أخبار مهمةشهر رمضان المباركعاجلمقالات وأراء

الدرس الثامن والعشرون : الصبر ، للشيخ عمر مصطفي

مفاتيح الجنان بذكر صفات عبـــاد الرحـمن : للشيخ عمر مصطفي ، 28 رمضان 1444 هـ –  19 إبريل 2023م

الدرس الثامن والعشرون

الصبر

العناصر

أولاً : الصـــبر جــــواد لا يكبو

ثانياً: من فضــــــائل الصـــبر

ثالثاً :  حفت الجنـــــة بالمكاره

لتحميل الدرس بصيغة word 

لتحميل الدرس بصيغة pdf 

الموضوع

الحَمْدُ لله الدَّاعي إلى بابه، الهادي من شاء لصوابِهِ، أنعم بإنزالِ كتابِه، فيه مُحكم ومتشابه، فأما الَّذَينَ في قُلُوبهم زَيْغٌ فيتبعونَ ما تَشَابَه منه، وأمَّا الراسخون في العلم فيقولون آمنا به، أحمده على الهدى وتَيسيرِ أسبابِه، وأشهد أنْ لا إِله إلاَّ الله وحدَه لا شَريكَ له شهادةً أرْجو بها النجاةَ مِنْ عقابِه، وأشهد أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه أكمَلُ النَّاس عَملاً في ذهابه وإيابه ، اللهم صلي عليه وعلي آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلي يوم الدين . أما بعد :

أولاً : الصبر جواد لا يكبو

 عباد الله : ما زال حديثنا موصولاً مع في رحاب القرآن ، ومع صفات عباد الرحمن هؤلاء الصفوة المختارة ، ومع صفة أخري من صفاتهم  وهي الصبر والصبر جواد لا يكبو ، وصارماً لا ينبو ، وجنداً لا يهزم ، وحصناً حصيناً لا يهدم ، وهو مطية لا يضل راكبها ، فهو والنصر أخوان ، وهو أنصر لصاحبه من الرجال بلا عدة ولا عدد ، وهو سبيل النجاح والفلاح ، وهو فضيلة يحتاج إليها كل إنسان في دينه ودنياه ، قال الله تعالي : {أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا }(75)(الفرقان). {أولئك} [الفرقان: 75]

وهذا الجزاء نتيجة {بِمَا صَبَرُواْ} [الفرقان: 75] صبروا على مشاقِّ الطاعات، وقد أوضح النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ هذه المسألة بقوله: «حُفَّتْ الجنة بالمكاره، وحُفَّتْ النار بالشهوات» ، فالجنة تستلزم أن أصبر على مشاقِّ الطاعات، وأن أُقدِّر الجزاء على العمل، أستحضره في الآخرة، فإنْ ضِقْتَ بالطاعات وكذَّبْتَ بجزاء الآخرة، فَلِمَ العمل إذن؟

ومثَّلْنا لذلك بالتلميذ الذي يجدّ ويجتهد في دروسه، لأنه يستحضر يوم الامتحان ونتيجته، وكيف سيكون موقفه في هذا اليوم، إذن: لو استحضر الإنسانُ الثوابَ على الطاعة لَسهُلَتْ عليه وهانتْ عليه متاعبها، ولو استحضر عاقبة المعصية وما ينتظره من جزائها لا بتعد عنها. فالتكاليف الشرعية تستلزم الصبر، كما قال تعالى: {واستعينوا بالصبر والصلاة وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الخاشعين} [البقرة: 45] . فالحق تبارك وتعالى يريد منّا ألاَّ نعزل التكاليف عن جزائها، بل ضَعِ الجزاء نُصْب عينيك قبل أنْ تُقدِم على العمل ، لذلك النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يسأل أحد صحابته: «كيف أصبحتَ يا حارثة» فيقول: أصبحتُ مؤمناً حقاً، فقال: «إنَّ لكل حقّ حقيقة، فما حقيقة إيمانك»  ، قال: عزفتْ نفسي عن الدنيا، حتى استوى عندي ذهبها ومدرها، وكأني أنظر إلى أهل الجنة في الجنة يُنعَّمون، وإلى أهل النار في النار يُعذَّبون «، فالمسألة إذن في نظرهم لم تكُنْ غيباً، إنما مشاهدة، كأنهم يرونها من شدة يقينهم بها؛ لذلك قال له النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ:» عرفتَ فالزم « ، والإمام علي كرَّم الله وجهه يقول: لو كُشِف عني الحجاب ما ازددتُ يقيناً. لماذا؟ لأنه بلغ من اليقين في الغيب إلى حَدِّ العلم والمشاهدة.(تفسير الشعراوي).

والله تعالي قال بما صبروا كأنهم ما نالوا الجنة إلا  بالصبر فقط فالصبر  يجمع كل هذه الصفات السابقة وكيف لا وقد قالوا الذي يمكنه إتقان الصبر يمكنه إتقان أي شىء ، والصبر كما قال الحسن كنز من كنوز الجنة وإنما يدرك الإنسان الخير كله بصبر ساعة .

فعباد الرحمن صبروا علي الطاعة ، وصبروا عن المعصية ، وصبروا علي أقدار الله ، فجمعوا بين أنواع الصبر الثلاثة ، ففازوا ووصلوا إلي أعلي المقامات ، وأرقي الدرجات ، وصلوا إلي جنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين اللهم اجعلنا من أهلها .

 

 

ثانياً : من فضائل الصبر

**يكفي الصبر فضيلة أن الله أمرنا به ونادنا بنداء الإيمان ، قال تعالي : {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} (153)(البقرة).

**وأثني الله علي أهله  وبين أنه من خصال أهل الجنة قال الله تعالي :{الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ }(17)(آل عمران).

**ووعد الصابرين  بالمغفرة والأجر العظيم قال تعالي :{إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا }(35)(الأحزاب ).

**وهل  بعد محبة الله للصابرين من شىء يذكر قال تعالي : {وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ }(146)(آل عمران).

**وجزاؤهم لا يحد ولا يعد فالله جعله بغير حساب قال الله تعالي : {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ }(10)(الزمر).

**وبشر الله الصابرين علي البلاء بصلوات من ربهم ورحمة وكذلك هم المهتدون تعالي  قال تعالي :{وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ }(157)(البقرة).

**والنبي صلي الله عليه وسلم أخبرنا أن الصبر ضياء عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَأُ الْمِيزَانَ، وَسُبْحَانَ اللهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَآَنِ – أَوْ تَمْلَأُ – مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَالصَّلَاةُ نُورٌ، وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ، وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ، كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَايِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا».(صحيح مسلم).

**المؤمن بين صبر وشكر وهو مأجور في كلا الحالين عَنْ صُهَيْبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ».(صحيح مسلم).

ثالثاً: حفت الجنة بالمكاره

عباد الله : إن المكاره وهو ما يشق القيام به ، أحاط بنواحي الجنة ، والشهوات أحاطت بالنار من كل نواحيها ، فالجنة لا تنال إلا بقطع مفاوز المكاره والصبر عليها والنار لا ينجى منها إلا بفطم النفس عن مطلوباتها .قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «حُفَّتِ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ، وَحُفَّتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ»،(صحيح مسلم).

وفي رواية الإمام أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” دَعَا اللهُ جِبْرِيلَ فَأَرْسَلَهُ إِلَى الْجَنَّةِ، فَقَالَ: انْظُرْ إِلَيْهَا وَمَا أَعْدَدْتُ لِأَهْلِهَا، فَرَجَعَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: وَعِزَّتِكَ، لَا يَسْمَعُ بِهَا أَحَدٌ إِلَّا دَخَلَهَا، فَحُجِبَتْ بِالْمَكَارِهِ، فَقَالَ: ارْجِعْ إِلَيْهَا فَانْظُرْ إِلَيْهَا، فَرَجَعَ إِلَيْهَا، فَقَالَ: وَعِزَّتِكَ، لَقَدْ خَشِيتُ أَلَّا يَدْخُلَهَا أَحَدٌ، ثُمَّ أَرْسَلَهُ إِلَى النَّارِ، فَقَالَ: اذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا وَمَا أَعْدَدْتُ لِأَهْلِهَا فِيهَا، فَرَجَعَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: وَعِزَّتِكَ، لَا يَدْخُلُهَا أَحَدٌ يَسْمَعُ بِهَا، فَحُجِبَتْ بِالشَّهَوَاتِ، ثُمَّ قَالَ: عُدْ إِلَيْهَا فَانْظُرْ إِلَيْهَا، فَرَجَعَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: وَعِزَّتِكَ، لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ لَا يَبْقَى أَحَدٌ إِلَّا دَخَلَهَا “.(مسند أحمد).

قال العلماء : هذا من بديع الكلام وفصيحه وجوامعه التي أوتيها صلى الله عليه وسلم من التمثيل الحسن ،  ومعناه لا يوصل الجنة إلا بارتكاب المكاره والنار بالشهوات ، وكذلك هما محجوبتان بهما فمن هتك الحجاب وصل إلى المحجوب ، فهتك حجاب الجنة باقتحام المكاره وهتك حجاب النار بارتكاب الشهوات ، فأما المكاره فيدخل فيها الاجتهاد في العبادات والمواظبة عليها والصبر على مشاقها وكظم الغيظ والعفو والحلم والصدقة والإحسان إلى المسيء والصبر عن الشهوات ،  وأما الشهوات التي النار محفوفة بها فالظاهر أنها الشهوات المحرمة كالخمر والزنا والنظر إلى الأجنبية والغيبة واستعمال الملاهي ونحو ذلك وأما الشهوات المباحة فلا تدخل في هذه لكن يكره الإكثار منها مخافة أن يجر إلى المحرمة أو يقسي القلب أو يشغل عن الطاعات أو يحوج إلى الاعتناء بتحصيل الدنيا).(شرح مسلم للنووي).

عباد الله : لا يصل العبد إلى الجنة إلا بارتكاب المكاره من الجهد في الطاعة والصبر عن الشهوة كما يوصل المحجوب عن الشيء إليه بهتك حجابه ويوصل إلى النار بارتكاب الشهوات ومن المكاره الصبر على المصائب بأنواعها فكل ما صبر على واحدة قطع حجابا من حجب الجنة ولا يزال يقطع حجبها حتى لا يبقى بينه وبينها إلا مفارقة روحه بدنه فيقال {يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية} الآية. قال الغزالي: بين بهذا الحديث أن طريق الجنة وعر وسبيل صعب كثير العقبات شديد المشقات بعيد المسافات عظيم الآفات كثير العوائق والموانع خفي المهالك والقواطع غزير الأعداء والقطاع عزيز الاتباع والأشياع وهكذا يجب أن يكون.(فيض القدير).

فاللهم ارزقنا الصبر علي طاعتك والصبر عن معاصيك والصبر علي أقدارك  وارزقْنا تِلاوةَ كتابِكَ حقَّ التِّلاوة، واجْعَلنا مِمَّنْ نال به الفلاحَ والسَّعادة. اللَّهُمَّ ارزُقْنا إقَامَةَ لَفْظهِ ومَعْنَاه، وحِفْظَ حدودِه ورِعايَة حُرمتِهِ ، اللَّهُمَّ ارزقْنا تلاوته على الوجهِ الَّذِي يرْضيك عنَّا. واهدِنا به سُبُلَ السلام. وأخْرِجنَا بِه من الظُّلُماتِ إلى النُّور. واجعلْه حُجَّةً لَنَا لا علينا يا ربَّ العالَمِين. اللَّهُمَّ ارْفَعْ لَنَا به الدَّرجات. وأنْقِذْنَا به من الدَّرَكات. وكفِّرْ عنَّا به السيئات. واغْفِر لَنَا وَلِوَالِديِنَا ولجميعِ المسلمينَ برحمتكَ يا أرْحَمَ الراحمين. وصلَّى الله وسلَّم على نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعين.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

كتبه راجي عفو ربه عمر مصطفي

 

اظهر المزيد

كتب: د.أحمد رمضان

الدكتور أحمد رمضان حاصل علي الماجستير من جامعة الأزهر بتقدير ممتاز سنة 2005م ، وحاصل علي الدكتوراه بتقدير مع مرتبة الشرف الأولي من جامعة الأزهر الشريف سنة 2017م. مؤسس جريدة صوت الدعاة ورئيس التحرير وكاتب الأخبار والمقالات المهمة بالجريدة، ويعمل بالجريدة منذ 2013 إلي اليوم. حاصل علي دورة التميز الصحفي، وقام بتدريب عدد من الصحفيين بالجريدة. للتواصل مع رئيس التحرير على الإيميل التالي: [email protected] رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) للمزيد عن الدكتور أحمد رمضان رئيس التحرير أضغط في القائمة علي رئيس التحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »