الدكتور موسى شومان يكتب : رؤية قلبية حول أسرار الليلة القدرية
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه وبعد: فإن ليلة القدر لها ما لا يحصى من الأسرار وما لا يقاس من الأنوار منها أسرار ظاهرية وقف عليها كثير من الناس وأخرى روحية لم تحدث لها المشاهدة إلا عبر المجاهدة.. والمجاهدة تقتضى المداومة والمداومة تطلب المثابرة والكل يرنو إلى التدبر للمكاشفة.. والكشف الحقيقى هو طى النفوس لا طى الزمان ولا المكان.. فكن من المخبتين يكشف لك الحجب فتزداد وتتزود من اليقين فترى الله فى كل ما تراه, والكشف على الحقيقة ليس لعالم الملك أو أسرار عالم الملكوت والذى فيه لا ترى إلا الله فى كل ما تراه لكن الكشف هو رفع الحجب عنك لتدخل الحضرة وفيها ينكر كل خل خله (إنكم قوم منكرون) ولقاؤهم لقاء الغرباء حتى يسجد القلب فيقترب فلا يرى إلا الله فكل ما فيها موجود وغير موجود إلا واجب الوجود ونبى الوجود.
ولما كان العجز هنا شأن النطق فمهما بلغ كمالك فالأمر أعلى من إدراكك فاقتضى الأمر أن ترى عبر الواسطة التى لولاها لذهب كما قيل الموسوط فاللهم صل على إنسان عين الحضرة القدسية دليلنا وإمامنا الذى كان بعثه ظاهر ليلة قدر أمته وكان ميلاده حقيقة ليلة قدر أمته فاللهم صل علي السيد المخلوق سيدنا ومولانا محمد محل النظر و الشهود.
وحقيقة ليلة قدرك فى لقائك نبيك فإنه جسدا وروحا قد سما من بأحمد التقى.. حبيب القلب والهوا العين يوالك لا ترى.. لم تغب عنا أو ترحل وإلا كنا والعدم سوا. فاللهم صل على سيدنا محمد وآله وارزقنا النظر إلى جماله, فهيا بنا نتعرف من إلهنا على ليلة قدرنا عبر قلب نبينا بتلاوة آيات قرآننا بمدد أشياخنا: فى قوله تعالى (سلام هى حتى مطلع الفجر) هى لبيان السر الأكبر فى كونها وكون شريعتنا وكون إسلامنا السلام الذى هو من رب السلام فى دار السلام.. والمعنى كن فيها كما تكون فى دار السلام مع نبى السلام فأنت حين تختم صلاتك تبدأ فجر الجهاد فى إعمار الأكوان بلقائها بالسلام وإلقاء السلام عليها (السلام عليكم تحليل الصلاة) فتنطلق من صلتك بنبيك ووصالك بربك إلى الأكوان فتكون رسول رسول السلام من عند السلام.. والشاهد كذلك فى حديث (تلاحى فلان وفلان فرفع موعد ليلة القدر) وما ذلك إلا لخلل فى السلام الذى هو مصدر السلم والسلام والأمن والأمان بسبب التلاحى والتشاحن والبغضاء والشجار فهل من عودة إلى السلام.
وقضى السلام المؤمن سبحانه رحمة الخلق فأوجدهم واستدعاهم للوجود بمحبته لهم (يحبهم ويحبونه) التى هى المولود الأول للرحمة (ورحمتى وسعت كل شيء) فالحب المولود الأول للرحمة ومنه اشتقاق وصف الحبيب المحبوب العالى القدر صاحب ليلة القدر الذى أرسله زيادة لقدر لخلقه أجمعين (ولقد كرمنا بنى آدم) وتابعيه على الخصوص (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله) فجسد (بتشديد السين وفتحها) سبحانه الرحمة فى رسول الرحمة والمحبة والسلام (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) وفى الرسالة.. فى التنزيل (إنا كنا مرسلين) وأعلمنا أنها من عنده سبحانه (رحمة من ربك إنه هو السميع العليم) وأنذر من يخالفه ولا يتبعه (إنا كنا منذرين) فهذا النبى الذى هو أطهر موجود هو بركة الوجود لكل موجود وكل عبد للإله المعبود وهذه البركة هى التى تنثال فى الوجود كما يسرى الماء فى الورد (إنا أنزلناه فى ليلة مباركة) بحكمة إلهية عالية (فيها يفرق كل أمر حكيم) ومن يمن الله عليه بالحكمة ازداد قربا من الحبيب المحبوب العالى القدر العظيم الجاه النبى الواحد القابل لكل جار (يؤتى الحكمة من يشاء ومن يرت الحكمة فقد أوتى خيرا كثيرا) والخير الكثير جاء فيه التعبير (خير من ألف شهر) فهو غير محصور ولا معدود وليس له حدود واا معدود ولا عدد.
فإذا كان الأمر هكذا (تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر) فاحرص أن تكون دائما لها مستعدا فأولها مع الميلاد النبوى وظاهرها مع نزول الرسالة وحقيقتها تدور معك فى وجودك الأرضى..فشمر عن ساعديك وشد المئزر فى كل لياليك فقد تصيبها فى كل ليالى عمرك أو تتوجها بليلتى الميلاد والتنزيل فتلقى ربك بقلب سليم ير ضى عنك وكفى.. وصلى اللهم وسلم وبارك على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه ومن تعبهم بإحسان إلى يوم الدين ورضى الله عن أشياخنا وإخواننا وأبنائنا وبناتنا وأولياء الله أجمعين.