الدكتور اسماعيل عبدالمجيد يكتب : موضع العقل من جسم الانسان
عقلك فى راسك تعرف خلاصك…( العقل هو روح الدماغ) … تعودت ان اسمع تلك الكلمات حينما كانت تحاصرنى مشاكل الحياة فى طفولتى و صباى و سن مراهقتى…و حتى بعد أن صرت رجلاً لازالت ماهية العقل (الوعى) الانسانى تمثل لغزاً محيراً و مثيراً لدى …بل و عند الكثير من الباحثين فى مختلف فروع العلم و المذاهب الدينية و الفلسفية
فما هو العقل؟ ماهيته؟ وظيفته ؟ موضعه داخل جسم الانسان وهل هو بالفعل يسكن الدماغ البشرية كما يقولون؟), فالعلم يستطيع دراسة الدماغ البشري علمياً (تشريحيا) كمجمل الجسد البشرى… ولكن لا يمكنه الوقوف علميا على أن تلك النقطة أو هذا الشريان أو.. أو.. هو مكان العقل المسئول بشكل مباشر عن منظومة الفهم و الإدراك و التفكير و التأمل…و ..إلخ ، وهو الذى يميزالإنسان عن غيره من سائر المخلوقات وعلى كافة المستويات.
مرة أخرى يقفز السؤال عن ماهية العقل وهل البحث عن موضعه داخل الجسد البشرى يسهم بشكل أو بأخر فى تحديد مهامه ومجمل الدور الذى يلعبه؟ , وهل هذا الطرح مغلق فقط على النظريات العلميه أم يمكن أن تتداخل فيها تفسيرات فلسفية ودينيه ، بتعبير أكثر وضوحا… من صاحب القول الفصل فى تلك الإشكاليه العلم بنظرياته وحساباته الدقيقة ، أم للفلسفة وعلم النفس بنظرياتهم ومذاهبهم المتعددة، والتى راحت على مدى التاريخ تبحث وتفحص فى ماهيته بدءا من أفلاطون وأرسطو و مجمل فلاسفة الاغريق مرورا باللاهوت و مجمل الفكر الدينى والتى ربما انتهى بعضها لعلاقة ما تربط بين العقل والروح .
وسط كل هذه التساؤلات التى كانت ولا تزال تشغلنى سعدت بوجود من يشاركنى ذات الأسئلة ، فها هو “سام بارنيا” طبيب الحالات الحرجة و الذى اجرى دراسة علمية على بعض المرضى الذين وصلوا الى نقطة الموت (توقف الوظائف الحيوية لكل من القلب و التنفس و المخ) (2) … فالرجل قبل أن يبدأ دراسته راح يجمع و يقرأ كل الروايات المسجلة عن هؤلاء الذين ذاقوا الموت لفترات قصيرة و عادوا بعدها الى الحياة ، و هى قصص مليئة بروايات عجيبة، فعلى الرغم من موت اجهزتهم الحيوية الا ان البعض منهم كان له القدرة على تذكر التفاصيل، تحديدا ما حدث له اثناء عملية اعادته الى الحياه فى غرف العمليات او العناية المركزة، وقد تحير دكتور سام بارنيا حينما قرأ هذه الروايات و كان محور سؤاله كيف لهؤلاء أن يتذكروا هذه الاحداث بكامل تفاصيلها و من المفترض ان تكون خلايا المخ قد توقفت فى هذه الاثناء عن العمل تماما ؟… فعملية التذكر هى عملية وعى كاملة و تحتاج الى ان تكون خلايا المخ بكامل حيويتها!… اذا هناك شئ ما غير صحيح فى النظرية التى تؤكد ان العقل موقعه فى الدماغ ، ما يجعلنا نسأل مجددا عن موقع العقل داخل الجسد البشرى ، فإذا كنا قد فشلنا منطقياً و بطرق البحث العلمى فى رصد ومتابعة وقياس ظاهرة العقل بالاجهزه العلمية فكيف لنا أن نُعرِّفه “العقل” تعريفاً علمياً و نحدد موقعه من الجسم البشرى.
وعليه كان لابد لدكتور بارنيا ان يجرى تجربته ليتأكد أن فى مثل هذه الحالات تكون خلايا المخ ميتة بالكامل… و بالفعل أجرى تجربته على أربعة اشخاص وصلوا الى نقطة الموت بالسكتة القلبية… و قام بقياس النشاط ) الكهربى الدماغى EEG)متزامنا مع قياس نشاط القلب بجهاز (EKG) بجهاز … و كانت المفاجأه الكبرى!… و هى انه فى اثناء خوض المريض تجربة الموت تكون خلايا المخ متوقفه تماما عن العمل و ذلك لعدم وصول الدم المدفوع من عضلة القلب الى المخ … و لكن ايضا فى هذه الاثناء مازال يوجد بالقلب ضربات ضعيفة جداً بعد اجراء هذه التجربة نعود الى سؤالنا من جديد… هل يقع العقل بالدماغ؟… التجربة اثبتت انه لايمكن ، بدليل بعض من مروا بتجربة الموت و عادوا الى الحياة و تذكروا كل تفاصيل الاحداث الطبية بداخل غرف العناية المركزة …وكانت (علميا) خلايا المخ متوقفه عن العمل تماما فى هذه الاثناء… اذا أين يقع العقل؟ وهل يمكن للقلب إحتواءه بين ضلوعه خاصة بعد التأكد من إحتفاظ القلب بضربات ضعيفة فى أثناء توقف خلايا المخ؟ بتعبير أدق هل القلب مؤهل لإستقبال العقل؟
ساقنى البحث فى عملية تكوين القلب للجنيين اثناء الحمل، الى دراسة علمية تقول:انه على الرغم من تكوين القلب فى الجنين قبل المخ اولا فمازال العلماء حيارى فى معرفة كيف يبدأ بتشغيل نفسه ذاتيا بدون وجود المخ…و اثبتت الدراسة ايضاً ان للقلب مراكز احساس ذكية (مثل المخ) تعمل عن طريق الجهاز العصبى و لها اتصال و تاثير على المخ الانسانى و معظم باقى اعضاء الجسم.
بل و الاعجب من هذا كما ذهبت الدراسة، فى تغير معدل ضربات القلب وعلاقته بالحالات و المتغيرات العاطفية من مرحلة الجنين الى سن البلوغ فهو يبدأ فى الجنين بمعدل 140 ضربة لكل دقيقة و يصل الى 72 ضربة للرجل و 76 ضربة للسيدات فى وضع الراحة ( ترى هل يدل هذا التغير المتعلق بالعاطفة على مراحل ماقبل بلوغ و بعد بلوغ العقل رشده؟… و هل اختلاف عدد الضربات بالنسبه للرجال و السيدات يدل على الفرق فى قوة التحكم فى العواطف بينهما)
لا أدرى … ربما يقع العقل فى القلب الانسانى؟!… اعلم اننا تعودنا ان العقل فى الراس و لكن لا داعى للاندهاش … فقد كانت نظرية مركزية الارض للنظام الكونى لبلطيموس الاسكندرى هى السائده لفترة من الزمان حتى تغيرت على يد كوبرنيكس و اصبحت الشمس هى مركز الكون
يقول الله تعالى فى كتابه الكريم: (أفلم يسيروا فى الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار و لكن تعمى القلوب التى فى الصدور) الحج آية 46
ربما نتساءل … و ما الفائدة من معرفة موضع العقل من الجسم الانسانى؟… الاجابة هى الرد على الاسئلة الفلسفية التقليدية عن ماهية العقل و موضعه… و فى مجال الصحة ستساهم هذه المعرفة فى معالجة بعض الامراض النفسية و العقلية بدقة اكبر من الاساليب المتاحة حاليا.
كاتب المقال استاذ الرياضيات وباحث وداعية إسلامي ببريطانيا**
