لقد اقتضت حكمة الله في الكون أن يكون الرسول من جنس قومه ومن أنفسهم ليكون ذلك أدعى لتبليغ الرسالة على وجهها؛ وأن يحصل التآلف والتواد والتواصل بينه وبين قومه؛ وعد الله ذلك منةً وعطاءً لأمة محمد صلى الله عليه وسلم فقال: { لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ} ( آل عمران: 164 )
قال ابن كثير : قوله: { لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولا مِنْ أَنْفُسِهِمْ } أي: من جنسهم ليتمكنوا من مخاطبته وسؤاله ومجالسته والانتفاع به؛ …. وهذا أبلغ في الامتنان أن يكون الرسل إليهم منهم، بحيث يمكنهم مخاطبته ومراجعته في فَهْم الكلام عنه.”
وقال أبو السعود: أي من نسبَهم أو من جنسهم عربياً مثلَهم ليفقهوا كلامَه بسهولة ليكونوا واقفين على حاله في الصدق والأمانةِ مفتخرين به ، وفي ذلك شرف لهم عظيم . وقرىء من { أَنفَسِهِمْ } ( بفتح الفاء ) أي من أشرفهم لأنه عليه السلام كان من أشرف قبائل العرب وبطونهم .أ.ه
إن اختيار الكفاءات في مفاصل الدولة أمر من الأهمية بمكان وله دوره البارز في النهوض بالأمة؛ وإذا كانت وزارة الأوقاف تتحرى الدقة في اختيار القيادات بدءاً من اختيار المفتشين ومديري الإدارات ومديري العموم ووكلاء الوزارة ؛ وانتهاءً برئيس القطاع؛ وذلك بوضع شروط وضوابط قوية؛ ووجود خبرة مسبقة في المجال الدعوي والقيادي؛ فهل يعقل بعد هذا كله أن يتولى القائد الأعلى لكل هؤلاء من غيرهم ولا يعرف عن المساجد والعمالة والأمور الإدارية شيئاً؟!! فكيف تسير السفينة وقائدها لا يعلم عن قيادتها شيئا ؟!!
إن الرسول صلى الله عليه وسلم جعل الاختيار في أمر الهجرة قائم الكفاءة والخبرة في المجال نفسه؛ حتى لو كانت في غير المسلمين؛ وهذا ما جعله يختار عبدالله بن أريقط اليهودي ليكون دليلا للرحلة؛ فهو أدرى وأعلم بالشعب والطرق!! مع أنه غير مسلم !! لأن أهل مكة أدرى بشعابها !!!
إننا لو نظرنا إلى الحقائب الوزارية التي في الدولة والتي تربو على الثلاثين وزارة؛ لوجدنا أن كل من يتولى وزارة يكون من أهلها ومن أنفسهم؛ عدا وزارة الأوقاف!!! ولا ندري لماذا ؟!!
وإذا كان المفسرون قد عدوا بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم من أنفس قومه شرفا لهم؛ فإن الإتيان بوزير للأوقاف من غير أبنائها فيه تهميش واستخفاف بالأئمة والدعاة؟!!
إننا لو أتينا بمدرس من التربية والتعليم وتولى حقيبة وزارية كالبترول أو الصناعة أو التجارة مثلاً أيكون ذلك سبيلاً للتقدم والنهوض؟!!
إن أمر اختيار وزير الأوقاف من أساتذة الجامعة جاء في غير محله؛ مع احترامنا الكامل لجميع الأساتذة فقد تخرجنا وتعلمنا على أيديهم؛ ولكن اعملوا فكل ميسر لما خلق له!! فأستاذ الجامعة رجل أكاديمي بارع في تخصصه ومؤلفاته ومحاضراته؛ فكيف يأتي ليتولى أكبر منصب قيادي لا علم له به من قبل؟!!
إن هناك فرقا بين النظرية والتطبيق؛ فالكليات الشرعية في جامعة الأزهر تقوم بتدريس مناهج الدعوة والخطابة نظريا؛ أما في وزارة الأوقاف فإن الأمر تطبيقي عملي؛ فالذي يتولى قيادتها من أهلها قد مارس العمل الدعوي والإداري أكثر من ثلاثين عاما؛ فأصبح أهل خبرة في كل صغيرة وكبيرة ؛ ويعرف نقاط الضعف والمرض؛ ويضع لها العلاج الناجع الناجح ؛ فهو كالطبيب؛ بخلاف من يأتي من غير أنفسنا !!
إنها رسالة على لسان جميع الأئمة والدعاة؛ أحببنا أن نبوح بها؛ وأن أرسلها إلى فخامة السيد الرئيس / عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية؛ وإلى السيد المهندس / شريف إسماعيل الموكل باختيار السادة الوزراء ؛ وإلى فضيلة الإمام الأكبر / أحمد الطيب شيخ الأزهر؛ وذلك من أجل النهوض بالدعوة والداعية؛ واستجابة إلى نداء السيد رئيس الجمهورية من أجل تجديد الخطاب الديني ؛ ولن يقوم ذلك إلا بسواعد الدعاة أنفسهم؛ وبإعدادهم العلمي والمادي والقيادي!!
{ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} (هود: 88)
{ فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} (غافر: 44)