مرصد الأزهر: دور العلاقات الاجتماعية في نشأة جماعة التوحيد والجهاد
مقدمة
تشهد التنظيمات الإرهابية العديد من التغيرات التي تختلف باختلاف التنظيم قوة وضعفًا، سواء كان الضعف بسبب ضئل حجم التمويل، أو بسبب الملاحقات الأمنية التي نتج عنها قتل واعتقال العديد من قيادات ذلك التنظيم.
ومن الأهمية بمكان أن نشير إلى الدور الفعال للعلوم الاجتماعية التي تستخدمها التنظيمات الإرهابية في استقطاب الكثير من أفراد المجتمع، بالبحث عن الجوانب النفسية، والاجتماعية، والثقافية التي تهيأ الأفراد إلي القبول العقلي لاعتناق الأفكار التكفيرية الدامية الخسيسة، والتي تحمل الرغبة الحقيقة في زعزعة الأمن المجتمعي ونشر كافة مظاهر العنف، من خلال إمداد تلك الجماعات بالقوة البشرية، والمادية المطلوبة للتدمير الاجتماعي، والسياسي، والثقافي.
وعلى الرغم من جهل التنظيمات الإرهابية بتخصصات العلوم الاجتماعية ونظرياتها، إلا أننا نجد تكوين بعض الجماعات الإرهابية يقوم في الأساس على فكرة العلاقات الاجتماعية كما في نظرية Dobrol، والتي تنطلق من افتراض مؤداه أن العلاقات الاجتماعية الإيجابية تؤدي إلى التعاون ووحدة الجماعة، وتكوين جماعة قائمة على نظريات علم الاجتماع كما في التوحيد والجهاد، حيث استغل قائدها نظريات علم الاجتماع في نشر أفكاره مع جذب الأفراد لإنشاء التنظيم، فقد تكونت تلك الجماعة وتوحدت في بداياتها بفعل العلاقات الاجتماعية من نسب وصداقة بين مؤسسيها.
نشأة التنظيم ونظراً للافتراض الذي تنطلق منه نظرية Dobrol من أهمية وجود علاقات اجتماعية إيجابية لتماسك الجماعة، نجد أن أفراد ذلك التنظيم تربطهم روابط النسب والقرابة، حيث يتم اجتماع أعضاء الجماعة أسبوعياً حول الدروس التي يلقيها قائدهم بالمسجد، ومن ثم تكوين علاقات اجتماعية مع أفراد أخرين وإقناعهم بالأفكار التكفيرية.
وقد أشار تقرير صادر في مارس 2017م عن المركز القومي للبحوث الجنائية، إلى أن بداية جماعة التوحيد والجهاد عام 2000 م كان في شمال سيناء، وهو ما رافق زيارة زعيم المعارضة الإسرائيلية “شارون” إلى القدس ودخوله إلي باحة المسجد الأقصى، وما أعقبه من اندلاع “انتفاضة الأقصى” في عام 2000م، وارتكاب المجازر الدامية التي ارتكبها المغتصب الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني، الأمر الذي أغضب الشعب الفلسطيني، الذي سعى محاولاً التصدي لهذا العدوان بكل ما أوتي من قوة. كانت هذه هي النقطة التاريخية التي أعلنت فيها الجماعة تحولها من جماعة دعوية إلي تنظيم مسلح، مما أدى إلي اعتراض الكثير من أعضاء الجماعة على تغيير المسار، وقد ترتب على ذلك الانشقاق خروج الكثير من أعضاء تلك الجماعة، وسعت قيادات التنظيم إلى إقناع أعضاء آخرين بالأفكار الجهادية واعتناق الفكر التكفيري للانضمام إلي صفوف الجماعة.
مؤسس الجماعة إن نظرة Dobrol إلي العلاقات الاجتماعية تنبع من كونها ضرورة في حياة الفرد والجماعة والمجتمع لتماسك الجماعة، وهو ما استغله طبيب الأسنان خالد مساعد بعد تخرجه في كلية “طب الأسنان” بجامعة الزقازيق في تكوين شبكة من العلاقات الاجتماعية، حيث اتجه إلى التطلع والاستفادة من العلوم الدينية والشرعية حتى أصبح خطيبًا لمسجدٍ بالعريش، وعمل على نشر أفكاره عن طريق إلقاء الدروس بمساجد مدينة العريش، وذلك في يومي الأثنين والخميس من كل أسبوع، ومما زاد قدرته على إقناع الأخرين بأفكاره انتمائه إلي عائلة كبيرة في العريش تتبع إحدى أكبر قبائل شمال سيناء.
علاوة على ترجمة الطبيب لفكرة العلاقات الاجتماعية وتطويعها لصالح التنظيم، من خلال قدرة “مساعد” علي ضم شباب القبائل، والاستفادة من العلاقات الاجتماعية التي نسج خيوطها بين الأفراد، إضافة إلي الروابط العشائرية القبلية في المجتمع البدوي، فكانت النتيجة انضمام الكثير من الأفراد معه ومبايعته على السمع، والطاعة، والجهاد، والاقتناع بفكره القائم على الأفكار الجهادية، والجهاد ضد اليهود، في بداية الأمر.
وقد بدأ الأفراد الذين استجابوا لفكرة “مساعد” بالعمل على التوسع الجهادى بين أفراد أخرين، فقد استغلوا منهجية كرة الثلج، وذلك بجعل المنضمين إليهم، يحاولون ضم أعضاء جدد من خلال نشر الفكر التكفيري، فكان على سبيل المثال انضمام مجموعة من الأشقاء، وأقاربهم معا في هذا الكيان وهم: “سليمان، وعيد، وموسى شويهر، وياسر، وأحمد محيسن وسليمان، ومحمد فليفل ومحمد جايز وابن عمته أسامة النخلاوي، وكذلك انضمام سالم الشنوب الذي ضم أشقاءه محمد، وعودة، وسلامة، وسلمان للتنظيم، كما نجح يونس عليان أبو جرير المنتمي لنفس القبيلة في ضم ابن عمه محمد عبد الله أبو جرير.
العمليات الإرهابية لجماعة التوحيد والجهاد
أشار تقرير صادر في مارس 2017م عن المركز القومي للبحوث الجنائية، إلى أن ظهور هذا التنظيم بفاعلية على أرض الواقع كان في عام 2003 م، حيث بدأت الجماعة في التخطيط لعملياتها، فكانت عملية تفجير طابا ونويبع ضد السياح الأجانب، والمعروفة إعلاميًّا باسم تفجيرات طابا وشرم الشيخ في 2004 و2006م، هي العملية الأولي للتنظيم، وقد انطلق التنظيم في بداياته من هذه الأماكن باعتبارها من أكثر المناطق الوافدة للسياحة الإسرائيلية في ذلك الوقت، ولكن تم ملاحقة عناصرها من قبل أجهزة الأمن من خلال مواجهات عنيفة لتفكيك خلايا الجماعة وتصفية عناصرها واعتقالهم.
ومن ثم ونتيجة لتماسك تلك الجماعة وشعارها البراق، قد نجحت في مطلع عام 2004 إلى اتساع حجمها وانضمام الكثير إليها، وقد شمل نطاق تواجد تلك الجماعة في شمال سيناء ووسطها ومحافظة الإسماعيلية وصارت لها خمس خلايا في العريش، ورفح، والشيخ زويد، ونخل، وجبل الحلال، والتل الكبير وعلى الرغم من حداثة عهد تلك الجماعة في ذلك الوقت إلا أنها نجحت في إثبات هويتها على أرض الواقع من أولي عملياتها، وفي اشارة إلي افتراض نظرية Dobrol من تماسك الجماعة عند ايجابية العلاقات الاجتماعية.
وهذا وقد أعلن التنظيم عن هويته على أرض الواقع في بيان أعرب فيه عن مسئولياته عن الحادث عقب تلك التفجيرات، وذلك في 26 يوليو2005م، عبر الإنترنت على منتديات “الحسبة” الجهادية، كما أعلنواْ ولائهم للقاعدة من خلال ذلك البيان حيث جاء فيه :”عليكم أن تطلبوا الأمان من قادة الأمة الحقيقيين الشيخ أسامة بن لادن والشيخ أيمن الظواهري” ومن ثم فقد تم الاعتراف بوجود تلك الجماعة الإرهابية على أرض الواقع، ووصفها بالتنظيم الجهادي المتطرف شديد العنف، الذي يقترب إلى الفكر التكفيري أكثر من اقترابه من الفكر السلفي الذي تعتنقه معظم التيارات الجهادية الموجودة على الساحة السيناوية آنذاك.
بعد ذلك تم تكثيف الجهود الأمنية، وملاحقة أعضاء ذلك التنظيم والقبض عليهم واعتقالهم، وفي عام 2006م تم القاء القبض على بعض العناصر القيادية في التنظيم والذي كان منهم “يونس أبو جرير ــ محمد جايز – أسامة النخلاوي”، وتم الحكم عليهم بالإعدام، إضافة إلي أحكام أخري بالاعتقال.
انتهاء الجماعة وبداية جماعة أخرى
على الرغم من تظاهر الجماعات الإرهابية بالذكاء، والدهاء، والمكر، الذي يظهر في العمليات الإجرامية التي تستهدف الأبرياء، إلا أننا نجد عدم امتلاك الجماعات الإرهابية لسيناريوهات مستقبلية تعمل على تحقيق الأهداف الدامية للتنظيم، يؤذن بضعف هذه التنظيمات في وقت قريب، ومن ثم كان هذا المنطلق لضعف جماعة التوحيد والجهاد؛ حيث كانت تعمل تلك الجماعة بواقع استراتيجية محدودة للتغيير، إضافة إلي عدم تسلح قياداتها بمخططات طويلة المدي، وكذلك عدم الاعتماد على لجان إعلامية قوية تعمل على استقطاب وتجنيد أفراد جدد لاعتناق أفكارها الخسيسة، والتي تكشف عن الأمراض النفسية والفكرية التي تعترى أعضاء تلك الجماعات التي استباحت دماء المسلمين، والانتقام من المرتدين – على حد زعمهم.
علاوة على عدم تقسيم تلك الجماعة إلى لجان منظمة، والاعتماد على خبرات أعضاء الجماعة المنضمين إليها، مما يبرز ضعف القيادة، حيث كان اعتماد قائد الجماعة على نجاح العلاقات الاجتماعية من روابط صداقة ونسب لتماسك الجماعة و تصلبها في مقاومة القوات الأمنية. جدير بالذكر أن البقايا من جماعة التوحيد والجهاد انضمت بعد ذلك إلى عناصر أخرى لتكوين “جماعة أنصار بيت المقدس”، وذلك بعد الفوضى الأمنية التي اجتاحت السجون المصرية وهروب الكثير من السجناء في أحداث ثورة 25/1/2011م.
خاتمة :-
وختاماً … نوجز القول بأن البلدان الإسلامية والعربية تعاني من وجود جماعات مسلحة تتخذ من الدين غطاء لتحقيق أهداف دامية، فنجد قتل الأبرياء، وسفك دماء، وكافة مظاهر العنف باسم الدين، وهو منهم براء، ولقد حث الدين الإسلامي، والتشريعات الإلهية على المحافظة على عرض المسلم، ودمه ، وماله ومن أجل ذلك كان تحريم القتل، والسرقة، والزنا، والقذف، أما ما ينادي به تلك التنظيمات من أفكار هدامة لمحاربة المرتدين – على حد زعمهم – ما هي إلا ستار لتحقيق مصالحهم الذاتية فقط، وعلى الرغم من تركيز المجتمع العربي، والدولي في الآونة الأخيرة علي محاربة التنظيمات الإرهابية، ومحاولة توعية الأفراد من الوقوع في براثن الأفكار التكفيرية، إلا أننا نجد أنه ما زالت مثل تلك التنظيمات قادرة على الاستقطاب للكثير من الأفراد، وذلك لضعف الوازع الديني لديهم، ولا يمكن الجزم أننا نستطيع مجابهة الجماعات نهائياً إلا من خلال التوعية الكافية لكافة أفراد المجتمع لعدم الانخداع للشعارات البراقة لتلك التنظيمات.