الفن ….. والبلاغ إلى الناس … بقلم : أسامة فخري الجندي
الفن ….. والبلاغ إلى الناس … بقلم : أسامة فخري الجندي
اخترت أن أبدأ المقال بتلك الكلمات (( الفن والبلاغ إلى الناس )) ، نعم فالفن سلاح فعّال ، الواجب فيه أن يكون أداة للبلاغ المبين نحو معالجة قضايا الأمة ، وجمع شتاتها ، والمحافظة على ثوابتها ، فالفن يجب أن يكون من مكونات الذات الإنسانية السوية ، وأداة فاعلة في تحصيل العلم ، وحفظ المعلومات ، إن الفن الأصل فيه أن يكون من ضرورات الوجود والارتقاء بالنسبة للإنسان …. ولكن !!!
يواجه مجتمعنا الآن نوعًا من الفنون – خاصة ما يتم مشاهدته أو سماعه من خلال بعض الأفلام أو المسلسلات أو الأغاني أو غير ذلك – قد غلب عليه المجون والانحرافات ، يواجهُ فنًّا أصبح عاملاً من عوامل التحلل والانحلال ، يواجه فنًّا أصبح غالب توجيهاته هو إثارة لغرائز العنف والغضب والشهوة واللذة المادية في الإنسان ؛ مما أصاب قوى الأمة بالتفكك والانحلال ، وضرب الوهنُ قدراتِها ، وأصاب الشللُ تفكيرَها ؛ لأنها أصبحت – وللأسف – منحصرة في دائرة واحدة لا تخرج منها ، وهي دائرة الترف واللذة وإبراز نماذج البلطجة وإلقاء الكلمات الخاضعة على مسامع أطفالنا ونسائنا ، فماذا ننتظر من أمة تتقلب في مثل هذا الفن ؟ وماذا ننتظر من جيل تمتلئ جوارحه بسماع الألفاظ النائية والكلمات الخاضعة ، بل والمبتذلة ، وكذلك بمشاهدة المناظر الجارحة السافرة التي ضربت حتى العادات الاجتماعية قبل ما يدين به كل فرد في أمتنا ؟ .
إن الأصل في الفن أن يكون هادفًا ، أن يُرسخ القيم الاجتماعية من خلال أنواع الدراما المختلفة ، أن يرسخ القيم التاريخية والبطولية من خلال الفن التاريخي ، وقبل ذلك أن يُرسخ القيم الرُّوحية لا في البرامج الدينية المختلفة وحسب ، بل في سائر الفنون باختلافها .
نحن نريد فنَّا يقوم على مصالح الأمة ، ويعمل على تنمية معارفها العلمية ، ويهذب طباعها وسلوكها ، يحاول أن يعالج المشكلات التي تتقلب فيها الأمة ، يحاول أن يعطي نموذجًا لإدارة الأزمات ، وقبل ذلك كله يحافظ على هُوية الأمة .
إننا نريد فنًّا يرتقي بالذوق والحس الإنساني ، لا أن يبرز لنا حالات البلطجة في صورة البطولة ، وحالات السفور والإباحية في صورة الأمر المعتاد وكأنه أصبح معهودًا لا شيء فيه ، وحالات الصراع في صورة أنه أمر لا بد منه .
إن انفعال النفس الإنسانية بجماليات الحياة هو فطرة فطر الله النفس الإنسانية السوية عليها ، ونحن نريد من القائمين على الفنون أن يحافظوا على ذلك بعدم معاندة الفطرة الإنسانية ، بل أن تكون عونًا على ترقيتها وتهذيبها .
نريد فنًا يكون سبيلاً لتهذيب النفس ، يكون وسيلة لتوجيه الطاقات نحو البناء ، ومعلوم أن بناء الأمم وبناء الحضارات يرتبط ارتباطًا وثيقا بالبناء الأخلاقي ، وأن انهيارها يرتبط أيضًا ارتباطًا وثيقًا بانهيار الأخلاق فيها …
إنه من الواجب على الأسر جميعًا أن يدركوا أنه بواسطة هذا النوع من الفن المبتذل ، وبطريقة غير مباشرة ، بل ومباشرة في بعض الأحايين ، أنه فن يبذر بذور الفتنة ، ويفرق بين أفراد الأمة ، ويدعوا إلى الأخلاق المذمومة كالنميمة ، والغيبة ، والخوض في أعراض الغير ، إن هذا النوع من الفن وكأنه يمسك بيده معول (فأس) يهدم به البنيان الذي جاء الإسلام ليقيمه ، وكأنه ينسف الإنسان قِيما وأخلاقًا ورُوحًا …. فإذا كانت الحروب والأزمات والكوارث تستهدف الإنسان بأسلحتها الفتاكة ، فإنما تستهدف الإنسان كجسد … لكن هناك حربًا أخرى أشد فتكًا وهي ما نشاهده من أمثال ذلك النوع من الفن .
إن هذا النوع من الفن يضرب الأمن الاجتماعي للأمة ؛ مما يدعو إلى حالة من التخوف والقلق وعدم الطمأنينة .
إن هذا النوع من الفن يحرِّك السلوك الإنساني إلى تقليد ما يراه وما يسمعه من رذائل ومخالفات وانحرافات ، الأمر الذي يتوجب على الأسرة من خلال وليّها أن يعيد ترتيب أوراقه جيدًا ويباشر بنفسه ما تشاهده أسرته وما يأتي على مسمعها ، هذا إذا أردنا مجتمعًا نقيًّا مترابطًا .
دور المؤسسات في مواجهة هذه الظاهرة :
إننا ندعو المؤسسات المعنية بهذا الأمر أن يشددوا الرقابة على المنتجات الفنية المختلفة ، وأن يكون هناك ترابط بين المؤسسات المختلفة ، الدينية والاجتماعية والتعليمية والثقافية والبيئية والفنية … وغيرها ، في إبراز الدور الأصيل أولاً للفن بصفة عامة ، ثم ما يعرض عليهم من أعمال وأن يكون الهدف العام للفن باختلاف توجهاته موافقًا للفطرة السليمة النقية لا أن يعاندها . أن يكون قائمًا على نشر مناخ من التعايش والوئام ونبذ الخلافات ومجالات الانفصال . أن يقوم على إصلاح الفكر وتجديد لغة الثقافة والحوار لما يُرى من المتغيرات التي تطرأ على الحياة ، فالأمم الواعية هي التي تحاول تجديد حيوية ثقافتها وحضارتها . أن يقوم على إبراز تجريم العنف والترويع والإرهاب والتمييز والتطرف . أن يبرز قيمالحب والتسامح ، رافضاً لنشر بذور الفتنة . أن يحافظ على ثوابت وهوية الأمة خاصة الجانب الأخلاقي ، لا أن ننفلت أخلاقيًا فيؤثر ذلك على العقل الجمعي للأمة ، ولن نجد حينها إلا أجيالا لا تستطيع حتى أن تحمل راية البناء ؛ نظرًا لما يعيشونه من ترهل فكري وانعدام أخلاقي وتشتت فكري بسبب ما يتم مشاهدته وسماعه عبر تلك الأنواع المشار إليها للفن .
كتبه : أسامة فخري الجندي