الدعاة بين الرسالة والوظيفة
بقلم رئيس الإدارة
إن المجتمع في هذه الأيام يحتاج إلي الدعوة بكل معانيها يحتاج إلي دعاة مخلصين يحبون الله ورسول، ويعملون من أجل الله ، ويبتغون في ذلك الأجر من الله سبحانه وتعالي يوم القيامة ، يحتاج إلي دعاة يدعون إلي الله بعلم صحيح ومنهج سديد ، وما أشرفها وما أعظمها من مهنة ، فهي مهنة الأنبياء والمرسلين ، فهم يقتدون بأشرف الخلق محمدا – صلي الله عليه وسلم.
ولكن لو تحدثنا عن دعاة الأوقاف فهم يعانون معاناة شديدة كي يصلوا إلي أهدافهم المرجوة ولكن ذلك لا يرجع إليهم بل إنهم يحتاجون إلي مقومات الدعوة من علم وعمل وقد يكون ضيق الحال سببا كبيرا في ابتعاد الكثير منهم عن الهدف المرجو من ذلك.
ولذلك كتبت مقالي هذا بعنوان الدعاة بين الرسالة والوظيفة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي أشرف الخلق أجمعين سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم، فإن الدعوة إلي الله شرف كبير لأن الدعاة يقتدون بالأنبياء ويعملون عمل الأنبياء وهو الدعوة إلي الله ، وهي مهنة عظيمة ما أشرفها وما أعظمها من مهنة لو أخلصوا فيها العمل قال تعالي (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ). سورة فصلت آية 33
فعلى الدعاة إلى الله في هذا العصر أن يسلكوا ما سلكه صحابة الرسول (صلى الله عليه وسلم)، والسلف الصالح (رضوان الله عليهم)، وأن يدعوا الناس إلى الإسلام الشامل، ويبينوه لهم بالكلمة المسموعة، والمقروءة، والفعل المشاهد، والتطبيق العملي، والقدوة، والدعوة الفردية والجماعية، ومن خلال المحاضرات، والندوات، والخطب، والمواعظ، والكتب، والمجلات، وغيرها من وسائل الدعوة.
إن مهمة الداعية في الحياة هي هداية البشر إلى الحق، وإرشاد الناس إلى الخير، وإنارة العالم بشمس الإسلام ، والمسلم الحق هو الذي يجعل دنياه وقفًا على دعوته؛ ليكسب آخرته جزاء تضحيته؛ لأن عبادة الله والجهاد في سبيل التمكين لدينه وإعزاز شريعته هي المهمة الأساسية للداعية ومن ثم مهمة الأمة الإسلامية بأثرها.
وهذا يؤكد أن مهمة الدعوة إلي الله ليست مقتصرة علي الدعاة وفقط بل علي كل إنسان أن يدعو إلي الله سبحانه وتعالي في عمله وطريقه وبين طلابه وفي كل مكان حتي تكون هم لكل مسلم يريد وجه الله تعالي.
لكن الدعاة إلي الله يحملون علي عاتقهم مسئولية أكبر ومهمة أعظم ، قال رسول الله – صلي الله عليه وسلم (بلغوا عني ولو آية) البخاري. فماذا تقولون أمام الله رب العالمين إذا سألكم عن كتاب الله الذي حملتموه ، وعن سنة رسول الله – صلي الله عليه وسلم التي تعلمتموها ، وعن الأحكام التي وعيتموها قال تعالي (فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ) الأعراف آية 6، ولذلك فالسؤال أمام الله عسير ، فهل أعددتم الجواب علي ذلك؟؟؟.
ولذلك فعلي الدعاة والعلماء عبء ثقيل وأمانة ومسئولية عظيمة سوف يسألون عنها أمام رب العالمين، أين حلق الذكر يا علماء المسلمين؟! أين رياض الجنة يا علماء المسلمين؟! أين الدعوة إلى الله يا علماء المسلمين؟! الدعوة إلى الله هي ميراث الأنبياء يقول الله عز وجلَّ: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ النحل آية 125، ويقول الله عن رسوله وهو أمر من الله لرسوله صلى الله عليه وسلم؛ لتقتدي به الأمة: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ يوسف آية 108.
فيا ورثة الأنبياء وخلفاء الله في أرضه وأمنائه على تبليغ رسالة نبيه صلى الله عليه وسلم إلى الإنسانية! إن داعي الخير قد دعاكم إلى إنقاذ البشرية بدعوتها إلى الفضيلة، إلى العقيدة الصحيحة، إلى البر والتقوى، إلى الخير والهدى، إلى الخير والهدى امتثالاً لأمر الله تعالى إن كنتم تريدون الخير: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ [آل عمران:104].قوموا -عباد الله- بدعوة الناس والهداية بيد الله، قوموا -عباد الله- بالدعوة إلى الله والهداية بيده: وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [يونس:25].
ويحتاج ذلك إلي مقومات كثيرة منها العلم والإخلاص: أيها الداعية فإني أوصيك بالعلم فإنه نور في دياجير الظلم، وبقربك من العلم تكون قريبًا من أهله الراسخين فيه، وكم في القرب منهم من فوائد يحتاجها أيها الداعية فإني أوصيك بالعلم فإنه نور في دياجير الظلم، وبقربك من العلم تكون قريبًا من أهله الراسخين فيه، وكم في القرب منهم من فوائد يحتاجها الدعاة، وكم تخبط بعض الدعاة عندما ابتعدوا عن العلماء الربانيين من أهل العلم فضلوا الطريق وتنكبوا الصراط، ثم أوصيك في الثالثة بالصبر والرحمة وحسن الظن بالناس؛ فكم نحتاج إلى دعاة ينظرون إلى الناس بعين الرحمة لا بعين البؤس والشقاء، وكأن المدعوين أقل منا درجة عند الله أوكأنهم من أهل النار والعياذ بالله، وكم من رجل ظاهره على غير السنة وبينه وبين الله من الأعمال الصالحة ما يجعله في عداد المغفور لهم بإذن الله جل في علاه، فالعبرة بسريرة المرء وقلبه يقول تعالى {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ} الطارق آية 9.
والنية الصادقة فبصلاحها يوفقك الله تبارك وتعالى ويكتب لك القبول وينفع بك وبدعوتك، وبفسادها أو شوبها ببعض الآفات تقع في الزلل والخطأ، وقد تُحرم الأجر والمثوبة من الله بسبب ذلك، فتفقّدْ نيتك، وتذكّر أن الناس لن يستطيعوا نفعك أو ضرك وليكن شعارك شعار الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في دعوتهم كما حكى الله عنهم في كتابه{يَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِي إِلاَّ عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي} هود آية 51 {وَيَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً إِنْ أَجْرِي إِلاَّ عَلَى اللَّه} هود 29.
لكن لو انتقلنا إلي الجزأ الآخر وهو الوظيفة :
تجد أن هناك معوقات كثيرة تقف حائلا بين الدعاة وتأدية الرسالة علي أكمل وجه ، فتجد أن الدعاة يعانون ماديا معاناة شديدة مما يجعلهم يعملون في أعمال كثيرة حتي يستطيعوا أن يفوا بمتطلبات البيت من زوجة وأولاد ، فيبتعد الداعية عن مكانه الأساسي وهو المحراب والدعوة ويتجه إلي أعمال كثيرة فيرجع منها منهك الجسد والعقل حيث كان في عمله يفكر في بيته ومتطلباته وعن الزوجة وحاجياتها وعن الديون التي تشغله تفكيره ليل نهار وعن مكانته بين الناس التي توارت وسط أعماله الكثيرة فيعيش الداعية بعيدة عن الدعوة كثيرا .
وعندما يعود إلي بيته بعد عمل شاق طوال اليوم يجد أن الزوجة تحتاج إلي الحديث معه وهو حقها (وإن لزوجك عليك حقا ) البخاري ، والأولاد يسعدون بأبيهم الذي رجع إليهم وهو الآن في وسطهم يتحدث إليهم ويتحدثون إليه فيسعد بهم ويسعدون به ، ووسط كل هذا يجد الداعية أنه منهك الجسد يريد أن يخلد إلي الراحة من عمله الشاق ، ولكن يتذكر فجأة أن عليه درسا أو خطبة يريد أدائها في المسجد فيبحث عن الكتب فلا يجد كثيرا من الكتب بين يديه لأنها تحتاج إلي المال وهو لا يجده لكي يشتري كتبه فيقصر في التحضير .
ولذلك أدعو الجميع من رئيس ووزير … أن يعرفوا حقوق الدعاة وأن يعلموا أن مرتباتهم هزيلة ، حتي يستطيعوا أن يقوموا بمهمتم كاملة.
والله ولي التوفيق
د. أحمد رمضان رئيس مجلس الإدارة