خطبة بعنوان : “سماحة الإسلام ونبذه لكل ألوان العنف”، لفضيلة الشيخ عبد الناصر بليح، بتاريخ 19 من ربيع الأول 1439هـ، الموافق 8 ديسمبر 2017م
خطبة بعنوان : “سماحة الإسلام ونبذه لكل ألوان العنف“، لفضيلة الشيخ عبد الناصر بليح، بتاريخ 19 من ربيع الأول 1439هـ، الموافق 8 ديسمبر 2017م.
لتحميل الخطبة بصيغة word أضغط هنا
لتحميل الخطبة بصيغة pdf أضغط هنا
ولقراءة الخطبة كما يلي:
الحمد لله رب العالمين .. إن الحمد لله نحمده سبحانه وتعالي ونسعينه ونستهديه ونسأله التوفيق والسداد والعفاف والغني والتقي والهدي .. من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في سلطانه ولي الصالحين ..وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله القائل :” رحم الله رجلاً سمحاً إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى”(البخاري). اللهم صلاة وسلاماً عليك يا سيدي يا رسول الله وعلي ألك وصحبك وسلم .أما بعد فيا جماعة الإسلام:”
جعل الله تعالى الدين الإسلامي خاتم الأديان ومحمدا صلي الله عليه وسلم خاتم المرسلين لذا فقد اختص الله تعالى الإسلام بخصائص الكمال والتمام؛ ليصلح لكل زمان ومكان قال تعالى: “الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا“(المائدة/3).
فدلت الآية الكريمة على كمال الدين وتمام النعمة، كما أن الله تعالى ارتضاه لنا فمن تمسك به وسار على نهجه مطبقا أحكامه فقد اهتدى إلى مرضاة الله وفاز برضوانه.وامتدح نبي الإسلام ورباه وأدبه فأحسن تأديبه فقال :”وإنك لعلي خلق عظيم “(القلم/4).
أخوة الإيمان والإسلام : إن هذا الدين العالمي الذي يخاطب الناس كافة، بجميع أعراقهم وأطيافهم، في كل أرجاء الأرض عالج جميع أمورنا الدينية والدنيوية الروحية والمادية دقها وجلها خاصها وعامها سرها وعلنها تميز بخصائص منها: السماحة واليسر ونبذه للعنف. سماحة القوي ويسر المعتدل لا سماحة الخانع الذليل ولا يسر المضيع للدين، فتمثلت سماحة الإسلام في العقيدة والعبادة والمعاملات والأخلاق وسائر تشريعاته مع المسلم وغير المسلم، فجاءت تعليمه تتفق وطبيعة الإنسان قال تعالى: “لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا”(البقرة /286) :” لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا”(الطلاق /7). “يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا”(النساء/28).
أحباب رسول الله : ما المقصود بالسماحة
السماحة لغة: مدلولها ما ذكر ابن فارس في معجم مقاييس اللغة أن:” السين والميم والحاء أصل صحيح يدل على سلاسة وسهولة . والمسامحة : المساهلة . وفي الحديث قال صلى الله عليه وسلم : “أحب الدين إلى الله الحنيفية السمحة “(البخاري). قال ابن حجر : السمحة : السهلة ، أي أنها مبنية على السهولة .
وأنشد ثعلب في هذا المعنى:”
ولكن إذا ما جل خطب فسامحت *** به النفس يوماً كان للكره أذهبا.
وقولهم: الحنيفيّة السّمحة ليس فيها ضيق ولا شدّة.والسماحة تشمل أصول الدين وفروعه وصورها لا تحصر ، فعقيدة الإسلام سمحة وشريعته سمحة ، وتمتد صور السماحة إلى المعاملة ، قال صلي الله عليه وسلم :” رحم الله رجلا سمحا إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى “وبوب البخاري رحمه الله للسماحة في هذا الحديث بالسهولة فقال : باب السهولة والسماحة في الشراء والبيع ، قال ابن حجر : “وفي الحديث : الحث على السماحة في المعاملة واستعمال معالي الأخلاق وترك المشاحة والحض على ترك التضييق على الناس في المطالبة وأخذ العفو منهم
السماحة اصطلاحا: على وجهين:الأوّل: ما ذكره الجرجانيّ من أنّ المراد بها: بذل ما لا يجب تفضّلا، أو ما ذكره ابن الأثير من أنّ المقصود بها: الجود عن كرم وسخاء .الآخر: في معنى التّسامح مع الغير في المعاملات المختلفة ويكون ذلك بتيسير الأمور والملاينة فيها الّتي تتجلّى في التّيسير وعدم القهر، وسماحة المسلمين الّتي تبدو في تعاملاتهم المختلفة سواء مع بعضهم البعض، أو مع غيرهم من أصحاب الفكر والمنهج الأخر.
أيها الناس :” والسماحة لا تعني الضعف والإسلام يأبى الضيم ويرفض لأتباعه الذل والهوان والمؤمن عزيز بإيمانه وإسلامه قوي بهما ، ومن يظنون السماحة والصفح والحلم والعفو ضعفا لا يدركون عظمة هذا الدين . والسماحة كبقية المعاني العظيمة التي جاء بها الإسلام كالوسطية والتيسير والعدل والعفو والصفح وغير ذلك لها ضابطها الشرعي الذي إن حادت عنه كانت عقبة كئودا في فهم طبيعة الإسلام. وقال الفاروق عمر ابن الخطّاب رضي الله عنه ” لقد كنّا أذلاء فأعزنا الله بالإسلام ، فإذا ابتغينا العزة بغيره ِ أذلنا الله “
فيا أخا الإسلام :
كنْ رجلًا على الأهوالِ جلدًا
وشيمتُكَ السَّمَاحَةُ والوفاءُ
وإن كثرت عيوبُكَ في البرايا
وسَرَّك أَنْ يَكونَ لها غِطَاءُ
تَسَتَّر بالسَّخَاءِ فكُلُّ عَيْبٍ
يُغطِّيه كما قيلَ السَّخاءُ
ولا ترجُ السَّمَاحَةَ مِن بخيلٍ
فما في النَّارِ لِلظْمآنِ مَاء
ربى الإسلام أبناءه على السماحة وحب الخير للناس جميعا ونبذ العنف ما بين المسلم والمسلم ومع غير المسلم ممن لا يحملون الضغينة ويسالمون المسلمين قال النبي صلي الله عليه وسلم :”اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك فلك الحمد والشكر” (النسائي). فمن طبيعة النّفس السمحة أن يكون صاحبها هيّنا ليّنا إذا رأى أذى يلحق أحدا من عباد الله رثى له، وواساه في مصيبته، ودعا الله: أن يغفر ذنبه، ويكشف كربه، وتذكر مناشدة النبي صلي الله عليه وسلم :”إن تغفر اللهم تغفر جما *** وأي عبد لك ما ألما”
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: “إنَّكَم لن تَسَعُوا الناسَ بأموالِكم، ولكن يَسَعُهم منكم بسطُ الوجهِ وحسنُ الخُلُقِ”(البخاري والترمذي).
انظر لسماحة نبي الله يوسف عليه السلام مع أخوته بعدما كان منهم كما أخبرنا الله تعالى: “قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ”(يوسف/92). وسماحة النبي صلي الله عليه وسلم مع أهل مكة بعدما من الله عليه بفتحها قال:”اذهبوا فأنتم الطلقاء”(ابن إسحاق ). ، وعيادته للفتى اليهودي في مرضه الأخير ووقوفه لما مرت جنازة الرجل اليهودي، وعن أبي هريرة رضى الله عنه قيل : يا رسولَ اللهِ! ادْعُ على المشركين. قال :”إني لم أُبعَثْ لعَّانًا وإنما بُعِثتُ رحمةً”(مسلم). ورفقه بالأعرابي الذي بال في المسجد ونهي الصحابة أن يتناولوه قائلاً” دعوه وهريقوا على بوله سجلا من ماء أو ذنوبا من ماء ، فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين”)البخاري).
أهمية سماحة الإسلام :
أيها الأحباب :” كان بناء دين الإسلام منذ ظهوره على اليسر قال صلي الله عليه وسلم :” إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه”(البخاري). . وفي هذا الدين من السماحة والسهولة ومن اليسر والرحمة ما يتوافق مع عالميته وخلوده وهو ما يجعله صالحا لكل زمان ومكان لسائر الأمم والشعوب ، فالسماحة تتواءم مع عالمية الإسلام ، وخطاب الدعوة في القرآن والسنة يؤكد ذلك حيث جاءت النصوص تدعو الناس أن ينضموا تحت لواء واحد وأن يتنافسوا على معيار الإسلام الخالد وهو التقوى قال تعالى : ” يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ “( الحجرات / 13) . لقد جاء الإسلام في فترة جاهلية أهدرت كرامة الإنسان وحريته فأعاد الإسلام بناء الإنسان من جديد ونظم علاقته بربه وعلاقته بالآخرين.
وجاءت نصوص القرآن الكريم تقرر أن الخلاف باق بقاء الإنسان على هذه الأرض ، وأن التعدد والتنوع في أخلاق وسمات البشر مما مضى به القدر الإلهي فسنة الله تعالى في خلقه أن تنوعت أجناسهم وألسنتهم وألوانهم كما تنوعت دياناتهم ، ولذلك فإن عيش المسلم ينبغي أن يكون في ضوء هذه الحقيقة التي تزخر بها آيات عديدة كقوله تعالى :” وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا”( يونس /99). وقوله :” وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ “( هود/ 118-119).
سماحة في العقيدة : أيها الأحباب :”إن دين الإسلام دين سماحة ويسر في عقيدته وعباداته ومعاملاته وآدابه وسائر تشريعاته فعقيدته لا تقوم على فلسفة معقدة أو تسليم مطلق أو مخالفة للفطرة والعقل ، فأطلق القرآن الكريم الحرية للمرء للتدبر والتفكر في نفسه ، وفي ملكوت السماوات والأرض ، ودعا الناس إلى الإيمان بالله وحده وفي القرآن الكريم ما لا يحصى من الآيات الداعية إلى الإيمان يستوي في فهمها العامة والخاصة حيث دعت كل أحد إلى التجرد من الهوى والتقليد وخاطبت عقولهم وفطرهم ، وهي مع ذلك لا تكرههم على الإيمان :” وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها “( الكهف / 29) . وفي القرآن العظيم من الآيات الدالة على أن أصحاب العقول السليمة والألباب المستقيمة إذا حكموا عقولهم واستجابوا لفطرتهم وتخلصوا من ريقة التقليد فإنهم ينقادون إلى هذا الدين عن طواعية ورغبة ولم يجبروا علي شيء..
ومن المقرر عند الفقهاء أنه لو أكره أحد على الإسلام فإنه لا يصح إسلامه . قال في المغني : “وإذا أكره على الإسلام من لا يجوز إكراهه كالذمي والمستأمن فأسلم لم يثبت له حكم الإسلام حتى يوجد منه ما يدل على إسلامه طوعا” . ولذلك فإنه إذا عاد إلى دينه بعد زوال الإكراه لم يحكم بردته ، ولا يجوز قتله ولا إكراهه على الإسلام ، ونقل ابن قدامة إجماع أهل العلم على أن الذمي إذا أقام على ما عوهد عليه والمستأمن ، لا يجوز نقض عهده ولا إكراهه على ما لم يلتزمه .
سماحة في العبادة : وإذا ما انتقل المرء إلى العبادات فإنه سيرى فيه صوراً من سماحة الإسلام ويسره في سائر العبادات ففي الطهارة جاء التيسير والسماحة في المسح على الخفين وفي التيمم قال صلي الله عليه وسلم:”وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا” ودعا الله تعالى عباده إلى شكر هذه النعمة قال تعالى في ختام آية الوضوء ومشروعية التيمم عند فقد الماء أو تعذر استعماله:” مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ”(المائدة /6) قال ابن كثير رحمه الله :” أي لعلكم تشكرون نعمه عليكم فيما شرعه لكم من التوسعة والرأفة والرحمة والتسهيل والسماحة “
وفي الصلاة يصليها المرء بحسب قدرته قائما أو قاعدا وفي أي مكان وشرع فيها الجمع والقصر عند السفر والجمع عند الحاجة ، وفي الصوم كالتيسير على المريض والمسافر وكذا بقية أركان الإسلام فالزكاة على من ملك نصابا وحال عليه الحول ، والحج مرة في العمر لمن استطاع .
وشريعة التعبد في الإسلام لا تقتصر على عمل دون آخر بل كل عمل يقوم به العبد عبادة فهو يميط الأذى عن الطريق عبادة واللقمة يضعها في فم زوجته عبادة ويمسك لسانه عن قول الغيبة والكذب عبادة ويكرم ضيفه عبادة ويعود المريض عبادة ويقوم بكل فعل جميل مما هو مشروع لنفسه أو لغيره ويكون له عبادة وكل عمل أريد به وجه الله فهو عبادة .
سماحة في المعاملة :إخوة الإسلام :” أما في مجال المعاملات والآداب فتتجلى صور عظيمة من السماحة ، فلقد بني الإسلام شريعة التسامح في علاقاته على أساس متين فلم يضق ذرعا بالأديان السابقة ، وشرع للمسلم أن يكون حسن المعاملة رقيق الجانب لين القول مع المسلمين وغير المسلمين فيحسن جوارهم ويقبل ضيافتهم ويصاهرهم حتى تختلط الأسرة وتمتزج الدماء.
وشرع الإسلام مواساة غير المسلمين بالمال عند الحاجة فشرع للمسلم أن يعطيهم من الصدقة ويهدى إليهم ويقبل هديتهم ويواسيهم عند المصيبة ويعود مريضهم ويهنئهم بما تشرع فيه التهنئة كالتهنئة بالمولود والزواج ويناديهم بأسمائهم المحببة إليهم تأليفا لهم.
ومن سماحة الإسلام في المعاملة أن شرع العدل مع المخالف وجعل ذلك دليلا على التقوى التي رتب عليها أعظم الجزاء قال تعالى : “يا أيها الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى”( المائدة / 8).
ولذا فإن من يتأمل أحكام الإسلام وتاريخ المسلمين يجد أنه لا يمكن أن يقوم مجتمع تحترم فيه الحقوق والواجبات كما في دولة الإسلام ، وفي أوج عزة دولة الإسلام وقوتها كان يوجد من غير المسلمين العلماء والأدباء والأطباء والنابغون في مختلف الفنون والأعمال ، وهل يمكن أن يكون لهؤلاء ظهور ونبوغ في أعمالهم لولا سماحة الإسلام ونبذه للتعصب الديني .
إن المعاهد في بلد الإسلام لا يعيش على هامش المجتمع بل يشارك ويخالط أفراد المجتمع ، وقد يسند إليه بعض الأعمال التي هي من صميم عمل أهل الإسلام ، فقد جوز الخرقي أن يكون الكافر من العاملين على الزكاة ، وذكر في المغني أنها إحدى الروايتين عن الإمام أحمد ؛ لأن الله تعالى قال : “وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا “( التوبة / 60). وهذا لفظ عام يدخل فيه أي عامل على أي صفة كانت ولأن ما يأخذ على العمالة أجرة لعمله فلم يمنع من أخذه كسائر الإجارات . بل صرح الإمام الماوردي بجواز أن يتولى الذمي وزارة التنفيذ دون وزارة التفويض . لقد أطلق الإسلام على غير المسلمين الذين لهم ذمة أهل الذمة وعاملهم بها وهي تعني : العهد والأمان والضمان ، والحرمة والحق وهو عهد منسوب إلى الله عز وجل وإلى الرسول صلي الله عليه وسلم قال ابن الأثير : “وسمي أهل الذمة لدخولهم في عهد المسلمين وأمانهم”
سماحة النبي صلي الله عليه وسلم في معاملة غير المسلمين:”
إخوة الإسلام :” بعث الله تعالى نبيه صلي الله عليه وسلم رحمة للعالمين ، وهو صلي الله عليه وسلم مثال للكمال البشري في حياته كلها ، مثال للكمال في علاقته بربه وفي علاقته بالناس كلهم بمختلف أجناسهم وأعمارهم وألوانهم ، مسلمين وغير مسلمين ، قال جابر بن عبد الله رضى الله عنه كان رسول الله صلي الله عليه وسلم:” رجلا سهلا قال النووي : “أي سهل الخلق كريم الشمائل لطيفا ميسرا في الخلق “
وفي الصحيح عن عائشة رضي الله عنها قالت : ما خير رسول الله صلي الله عليه وسلم بين أمرين إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثما فإن كان إثما كان أبعد الناس منه ، وما انتقم رسول الله صلي الله عليه وسلم لنفسه إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم لله بها . بمثل هذه القيم كانت دعوة النبي صلي الله عليه وسلم يسر في كل شيء ، وذود عن حرمات الله لا عن عرض الدنيا أو أهواء النفوس .
وتعدد صور السماحة في هدي النبي صلي الله عليه وسلم مع غير المسلمين وشواهد ذلك من سيرته لا تحصر وأذكر منها ما يلي:”
قال صلي الله عليه وسلم : “لا يرحم الله من لا يرحم الناس وكلمة الناس هنا تشمل كل أحد من الناس ، دون اعتبار لجنسهم أو دينهم وجاءت النصوص في باب الرحمة مطلقة ، وقد ساق البخاري في باب رحمة الناس والبهائم حديث النبي صلى الله عليه وسلم :” ما من مسلم غرس غرسا فأكل منه إنسان أو دابة إلا كان له صدقة”( النسائي). فدين الإسلام دين السماحة والرحمة يسع الناس كلهم ويغمرهم بالرحمة والإحسان .
*تجاوزه عن مخالفيه ممن ناصبوا له العداء فقد كانت سماحته يوم الفتح غاية ما يمكن أن يصل إليه صفح البشر وعفوهم فكان موقفه ممن كانوا حربا على الدعوة ولم يضعوا سيوفهم بعد عن حربها أن قال لهم : اذهبوا فأنتم الطلقاء .
*وكان من سماحة النبي صلي الله عليه وسلم أن يخاطب مخالفيه باللين من القول تأليفاً لهم ، كما تظهر سماحة النبي صلي الله عليه وسلم مع غير المسلمين في كتبه إليهم حيث تضمنت هذه الكتب دعوتهم إلى الإسلام بألطف أسلوب وأبلغ عبارة..
*وكان صلي الله عليه وسلم يغشى مخالفيه في دورهم فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : بينا نحن في المسجد إذ خرج إلينا رسول الله صلي الله عليه وسلم فقال :” انطلقوا إلى يهود فخرجنا معه حتى جئناهم فقام رسول الله صلي الله عليه وسلم فناداهم فقال : ” يا معشر يهود أسلموا تسلموا ” فقالوا : قد بلغت يا أبا القاسم . . الحديث . وعاد صلي الله عليه وسلم يهودياً ، كما في البخاري عن أنس رضى الله عنه أن غلاما ليهود كان يخدم النبي صلي الله عليه وسلم فمرض فأتاه النبي صلي الله عليه وسلم يعوده فقال : ( أسلم ) فأسلم .
وكان صلي الله عليه وسلم يعامل مخالفيه من غير المسلمين في البيع والشراء والأخذ والعطاء ، فعن عائشة رضي الله عنها قالت :” توفي النبي صلي الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين . يعني : صاعا من شعير .
وكان صلي الله عليه وسلم يأمر بصلة القريب وإن كان غير مسلم فقال لأسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما : صلي أمك .
وفي المدينة حيث تأسس المجتمع الإسلامي الأول وعاش في كنفه اليهود بعهد مع المسلمين وكان صلي الله عليه وسلم غاية في الحلم معهم والسماحة في معاملتهم حتى نقضوا العهد وخانوا رسول الله صلي الله عليه وسلم ، أما من يعيشون بين المسلمين يحترمون قيمهم ومجتمعهم فلهم الضمان النبوي ، فقد ضمن صلى الله عليه وسلم لمن عاش بين ظهراني المسلمين بعهد وبقي على عهده أن يحظى بمحاجة النبي صلي الله عليه وسلم لمن ظلمه فقال صلي الله عليه وسلم : ألا من ظلم معاهدا أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة . وشدد الوعيد على من هتك حرمة دمائهم فقال صلى الله عليه وسلم : من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها يوجد من مسيرة أربعين عاما تلك صور من سماحة النبي صلي الله عليه وسلم مع غير المسلمين وهو ما سار عليه الصحابة رضي الله عنهم والتابعون من بعدهم ..
سماحة الصحابة والتابعين :
إخوة الإسلام :”و تاريخ الإسلام شاهد على أن المسلمين لم يكرهوا أحدا في أي فترة من فترات التاريخ على ترك دينه ، فالإسلام دين العقل والفطرة ولا يقبل من أحد أن يدخله مكرها ، تحدى الأولين والآخرين بمعجزته الخالدة ، ولم يعرف في تاريخ المسلمين الطويل أنهم ضيقوا على اليهود والنصارى أو غيرهم أو أنهم أجبروا أحداً من أي طائفة من الطوائف اليهودية أو النصرانية على اعتناق الإسلام . يقول توماس آرنولد:”لم نسمع عن أية محاولة مدبرة لإرغام غير المسلمين على قبول الإسلام أو عن أي اضطهاد منظم قصد منه استئصال الدين المسيحي ” لقد كان عهد الخلفاء الراشدين امتداداً لعهد النبي صلي الله عليه وسلم وشهد صورا من سماحة الإسلام في معاملة غير المسلمين من إعانتهم بالمال أو النفس عند الحاجة ، ومن كفالة العاجز منهم عن العمل أو كبير السن ، وغير ذلك . وهذا هو ما سار عليه الخلفاء الراشدون رضي الله عنهم في صدر الإسلام في معاملتهم لأهل الذمة ، وأسوق هنا بعض الشواهد والأمثلة التي تبين سماحة الصحابة رضي الله عنهم في معاملة غير المسلمين .
في خلافة أبي بكر رضى الله عنه كتب خالد بن الوليد رضى الله عنه في عقد الذمة لأهل الحيرة بالعراق- وكانوا من النصارى:” وجعلت لهم أيما شيخ ضعف عن العمل ، أو أصابته آفة من الآفات أو كان غنيا فافتقر وصار أهل دينه يتصدقون عليه طرحت جزيته وعيل من بيت مال المسلمين هو وعياله”
وأوصى عمر رضى الله عنه الخليفة من بعده بأهل الذمة أن يوفى لهم بعهدهم وأن يقاتل من ورائهم وأن لا يكلفوا فوق طاقتهم .
ومر عمر بن الخطاب رضى الله عنه بباب قوم وعليه سائل يسأل : شيخ كبير ضرير البصر ، فضرب عضده من خلفه وقال : من أي أهل الكتاب أنت؟ قال : يهودي ، قال : فما ألجأك إلى ما أرى ؟ قال : أسأل الجزية والحاجة والسن ، قال : فأخذ عمر بيده وذهب به إلى منزله فرضخ له بشيء من المنزل ثم أرسل إلى خازن بيت المال فقال : انظر هذا وضرباءه فوالله ما أنصفناه أن أكلنا شبيبته ثم نخذله عند الهرم” إنما الصدقات للفقراء والمساكين ” والفقراء هم المسلمون ، وهذا من المساكين من أهل الكتاب ، ووضع عنه الجزية وعن ضربائه.
الخطبة الثانية :
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي أشرف المرسلين .أما بعد فيا جماعة الإسلام :
دحض شبهات
يتعرض دين الإسلام كل لحظة لاتهامات وافتراءات ومن الشبهات التي تعرض الآن :”أن دين الإسلام دين إرهاب ودين تطرف ودين لا يعرف السماحة ولا يعرف الرحمة والرفق بل هو دين متعطش للدماء يهوى تمزيق الأشلاء… إلى غير ذلك من الكلمات فى هذا الجانب المؤثر”.
وللرد علي هذه الشبهة نقول وبالله التوفيق :” إن الإسلام ليس صناعة بشرية وليس قانون وضعي من وضع أهل الأرض بل الإسلام دين الله الذي خلق الخلق وهو وحده جل وعلا الذي يعلم ما يسعد الخلق وما يشقيهم قال تعالى:” أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ”(الملك/14).
والإسلام دين الله بل هو دين الله لجميع الرسل والأنبياء ..
فالإسلام دين نوح المسلم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام حيث قال تعالى:“وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ”(يونس/72).
والإسلام دين إبراهيم المسلم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام حيث قال تعالى:”رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ “(البقرة/128).
والإسلام دين يعقوب المسلم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام حيث قال الله تعالى حكاية عنه:.“أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـهَكَ وَإِلَـهَ آبَائِك َإِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَـهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ”(البقرة/133).
والإسلام دين موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام حيث قال الله تعالى حكاية عنه:” وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ”(يونس/84).
والإسلام دين عيسى المسلم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام حيث قال الله تعالى حكاية عنه:“فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ قَال َالْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ “(آل عمران/52).
والإسلام دين يوسف المسلم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام حيث قال الله تعالى حكاية عنه:.“رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيث ِفَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ “(يوسف/106).
والإسلام دين سليمان المسلم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام حيث قال الله تعالى حكاية عن ملكة سبأ:” قَالَتْ يَاأَيُّهَا المَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ”(سبأ/29-31).
والإسلام دين الجن المسلم حيث قال الله تعالى حكاية عنهم:” .وَأَنَّا مِنَّا المسلمون وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّم َحَطَباً”(الجن/14-15).
والإسلام دين لبنة التمام ومسك الختام عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام حيث قال الله تعالى:.“الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً”(المائدة/6). :”إنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ”(آل عمران/19).
ومن سمي يقول الله تعالي :” وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ “(آل عمران/85).
فالإسلام ليس صناعة بشرية ليس قانون وضعى وليس مجموعة من البنود أو القوانين التى ينبغى أن تُعرض على أصحاب العقول هنا أو هنالك والإسلام ليس قضية للنقاش بل هو سيّد كل نقاش والحاكم لكل قضية تطرح للنقاش فالإسلام واضح المعالم.
نقول بكل عز وشرف “مسلمون لا نخجل أبدًا من أسلامنا ولا نستحي أبدًا من أي جانب من جوانب هذا الدين العظيم“
جاء الإسلام ليخرج الناس من الظلمات التى استحقت به البشرية مقت الله وغضبه حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: “إن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم أي غضب عليهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب“(مسلم).
أيها الأخوة المؤمنون:” الإسلام صمّام آمان ،هداية للحيارى ،نور لمن يعيشون في الظلام ،الإسلام شعلة توقد ما ذنب هذا الدين وما ذنب أتباعه من المسلمين إذا وجد في البشر من يعشقون سياسة إطفاء المصابيح.
نقول :”بكل ثقة نحن المسلمين نحمل مشاعل الهداية ومصابيح النور لمن يعيشون فى الظلام وأنا أريد أن أضيء لمن يتعثرون ويتكفأون على الطريق بكل رحمة ورفق وتواضع فأنا أمشى فى الطرقات والشوارع أريد بنية صادقة وأدب جمّ وتواضع أن نضىء الطريق والدرب لمن يعيش فى هذا الظلام الدامس الحالك وآخذ بيد كل من يتعثر على الطريق فيخرج علىَّ رجل أعمى البصيرة وأعمى البصر ويريد أن يطفئ مصباح حتى يُحرم أولئك الذين يعيشون فى الظلام ثم تزداد غباوته ويزاد حمقه فيه جمع لىَّ ويريد تحطيم مصباحى بالكلية فهو لا يريد أن يجعله منطفئًا بل يريد تحطيمه بالكلية.
هل إذا دافعت عن هذا النور الذي أحمله لمن يعيشون فى الظلام هل بذلك أكون إرهابيًا أكون متطرفًا أكون اُصولى أكون فوضويًا أكون رجعيًا أكون متخلفًا إلى أخر هذه التهم المعلبة ويجرد الإسلام من معالم الرحمة والسماحة إلى غير ذلك!!!!! أي عقل هذا أنا أخاطب العقلاء في أي دين كانوا ولا حرج لا من ناحية اللغة ولا من ناحية الاصطلاح أن نطلق الدين على كل الشرائع ردوا علينا ردًا عقليًا منضبطًا..
نعم نحن نحارب من اعتدي علينا ولسنا كما يزعمون لا نحمل سيوفاً .. لماذا يعاب علينا ونحن لا نتحرك لا بأسلحة ولا دبابات ولا طائرات ولا قنابل جرثومية ولا قنابل نووية ولا بأسلحة محرمة دولية ؟؟؟
والله الذي لا إله غيره ما عرِفت الأرض ديناً كالإسلام فالدين عند الله الإسلام وإذا أطلقنا لفظة الدين على كل الشرائع فما عرفت أفضل من الإسلام برفقه ورحمته وكلكم يعرف ويحفظ أن زانية دخلت الجنة لأنها رحمت كلباً وامرأة دخلت النار بأنها عذبت قطة والحديثان في الصحيحين).
الفضل ماشهدت به الأعداء:
إخوة الإيمان والإسلام :” وأبلغ رد علي هذه الفرية ما شهد به غير المسلمين ..فسماحة الإسلام في المعاملة في كتابات غير المسلمين منذ فجر الدعوة الإسلامية كانت شهادة خصومها ظاهرة بينة إذ رأوا من سماحة هذا الدين وتيسيره ما بهر عقولهم ورأوا من سلوك أهله ما دعاهم إليه ، فاستجابت نفوس الكثيرين إليه وإلى أهله وإن لم يؤمنوا به ، فدون التاريخ شهاداتهم له ولأهله بحسن المعاملة والسماحة العظيمة .
فمن ذلك ما كتبه نصارى الشام في صدر الإسلام حيث كتب النصارى في الشام سنة 13هـ إلى أبي عبيدة بن الجراح رضى الله عنه يقولون : “يا معشر المسلمين أنتم أحب إلينا من الروم وإن كانوا على ديننا أنتم أوفى لنا وأرأف بنا وأكف عن ظلمنا وأحسن ولاية علينا “.
واستمر هذا النهج في معاملة غير المسلمين عبر تاريخ الإسلام . ففي الوقت الحاضر يعيش طوائف عديدة من النصارى في بلاد الشام ومصر وبلاد المغرب العربي وهي شاهد على سماحة الإسلام جعلت المستشرق الإنجليزي توماس آرنولد يقول :” إن العرب المسيحيين الذين يعيشون في وقتنا هذا بين جماعات مسلمة لشاهد على هذا التسام“ . ويقول أيضا : “لما كان المسيحيون يعيشون في مجتمعهم آمنين على حياتهم وممتلكاتهم ناعمين بمثل هذا التسامح الذي منحهم حرية التفكير الديني تمتعوا وخاصة في المدن بحالة من الرفاهية والرخاء في الأيام الأولى من الخلافة” وتقول المستشرقة الألمانية زيغريد هونكه : “العرب لم يفرضوا على الشعوب المغلوبة الدخول في الإسلام فالمسيحيون والزرادشتية واليهود الذين لاقوا قبل الإسلام أبشع أمثلة للتعصب الديني وأفظعها سمح لهم جميعا دون أي عائق يمنعهم
ممارسة شعائر دينهم وترك المسلمون لهم بيوت عبادتهم وأديرتهم وكهنتهم وأحبارهم دون أن يمسوهم بأدنى أذى ، أوليس هذا منتهى التسامح ؟ أين روى التاريخ مثل تلك الأعمال ومتى ؟ ومن ذا الذي لم يتنفس الصعداء بعد الاضطهاد البيزنطي الصارخ وبعد فظائع الأسبان واضطهاد اليهود . إن السادة والحكام المسلمين الجدد لم يزجوا أنفسهم في شئون تلك الشعوب الداخلية . فبطريرك بيت المقدس يكتب في القرن التاسع لأخيه بطريرك القسطنطينية عن العرب : إنهم يمتازون بالعدل ولا يظلموننا البتة وهم لا يستخدمون معنا أي عنف”
ويقول المستشرق بارتولد : ” إن النصارى كانوا أحسن حالا تحت حكم المسلمين إذ أن المسلمين اتبعوا في معاملاتهم الدينية والاقتصادية لأهل الذمة مبدأ الرعاية والتساهل “
ويقول بول فندلي وهو عضو سابق في الكونجرس الأمريكي : على المسلمين الإعلان جهرا عن هويتهم الإسلامية والبحث عن وسائل تمكنهم من عرض حقيقة دينهم على غير المسلمين . . ولا يجدر بهم انتظار حدوث أزمة كي يعلموا الآخرين بحقيقة دينهم . . لا بد للمسلمين أن يجاهروا بإسلامهم مجاهرة يكون سلوكهم الحسن معها وإنجازاتهم المجدية سبيلا للتعرف على الإسلام.
وكانت سماحة الإسلام سببا في إسلام الشاعر الأمريكي رونالد ركويل فقال بعد أن أشهر إسلامه : “لقد راعني حقا تلك السماحة التي يعامل بها الإسلام مخالفيه سماحة في السلم وسماحة في الحرب والجانب الإنساني في الإسلام واضح في كل وصاياه “.
وكتب القمص :” انجلوس جرجس في جريدة الأهرام المصرية مقالاً في 26فبراير 2017م تحت عنوان محنة الأقباط في العريش :” وفى أواخر القرن الثامن عشر وفد علماء الحملة الفرنسية وكتبوا كتابهم الشهير”وصف مصر” وكتبوا فيه عن الأقباط الآتي: “يكون القبط جزءا من كيان الأمة فى بلد مقهور.. إن جماعتهم الصغيرة بفضل بعض التعاليم المستمدة من الأخلاق الإنجيلية تعطى مصر صورة الوحدة والتناسق وهى صورة نادرة تماماً فى أماكن خربها الطغيان”وبعد قرن من الزمن سجل المعتمد البريطاني اللورد كرومر فشل السياسة الإنجليزية فى مصر فى كتابه “مصر الحديثة” ويقول: “إن الفارق الوحيد بين القبطى والمسلم هو أن الأول يصلى فى كنيسة والثاني يصلى فى مسجد” تلك هى هوية مصر التى حفظت مصر وقوام الدولة المصرية عبر التاريخ.
إخوة الإسلام:” إن عظمة هذا الدين لا تخفى إلا على من جهل حقيقة الإسلام أو عميت بصيرته عنه أو كان به لوثة من هوى أو حقد مقيت ، وإلا فإن سماحة الإسلام في المعاملة وتيسيره في كل أموره ، ظاهر بأدنى تأمل لمن طلب الحق وسعى إلى بلوغه والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون .
في مشكله في التحميل