خطبة جمعه بعنوان: حرمة دماء غير المسلمين وألوان التعذيب في الإسلام ، للدكتور خالد بدير
خطبة جمعه بعنوان: حرمة دماء غير المسلمين وألوان التعذيب في الإسلام ، للدكتور خالد بدير.
لتحميل الخطبة أضغط هنا
عناصر الخطبة:
العنصر الأول: حرمة دماء غير المسلمين
العنصر الثاني: أخلاق الإسلام في التعامل مع الآخر
العنصر الثالث: الغرب وتمزيق الوحدة الإسلامية
المقدمة: أما بعد:
العنصر الأول: حرمة دماء غير المسلمين
تكلمنا في لقاءات سابقة عن حرمة دم المسلم؛ واليوم بمشيئة الله تعالى نتكلم عن حرمة دماء غير المسلمين.
أحبتي في الله : إن الدم الإنساني من أعظم وأجل ما ينبغي أن يصان ويحفظ، قال القرطبي رحمه الله-: «الدماء أحق ما احتيط لها؛ إذ الأصل صيانتها في أهبها [أي: جلودها] فلا تستباح إلا بأمر بين لا إشكال فيه»
وقد جاءت النصوص – قرآنا وسنة – بالنهي عن قتل النفس بغير حق مطلقا، فيدخل في ذلك النفس المؤمنة والنفوس الكافرة ممن لهم عهد أو أمان أو ذمة، ومن ذلك قوله تعالى:{ قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ } [الأنعام:151]، ثم قال تعالى في آخر الآية:{ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ } قال الشيخ السعدي رحمه الله: «وهذا شامل لكل نفس حرم الله قتلها، من صغير وكبير، وذكر وأنثى، وحر وعبد، ومسلم وكافر له عهد: إلا بالحق».
وقال سبحانه وتعالى:{ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاء تْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ }[المائدة:32] قال ابن عباس – رضي الله عنهما – :«يعني من حرم قتلها إلا بحق حيي الناس منه جميعا».وعن سليمان بن علي الربعي قال: قلت للحسن: {من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس .. }الآية، أهي لنا يا أبا سعيد كما كانت لبني إسرائيل؟ فقال: «أي والذي لا إله غيره؛ كما كانت لبني إسرائيل، وما جعل دماء بني إسرائيل أكرم على الله من دمائنا».( تفسير ابن كثير )
وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من التعرض للمعاهدين والمستأمنين من المشركين وأهل الذمة بأذى؛ وما ذاك إلا تعظيما لحرمة الدماء وصونا للعهد، وتشديدا على من يتساهل فيها، ولو كانت الدماء لغير المسلمين، ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم:” مَنْ قَتَلَ نَفْسًا مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا ” [البخاري]، وعن أبي بكرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا فِي غَيْرِ كُنْهِهِ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ » [ أبو داود]. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أَلَا مَنْ ظَلَمَ مُعَاهَدًا، أَوِ انْتَقَصَهُ، أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ، أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ؛ فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ » [ أبو داود].
أقول لسفاك الدماء: إن الرسول صلى الله عليه وسلم تبرأ منك حتى لو قتلت كافرا؛ فعن عمرو بن الحَمَق رضي الله عنه عن النبي قال «من أمن رجلاً على دمه فقتله؛ فأنا بريء من القاتل وإن كان المقتول كافرًا» (أخرجه البخاري في تاريخه، والبيهقي في السنن الصغرى وحسنه الألباني).
بل إني أحذر كل هؤلاء من دعوة المظلوم – حتى لو كان كافرا – وهذا ما أكده لنا صلى الله عليه وسلم ؛ فعن أنس بن مالك رضى الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “دعوة المظلوم وإن كان كافرا ليس دونها حجاب” (مسند أحمد). لذلك كانت الدماء أول ما يقضي في الآخرة، قال – صلى الله عليه وسلم -: ” أول ما يُقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء” (البخاري ومسلم)
وقد روى أحمد والترمذي عن ابن عباس عن النبي صلى الله علبه وسلم قال:” يجيء المقتول بالقاتل يوم القيامة ناصيته ورأسه بيده، وأوداجه تشخب دماً يقول: يا رب سل هذا فيم قتلني حتى يدنيه من العرش”.فماذا عسى أن يكون الجواب عند سؤال رب الأرباب ؟!!. وعن عبد الله بن مسعود – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ” يجيء المقتول متعلقاً بقاتله يوم القيامة آخذاً رأسه بيده، فيقول: يا رب! سل هذا فيم قتلني؟ قال فيقول: قتلته لتكون العزة لفلان، قال: فإنها ليست له بؤ بإثمه، قال: فيهوى في النار سبعين خريفاً”.
وإذا كان الإسلام قد حرم الدماء فقد حرم كل ألوان التنكيل والتمثيل والحرق حتى لو كان المقتول عدوا لك.
فحرم الإسلام كسر عظم الميت، فعَنْ عَائِشَةَ؛ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:” كَسْرُ عَظْمِ الْمَيِّتِ كَكَسْرِهِ حَيًّا” [ صحيح الترغيب والترهيب – الألباني ]
كما حرم المثلة سواء أكانت بالحي أو الميت، بل ذهب كثير من فقهاء الإسلام أنه لا خلاف في تحريمها؛ فقال الزمخشري في تفسيره: “لا خلاف في تحريم المثلة”، وقال الصنعاني في سبل السلام: ” بتحريم المثلة، وتحريم قتل صبيان المشركين، وهذه محرمات بالإجماع”، وفي صحيح البخاري: “أن النبي صلى الله صلى عليه وسلم نهى عن النهبة والمثلة”
إن إيذاء الميت بعد موته ، والاعتداء على جثته بانتهاك حرمتها أو قطع أطرافها أو أي صورة من صور الأذى مما يترفع عنه ممن كانت عنده بقايا انتماء إلى الإنسانية!!
كما حرم الإسلام تحريق الجثث بالنار ؛ ففي مسند الإمام أحمد وأبوداود والنسائي عن عمران بن الحصين رضي الله عنه قال: “نهى -صلى الله عليه وسلم- عن التحريق وقال: “لا ينبغي لأحد أن يعذب بعذاب الله”.
أيها المسلمون : إن هذه الجرائم وبحق ، تعد أعمالاً بشعة ومقيتة ، وللقيم والأخلاق مميتة ، يشوه بها سمعة الإسلام ، وبلد الإسلام ، الذي يرفض مثل هذه التصرفات الرعناء ، والأفعال الهوجاء .
العنصر الثاني: أخلاق الإسلام في التعامل مع الآخر
أحبتي في الله: كثير من الناس – في مصر وخارجها – ينسب هذه الجرائم البشعة من قتل وتحريق وتمثيل وتنكيل ….. وغير ذلك إلى الإسلام والمسلمين !! لذلك أردت في هذا العنصر أن أتكلم عن روح الإسلام وتسامحه وأخلاقه في التعامل مع الآخر ؛ حتى يظهر الوجه الحقيق للإسلام ونبرئه من كل ما لصق به من تهم ؛ وما ارتكب باسمه من جرائم !!
عباد الله: لقد أمرنا الله عز وجل بالبر والإحسان – لا أقول مع الأهل والوالدين – بل مع الأعداء والمعاهدين فقال الله تعالى: { لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِى الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} (الممتحنة: 8) قال ابن جرير:” عُنى بذلك: لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين من جميع أصناف الملل والأديان، أن تبرُّوهم وتصلوهم وتُقسطوا إليهم؛ لأن بِرَّ المؤمنِ من أهل الحرب ممن بينه قرابةُ نسب، أو ممن لا قرابة بينه وبينه ولا نسب غيرُ مُحَرَّم ولا منهىٍّ عنه، إذا لم يكن فى ذلك دلالةٌ له أو لأهل الحرب على عورة لأهل الإسلام، أو تقويةٌ لهم بكُراع أو سلاح، وقوله: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) يقول: إن الله يحب المنصفين الذين ينصفون الناس، ويعطونهم الحقَّ والعدل من أنفسهم، فيبَرُّون من بَرَّهم، ويحسنون إلى من أحسن إليهم”
إن الإسلام حثنا على الأخلاق العالية والبر والإحسان مع غير المسلمين حتى في الحروب والغزوات!! ففي الحرب التي تأكل الأخضر واليابس وتزهق فيها الأرواح وتدمر المدن والقرى ويموت الصغير والكبير؛ أمر الإسلام بالسماحة والعدل وحرم الظلم. فقد روى مسلم في صحيحه عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: ” كَانَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ، أَوْ سَرِيَّةٍ، أَوْصَاهُ فِي خَاصَّتِهِ بِتَقْوَى اللهِ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا، ثُمَّ قَالَ: اغْزُوا بِاسْمِ اللهِ فِي سَبِيلِ اللهِ، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ، اغْزُوا وَلَا تَغُلُّوا، وَلَا تَغْدِرُوا، وَلَا تَمْثُلُوا، وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا”؛ فلا يجوز أن يُقصد بالقتال مَن ليسوا بأهل له، كالنِّساء والأطفال والشُّيوخ، والزَّمنى والعُمي والعَجَزة، والذين لا يُباشرونه عادةً كالرُّهبان والفلاَّحين، إلاَّ إذا اشترك هؤلاء في القِتال وبدؤوا هم بالاعتداء، فعندها يجوز قتالُهم.
وهذا أبو بكر – رضي الله عنه – لَمَّا بعث يزيد بن أبي سفيان إلى الشام على ربع من الأرباع، خرج – رضي الله عنه – معه يُوصيه، ويزيد راكب وأبو بكر يَمشي. فقال يزيد: يا خليفةَ رسول الله، إمَّا أن تركب وإمَّا أن أنزل. فقال: “ما أنت بنازلٍ، وما أنا براكب، إنِّي أحتسب خُطاي هذه في سبيل الله. يا يزيد: إنَّكم ستَقدمون بلادًا تُؤتَوْن فيها بأصناف من الطعام، فسمُّوا الله على أوَّلِها، واحمدوه على آخرها. وإنَّكم ستجدون أقوامًا قد حبسوا أنفسَهم في هذه الصوامع، فاتركوهم وما حبسوا له أنفسهم، وستجدون أقوامًا قد اتَّخذ الشيطان على رؤوسهم مقاعدَ؛ يعني: الشمامسة، فاضربوا تلك الأعناق، ولا تَقتلوا كبيرًا هَرمًا، ولا امرأة، ولا وليدًا. ولا تُخرِّبوا عمرانًا، ولا تقطعوا شجرة، إلاَّ لنفع، ولا تعقرنَّ بهيمةً إلاَّ لنفع، ولا تُحرِّقنَّ نخلًا، ولا تُغرقنَّه، ولا تَغدِر، ولا تُمثِّل، ولا تجبن، ولا تغلل، ولينصرن الله مَن ينصره ورسلَه بالغيب، إنَّ الله قويٌّ عزيز”[البيهقي في الكبرى] ؛ هذه السماحة في حال الحرب فما بالك في حال السلم؟!!
كما تظهر الأخلاق في معاملة الأسرى؛ وعدم قتل الأسير والمقيد والمربوط ؛ فقد تمثلت بتوجيهات نبي الرحمة الذي نهى عن قتل الأسير بعد ربطه ولا حتى إيذائه وهو مربوط ، فقد قال أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه : سمعت رسول الله ينهى عن قتل الصُّبْر ” فوالذي نفسي بيده لو كانت دجاجة ما صبرتُها” ( أبو داود والبيهقي)، وقال : يوم فتح مكة ” لا تجهزن على جريح ولا يُتبعنّ مُدبر ولا يقتل أسير ، ومن أغلق بابه فهو آمن ” .
كما أمر سيدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالعناية بالأسرى فيداوى جرحاهم، ويؤمن لهم الطعام والشراب والكساء، يقول: أبو عزيز بن عمير :”كنتُ في الأسرَى يومَ بدرٍ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:” استوصوا بالأسارَى خيرًا؛ وكنتُ في نفرٍ من الأنصارِ فكانوا إذا قدموا غداءَهم وعشاءَهم أكلوا التمرَ وأطعموني البرَّ لوصيةِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم”( مجمع الزوائد)؛ وكان صلى الله عليه وسلم يقول:”أكرموهم وأدفئوهم”، وكان يأتي ويجلس مع الأسرى ويأكل معهم ويؤانسهم ويتفقد أحوالهم.
هذه أخلاق سيد البشر وصحابته في جهادهم فشتان بين من كان خلقه القرآن ومن كانت غاياته مليئة بالحقد والكراهية يتلذذ بالقتل والحرق والتدمير والإهانة .
كما اهتم الإسلام بخلق الجوار والأمان؛ فإذا أجار أحد من المسلمين مشركا فى دار الإسلام فيجب معاونته على ذلك ويحرم خفر ذمته، ففى الصحيحين عن أبى مرة مولى أم هانئ بنت أبى طالب أنه سمع أم هانئ بنت أبى طالب تقول: ذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح، فوجدته يغتسل، وفاطمة ابنته تستره، قالت: فسلمت عليه، فقال: (من هذه). فقلت: أنا أم هانئ بنت أبى طالب، فقال: (مرحبا بأم هانئ)، فلما فرغ من غسله، قام فصلى ثمانى ركعات، ملتحفاً فى ثوب واحد، فلما انصرف، قلت: يا رسول الله، زعم ابن أمى، أنه قاتل رجلاً قد أجرته، فلان بن هبيرة، فقال صلى الله عليه وسلم: “قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ، قالت أم هانئ: وذاك ضحى.”؛ وروى أبوداود عن عَمْرِو بن شُعَيْبٍ عن أبِيهِ عن جَدّهِ قال صلى الله عليه وسلم: “المُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ يَسْعَى بِذِمّتِهِمْ أدْنَاهُمْ وَيُجِيرُ عَلَيْهِمْ أقْصَاهُمْ، وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ يَرُدّ مُشِدّهُمْ عَلَى مُضْعِفِهِمْ، وَمُتَسَرّيهمْ عَلَى قَاعِدِهِمْ لاَ يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ وَلاَ ذُو عَهْدٍ فى عَهْدِهِ.”
أيها المسلمون: هذه أخلاق الإسلام في حال الحرب مع الأعداء فما بالك في حال السلم؟!!
أترك الشهادة للغربيين المنصفين وتصويرهم لهذه الأخلاق والتي تعاملوا من خلالها مع المسلمين والنصارى في الدول الغربية. يقول غوستاف لوبون في ” مجلة التمدن الإسلامي: ” إن المسلمين وحدهم هم الذين جمعوا بين الغيرة لدينهم وبين روح التسامح نحو أتباع الأديان الأخرى وإنهم مع حملهم السيف فقد تركوا الناس أحرارا في تمسكهم بدينهم ؛ وكل ما جاء في الإسلام يرمي إلى الصلاح والإصلاح ، والصلاح أنشودة المؤمن ، وهو الذي أدعو إليه المسيحيين” .
ويقول العلامة الكونت هنري دي كاستري : “درست تاريخ النصارى في بلاد الإسلام ، فخرجت بحقيقة مشرقة هي أن معاملة المسلمين للنصارى تدل على لطف في المعاشرة ، وهذا إحساس لم يُؤثر عن غير المسلمين .. فلا نعرف في الإسلام مجامع دينية ، ولا أحباراً يحترفون السير وراء الجيوش الغازية لإكراه الشعوب على الإيمان”.
ويقول توماس أرنولد في كتابه الدعوة الإسلامية : ” لقد عامل المسلمون الظافرون العرب المسيحيين بتسامح عظيم منذ القرن الأول للهجرة ، واستمر هذا التسامح في القرون المتعاقبة ، ونستطيع أن نحكم بحق أن القبائل المسيحية التي اعتنقت الإسلام قد اعتنقته عن اختيار وإرادة وأن العرب المسيحيين الذين يعيشون في وقتنا هذا بين جماعات المسلمين لشاهد على هذا التسامح ” ؛ أبعد كل هذا – والحق ما شهدت به الأعداء – يأتي حاسد حاقد على الإسلام ليقول: إن الإسلام دين تطرف وعنف وإرهاب؟!!
عباد الله: هذه جرائم ارتكبت ودماء سفكت وبلاد خربت وأطفال يتمت ونساء رملت ….باسم الإسلام!! والهدف من كل ذلك هو تشويه صورة المسلمين؛ والإسلام من كل ذلك براء.
فعند البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال صلى الله عليه وسلم:« لَنْ يَزَالَ الْمُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا ». وعنه رضي الله عنه؛ قال:” صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ فَلَيْسَ مِنَّا ” ( البخاري)
إن الإسلام يتعامل مع جميع طوائف البشر من خلال مبدأ التكريم الإلهي للإنسان والذي يتمثل في قوله تعالى:{ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا}( الإسراء: 70) وقوله:{ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} ( التين: 4)، وقد مَرَّتْ بِالنَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِنَازَةٌ فَقَامَ؛ فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهَا جِنَازَةُ يَهُودِيٍّ! فَقَالَ: ” أَلَيْسَتْ نَفْسًا؟!”(البخاري)
فبهذه الأخلاق والآداب يُعامل المسلمون غيرَ المسلمين، وهذه الأخلاقُ والآداب من دين الإسلام، يأمرهم بها كتابُ ربهم وسُنَّةُ نبيّهم مادامت السماوات والأرض!!
العنصر الثالث: الغرب وتمزيق الوحدة الإسلامية
عباد الله: إن ما نراه من جرائم في مجتمعنا العربي والإسلامي؛ على أيدي القتلة السفهاء مخطط غربي لتمزيق وحدة المسلمين وتفريق وحدتهم؛ وزرع الفتنة والوقيعة بين المسلمين أنفسهم تارة وبين المسلمين وغير المسلمين تارة أخرى؛ لهذا أفردت هذا العنصر عن ( الغرب وتمزيق الوحدة الإسلامية ) فأردت أن أنبه آبائي وأبنائي وإخواني على هذا الخطر الجسيم؛ وجئت بأدلة من أقوالهم ومخططاتهم؛ وشهد شاهد من أهلها!!
إن الغرب وأعداء الإسلام – وعلى رأسهم اليهود – يتألمون حينما يروا وحدة العرب والمسلمين، فهذه الوحدة وهذا الاجتماع والاعتصام يقلق مضجعهم ويجعلهم ينظرون إلى المسلمين نظرة حقد وحسد، وقد أخبرنا صلى الله عليه وسلم بذلك حيث قال: ” إِنَّهُمْ لَا يَحْسُدُونَا عَلَى شَيْءٍ كَمَا يَحْسُدُونَا عَلَى يَوْمِ الْجُمُعَةِ الَّتِي هَدَانَا اللَّهُ لَهَا وَضَلُّوا عَنْهَا ، وَعَلَى الْقِبْلَةِ الَّتِي هَدَانَا اللَّهُ لَهَا وَضَلُّوا عَنْهَا ، وَعَلَى قَوْلِنَا خَلْفَ الْإِمَامِ آمِينَ ” ( الصحيحة للألباني)، وتدبرت في هذه الثلاث فوجدت العلة واحدة وهي ( الوحدة والاجتماع في كل ) وهذا بلا شك يغضبهم ويحزنهم ويسوءهم.
وفي العصر الحديث صرحوا بهذا الحقد والحسد على وحدة المسلمين واجتماعهم في كتبهم واجتماعاتهم ومؤتمراتهم، ففي بروتوكولات (حكماء صهيون) قالوا: “إننا لن نستطيع التغلب على المسلمين ماداموا متحدين دولاً وشعوباً تحت حكم خليفة واحد ، فلا بد من إسقاط الخلافة و تقسيم الدولة الإسلامية إلى دويلات ضعيفة لا تستطيع الوقوف في وجهنا فيسهل علينا استعمارها.” ويقول لورانس براون:”إذا اتحد المسلمون في إمبراطورية عربية أمكن أن يصبحوا لعنة على العالم وخطرا، أو أمكن أن يصبحوا أيضا نعمة له، أما إذا بقوا متفرقين فإنهم يظلون حينئذ بلا وزن ولا تأثير، ويجب أن يبقى العرب والمسلمون متفرقين ليبقوا بلا قوة ولا تأثير”.
ويقول (أرنولد توينبي) في كتابه (الإسلام والغرب والمستقبل): “إن الوحدة الإسلامية نائمة، ولكن يجب أن نضع في حسابنا أن النائم قد يستيقظ”.
ويقول: “أورمسبي جو”، الوزير السابق للمستعمرات البريطانية في الشرق الإسلامي:”إن الحرب علّمتنا أن الوحدة الإسلامية هي الخطر الأعظم الذي ينبغي للإمبراطورية أن تحذره وتحاربه، وليست إنجلترا وحدها هي التي تلتزم بذلك، بل فرنسا أيضا. ومن دواعي فرحنا أن الخلافة الإسلامية زالت، لقد ذهبت ونتمنى أن يكون ذلك إلى غير رجعة، إن سياستنا تهدف دائما وأبدا إلى منع الوحدة الإسلامية أو التضامن الإسلامي، ويجب أن تبقى هذه السياسة كذلك.”
وقد بحثوا عن أفضل وسيلة لضرب هذه القوة الإسلامية فلم يجدوا إلا نشر الفرقة بين أجزائها، لذلك اتبع الاستعمار عند احتلاله للبلاد الإسلامية سياسة “فرق تسد”؛ لأنه يعلم أن قوة المسلمين في وحدتهم، وضعفهم في تفرقهم.
قال لويس التاسع ملك فرنسا الذي أسر في دار ابن لقمان بالمنصورة في وثيقة محفوظة في دار الوثائق القومية في باريس:
إنه لا يمكن الانتصار على المسلمين من خلال الحرب وإنما باتباع ما يلي:
ـ إشاعة الفرقة بين قادة المسلمين
ـ عدم تمكين البلاد العربية والإسلامية أن يقوم فيها حكم صالح
ـ إفساد أنظمة الحكم في البلاد الإسلامية بالرشوة والفساد والنساء حتى تنفصل القاعدة عن القمة
ـ الحيلولة دون قيام جيش مؤمن بحق وطنه عليه، يضحي في سبيل مبادئه
ـ العمل على الحيلولة دون قيام وحدة عربية في المنطقة
ـ العمل على قيام دولة غربية في المنطقة العربية تمتد لتصل إلى الغرب
فالأوروبيون يدركون جيدا أن الإسلام هو الدين الوحيد الخطر على حضارتهم المادية الفاسدة وعلي بقائهم في مراكز السيطرة، ويدركون أن المسلمين إذا اتحدوا وتجمعت كلمتهم، فسوف يصبحون سادة العالم كله، وستكون لهم السيطرة والقيادة، ولن تستطيع أي قوة الوقوف في وجههم؛ فيقول (باول شمتز) مؤلف كتاب (الإسلام قوة الغد العالمية)، وهو مستشرق ألماني: “إن العالم الإسلامي إذا توفر له المال والطاقات والإمكانيات المادية، إلى جانب تكاثر السكان الذي يتميز به المسلمون، إلى جانب العقيدة ذات الجذور الإيمانية الموجودة في القرآن، إذا توفر للمسلمين ذلك فإنهم يصبحون لعنة على العالم، ولا بد من ضرب القوة قبل أن تنضج وتكتمل وتنتظم “.
إنه يؤسفني ويحزنني أن يتحد الغرب ويسمون أنفسهم الولايات المتحدة ، ونحن لا أقول دولاً بل جماعات وأحزاب وفرق شتى، ولقد زار أحد المسلمين معظم دول العالم فتعجب من وحدة الغرب واجتماعه وتفرق المسلمين واختلافهم فأنشد قائلاً :
تجولت في طول البلاد وعرضها ……. وطفت بلاد الله غربا ومشرقا
فلم أر كالإسلام أدعى لوحدة………ولا مثل أهليه أشد تفرقا
عباد الله: إن التفرق ضعف والتنازع شر، والأعداء قد نجحوا إلى حد ما في زرع الشحناء والبغضاء وإثارة الفتن، وربنا عز وجل حذرنا من ذلك فقال سبحانه { وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ } ( الأنفال: 46)
إنَّ الأمة الإسلاميَّة متى اجْتمعتْ واتَّحدتْ، لَم تستطعْ أُمَّة مَهْمَا كانتْ قوَّتها النَّيْل منها؛ لأن يدَ الله مع الجماعة، ولأنها مع اتِّحادها مَحمية بربِّها، وهذا ما عُرِف على مَرِّ السنين، فما قَوِيَتْ أُمَّة مُتفرقة مُشَتَّتة، وما ضَعُفَتْ أُمَّة اجْتمعتْ وتكاتَفَتْ وارتبطتْ بربِّها.
لذلك أراد حكيم أن يعطى أولاده درساً في ليلة من ليالي الشتاء الباردة حين أحس بقرب أجله , فاجتمع أولاده حول سريره , وأراد أن يوصيهم بوصية تنفعهم قبل وفاته ، فطلب منهم أن يحضروا حزمة من الحطب , وطلب من كل واحد منهم أن يكسر الحزمة , فلم يستطع أي واحد منهم أن يكسرها , أخذ الحكيم الحزمة , وفرقها أعواداً , وأعطى كل واحد من أبنائه عوداً , وطلب منهم كسر الأعواد وهي متفرقة , فكسر كل واحد منهم عوده بسهولة . فقال الأب الذي هو الحكيم : يا أبنائي إياكم والتفرقة , كونوا كهذه الحزمة متحدين , حتى لا يقدر عدو على هزيمتكم .
كونوا جميعاً يا بني إذا اعترى………….. خطب ولا تتفرقوا آحـــادا
تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسراً ………..وإذا افترقن تكسرت أفرادا
عباد الله: أوصيكم بالتكاتف ، والرحمة والتآلف ، وجمع الكلمة ، والحذر الحذر من تلكم الأقلام المسمومة ، التي تطعن في الظهور ، وتندس في الجحور ، تريد النيل من الإسلام ودولة الإسلام ، تريد أن تجعل من هذه الحوادث ، قصصاً منسوجة ، ترضي من خلالها أعوانها ، وتطعن في ولائها وبلدها ودينها ، ثم اتقوا الله أيها الآباء واضطلعوا بمسؤولياتكم ، تجاه أبنائكم ، فلا تتركوهم فريسة للأهواء ، والأفكار الهوجاء ، وسموم الخمر والمخدرات ، وهموم المسكرات والمنبهات ، فيقحمون أنفسهم في مضاربات وملاسنات لا قبل لهم بها ، فيكثر بسببها القتلى ، ويزداد الجرحى ، واحذروا ضعاف النفوس ، ومرضى الأفكار ، الذين يوجهون الشباب للأعمال الضالة ، والأفكار المنحرفة ، من خلال تجمعات مشبوهة ، ورحلات مجهولة , واستراحات مريبة ، يكيدون لهم المكائد ، وينصبون لهم المصائد ، ليقعوا فريسة لأعداء الدين من المنحرفين ، واحرصوا يرعاكم الله أن تقوموا بالتوجيه السليم ، والبعد عن الفكر السقيم.
أحبتي في الله: ألا فلنحتد جميعاً من أجل بناء مجتمعنا، من أجل بناء وطننا، من أجل بناء مصرنا، من أجل بناء حضارتنا، بعيدين عن التفرقة، عن التشرذم ، عن التحزب، عن التشتت، حتى نحقق آمالنا، ويعلو بنياننا ، ونبلغ منانا، فنكون جميعاً أدوات بناء لا أدوات هدم!!
ومتى يبلغ البنيان يوماً تمامه………إذا كنت تبني وغيرك يهدم؟!!!
نسألُ الله أن يَجمعَ شَمْلنا وقلوبَنا على طاعته، وألا يجعلَ في قلوبنا غِلاًّ للذين آمنوا.
الدعاء…….. وأقم الصلاة،،،،
كتبه : خادم الدعوة الإسلامية
د / خالد بدير بدوي