د. أحمد علي سليمان: مفاتيح بناء أمة قوية… تكمن في العلم والإيمان والأخلاق والعمل المبدع

د. أحمد علي سليمان: مفاتيح بناء أمة قوية… تكمن في العلم والإيمان والأخلاق والعمل المبدع
ويؤكد: ذُكر الله يملأ القلوب طمأنينة مهما كانت المخيفات
…ويحذر من الشقاق والنفاق باعتباره أسرع طريق للهلاك!
في أجواء إيمانية نورانية، افتتح المفكر الإسلامي د. أحمد علي سليمان، عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية ومدير اعتماد التعليم الأزهري بالهيئة القومية لضمان جودة التعليم والاعتماد، محاضرته العامة مع طلاب معهد دار النجاح 2 شبينينج بوجور بجاوة الغربية بإندونيسيا مساء الجمعة 14 رمضان 1446هـ/ 14 مارس 2025م بحضور آلاف الطلاب، وأكثر من مائتي وخمسين من أعضاء هيئة التعليم والتدريس.
بدأ اللقاء بقراءة البسملة وسورة الفاتحة، ثم توجه الشيخ بالشكر للمتحدث السابق على كلماته الطيبة وعلى القصيدة الجميلة التي ألفها وألقاها في شأن الضيف.
وأكد سليمان أن هذا المكان هو موطن من المواطن التي لا ينقطع فيها الذكر والعبادة وتلاوة القرآن، حيث لا تفارق الملائكة أماكن الذكر ومن ضمنها هذا المكان المبارك، مستشهدًا بحديث النبي (صلى الله عليه وسلم): (ما اجتمعَ قومٌ في بيتٍ من بيوتِ اللَّهِ تعالى يتلونَ كتابَ اللَّهِ ويتدارسونَه بينَهم إلَّا نزلت عليهمُ السَّكينةُ وغشيتهمُ الرَّحمةُ وحفَّتهمُ الملائِكةُ وذَكرَهمُ اللَّهُ فيمن عندَه).
كما عبر الشيخ سليمان عن سعادته بقضاء وقته في هذا المكان المبارك، حيث جلس طوال الليل يستمع إلى القرآن من كل اتجاه وعبر الميكروفونات، وكذا قبيل صلاة الفجر بساعتين وأيضا بعد الفجر بساعة تسمع أورادا وأذكار الصباح وتلاوة قرآنية جميلة جدا تبعث الأمل والراحة والطمأنينة في القلوب، وهكذا يقضى كل مَن يعيش في هذا المكان يومه وليله محاطًا بكلمات الله، مؤكدًا أن هذا الجو المليء بذكر الله يبعث الأمن والأمان والإيمان والسكينة والطمأنينة في القلوب. والعقول والنفوس والدروب، ويا لها مكرمة جليلة!.
طمأنينة القلوب بذكر الله.. تأمل في سورة الرعد:
تناول د. أحمد علي سليمان في حديثه موضوع طمأنينة القلب بذكر الله، مشيرًا إلى قول الله تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)، وسأل الحاضرين عن موقع هذه الآية في القرآن الكريم، فأجاب أحد الطلاب بأنها في سورة الرعد آية رقم 28. فأثنى الشيخ على حفظه، وأوضح أن هذه الآية جاءت في وسط سورة تتحدث عن الرعد، والرعد عموما مرعب ومخيف بطبيعته، فأتي الله بهذه الآية الكريمة في وسط سورة الرعد، ليبعث السكينة والطمأنينة في قلوب الذاكرين، ذلك أن الإيمان بالله وذكر الله يمنحان الشخص السلام الداخلي مهما كانت الظروف مخيفة.
وأكد الشيخ أن من يحرص على ذكر الله يعيش في طمأنينة وسلام وأمان، متمنيًا للطلاب أن يديم الله عليهم هذه النعمة.
كما تحدث عن حفظ القرآن عبر التاريخ، مشيرًا إلى أن الله تكفل بحفظه في اللوح المحفوظ، ثم في السماء الدنيا، ثم في قلوب المؤمنين.
دعوات بالبركة والرحمة للقائمين على المعهد :
في لفتة تقدير وامتنان، دعا الشيخ الدكتور أحمد علي سليمان بالخير والبركة لجميع القائمين على معهد دار النجاح 2 شبينينج بوجور، وخص بالدعاء الشيخ جمهاري عبد الجلال -شيخ المعهد وأحد مؤسسيه- بطول العمر وقبول العمل، كما دعا لعدد من العلماء والأساتذة، منهم الدكتور صفوان مناف، والدكتور مصطفى زاهر، والدكتور تيجان، وأصدقائه الأحباء.
كما وصف الشيخ الحاضرين بأنهم “علماء المستقبل”، موضحًا أن الشيخ مخلص يسميهم طلابًا، لكنه يراهم “علماء المستقبل” باعتبار ما سيكون، الذين سيحملون راية الإسلام إلى العالم كله، مستشهدًا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (بَلِّغُوا عَنِّي ولو آيَةً…) (أخرجه البخاري في صحيحه).
الإخلاص سر من أسرار الله.. مفتاح النجاح والقبول في الدنيا والآخرة:
أكد فضيلته على أهمية الإخلاص في العمل، داعيًا الطلاب إلى أن يكونوا صادقين في نواياهم وأقوالهم وأعمالهم وأوحوالهم وفي كل لحظات حياتهم، مستشهدًا بقول الله تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الأنعام: 162)، فالمسلم الحق هو الذي يخلص حياته كلها لله، فيعيش للدعوة إلى الله، ولا يعيش بها.
وأوضح الشيخ أن كل لحظة في حياة المسلم سيُسأل عنها يوم القيامة، لذا يجب أن يكون الإخلاص حاضرًا في كل عمل في كل وقت في كل حال، سواء في طلب العلم أو أداء العبادات أو خدمة المجتمع. كما حذر من الرياء، مبينًا أن الله لا يقبل إلا ما كان خالصًا لوجهه الكريم.
تحذير من النفاق وبيان عواقبه الخطيرة :
حذر سماحة الشيخ من خطر النفاق، والرياء، والتدين الشكلي، مستشهدًا بقول الله تعالى: (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا . الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا) (الكهف: 103-104)
كما استشهد بآية أخرى تصف المنافقين: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ . وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ . وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ ۚ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ ۚ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ) (البقرة: 204-206).
وشدد الشيخ على أهمية الالتزام الكامل بالمنهج الإسلامي الكامل، وبشكل كامل، فلا يجوز أن نأخذ من الإسلام جزءا ونترك الباقي، أو كما يقولون “يمشي على سطر ويسيب سطر” وعلى المسلم ألا يبتع خطوات الشيطان، الذي يسعى لإغواء الناس وإبعادهم عن طريق الحق.
وحذر من النفاق والشقاق وسوء الأخلاق باعتبارها أسرع طريق للهلاك! والعياذ بالله.
العلم والتقوى.. طريق النجاح والتقدم:
أوضح الشيخ أن الطريق السليم والآمن والسريع إلى العلم يبدأ بالإخلاص لله والتقوى، وأن الاجتهاد ليلًا ونهارًا هو السبيل ليصبح الإنسان عالمًا نافعًا.
كما حث الطلاب على استغلال أعمارهم وأوقاتهم، مشيرًا إلى أن الإنسان قد يشرك بالله في لحظة واحدة والأعمال بخواتيمها، لذا يجب علينا أن نكون دوما في معية الله، وعندها نستحق التثبيت من الله الكريم. يقول الله تعالى: ( يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ…) (إبراهيم: 27)، داعيًا الله تعالى أن يثبت الجميع على دينه في كل لحظة من حياتهم إلى مماتهم.
قصص العلماء.. نماذج في الإخلاص والاجتهاد:
في لفتة تربوية، روى الشيخ قصصًا من حياة العلماء، أمثال الإمام الشافعي (رضي الله عنه) الذي حفظ القرآن -كما قيل- في حوالي ثمانين ليلة، وكان يملك ذاكرة قوية جدا جدا، كما يقال “ذاكرة فوتوغرافية”، لكنه عندما رأى كعب امرأة في السوق نسي بعضًا مما حفظه، فحزن جدا، وذهب إلى معلمه وكيع بن الجراح يشتكي له سوء حفظه، بعد أن كان يمتلك هذه الذكرة العملاقة، وعندها نصحه بتقوى الله، يقول الشافعي مصورًا ما حدث:
“شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي وأخبرني بأن العلم نور ونور الله لا يُهدى لعاصي.”
كما تحدث عن الإمام الليث بن سعد (رضي الله عنه)، موضحًا أنه كان أغنى علماء زمانه، لكنه لم يكن يدخر أمواله بل كان ينفقها كلها في شتى أوجه الخير، ومن ثم لم تجب عليه زكاة قط؛ لأنه لم يكن يمر عليه الحول إلا وكل ما يدخل له من مال قد أنفقه في أوجه الخير.
كما أشاد د. أحمد علي سليمان بجهود معالي الوزير الدكتور أسامة الأزهري وزير الأوقاف المصري، والكاتب الصحفي الكبير الأستاذ أحمد المسلماني رئيس الهيئة الوطنية للإعلام في إبراز دور الإمام الليث (رضي الله عنه) من خلال إنشاء كرسي علمي يحمل اسمه، وكذا إطلاق اسم الإمام الليث بن سعد على مسجد التلفزيون المصري؛ في لفتة وطنية حضارية وذكية بحيث يظل اسم الليث مترددا في نقل الشعائر الدينية والصلوات عبر الإذاعة المصرية والتليفزيون المصري…
عظماء التجديد في الفكر الإسلامي:
كما تطرق الشيخ إلى الإشارة إلى عدد من المجددين عبر التاريخ، أمثال بديع الزمان سعيد النورسي (رحمه الله)، صاحب رسائل النور الذي أدي دورًا محوريًّا في الحفاظ على الإسلام في تركيا، مشيرًا إلى عدد من مبادئه التربوية لاسيما أهمية الجمع بين العلوم الدينية والحديثة لتحقيق توازن فكري سليم.
الإسلام دين القوة والعلم والرحمة:
أكد الشيخ أن الإسلام دين قوة، وليس دين ضعف، وأن المسلم القوي أحب إلى الله من المسلم الضعيف، كما جاء في الحديث الشريف. وأوضح أن القوة ليست فقط في البدن، بل تشمل قوة الإيمان، وقوة العلم، وقوة الاقتصاد، وقوة التضامن بين المسلمين، وهنا نعني القوة المنضبطة وليست الطائشة، نعني القوة التي تحمي الحق.
كما شدد على أهمية الرحمة، مستشهدًا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: “الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء.”
خاتمة ودعاء للمسلمين بالخير والبركة:
اختتم د. أحمد علي سليمان محاضرته بدعاء شامل، سائلًا الله عز وجل أن يحفظ الأمة الإسلامية، وأن يبارك في مصر وإندونيسيا وجميع بلاد المسلمين، وأن يحفظ الأزهر الشريف ومعاهد دار النجاح، ويرحم مؤسسيها والقائمين عليها. كما دعا الله أن يوفق الجميع في تعلم اللغة العربية لفهم القرآن الكريم، معتبرًا ذلك عبادة عظيمة تقرب إلى الله.
وشدد الشيخ في ختام محاضرته على ضرورة التمسك بالأخلاق الإسلامية، مؤكداً أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء رحمة للعالمين وأن الأخلاق هي جوهر الإسلام. وأشار إلى أهمية أن يتحلى المسلمون بهذه الأخلاق في حياتهم اليومية ليكونوا قدوة حسنة في مجتمعاتهم.
وتوجه الشيخ أحمد علي سليمان بنصيحة أخيرة للطلاب حول أهمية الإخلاص في العمل، والاجتهاد في طلب العلم، والتمسك بالأخلاق الإسلامية، داعيًا لهم بالنجاح والتوفيق في حياتهم العلمية والعملية. كما دعا لمصر وللأمة الإسلامية بالخير والأمن والاستقرار.
ثم ختم فضيلته محاضرته بالدعاء، متمنيًا أن يلتقي بالطلاب في قريبًا، داعيًا الله أن يحفظ هذا المكان وأهله، وأن يديم عليهم نعمة العلم والإيمان، وأن يوفقهم جميعًا لما فيه خير الأمة الإسلامية والإنسانية.
وقد خرج الطلاب من المحاضرة بروح معنوية مرتفعة وعزم على مواصلة طريق العلم والإيمان، حاملين معهم كلمات الشيخ التي ستظل نبراسًا ينير لهم طريقهم.
وبعد انتهاء المحاضرة توجه قيادات إلى المكان المخصص لتشييد واحد من أكبر المساجد ويسمى مسجد راية، في حرم معهد دار النجاح الثاني للبنين بشبيننج بوجور بجاوة الغربية، ويتسع لأكثر من خمسة آلاف مصل، فضلا عن ساحاته وملحقاته، وقام الشيخ أحمد علي سليمان بالدعاء بالانتهاء من تشييد هذا الصرح الإسلامي قريبا ليكون منارة للعبادة والذكر وحفظ القرآن والتربية على مبادئ هذا الدين الحنيف، وأمَّن الحاضرون واستبشروا خيرا.