أخبار مهمةالخطبة المسموعةخطبة الأسبوعخطبة الجمعةخطبة الجمعة القادمة ، خطبة الجمعة القادمة لوزارة الأوقاف المصرية مكتوبة word pdfعاجل

خطبة الجمعة القادمة 7 رمضان : تعزيز الهوية ودورها في صناعة الحضارة ، للدكتور محروس حفظي

بتاريخ 7 رمضان 1446هـ ، الموافق 7 مارس 2025م

خطبة الجمعة القادمة

خطبة الجمعة القادمة 7 مارس 2025 م بعنوان : تعزيز الهوية ودورها في صناعة الحضارة ، للدكتور محروس حفظي بتاريخ 7 رمضان 1446هـ ، الموافق 7 مارس 2025م. 

 

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 7 مارس 2025 م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : تعزيز الهوية ودورها في صناعة الحضارة .

ولتحميل خطبة الجمعة القادمة 7 مارس 2025 م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : تعزيز الهوية ودورها في صناعة الحضارة ، بصيغة  word أضغط هنا.

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 7 مارس 2025 م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : تعزيز الهوية ودورها في صناعة الحضارة ، بصيغة  pdf أضغط هنا.

___________________________________________________________

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة

 

للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف

 

و للمزيد عن مسابقات الأوقاف

 

للمزيد عن أخبار الأوقاف

 

و للمزيد عن الدروس الدينية

 

عناصر خطبة الجمعة القادمة 7 مارس 2025 م بعنوان : تعزيز الهوية ودورها في صناعة الحضارة ، للدكتور محروس حفظي :

 

(1) ضرورةُ الاعتزازِ بالهويةِ الإسلاميةِ والعربيةِ.

(2) مخاطرُ ومساوىءُ التفريطِ في الهويةِ.

(3) وسائلُ الحفاظِ على الهويةِ، ودورُهَا في صناعةِ الحضارةِ.

 

ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 7 مارس 2025 بعنوان: تعزيز الهوية ودورها في صناعة الحضارة ، للدكتور محروس حفظي : كما يلي: 

 

«تعزيزُ الهويةِ، ودورُهَا في صناعةِ الحضارةِ»

بتاريخ 7 رمضان 1446 هـ = الموافق 7 مارس 2025 م

 

الحمدُ للهِ حمدًا يُوافِي نعمَهُ، ويُكافِىءُ مزيدَهُ، لك الحمدُ كما ينبغِي لجلالِ وجهِكَ، ولعظيمِ سلطانِكَ، والصلاةُ والسلامُ الأتمانِ الأكملانِ على سيدِنَا مُحمدٍ ، أمَّا بعدُ ،،،

العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة 7 رمضان : تعزيز الهوية ودورها في صناعة الحضارة ، للدكتور محروس حفظي

(1) ضرورةُ الاعتزازِ بالهويةِ الإسلاميةِ والعربيةِ:

جرتْ سنةُ اللهِ في خلقِهِ أنْ يكونَ المرءُ منتسباً إلى أُناسٍ معينين، أو أرضٍ معروفةٍ، أو عاداتٍ وتقاليد، تربَّى عليها، وتأثرَ بهَا، وأثرتْ فيهٍ، فتعلقَ بحبالِهَا، واصطبغَ بصبغتِهَا حتى عُرفَ بهَا، وتميزَ عن غيرِهِ، شكلتْ هويتَهُ وانتماءَهُ، فهذه هي الهويةُ، فهي انتماءٌ إلى شيءٍ ما، والاصطباغُ بصبغتِهِ، فصارت شعاراً مخصوصاً، وعنواناً موصوفاً لهذا الشيءِ، بالهويةِ يقدمُ الإنسانُ أو يؤخرُ، أو يكرمُ أو يهانُ، ويعلوُ أو يهبطُ في الدركاتِ، وهي جوهرةٌ نفيسةٌ عندَ أهلِهَا، مقدسةٌ محترمةٌ، بغضِّ النظرِ عن استقامتِهَا أو اعوجاجِهَا، وقد تنشبُ الصراعاتُ بينَ فريقينِ يحاولُ أحدهُمَا طمسَ هويةِ الطرفِ الآخرِ.

إِنَّ هذا العصرَ مُلْتَقًى لِلصِّرَاعِ بَيْنَ الْقُوَى، تَتَعَارَكُ فِيهَا الدولُ والشعوبُ عَلَى فَرْضِ الْهَيْمَنَةِ، أَوْ عَلَى التَّمَيُّزِ الَّذِي يَحْمِي كُلَّ قُوَّةٍ مِنَ التَّبَعِيَّةِ وَالذَّوَبَانِ فِي غَيْرِهَا؛ إِنَّهُ صِرَاعٌ مُحْتَدِمٌ يَعِيشُ الْجَمِيعُ تَحْتَ دُخَانِهِ الْمُتَنَاثِر؛ لذا كان المحافظةُ على ما تمتلكُهُ المجتمعاتُ الإسلاميةُ والعربيةُ مِن هُويَّةٍ، وسماتٍ، وملامحٍ مميزةٍ خاصةً بها دونَ غيرِهَا مِن المجتمعاتِ أمرًا في غايةِ الأهميةِ والخطورةِ؛ لأنَّ الاعتزازَ بهذه الهويةِ يبعثُ على الفخرِ، والاعتزازِ، والشموخِ، والثقةِ بالنفسِ، والمجتمعُ الذي ليس له هويةٌ يتمسكُ بهَا، ويتميزُ بهَا هو مجتمعٌ ضعيفُ البنيةِ، حيرانٌ، وتائهُ الرؤيةِ، يترنحُ تارةً هنا وهناك.

لقد ميزَ اللهُ – تعالى- المجتمعاتِ الإسلاميةَ بهويةٍ فريدةٍ في مصادِرِهَا، وأصولِهَا وفروعِهَا، ومَن عايشَهَا، وفهمَهَا، والتزمَ بهَا سعدَ في الدنيا والآخرةِ؛ لأنّهُ توازنٌ بينَ متطلباتِ الجسدِ والروحِ دونَ أنْ يطغَى أحدهُمَا على الآخرِ؛ ولأهميةِ القرآنِ الكريمِ، والسنةِ النبويةِ المطهرةِ كمصدرينِ أساسينِ للهويةِ الإسلاميةِ، فقد اعتنَى الشارعُ الحكيمُ اعتناءً كبيراً بالمحافظةِ عليهمَا، فقالَ تعالى: ﴿لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾، وقـال: ﴿فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ﴾، وكلتَا الآيتينِ الكريمتينِ تشيرانِ إلى ضرورةِ التمسكِ بالقرآنِ الكريمِ، والسنةِ المطهرةِ؛ لأنَّ فيهمَا العزةَ، والرفعةَ، للإنسانِ المؤمنِ القوِي.

إنَّ الواجبَ علينَا الآنَ ليس المحافظةَ على هويتِنَا فحسب، بل الواجبُ الدعوةُ إليهَا بالحكمةِ، والموعظةِ الحسنةِ، ونشرِهَا في كافةِ أصقاعِ الدنيا، وإذا كان غيرُنَا مِن المجتمعاتِ يفتخرُ، ويعتزُّ بهويتِهِ أيّمَا اعتزازٍ، فنحنُ أحقُّ بالافتخارِ، والاعتزازِ بهويتِنَا؛ لأنّهَا معتمدةٌ على أصولٍ ربانيةٍ، وتتماشَي مع الأخلاقِ، والقيمِ، والفضائلِ الساميةِ، والعقولِ السليمةِ.

فلا خلافَ أنَّ التَّمَسُّكَ بِالْهُوِيَّةِ يُعَدُّ خَطَّ الدِّفَاعِ الْأَوَّلِ أَمَامَ تَيَّارَاتِ الْغَزْوِ الْفِكْرِيِّ الْقَادِمِ مِنْ وَرَاءِ الْبِحَارِ؛ لأنّهُ يحولُ دونَ الذَّوَبَانِ وَالتَّمَاهِي فِي الْهُوِيَّاتِ الْأُخْرَى؛ إذ يُصْبِحُ الْمُسْلِمُ عَزِيزًا غَيْرَ قَابِعٍ فِي أَقْبِيَةِ الذُّلِّ والهوانِ ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾.

العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة 7 رمضان : تعزيز الهوية ودورها في صناعة الحضارة ، للدكتور محروس حفظي

(2) مخاطرُ ومساوىءُ التفريطِ في الهويةِ:

إذا انسلَخَ المسلمُ مِن هويتِهِ، وراحَ يجرِي خلفَ سرابٍ خادعٍ مِن المذهبيَّاتِ الفارغةِ، فإنّهُ لن يجنيَ إلّا الشقاءَ والتعاسةَ، فكم رأينَا شعوبًا جرتْ لاهثةً خلفَ أفكارٍ غريبةٍ عن هويتِهَا، فلم تجنِ الأمةُ إلّا الضعفَ والضياعَ؛ لأنَّ ما كان للهِ دامَ واتصلَ، وما كان لغيرِ اللهِ انقطعَ وانفصلَ، فمِن مخاطرِ ضياعِ الهويةِ الحقيقيةِ ما يلي:

أولاً: التفكُّكُ والتشرذمُ، والضعفُ والانحلالُ: إنَّ الهويةَ الموحدةَ للمجتمعِ الواحدِ، والاعتزازَ بهَا يوحدُ صفَّ المجتمعِ، ويجعلُهُ متحدًا في سبيلِ الدعاياتِ للانسلاخِ مِن قيمهِ وموروثاتِهِ، متمسكًا بتاريخِهِ ورموزِهِ، عزيزًا شامخًا بماضيهِ وحاضرهٍ ومستقبلهِ، والشعوبُ تنظرٌ بتقديرٍ لِمَن يعتزُّ بهويتِهِ أمامَ المجتمعاتِ الأخرى، ويسقطُ مِن عينِهَا المنسلخُ مِن هويتِهِ، التائهُ المتقلبُ.

ثانياً: ظهورُ أجيالٍ ممسوخةِ الأفكارِ، مطموسةِ الملامحِ: البعضُ قد أصابتْهُ حالةٌ مِن الذهولِ والانبهارِ بِمَا وَصَلَ إِلَيْهِ غَيْرُهُ مِنْ تَطَوُّرِ شُؤُونِ الْحَيَاةِ، فَغَدَا هُنَاكَ اضْطِرَابٌ يُصِيبُ بَعْضَ الأشخاصِ فِيمَا يَخْتَصُّ بِأَدْوَارِهِمْ فِي الْحَيَاةِ، وَيُصِيبُهُمُ الشَّكُّ فِي قُدُرَاتِهِمْ أَوْ رَغَبَاتِهِمْ فِي الْحَيَاةِ حيث تهدفُ مخططاتُ الأعداءِ على طمسِ الهويةِ، وعلى تشويهِ صورةِ الإسلامِ، وعلى إثارةِ النزاعاتِ والفتنِ بينَ المجتمعاتِ مِن خلالِ القنواتِ الفضائيةِ، والشبكةِ العنكبوتيةِ وغيرِهَا، بينما قد ترى في بعضِ المجتمعاتِ الأخرى قوةً، وصلابةَ تمسكِهِم، ومحافظتِهِم على هويتِهِم التي يتميزونَ بهَا مِن عاداتٍ وتقاليدَ، ورثوهَا مِن أسلافِهِم، وقد تشعرُ في بعضِ ما يعتزونَ عجائبَ قد يصلُ في بعضِهَا إلى قدرٍ لا يقبلهُ الآخرُ بينما تجدهُم متمسكينَ بهَا، ويصرونَ على إبرازِهَا، وتخليدِهَا بكلِّ الوسائلِ المتاحةِ.

ثالثاً: الاحتلالُ الفكرِي والثقافِي الذي سيغزونَا: وهو شرُّ أنواعِ الاحتلالِ؛ لأنَّ بهِ سيجنِي أعداؤُنَا حلفاءَ مِن بينِنَا، ودعمًا مِن أموالِنَا؛ فليتنَا نعودُ كمَا كنَّا سادةَ الدنيا في العلومِ والمعارفِ، وكان ملوكُ الأرضِ يرسلونَ أبناءَهُم إلينَا ليتعلمّوا لغتنَا، ويأخذُوا علومَنَا ومعارفَنَا بينمَا انقلبَ الحالُ، وتبدلَ الأمرُ، ولا حولَ ولا قوةَ إلّا باللهِ.

رابعاً: تضييعُ الفرائضِ والأحكامِ، ومِن ثَم تهميشُ دورِ الدينِ في حياةِ الإنسانِ: غيابُ الهويةِ تعنِي القضاءَ على القيمِ الصحيحةِ، والأخلاقِ الرفيعةِ، والعاداتِ والتقاليدِ النافعةِ، وانعدامَ المعانِى الساميةِ كحبِّ الخيرِ، والأعمالِ الصالحةٍ، وحبِّ الوطنِ والنهوضِ بهِ، الأمرُ الذي يقودُ بالإنسانِ حتماً نحوَ الإنسلاخِ والخروجِ عن تعاليمِ الدينِ ككلٍّ، قالَ تعالى: ﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا﴾.

العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة 7 رمضان : تعزيز الهوية ودورها في صناعة الحضارة ، للدكتور محروس حفظي

(3) وسائلُ الحفاظِ على الهويةِ، ودورُهَا في صناعةِ الحضارةِ:

اللهُ قد نعتَ بلدَنَا مصرَ بما لم ينعتْ بهِ أرضاً مثلَهَا، فهي أرضُ السلامِ والطمأنينةِ، ونزولِ الرسالاتِ على بعضِ الأنبياءِ والتي سارتْ خطواتُهُم عليهَا، فجاءَ إليهَا إبراهيمُ- عليهِ السلامُ- وتزوجَ مِن السيدةِ هاجر، وجاءَ إليهَا يوسفُ- عليهِ السلامُ- وأصبحَ فيهَا وزيراً، وتبعَهُ إليهَا أبوهُ يعقوبُ – عليهِ السلامُ- ﴿وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ﴾، ودارَ أعظمُ حوارٍ بينَ اللهِ وموسى- عليهِ السلامُ- على أرضِهَا ﴿فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى﴾، وإلى مصرَ لجأَ السيدُ المسيحُ – عليهِ السلامُ -، وهذا يحتمُ على الإنسانِ الواعِي أنْ يحافظَ على تلكَ القيمةِ، ويعملَ جاهدًا على حمايتِهَا، والدفاعِ عنهَا، ويبذلَ كلَّ غالِي كي يرفعَ شأنَهَا؛ إذ تحملُ في جنباتِهَا ميراثَ آلَ بيتِ سيدِنَا رسولِ اللهِ ، ولذا نوهتْ السنةُ بفضلِهَا، قَالَ :«إِنَّكُمْ سَتَفْتَحُونَ مِصْرَ وَهِيَ أَرْضٌ يُسَمَّى فِيهَا الْقِيرَاطُ، فَإِذَا فَتَحْتُمُوهَا فَأَحْسِنُوا إِلَى أَهْلِهَا، فَإِنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِمًا» أَوْ قَالَ «ذِمَّةً وَصِهْرًا»(مسلم)، وقد عبرَ القرآنُ الكريمُ عن اعتزازِ المصريينَ بوطنِهِم، ويتجلَّى ذلك في قولِهِم عن موسي وهارون ﴿قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ﴾، ﴿قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى﴾ تمسكاً منهم بوطنِهِم، والبلدِ الذي ولدُوا فيهِ وتربُّوا وعاشُوا عليهِ.

إنَّ القرآنَ الكريمَ حين يضفِي علي مصرَ وصفَ “الأرضِ” في كثيرٍ مِن آياتِهِ إنّمَا يعكسُ إعجازاً تاريخياً؛ ذلك أنَّ ما نقلَهٌ باللغةِ العربيةِ عن اعتزازِ المصريينَ بأرضهِم سجلَهُ فيمَا بعدُ علماءُ المصرياتِ حين عرفُوا رموزَ اللغةِ الهيروغليفيةِ، وقرأوهَا وعرفُوا أنَّ كلمةَ “توميري” كانت متداولةً علي لسانِ المصريينَ وتعنِي عندهُم “الأرضَ المحبوبةَ” أي مصر، وفي نفسِ الوقتِ يقولونَ عن الصحراءِ وما لا يعرفونَهُ مِن الأرضِ المجهولةِ والتي لا يهتمونَ بهَا أنّهَا “آخيت”، مصرُ تسيرُ مع القرآنِ الكريمِ طولاً وعرضاً، فتارةً يصفُهَا سبحانَهُ، وتارةً يعدهَا بالأمنِ، وتارةً يقسمُ بهَا، وتارةً ينصحُ العالمينَ بالنزولِ إليهَا، وفيما يلي بيانٌ لبعضِ وسائلِ الحفاظِ على الهويةِ، ودورِهَا في صناعةِ الحضارةِ:

أولاً: معرفةُ التاريخِ، ومواقفُ المصريينَ مع الأممِ والشعوبِ المختلفةِ، وتلمسُ مواطنِ العِظَةِ والعبرةِ: قد تجدُ البعضَ قد حوَّلَ هذا شهرَ رمضانَ الفضيلَ إلى حالةٍ مِن الكسلِ والتباطءِ عن العملِ، فتجدُ أحدَهُم يسهرُ الليلَ كلَّهُ، وينامُ النهارَ ولا يستيقظُ إلّا على الإفطارِ، فهل هذا حققَ مقصدَ الصيامِ والغايةَ منهُ ؟!، وتجدُ البعضَ الآخرَ يذهبُ للعملِ متأخراً، ويتكاسلُ عن قضاءِ مصالحِ الخلقِ بحجةِ أنَّ الصيامَ يتعبُهُ ويرهقُهُ، بينمَا المتصفحُ في تاريخِ المسلمينَ الأوائلِ يجدُ أنّهّم ما كانوا يتركونَ أمورَ معاشِهِم للتفرغِ للعبادةِ، بل يجمعونَ بينَ ذلك كلِّهِ في توازنٍ مُحَكمٍ يضمنُ أداءَ العبدِ ما افترضَهُ اللهُ مِن عباداتٍ، واستقرارَ العملِ والإنتاجِ بطريقةٍ وسطيةٍ لا إفراطَ فيهًا ولا تفريط، ولذا رفضَ سيدُنَا أنْ يكونَ الصومُ حُجَّةً لتركِ العملِ، والتعللِ به، وجعلِهِ سبيلاً إلى العنتِ والمشقةِ، فعَنْ جَابِرِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ خَرَجَ عَامَ الْفَتْحِ إِلَى مَكَّةَ فِي رَمَضَانَ فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ كُرَاعَ الْغَمِيمِ، فَصَامَ النَّاسُ، ثُمَّ دَعَا بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ فَرَفَعَهُ، حَتَّى نَظَرَ النَّاسُ إِلَيْهِ، ثُمَّ شَرِبَ، فَقِيلَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ: إِنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَدْ صَامَ، فَقَالَ: «أُولَئِكَ الْعُصَاةُ، أُولَئِكَ الْعُصَاةُ» (مسلم) .

وفي شهرِ رمضانَ حققَ المسلمونَ عدةَ انتصاراتٍ كانت بمثابةِ المحطةِ الفارقةِ، والنقطةِ الفاصلةِ في حياةِ الأمةِ، وقد حفلَ تاريخُ المسلمينَ الطويلَ بستجيلِ نماذجَ متعددةٍ مِن الانتصاراتِ في رمضانَ مِمَّا يؤكدُ أنّهُ شهرُ الإنتاجِ والعملٍ لا الخمولِ والكسلِ، وأعظمُ معركةٍ وقعتْ في العصرِ الحديثِ معركةُ أكتوبر 1973م الموافقُ للعاشرِ مِن رمضانَ 1393ه، حيثُ التقَى الجيشُ المصريُّ مع العدوِّ الغاشمِ على أرضِ سيناءَ الحبيبةِ، فهَزمَ هذا المحتلَّ، وأبطلَ مقولتَهُم التي طالمَا كانوا يتغنونَ بهَا “أسطورةَ جيشِهِم الذي لا يقهرُ”، وسطرتْ قواتُنَا المسلحةُ بأحرفٍ مِن نورٍ هذا النصرَ، وبذلَ جنودُنَا الغالِي والنفيسَ في تحقيقِ سبيلِ العزةِ والكرامةِ، فضحُّوا بأرواحِهِم، ورووا الأرضَ بدمائِهِم دفاعاً عن وطنِهِم وأعراضِهِم فحقَّ فيهِم قولُهُ تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ﴾، عبرَ جنودُنَا وهم صائمونَ رغمَ أنَّ الشرعَ الحنيفَ رخصَ لهُم الفِطرَ لكن أبت، أخلاقُ وطبائعُ هؤلاءِ العظام- ومحبتهِم للشهادةِ في سبيلِ تحريرِ وطنِهِم مِن عدوِّهِم الغاشمِ- إلّا أنْ يكونُوا صائمين: “لا نريدُ أنْ نفطرَ إلَّا في الجنةِ”، فعلتْ أصواتُهُم بكلمةِ «اللهُ أكبرُ»، وما زالَ الجيشُ المصرِيُّ على العهدِ باقياً وسيظلُّ كذلك إلى أنْ يرثَ اللهُ الأرضَ ومَن عليهَا رغمَ كيدِ الكائدين، وأبواقِ المفسدينَ مصداقاً لقولِ سيدِ الخلقِ :«إذا فتحَ اللهُ عليكُم مصرَ بعدِي فاتخذُوا فيها جندًا كثيفًا؛ فذلك الجندُ خيرُ أجنادِ الأرضِ، فقالَ له أبو بكرٍ: ولِمَ ذلكَ يا رسولَ اللهِ؟ قال: لأنَّهُم في رباطٍ إلى يومِ القيامةِ» (كنز العمال) .

ثانياً: ضرورةُ التصدِّي لِمَن يحاولُ تزييفَ وتشويهَ صورةِ التاريخِ الحافلِ: إنَّ الشعوبَ لتحترمُ الأمةَ التي تعتزُّ بهويتِهَا ومبادئِهَا، وتوقرُ الأمةَ التي تعتمدُ على نفسِهَا، وتجبرُ الآخرين على احترامِهَا، وتعدُّ لهَا وتحسبُ حسابهَا، وإنَّ الأمةَ لتموتُ بينَ البلدانِ وتذوبُ بينَ الخلقِ، ويذهبُ ريحُهَا إذا تخلتْ عن هويتِهَا، وضعفتْ ثقتُهَا برايتِهَا.

لقد تتابعتْ على أرضِ مصرَ حضاراتٌ متعددةٌ، فكانت مهداً للحضارةِ الفرعونيةِ والإغريقيةِ والرومانيةِ والقبطيةِ، وحاميةً للحضارةِ الإسلاميةِ، حيث اتسمَ شعبُهَا بالحبِّ والتسامحِ والكرمِ، فامتزجَ أبناءُ هذا البلدِ فى نسيجٍ واحدٍ متينٍ، ولهذا وصفَهَا المؤرخُ الإغريقيُّ «هيرودوت» بـ«هبةِ النيلِ».

ولذا عبرَ القرآنُ الكريمُ عن بلدِنَا مصرَ أنَّهَا تمثلُ الأرضَ كلَّهَا آنذاك؛ إذ تركزتْ فيهَا الحضارةُ والمدنيةُ بينما يعيشُ غيرُهَا في الكهوفِ، قالَ مؤمنُ آلِ فرعونَ لقومِهِ: ﴿يا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ﴾، وقال يوسفُ لإخوتِهِ:﴿وَجَاء بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ﴾، فما أروعهُ مِن وصفٍ؛ فهو يدلُّ على عمقِ وعظمةِ ذلكم البلدِ “مصر”، ثم جاءت الحضارةُ الإسلاميةُ فلم تهدمْ شيئًا مِن التراثِ كان قائمًا يومَ ظهورِهَا، بل أعادتْ إلى البناءِ ما تهدّمَ ثم زادتْ عليهِ، فشهدتْ خلالَ الحكمِ الإسلامِي نهضةً شاملةً فى العمرانِ والفنونِ، فأُنشأَت المساجدُ والمدارسُ والقلاعُ فى أوَّلِ عاصمةٍ إسلاميةٍ في مصرَ مدينةِ “الفسطاطِ”، وفي العصرِ الحديثِ تعرضتْ لهجماتٍ متتابعةٍ، وضرباتٍ قويةِ، وطمعِ الكثيرينَ بسببِ موقعِهَا الجغرافِي، وثرواتِهَا الطبيعيةِ ومع ذلك صبرَ أهلُهَا بصورةٍ لا نظيرَ لهَا في تاريخِ البشرِ، فلقد ظلتْ في أوقاتِ قوتِهَا، ولحظاتِ ضعفِهَا محافظةً علي شخصيتِهَا الفريدةِ التي تكونتْ مِن مقوماتِهَا الذاتيةِ، وتفاعلِهَا الحضارِي مع غيرِهَا، وهذا يحتمُ علينَا جميعاً أسوةً بأسلافِنَا أنْ نأخذَ بالأسبابِ ووسائلِ التقدمِ، وقد ضربَ القرآنُ الكريمُ مثلاً للتخطيطِ السليمِ الذي قامَ على أسسٍ منطقيةٍ، فأمكنَ بذلك تلافِي المجاعةِ كانت تهددُ مصرَ بالهلاكِ، فيوسفُ – عليهِ السلامُ- وذلك حين فسّرَ الرؤيا التي جاءت على لسانِ حاكمِ مصرَ ﴿تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ﴾ قدّمَ خطةً عمليةً شملتْ الشعبَ المصرِيَّ كلَّهُ حيثُ اعتمدتْ على استيعابِ المجتمعِ بأكملِهِ، ومضاعفةِ الإنتاجِ، وتقليلِ الاستهلاكِ؛ إذ الأزماتُ تحتاجُ إلى سلوكٍ استثنائِي، فكان- عليه السلام- أنْ يوازنَ بينَ ثلاثةِ جوانبٍ، الإنتاجِ، والاستهلاكِ، والادخارِ، وأنْ يعيدَ استثمارَ المدخراتِ، فمرتْ المحنةُ بسلامٍ، بل كانت البلادُ المجاورةُ تأتيهِ؛ فيعطيهَا ما تريدُ، فكانت مصرُ بحقٍ- وستظلُّ بإذنِ اللهِ– “مركزَ الغِلالِ والغذاءِ” لِمَن حولَهَا حيثُ سمَّاهَا القرآنُ الكريمُ ﴿خَزائِنِ الْأَرْضِ﴾؛ لِمَا فيهَا مِن خيرٍ ووفرةٍ، ولم تسمَّ “خزائنَ مصرَ”؛ كي لا يكونَ الاسمُ محلياً، وإنّمَا قصدَ الحكيمَ بتسميتِهَا “خزائن الأرض”؛ ليذَكِّرَ الجميعَ فى كلِّ زمانٍ ومكانٍ أنَّ مصرَ وسعَ خيرُهَا الجميعَ، وأفاضتْ مِن بركاتِهَا على مَن لجأَ إليهَا.

تابع / خطبة الجمعة القادمة 7 رمضان : تعزيز الهوية ودورها في صناعة الحضارة ، للدكتور محروس حفظي

ثالثاً: الحفاظُ على اللغةِ العربية، ومجابهةُ المحاولاتِ لإضعافِهَا وإحلالِ العامياتِ بدلًا منها أو استبدالِ غيرِهَا بهَا: اللغةُ العربيةُ هي أوسعُ اللغاتِ وأكثرُهَا بيانًا، وأوفاهَا بأداءِ المعنى، وأقدرُهَا على تأديةِ المرادِ حتى قال الإمامُ الشافعيُّ: «لسانُ العربِ أوسعُ الألسنةِ مذهبًا، وأكثرُهُم ألفاظًا، ولا نعلَمُهُ يحيطُ بجميعِ علمهِ إنسانٌ غيرُ نبيٍّ»، وبهذه الخصائصِ وتلكَ المقومات ِكانت العربيةُ قادرةً على استيعابِ التراثِ الإسلاميِّ والعربيِّ على تنوعهِ وتعددهِ على مرِّ التاريخِ، كما ضمنتْ للفكرِ العربيِ الحيويةَ والتجددَ ومِن ثَمَّ البقاءَ والخلودَ، والمعروفُ لدى أهلِ الاختصاصِ أنّ قيامَ الحضاراتِ واستمرَاهَا مرتبطٌ ارتباطاً وثيقاً ببقاءِ لغتِهَا، فاللغةُ تعبرُ عن وحدةِ الهدفِ ووحدةِ الصفِّ، وهي الوعاءُ الثقافيُّ الأهمُّ لأيٍّ أمةٍ تريدُ البقاءَ والاستمرارَ، فمن قدَّمَ لغةً غيرَ قومِهِ، واستأثرَ بهَا فكأنّهُ يعلنُ انتماءَهُ إلى غيرِ قومِهِ، ولغةُ القرآنِ هي الوحيدةُ مِن بينِ جميعِ اللغاتِ القادرةُ على استيعابِ ذلكَ كلِّهِ، وهي حاضنةُ الحضارةِ العربيةِ، وناقلتُهَا إلى الأممِ والشعوبِ، وصدقَ القائلُ:

إنَّ الّذي ملأ اللغاتِ محاسنًا *** جعلَ الجمالَ وسرَّهُ في الضّادِ

لو لم تكُنْ أمُّ اللغـاتِ هيَ المُنى *** لكسرتُ أقلامي وعِفتُ مِدادي

لغةٌ إذا وقعتْ عـلى أسماعِنا *** كانتْ لنا برداً على الأكبادِ

ستظلُّ رابطةً تؤلفُ بينَنا *** فهيَ الرجاءُ لناطـقٍ بالضّادِ

فما أحوجَنَا إلى تعليمِ أولادنَا اللغةَ العربيةَ، وغرسِ أهميتهَا وقيمتهَا في نشأِنَا – كما تفعلُ الدولُ والمجتمعاتُ من حولِنَا، بل تبذلُ المالَ، وتعقدُ الندواتِ والمؤتمراتِ، وتقيمُ الدوراتِ وتأتي بأفضلِ المعلمين؛ لتسمو وتتسابقَ وتتشرفَ بين الأممِ بلغاتِهَا- لأنّ هذا يعززُ قيمَ الانتماءِ للوطنِ والأمةِ، ولذا كان السلفُ يؤدبون أولادَهُم على العربيةِ، ويصححون ما دخلَ عليها من عُجمةٍ وغرابةٍ، فهذا عَلِيٌّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ يضربُ الحسنَ والحسينَ على اللحنِ في اللغةِ، وهذا عَبْد اللَّهِ بْنُ عُمْرَ بنُ الخطابِ يضربُ أولادَهُ على اللحنِ، ولا يضربُهُم على الخطأِ، وكذا كان يصنعُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عباسٍ رضي اللهُ عنهم أجمعين، وقد رأى سيدُنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رجلين وهما يَتَرَاطَنَان في الطوافِ، فعلاهُمَا بالدِّرَّةِ وقال: «لا أمَّ لكما، ابتغيا إلى العربيةِ سبيلاً»، فأين نحنُ من تلك التوجيهاتِ العمريةِ ؟! وأين أبناءُ المسلمين اليوم الذين زهدُوا في لغتهم لغةِ القرآنِ ؟ وأين أبناءُ المسلمينَ اليوم الذين زهدُوا في لغتِهِم لغةِ القرآنِ؟! قالَ الثعالبيُّ: “مَن أحبَّ اللهَ أحبَّ رسولَهُ، ومَن أحبَّ النبيَّ العربيَّ أحبَّ العربَ، ومَن أحبَّ العربَ، أحبَّ العربيةَ التي بهَا نزلَ أفضلُ الكتبِ على أفضلِ العجمِ والعربِ”. اهـ.

وإذا كانت لغةُ القرآنِ بهذه القوةِ والمقدرةِ، وبتلك المنزلةِ، فلا غرابةَ أنْ تكونَ مستهدفةً مِن أعدائِهَا لكن أنَّى لهُم ذلك، فقد ضمنَ اللهُ حفظَ القرآنِ، وحفظَ لغتِهِ مِن كيدِ الكائدين ومكرِ المعاندين، ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ﴾، لذا يجبُ على العلماءِ التكاتفُ فيمَا بينهم على اختلافِ مجالاتِهِم؛ لمواجهةِ ما يُحاكُ ضدَّ اللغةِ العربيةِ، وما يدبرُ لإضعافِهَا وتجريفِهَا كاتهامِهَا بالصعوبةِ والجمودِ، والمناداةِ بتركِهَا، واستخدامِ العاميةِ.

وليس معنَى ذلكَ إهمالُ تعلّمِ اللغاتِ الأخرى، بل ينبغِي علينَا أنْ نتعلمَ منهَا ما يعينُنَا على التواصلِ مع الآخرين، والاستفادةِ مِن علومِهِم، فقد ثبتَ أنَّ رسولَنَا ﷺ أمرَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنْ يتعلمَ لغةَ اليهودِ، فتعلمَهَا في مدةٍ وجيزةٍ دونَ أنْ يطغَي هذا على لغتِنَا العربيةِ، لغةِ القرآنِ والسنةِ.

تابع / خطبة الجمعة القادمة 7 رمضان : تعزيز الهوية ودورها في صناعة الحضارة ، للدكتور محروس حفظي

رابعاً: التكاتفُ والترابطُ، وإقامةُ علاقاتٍ وصِلاتٍ جيدةٍ بينَ مختلفِ أطيافِ المجتمعِ: فهذا مِن شأنِهِ أنْ يوحِّدَ أمرَكُم ويقوِّي عزمَكُم، ويعينَكُم على مواجهةِ عدوِّكُم، ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا﴾، فلا يخفَى على أحدٍ مِن الناسِ أهميةُ جمعِ كلمةِ المسلمينَ الآن، وأنَّ ذلكَ سببٌ في النصرِ على عدُّوهِم، وصنعُ مستقبلٍ مشرقٍ لهُم، ولذا أمرَ اللهُ بالاجتماعِ في آياتٍ كثيرةٍ محذراً منه، وداعياً لهم بالاعتصامِ بحبلِهِ المتينِ، وأخبرَ أنَّ التفرقَ والتنازعَ سببٌ في حصولِ الفشلِ والهزيمةِ، فقالَ سبحانَهُ: ﴿وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾، والمتأملُ في هذه الآيةِ يراهَا قد رسمت للمؤمنينَ في كلِّ زمانٍ ومكانٍ الطريقَ التي توصلُهُم إلى الفلاحِ والظفرِ بحيثُ يشعرُ المسلمين أنّهُم أمةٌ واحدةٌ متماسكون متحدون أمام أعدائِهَا حتى يصيروا كالجسدِ الواحدِ إذا اشتكى منه عضوٌ تداعَى لهُ سائرُ الجسدِ بالسهرِ والحمى، فعليهِم أنْ ينبذُوا التفرقَ والاختلافَ الذي يؤدِّي إلى ضعفِهِم وفشلِهِم، ﴿وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ﴾، ودينُنَا الحنيفُ أرشدَنَا أنْ نقفَ بجوارِ بعضِنَا البعض وقتَ البلايا والمصائبِ، فعَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ : «الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا – وشبك أصابعه-» (متفق عليه).

وقال : «عَلَيْكَ بِالْجَمَاعَةِ، فَإِنَّمَا يَأْكُلُ الذِّئْبُ الْقَاصِيَةَ» (أحمد).

خامساً: إحياءُ سيرِ العلماءِ والصالحينَ، والأولياءِ، والشهداءِ، وإفشاؤهَا ونشرهَا بينَ أبنائِنَا: وذلك بإدخالِهَا ضمنَ المناهجِ الدراسيةِ والتربويةِ؛ لتحُلَّ القدواتُ الصالحةُ محَلَّ قصصِ السفهاءِ والمخربين، كُلٌّ يريدُ أنْ يُخرِجَ جِيلاً قَويًّا، جِيلاً يكونُ شَامَةً فِي جَبِينِ التَّاريخِ، يُعيدُ للأمَّةِ أمجَادَهَا، ويُحْيِي لهَا ذِكْرَهَا؛ فالْمُجْتَمَعَ الآن فِي أَمَسِّ الْحَاجَةِ إِلَى إظهار الْقُدْوَاتِ الصَّالِحَةِ، وهذا يَتَوَجَّبُ إِبْرَازُهَا، وَتَسْلِيطُ الْأَضْوَاءِ عَلَيْهَا؛ لِيُقْتَدَى بِهَا في مختلفِ جنباتِ الحياةِ، ولهذا لم يَكْتَفِ رَسُولُ اللَّهِ بِأَنْ كَانَ خَيْرَ قُدْوَةٍ لِأَصْحَابِهِ بَلْ أَوْصَى صَحَابَتَهُ مِنْ بَعْدِهِ بِحُسْنِ تَخَيُّرِ الْقُدْوَاتِ مِنْ بَعْدِهِ؛ فعَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : «اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ» (الترمذي وحسنه)، خاصةً وأنَّ الصراعَ اليومَ هو صراعُ النماذجِ، فالغربُ يسعَى إلى التأثيرِ في أطفالِ غيرِهِ بأسلوبينِ:

الأولُ: بتقديمِ نماذجِهِ الحيةِ والخياليةِ بمَا فيهَا النماذجُ التاريخيةُ، وأصبحَ أطفالُنَا يتعاملونَ مع هذه النماذجِ كما لو كانت حقيقةً حسيةً وواقعيةً.

الثاني: هو تدميرُ الأنموذجِ الإسلامِي الذي تصوغُهُ الشريعةُ الإسلاميةُ سواءٌ أكان هذا الأنموذجُ تاريخياً أو واقعياً، يظهرُ ذلك في تشويهِ الصورةِ ونعتِهَا بأبشعِ الألوانِ مع تقديمِهَا في أشنعِ الصورِ.

أخي الكريم: إنّ غرسَ الهويةِ الصحيحةِ في نفسِ الولدِ منذُ نعومةِ أظفارِهِ هو الذي سيحملُهُ على مواصلةِ العملِ والبناءِ، ويعطيهِ جرعاتٍ مِن الأملِ والتفاءلِ الذي هو قوةٌ دافعةٌ تشرحُ الصدرَ للعملِ، وتخلقُ دواعِيَ الكفاحِ مِن أجلِ الواجبِ، وتبعثُ النشاطَ في الروحِ والبدنِ، وتدفعُ الكسولَ إلى الجدِّ، والمجدِ إلى المداومةِ على جدِّهِ، كما أنّهُ يدفعُ المخفقَ إلى تكرارِ المحاولةِ حتى ينجحَ، ويحفزَ الناجحَ إلى مضاعفةِ الجهدِ؛ ليزدادَ نجاحُهُ، ويدفعَ عنهُ اليأسَ والأسَى.

نسألُ اللهَ أنْ يرزقنَا حسنَ العملِ، وفضلَ القبولِ، إنّهُ أكرمُ مسؤولٍ، وأعظمُ مأمولٍ، وأنْ يجعلَ بلدَنَا مِصْرَ سخاءً رخاءً، أمناً أماناً، سلماً سلاماً وسائرَ بلادِ العالمين، ووفقْ ولاةَ أُمورِنَا لِمَا فيهِ نفعُ البلادِ والعبادِ.

كتبه: الفقير إلى عفو ربه الحنان المنان

د / محروس رمضان حفظي عبد العال

مدرس التفسير وعلوم القرآن – كلية أصول الدين والدعوة – أسيوط

_____________________________________

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة

 

وللإطلاع علي قسم خطبة الجمعة

 

تابعنا علي الفيس بوك

 

الخطبة المسموعة علي اليوتيوب

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات

 

وللإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة

 

للمزيد عن أخبار الأوقاف

 

وللمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف

 

للمزيد عن مسابقات الأوقاف

اظهر المزيد

كتب: د.أحمد رمضان

الدكتور أحمد رمضان حاصل علي الماجستير من جامعة الأزهر بتقدير ممتاز سنة 2005م ، وحاصل علي الدكتوراه بتقدير مع مرتبة الشرف الأولي من جامعة الأزهر الشريف سنة 2017م. مؤسس جريدة صوت الدعاة ورئيس التحرير وكاتب الأخبار والمقالات المهمة بالجريدة، ويعمل بالجريدة منذ 2013 إلي اليوم. حاصل علي دورة التميز الصحفي، وقام بتدريب عدد من الصحفيين بالجريدة. للتواصل مع رئيس التحرير على الإيميل التالي: [email protected] رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) للمزيد عن الدكتور أحمد رمضان رئيس التحرير أضغط في القائمة علي رئيس التحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »