الأوقاف

خلوة الذاكرين

خلوة الذاكرين
أ.د/ محمد مختار جمعة
وزير الأوقاف
ذْكرُ الله (عز وجل) تطمئن به القلوب ، وتصفو وتزكو به النفوس ، حيث يقول الحق سبحانه وتعالى : “الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ” (الرعد : 28) ويقول سبحانه : ” فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ ” ، ويقول سبحانه : ” إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ* الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ” ، ويقول سبحانه : ” إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ” ، ويقول نبينا (صلَّى الله عليه وسلم): “يقول الله (عزَّ وجلَّ) : “أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حين يذكرني ، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأٍ هُمْ خير منهم” (رواه البخاري)، ويقول (صلى الله عليه وسلم) : “ومَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ، ويتَدَارسُونَه بيْنَهُم ، إِلاَّ نَزَلتْ علَيهم السَّكِينَة، وغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَة، وَحَفَّتْهُم الملائِكَةُ، وذَكَرهُمْ اللَّه فيِمنْ عِنده” (رواه مسلم) .

خُلوة الذاكرين أُنس بالله ، فما أجمل أن تكون معه ، وأن تأنس بخلوتك إليه ، وأن تجد في خلوتك أسمى معاني الأنس به ، لا فرق عندك بين النور والعتمة ، فنوره سبحانه يغمر قلبك ويعمره ويكفيك ، ويا له من فيض كرم أن تكون لحظات سعادتك ودفئك هي لحظات خلوتك وانقطاعك إليه، وفراغ قلبك له ، فإني لأكاد أجزم أنها أول درجة في سلم اليقين ، وأول أنس لك تلقاه في أولى خطوات الوحدة والإفراد من المال والجاه والولد ، فقد عودتها ذلك ودربتها عليه من قبل أن تحمل عليها حملا ، فاجعل لنفسك من الأنس نصيبا اليوم لتراه فرطا لك في أول منازل الآخرة ، وكن له يكن لك ، واكتف به يكفك ، واستعن به يعنك ، واستغن به يغنك غنى حقيقيا لا فقر معه ولا بعده ، وإذا كانت مخالطة الناس أمرًا لا بد منه ، ولا غنى عنه لعمارة الكون وصناعة الحضارات ، كون الحياة قائمة على التعارف والتعاون والتكامل ، فإن الإنسان بين الحين والحين قد يحتاج إلى شيء من الخلوة لمراجعة النفس ومحاسبتها قبل أن تحاسب .

وكما أن للمخالطة آدابها مع الخلق فإن للخلوة آدابها مع الخالق (عز وجل) ، بحيث يستحضر الإنسان ويستشعر عظمة خالقه (سبحانه) ، فيتأدب بحسن الأدب مع الله (عز وجل) ، ظاهرا وباطنا ، شكلا ومضمونًا، روحا وحسا وجوارح ، فمن أحسن التأدب مع الله (عز وجل) في الخلوة أعانه ذلك على حسن الأدب مع الخلق بلا شطط ولا زلل .

وقد تأملت مكانا تعودت تأمله فرأيته ذات ليلة موحشا ، ليس ببهائه وجماله الذي غالبا ما أراه عليه ، والدنيا هي هي لم تتغير ، ولوحات الإضاءة هي هي لم تنطفئ ، فترويت قليلا ، فوجدت الهلال محاقا ، فأدركت العلة والحكمة ، فنور الخلق عرض وليس عاما ، بل هو في قياس الكون محدود ، وقابل للانقطاع في أية لحظة ، ولا يمكن قياسه أو مقارنته بأية حال إلى جانب أنوار الله (تعالى) ، أما نور الحق فعام ، ولا ينقطع ، إذ لا تحده الأدوات والأسباب ، وليس قاصرا على الحس، فهو يغذو الأبصار والقلوب معا ، وهو الأمان الذي لا خوف معه .

اظهر المزيد

كتب: د.أحمد رمضان

الدكتور أحمد رمضان حاصل علي الماجستير من جامعة الأزهر بتقدير ممتاز سنة 2005م ، وحاصل علي الدكتوراه بتقدير مع مرتبة الشرف الأولي من جامعة الأزهر الشريف سنة 2017م. مؤسس جريدة صوت الدعاة ورئيس التحرير وكاتب الأخبار والمقالات المهمة بالجريدة، ويعمل بالجريدة منذ 2013 إلي اليوم. حاصل علي دورة التميز الصحفي، وقام بتدريب عدد من الصحفيين بالجريدة. للتواصل مع رئيس التحرير على الإيميل التالي: [email protected] رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) للمزيد عن الدكتور أحمد رمضان رئيس التحرير أضغط في القائمة علي رئيس التحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »