الدرس الثامن : حفظ الأمانات من سلسلة دروس وعبر من هجرة سيد البشر ﷺ ، للدكتور خالد بدير
سلسلة دروس وعبر من هجرة سيد البشر ﷺ الدرس الثامن : حفظ الأمانات ، للدكتور خالد بدير
لتحميل سلسلة دروس وعبر من هجرة سيد البشر ﷺ الدرس الثامن : حفظ الأمانات ، للدكتور خالد بدير ، بصيغة word أضغط هنا.
لتحميل سلسلة دروس وعبر من هجرة سيد البشر ﷺ الدرس الثامن : حفظ الأمانات ، للدكتور خالد بدير ، بصيغة pdf أضغط هنا.
وللإطلاع علي سلسلة دروس وعبر من هجرة سيد البشر ﷺ الدرسُ الأولُ: الإخلاصُ والتحذيرُ من الرياء ، للدكتور خالد بدير
وللإطلاع علي سلسلة دروس وعبر من هجرة سيد البشر ﷺ الدرس الثاني: التخطيط ودوره في بناء المجتمع ، للدكتور خالد بدير
وللإطلاع علي سلسلة دروس وعبر من هجرة سيد البشر ﷺ الدرس الثالث : الأخذ بالأسباب مع التوكل على الله تعالى ، للدكتور خالد بدير
وللإطلاع علي سلسلة دروس وعبر من هجرة سيد البشر ﷺ الدرس الرابع : السعي على الرزق والكسب ، للدكتور خالد بدير
وللإطلاع علي سلسلة دروس وعبر من هجرة سيد البشر ﷺ الدرس الخامس : نشأة التاريخ الهجري ، للدكتور خالد بدير
وللإطلاع علي سلسلة دروس وعبر من هجرة سيد البشر ﷺ الدرس السادس : مكانة المسجد وعلاقته بالهجرة ، للدكتور خالد بدير
وللإطلاع علي سلسلة دروس وعبر من هجرة سيد البشر ﷺ الدرس السابع : حسن الصحبة ، للدكتور خالد بدير
ولقراءة سلسلة دروس وعبر من هجرة سيد البشر ﷺ الدرس الثامن : حفظ الأمانات ، للدكتور خالد بدير : كما يلي:
سلسلة دروس وعبر من هجرة سيد البشر ﷺ
الدرس الثامن : حفظ الأمانات
مِن أهمِّ الأخلاقِ التي دعَا إليها الإسلامُ وحثَّ على التحلِّي بها ( خلقُ الأمانةِ)، والأمانةُ مِن أبرزِ أخلاقِ الرسلِ عليهم الصلاةُ والسلامُ، فنوحٌ وهودٌ وصالحٌ ولوطٌ وشعيبٌ يخبرُنَا اللهُ عزَّ وجلَّ في سورةِ الشعراءِ أنَّ كلَّ واحدٍ منهم قد قال لقومِه: {إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ}( الشُّعراء: 107)، ورسولُنَا مُحمدٌ ﷺ عُرِفَ بصدقِه وأمانتِه بينَ أهلِ مكةَ، وكانوا يتركون ودائعَهُم عندَهُ ليحفظَهَا لهم، فكانوا يلقبونَهُ قبلَ البعثةِ بالصادقِ الأميِن، وحينمَا هاجرَ الرسولُ ﷺ إلى المدينةِ، تركَ عليًّا بنَ أبي طالبٍ رضي اللهُ عنه ليردَّ الودائعَ والأماناتِ التي تركُوهَا عندَه، وفي إيداع المشركين ودائعهم عند رسول الله ﷺ مع محاربتهم له وتصميمهم على قتله دليل باهر على تناقضهم العجيب الذي كانوا واقعين فيه، ففي الوقت الذي كانوا يكذبونه ويزعمون أنه ساحر أو مجنون أو كذاب لم يكونوا يجدون فيمن حولهم من هو خير منه أمانة وصدقاً ، فكانوا لا يضعون حوائجهم ولا أموالهم التي يخافون عليها إلا عنده! وهذا يدل على أن كفرانهم لم يكن بسبب الشك لديهم في صدقه ، وإنما بسبب تكبرهم واستعلائهم على الحق الذي جاء به ، وخوفاً على زعامتهم وطغيانهم، وصدق الله العظيم إذ يقول:{ قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ}. ( الأنعام: 33).
وفي أمر الرسول ﷺ لعلي رضي الله عنه بتأدية هذه الأمانات لأصحابها في مكة ، رغم هذه الظروف الشديدة التي كان من المفروض أن يكتنفها الاضطراب ، بحيث لا يتجه التفكير إلا إلى إنجاح خطة هجرته فقط، رغم ذلك فإن الرسول ﷺ ما كان لينسى أو ينشغل عن رد الأمانات إلى أهلها، حتى ولو كان في أصعب الظروف التي تنسي الإنسان نفسه فضلاً عن غيره؛ وهذا امتثال لقوله تعالى:{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} ( النساء: 58)
جاء في سبب نزول الآية: أن رسول الله ﷺ لما نزل بمكة واطمأن الناس، خرج حتى جاء البيت، فطاف به، فلما قضى طوافه، دعا عثمان بن طلحة، ليأخذ منه المفتاح فاختبأ عثمان فوق الكعبة، فتبعه علىٌّ وأخذ منه المفتاح عنوة، وفتح الباب، فدخل رسول الله ﷺ البيت وصلى فيه ركعتين، فقام إليه العباس، ومفتاح الكعبة في يده فقال: يا رسول الله، اجمع لنا الحجابة مع السقاية، فقال رسول الله ﷺ: ”أين عثمان بن طلحة؟” فدعي له، فأمر رسول الله عليًّا أن يرد المفتاح إلى عثمان بن طلحة ويعتذر إليه، ففعل ذلك عليٌّ، فقال له: “هاك مفتاحك يا عثمان، اليوم يوم بر ووفاء ” فقال له عثمان: يا عليّ أكرهت وآذيت ثم جئت ترفق؟ فقال: لقد أنزل الله في شأنك قرآناً، وقرأ عليه هذه الآية.( تفسير ابن كثير)، وتكريماً لشأن عثمان والمفتاح والأمانة، خصه ﷺ وذريته من بعده بسدانة البيت والمفتاح فقال: ” خُذُوهَا يَا بني طَلْحَةَ خَالِدَةً تالدةً لا يَنْزِعُهَا مِنْكُمْ إِلا ظَالِمٌ، يَعْنِي حِجَابَةَ الْكَعْبَةِ.”( مجمع الزوائد) ولما مات عثمان سلمه لابنه شيبه ومازال المفتاح حتى يومنا هذا في بني شيبة.
إنَّ تحملَ الأمانةِ أمرٌ ليسَ بالهينِ اللينِ كما يعتقدُه الكثيرون، ولخطورةِ التفريطِ في الأمانةِ أبتْ السماواتُ والأرضُ والجبالُ حملَهَا، فعن الحسنِ البصرِيِّ أنَّه تَلَا هذه الآيةَ:{ إِنَّا عَرَضْنَا الأمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَالْجِبَالِ}(الأحزاب:72)، قال: عرضَهَا على السبعِ الطباقِ الطرائقِ التي زُيّنتْ بالنجومِ، فقِيلَ لها: هل تحملينَ الأمانةَ وما فيها؟ قالت: وما فيها؟ قِيلَ لها: إنْ أحسنتِ جُزِيتِ، وإنْ أسأتِ عوقبتِ. قالت: لا. ثم عرضَهَا على الأرضينَ السبعِ الشدادِ، التي شُدتْ بالأوتادِ، وذُللتْ بالمهادِ، فقِيلً لها: هل تحملينَ الأمانةَ وما فيها؟ قالت: وما فيها؟ قِيلَ لها: إنْ أحسنتِ جزيتِ، وإنْ أسأتِ عوقبتِ. قالت: لا. ثم عرضَهَا على الجبالِ الشوامخِ الصعابِ الصلابِ، قِيلَ لها: هل تحملينَ الأمانةَ وما فيها؟ قالت: وما فيها؟ قِيلَ لها: إنْ أحسنتِ جزيتِ، وإنْ أسأتِ عوقبتِ، قالت: لا. فقال لآدمَ: إنِّي قد عرضتُ الأمانةَ على السماواتِ والأرضِ والجبالِ فلم يطقْنَهَا، فهل أنت آخذٌ بما فيها؟ قال: يا رب، وما فيها؟ قال: إنْ أحسنتَ جزيتَ، وإنْ أسأتَ عوقبتَ. فأخذَهَا آدمُ فتحمَّلَهَا، فذلك قولُهُ: {وَحَمَلَهَا الإنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا}أي: ظلَمَ نفسَهُ بحملِهِ إياهَا، جاهلًا حقَّ اللهِ فيهَا.( تفسير ابن كثير).
إنَّ مفهومَ الأمانةِ ليسَ قاصرًا على ردِّ الودائعِ والأماناتِ إلى أصحابِهَا، فهذا فهمٌ قاصرٌ لمعنَى الأمانةِ؛ لأنَّ معنَى الأمانةِ أشملُ مِن ذلك وأعظمُ منهُ بكثيرٍ، فالدينُ الذي منَّ اللهُ بهٍ عليكم أمانةٌ في أعناقِكُم، جسدُكَ أمانةٌ، أبناؤُكَ أمانةٌ، زوجتُكَ أمانةٌ، مالُكَ أمانةٌ، وظيفتُكَ وعملُكَ أمانةٌ، وطنُكَ أمانةٌ، كلُّ ما يتعلقُ بكَ أمانةٌ، الصلاةُ والصيامُ والزكاةُ والحجُّ وغيرُهَا مِن شعائرِ الدينِ أمانةٌ، مَن فرَّطَ في شيءٍ منها أو أخلَّ به فهو مفرطٌ فيمَا ائتمنَهُ عليهِ ربُّهُ تبارَكَ وتعالَى، البصرُ أمانةٌ، والسمعُ أمانةٌ، واليدُ أمانةٌ، والرجلُ أمانةٌ، واللسانُ أمانةٌ، والفرجُ والبطنُ وغيرُ ذلك أمانةٌ عندَكَ، وتبليغُ هذا الدينِ أمانةٌ أيضًا، فالرسلُ أمناءُ اللهِ على وحيهِ، قال ﷺ:” أَلَا تَأْمَنُونِي وَأَنَا أَمِينُ مَنْ فِي السَّمَاءِ يَأْتِينِي خَبَرُ السَّمَاءِ صَبَاحًا وَمَسَاءً )(متفق عليه).
وكذلك كلُّ مَن جاءَ بعدَهُم مِن العلماءِ والدعاةِ، فهم أمناءٌ في تبليغِ هذا الدينِ.
والعِرْضُ أمانةٌ، فيجبُ عليكَ أنْ تحفظَ عرضَكَ ولا تضيعَهُ، فتحفظْ نفسَكَ مِن الفاحشةِ، وكذلك كلَّ مَن تحت يدِكَ، وتحفظهُم عن الوقوعِ فيها، قال أبيُّ بنُ كعبٍ رضي اللهُ عنه: مِن الأمانةِ أنَّ المرأةَ اؤتمنتْ على حفظِ فرجِهَا.
والولدُ أمانةٌ ، فحفظُهُ أمانةٌ ، ورعايتُهُ أمانةٌ ، وتربيتُهُ أمانةٌ.
والسرُّ أمانةٌ، وإفشاؤُهُ خيانةٌ، ولو حصلَ بينكَ وبينَ صاحبِكَ خصامٌ فهذا لا يدفعُكَ لإفشاءِ سرِّهِ، فإنَّه مِن لؤمِ الطباعِ، ودناءةِ النفوسِ، قال ﷺ:”إِذَا حَدَّثَ الرَّجُلُ بِالْحَدِيثِ ثُمَّ الْتَفَتَ فَهِيَ أَمَانَةٌ “( الطبراني والترمذي وحسنه)، وأشدُّ مِن ذلك إفشاءُ السرِّ بينَ الزوجينِ، قال رسولُ اللهِ ﷺ:” إِنَّ مِنْ أَشَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ الرَّجُلَ يُفْضِي إِلَى امْرَأَتِهِ وَتُفْضِي إِلَيْهِ ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا “(مسلم).
والبيعُ والشراءُ أمانةٌ، فالمسلمُ لا يغِشُّ أحدًا، ولا يغدرُ بهِ ولا يخونُهُ، وقد ” مَرَّ ﷺ عَلَى صُبْرَةِ طَعَامٍ، فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلًا. فَقَالَ: مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ؟ قَالَ: أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: أَفَلَا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ كَيْ يَرَاهُ النَّاسُ، مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي” (مسلم).
والعقلُ لدَى الإنسانِ أمانةٌ، فإنْ تعدّيتَ عليهِ بالمسكراتِ وغيبتَهُ عن الذكرِ والتفكرِ والعبادةِ فقد خنتَ الأمانةَ.
أنت نفسُكَ أمانةٌ، والدليلُ أنَّك حينما تموتُ وتُحملُ على الأعناقِ، يُقالُ: هاتُوا الأمانةَ، ضعُوا الأمانةَ، وتُلغَى الألقابُ والأسماءُ والمسمياتُ والأحسابُ والأنسابُ.
وهكذا نجدُ الأمانةَ تشملُ شؤونَ الحياةِ كلِّهَا ماديةً ومعنويةً: مِن عقيدةٍ وعبادةٍ ومعاملةٍ وأخلاقٍ.
إنَّ أداءَ الأمانةِ له أثرُهُ الإيجابي الفعالُ في صلاحِ الفردِ والمجتمعِ وتحقيقِ الأمنِ المجتمعِي، فبأداءِ الأمانةِ تقوَى الصلاتُ، وتزدادُ الثقاتُ، وتترابطُ الأفرادُ والأسرُ والمجتمعاتُ، وتُحفظُ الحقوقُ والضيعاتُ، وتعمّ الرحماتُ والبركاتُ، وتكثرُ الخيراتُ، وتُصانُ الأعراضُ والحرماتُ، وقبلَ كلِّ ذلك يرضَى عنَّا ربُّ الأرضِ والسماواتِ!!!
نسألُ اللهَ أنْ يجعلنَا أمناءَ أوفياءَ، وأنْ يحفظَ مصرَنَا مِن كلِّ مكروهٍ وسوءٍ.
كتبه : خادم الدعوة الإسلامية
د / خالد بدير بدوي
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف