجة اسمه وبشاعة ذكره ناهيان عنه”. ربيع الأبرار للزمخشري(4/139) .

3ـــ قال مروان لعبد الحميد الكاتب عند زوال أمره: صِر إلى هؤلاء القوم، يعني بني العباس، فإني أرجو أن تنفعني في مخلفي. فقال: وكيف لي بعلم الناس جميعًا أنَّ هذا رأيك؟ كلهم يقولون: إني قد غدرت بك. وأنشد:

وغدرى ظاهر لا شك فيه                               لمبصرة وعذرى بالمغيب.

ولما أُتِى به المنصورُ قال له:استبقني فإني فرد الدهر بالبلاغة،فقطع يديه ورجليه،ثم ضرب عنقَه.

ربيع الأبرار للزمخشري(4/142) .

4- لـمَّا حلف محمد الأمين للمأمون في بيت الله الحرام- وهما وليَّا عهد- طالبه جعفر بن يحيى أن يقول: خذلني الله إن خذلته. فقال ذلك ثلاث مرَّات. قال الفضل بن الرَّبيع: قال لي الأمين في ذلك الوقت عند خروجه من بيت الله: يا أبا العبَّاس، أجد نفسي أنَّ أمري لا يتمُّ. فقلت له: ولم ذلك أعزَّ الله الأمير؟ قال: لأنِّي كنت أحلف وأنا أنوي الغدر.  وكان كذلك لم يتمَّ أمره.  المستطرف(218) .

 

 

كتبه / خادم الدعوة الإسلامية

الشيخ/  عبد الواحد محمد عبد الغفار

إمام وخطيب بأوقاف البحيرة

اظهر المزيد

admin

مجلس إدارة الجريدة الدكتور أحمد رمضان الشيخ محمد القطاوي رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) تليفون (phone) : 01008222553  فيس بوك (Facebook): https://www.facebook.com/Dr.Ahmed.Ramadn تويتر (Twitter): https://twitter.com/DRAhmad_Ramadan الأستاذ محمد القطاوي: المدير العام ومسئول الدعم الفني بالجريدة. الحاصل علي دورات كثيرة في الدعم الفني والهندسي للمواقع وإنشاء المواقع وحاصل علي الليسانس من جامعة الأزهر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »