ننشر كلمة وزير الأوقاف بمؤتمر المجلس الأعلي للشئون الإسلامية، وثلاث رسائل لرئيس الجمهورية
الحمد لله رب العالمين , والصلاة والسلام على خاتم أنبيائه ورسله سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه إلى يوم الدين.
وبعد :
فالإسلام دين حضارة ورقي , سبيله البناءُ لا الهدم , والعمل لا الكسل ، وهو دين مكارم الأخلاق بكل ما تحمله الكلمة من معان ، تتجلى عظمته في أسمى معانيها في جوانبه الأخلاقية , فهو دين الرحمة , والعدل , والصدق , والأمانة , والعفاف , والوفاء , وحفظ العهود ، وكل القيم الإنسانية النبيلة , وقد لخص النبي (صلى الله عليه وسلم) الهدف الأسمى لرسالته فقال (صلى الله عليه وسلم) : ” إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق” .
وتتجلى عظمة الإسلام أيضا في إنصافه الآخر والمختلف , وإيمانه بالتنوع الحضاري والثقافي , حيث يقول الحق سبحانه في كتابه العزيز ” وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ” (هود: 118) .
وتعد وثيقة المدينة أفضل أنموذج في تاريخ البشرية لترسيخ فقه التعايش السلمي المشترك بين الأديان والأجناس والأعراق والقبائل , بما حملته من روح التسامح وإنصاف الآخر , وحريته في المعتقد, حيث يقول الحق سبحانه وتعالى : ” لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ” (البقرة: 256) .
غير أن واقع الجماعات المنتسبة ظلمًا إلى الإسلام يعكس واقعا مرًا , فنرى القتل وسفك الدماء , والذبح والحرق ، والتنكيل والتمثيل بالبشر ، والتدمير والتخريب , الذي يرتكب باسم الإسلام وتحت راية القرآن , والإسلام والقرآن من كل ذلك براء , كما نرى تخلفًا عن مصاف الأمم المتقدمة في العمل والإنتاج على عكس ما يأمرنا به ديننا الحنيف من الحرص الشديد على العمل وإتقانه .
ويطيب لي أن ألخص القول في ثلاث رسائل :
الأولى : إلى السيد الرئيس/ عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية (حفظه الله) .
أقول يا سيادة الرئيس لقد ناديت حيا وأسمعت مجيبا ، وها نحن هنا نعلن للجميع من أرض الكنانة أننا بإذن الله تعالى سنكون عند حسن ظنك بنا ، وأن دعوتك لتجديد الخطاب الديني لم ولن تذهب سدى ، فقد أصابت موضعها ، وسيرى العالم كله في جلسات هذا المؤتمر وبحوثه وتوصياته تجديدًا حقيقيا في الفكر والفهم واللباب ، وليس في الشكل أو القشور ، وسنوافي سيادتَكم بنسخة من كل هذا ، كما يسرنا أن نوجه لسيادتكم خالص الشكر والتقدير على تكرمكم برعاية هذا المؤتمر .
الرسالة الثانية : لسيادة رئيس الوزراء المهندس / إبراهيم محلب .
نقول يا سيادة رئيس الوزراء ها نحن على العهد كما عودتنا دائما في جلسات مجلس الوزراء بأننا حكومة المهام الصعبة واقتحام الملفات الشائكة والحساسة مهما كانت حساسيتها ، ما دام ذلك لوجه الله تعالى ، ثم لصالح الوطن وصالح الأمة ، فسنفتح في هذا المؤتمر الملفات الصعبة في مجال الخطاب الديني دون خوف أو تردد أو وجل .
الرسالة الثالثة : لهذه الكوكبة العظيمة من السادة نواب ومستشاري الرؤساء ، والسادة الوزراء والمفتين والعلماء والمفكرين الباحثين عن الحقيقة ، المهتمين بتجديد الخطاب الديني دون تردد أو مواربة أو توجس أو خوف من التجديد ، أقول : سنعلن للجميع نلقى الله به وما يخدم صالح الدين والوطن والأمة والإنسانية ، ونخرج بإذن الله تعالى بتحديد واضح ودقيق لمفاهيم لم يجرؤ كثيرون على الحديث عنها أو فيها بصراحة ووضوح تامين : كالخلافة ونظام الحكم ، والجزية ، والجهاد ، والتكفير ، ودار الحرب ، والدولة الإسلامية والدولة الديمقراطية ، وغير ذلك من القضايا ، وبما يعد اجتهادًا جماعيا لا فرديا ، ويحل كثيرا من الإشكالات والمشكلات الفكرية التي أحجم ويحجم الكثيرون عن مجرد الاقتراب منها .
وإذا كان هناك من يشكك في جدوى هذه المؤتمرات ، فإننا نؤكد أن هذه المؤتمرات لها عدة مهام وفوائد ، من أهمها : التلاقي والتواصل والتشاور والتنسيق بين علماء الأمة ومفكريها ، وإبلاغ صوتنا عاليا بأننا نرفض الإرهاب بكل صوره وأشكاله ، وننبذ العنف والتطرف والتشدد والغلو ، كما نرفض ربط الإرهاب بالأديان ، فالإرهاب لا دين له ولا وطن له ، وأنه يأكل من يدعمه أو يأويه أو يتستر عليه ، كما يأكل الصامتين على جرائمه والمترددين في مواجهته .
كما أنها تكشف وتفند أباطيل وشبه الجماعات والتنظيمات الإرهابية المتطرفة ، وتعمل على تحصين مجتمعاتنا وبخاصة الشباب من الوقوع في براثن تلك الأفكار والتنظيمات الضالة المضلة .
ومع ذلك نؤكد أن الجانب الفكري هو أحد عناصر وجوانب المقاومة والمواجهة ، إلى جوانب أخرى سياسية ، ودبلوماسية ، واقتصادية ، وعسكرية ، ومن هنا نعلن كل الدعم والتأييد لدعوة السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي بسرعة تشكيل قوة عربية موحدة لمواجهة المخاطر والتحديات التي تواجه أمتنا العربية وتتهدد أصل وجودها ، وتعمل على تفكيكها وتحويلها إلى دويلات أو عصابات تسقطها في فوضى لا نهاية لها .
وكلنا أمل في أن تقدم هذه النخبة المتميزة من العلماء والمفكرين حلولا منطقية وأجوبة شافية لكثير من الأسئلة القلقة والشائكة .
وفي النهاية يطيب لي أن أبلغكم جميعا تحيات فضيلة الإمام الأكبر أ.د/ أحمد الطيب شيخ الأزهر (حفظه الله) ، واعتذاره عن عدم الحضور ، لنزلة برد شديدة ألمت به ، نسأل الله له تمام الشفاء والعافية .
والله من وراء القصد ، وهو حسبنا ونعم الوكيل