خطبة الجمعة القادمة 13 ديسمبر : صناعة العقول وأثرها في بناء الإنسان ، للدكتور محروس حفظي
بتاريخ 11 جمادي الآخرة 1446هـ ، الموافق 13 ديسمبر 2024م
خطبة الجمعة القادمة
خطبة الجمعة القادمة 13 ديسمبر 2024 م بعنوان : صناعة العقول وأثرها في بناء الإنسان ، للدكتور محروس حفظي ، بتاريخ 11 جمادي الآخرة 1446هـ ، الموافق 13 ديسمبر 2024م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 13 ديسمبر 2024 م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : صناعة العقول وأثرها في بناء الإنسان.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 13 ديسمبر 2024 م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : صناعة العقول وأثرها في بناء الإنسان، بصيغة word أضغط هنا.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 13 ديسمبر 2024 م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : صناعة العقول وأثرها في بناء الإنسان ، بصيغة pdf أضغط هنا.
___________________________________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف
عناصر خطبة الجمعة القادمة 13 ديسمبر 2024 م بعنوان : صناعة العقول وأثرها في بناء الإنسان ، للدكتور محروس حفظي :
(1) ذمُّ الإسلامِ للتقليدِ الأعمَى، وترغيبُهُ في التفكيرِ والإبداعِ.
(2) دورُ العلماءِ في صناعةِ العقلِ، وبناءِ الإنسانِ.
(3) منهجُ الإسلامِ في صناعةِ العقولِ.
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 13 ديسمبر 2024 م بعنوان : صناعة العقول وأثرها في بناء الإنسان ، للدكتور محروس حفظي : كما يلي:
خطبة بعنوان «صناعةُ العقولِ، وأثرُهَا في بناءِ الإنسانِ»
بتاريخ 11 جمادى الآخرة 1446 هـ = الموافق 13 ديسمبر 2024 م
الحمدُ للهِ حمدًا يُوافِي نعمَهُ، ويُكافِىءُ مزيدَهُ، لك الحمدُ كما ينبغِي لجلالِ وجهِكَ، ولعظيمِ سلطانِكَ، والصلاةُ والسلامُ الأتمانِ الأكملانِ على سيدِنَا مُحمدٍ ﷺ، أمَّا بعدُ ،،،
العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة 13 ديسمبر : صناعة العقول وأثرها في بناء الإنسان ، للدكتور محروس حفظي
(1) ترغيبُ الإسلامِ للإنسانِ في التفكيرِ والإبداعِ:
أجمعَ الفلاسفةُ والحكماءُ، وعلماءُ التربيةِ، والمؤرخونَ وغيرُهُم أنَّ الإنسانَ أعظمُ ثروةٍ في الوجودِ، مَن أحسنَ التعاملَ معهُ كانت الحضارةُ والتقدمُ والرقيُّ، ومَن أساءَ كانَ التخلفُ والرجوعُ إلى الخلفِ، وإنْ كان موجوداً ظاهراً، لكنّهُ وجودٌ شكليٌّ لا قيمةَ لهُ بينَ أممِ العالمِ وحضاراتِهِ، وصدقَ الإمامُ عليٌّ بنُ أبِي طالبٍ عندمَا قال:
تـــزعــمُ أنّــكَ جــرمٌ صغـيــرٌ وفيــكَ انطوَى العـالـــمُ الأكـــبرُ
فأيُّ أمةٍ تنشدُ الحضارةَ والتقدمَ، وتهدفُ إلى الصدارةِ والمكانةِ، ولكنهَا تجعلُ بناءَ الإنسانِ عقلاً ومعرفةً وخلقاً آخرَ أولوياتِهَا واهتماماتِهَا، هذه أمةٌ ستظلُّ في ذيلِ الأممِ؛ لأنّهَا أخطأتْ في ترتيبِ أوراقِهَا.
هذا الإنسانُ لا يرقَى بلباسِهِ المنمقِ، وقصاصاتِ شعرِهِ، وفخامةِ بيتِهِ وسيارتِهِ، بل يرقَى بشيءٍ واحدٍ، إذا عرفنَا كيفَ نصنعُ عقلَ هذا الإنسانِ؛ ليشيدَ لنَا حضارةً، ويبنِي لنَا أمةً، ويجعلَ لنَا مكانةً؛ وأولُ ذلكَ كلُّهُ بناءُ العقلِ والمعرفةِ، وتنميةُ المواهبِ ودعمهَا، وتثمينُ عملِ المبدعينَ وتشجيعهُم، وفتحُ المجالِ لهُم في مؤسساتِ التعليمِ؛ لمسايرةِ تطورِ المعرفةِ وآلياتِهَا.
بيّنَ الشارعُ الحكيمُ أنَّ العقلَ مِن أعظمِ المننِ، وأجلِّ النعمِ التي فُضِّلَ بهَا الإنسانُ على سائرِ المخلوقاتِ، ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ﴾، ﴿وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾، ولذا لو سُلِبَ منهُ سقطتْ عنهُ الفرائضُ والأحكامُ مصداقاً لحديثِ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ: عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّغِيرِ حَتَّى يَكْبُرَ، وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ أَوْ يُفِيقَ».
لقد حثَّ دينُنَا الحنيفُ الإنسانَ على إعمالِ عقلِهِ في كلِّ ما يفيدُ البشريةَ، فيسعَى جاهداً- بمَا أعطاهُ اللهُ مِن عقلٍ ومعرفةٍ- أنْ يحوِّلَ الصحراءَ القاحلةَ إلى أرضٍ خضراءَ، وعليهِ أنْ يسبَحَ في الفضاءِ ليستكشفَ ما بهِ مِن أسرارٍ، ويعرِفَ ما يفيدُهُ ليفعلَهُ، وما يضرُّهُ ليتجنَّبَهُ، كلُّ ذلكَ في إطارٍ مِن التواضعِ للخالقِ جلَّ وعلا، وعدمِ العُجْبِ والغرورِ بهذَا العقلِ الذي قد يجرُّ صاحبهُ إلى الدمارِ والهلاكِ، ليسَ لهُ وحدَهُ بل للكونِ كلِّهِ بمَا فيهِ قالَ ربُّنَا: ﴿حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ .
واللهُ– عزَّ وجلَّ – عندمَا طلبَ مِن الإنسانِ أنْ يبدعَ في صناعةِ الحياةِ لم يتركْهُ تائهاً متخبطاً حائراً، بل وفّرَ لهُ أهمَّ المقوماتِ التي تتمثلُ في أمرينِ: الأول: الإمكاناتُ والوسائلُ التي يتمكنُ بهَا مِن عمارةِ الأرضِ، والقرآنُ مليءٌ بالآياتِ التي تتحدثُ عن تسخيرِ الكونِ للإنسانِ، قالَ ربُّنَا: ﴿سخرَ لكُم ما في السمواتِ وما في الأرضِ﴾، الثاني: وهبَهُ القدرةَ العقليةَ التي تجعلُهُ قادراً على الاستفادةِ مِن هذه الثرواتِ وهذه الإمكاناتِ، وقد أخبرَنَا القرآنُ عن حضاراتٍ استغلت الإمكاناتِ المتوفرةَ لديهَا وسخرتْ طاقتَهَا العقليةَ فأنتجتْ كمّاً عظيماً مِن الحضاراتِ لكنْ سرعانَ ما زالَ بسببِ انحرافِهَا عن هديِ السماءِ، كقومِ هودٍ عليهِ السلامُ، قالَ ربُّنَا: ﴿أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ * وَتَتَّخِذُونَ مَصانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ﴾ وكقومِ صالحٍ قالَ تعالِى: ﴿أَتُتْرَكُونَ فِي ما هاهُنا آمِنِينَ * فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُها هَضِيمٌ * وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ﴾ .
ومع تقديرِ الإسلامِ للعقلِ إلّا أنَّ الشرعَ قد حددَ للعقلِ مجالاتَهُ التي يخوضُ فيهَا حتّى لا يضل، وفي هذا تكريمٌ لهُ؛ لأنَّ العقلَ مهمَا بلغَ فهو محدودُ الطاقاتِ والملكاتِ لذا منعَ الإسلامُ العقلَ مِن الخوضِ في أربعةِ أمورٍ: التفكيرُ في ذاتِ اللهِ، والتفكيرُ في القدرِ، والتشريعُ مِن دونِ اللهِ، ومحاولةُ معرفةِ حقائقِ الغيبِ.
العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة 13 ديسمبر : صناعة العقول وأثرها في بناء الإنسان ، للدكتور محروس حفظي
(2) دورُ العلماءِ في صناعةِ العقلِ، وبناءِ الإنسانِ:
نصوصُ الشريعةِ الإسلاميةِ تكادُ تكونُ محدودةً بينمَا مستجداتُ كلِّ عصرٍ لا تنتهِي، لذَا فإنَّ إنزالَ النُّصوصِ على واقعِ الحياةِ يتطلبُ عقلاً راجحاً، وأُفقاً واعياً؛ ولهذا فتحَ الإسلامُ بابَ الاجتهادِ، وأمرَ المسلمَ بطلبِ العلمِ والمثابرةِ، فعَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ، فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ، فَلَهُ أَجْرٌ» (متفق عليه)، وإذا كان إعمالُ العقلِ مطلوباً في كلِّ زمنٍ، فإنَّهُ في هذا العصرِ أشدُّ وأعظمُ، قالَ سبحانَهُ: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ﴾، وقالَ: ﴿مَا فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ﴾، وهذا ما أكدتْهُ السنةُ النبويةُ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا» (أبو داود).
إنَّ العلماءَ على مرِّ العصورِ قد امتثلُوا أمرَ اللهِ فبحثُوا وفكرُوا، واجتهدُوا في أحكامِ الشريعةِ عملاً بحديثِ مُعَاذٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ، قَالَ ل: «كَيْفَ تَصْنَعُ إِنْ عَرَضَ لَكَ قَضَاءٌ؟» قَالَ: أَقْضِي بِمَا فِي كِتَابِ اللَّهِ. قَالَ: «فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي كِتَابِ اللَّهِ؟» قَالَ: فَبِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. قَالَ: «فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ؟» قَالَ: أَجْتَهِدُ رَأْيِي، لَا آلُو. قَالَ: فَضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ صَدْرِي، ثُمَّ قَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَفَّقَ رَسُولَ رَسُولِ اللَّهِ لِمَا يُرْضِي رَسُولَ اللَّهِ» (أحمد
إنَّ استخداماتِ العقولِ اليومَ متنوعةٌ، وأولئكَ الذين وهبَهُم اللهُ عقولاً فذةً، وعبقريةً متقدةً، يمكنُ أنْ نقسمَهُم إلى ثلاثةِ أقسامٍ:
القسمُ الأولُ: العقولُ الربانيةُ: وأصحابُ هذهِ العقولِ هُم الذينَ جعلُوا همَّهُم الآخرة، إذا قامُوا فمِن أجلِ الدينِ، وإذا قعدُوا فمِن أجلِهِ كذلك، وهي عقولُ العلماءِ والدعاةِ وطلابِ العلمِ ومصلحِي الأمةِ والكتابِ والمفكرينَ ﴿إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ﴾ .
القسمُ الثانِي: العقولُ الحيوانيةُ: وهؤلاءِ قد مُنحُوا عقولاً وتفكيراً وذكاءً لكنْ اهتماماتهُم هي نفسُ اهتماماتِ الحيوانِ مِن الأكلِ والشربِ، واللهوِ اللعبِ، هذه العقولُ تعيشُ لنفسِهَا، ولا تفكرُ إلّا في ذاتِهَا، تفاعلاتُهَا سلبيةٌ مع أوضاعِ وأحداثِ الأمةِ.
القسمُ الثالثُ: العقولُ المجرمةُ: وهؤلاءِ هُم الذينَ سخرُوا عقولَهُم وذكائَهُم ونباهتَهُم في محاربةِ الدينِ، والصدِّ عن سبيلِ اللهِ، ووقفُوا ضدَّ تيارِ الإصلاحِ، ولكن ومع كلِّ، أسفٍ مع ما أعطُوا مِن عقولٍ، فإنَّ عقولَهُم لم تكشفْ لهُم بعد بأنَّ دينَ اللهِ لا يُغالبُ، وأنَّ مكرَهُم وكيدَهُم سينقلبُ عليهِم، ﴿وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ﴾.
العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة 13 ديسمبر : صناعة العقول وأثرها في بناء الإنسان ، للدكتور محروس حفظي
(3) منهجُ الإسلامِ في صناعةِ العقولِ:
وضعَ دينُنَا الحنيفُ منهجاً فريداً؛ لصناعةِ العقولِ البشريةِ كي تسهمَ في حركةِ البناءِ والتنميةِ، وفيمَا يلِي بيانُ ذلك:
أولاً: قيامُ الدعوةِ إلى الإيمانِ على الإقناعِ العقلِي: فلم يطلبْ الإسلامُ مِن الإنسانِ أنْ يطفئَ مصباحَ عقلِهِ ويعتقدَ بل دعاهٌ إلى إعمالِ ذهنِهِ، وتشغيلِ طاقتِهِ العقليةِ في سبيلِ وصولِهَا إلى أمورٍ مقنعةٍ في شؤونِ حياتِهَا، ولم يجبرْ الإسلامُ أيضاً العقلَ على الإيمانِ، وإنّمَا تركَ لهُ الخيارَ بينَ الإيمانِ والكفرِ، وإنّمَا أعطاهُ الحريةَ الكاملةَ في اعتناقِ الدينِ الذي يختارُهُ دونَ إجبارٍ أو قسرٍ، قالَ عزَّ شأنُهُ: ﴿وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾، ووقفَ بوجهِ الإذلالِ والإكراهِ والضغطِ بجميعِ أشكالِهِ، واعتبرَ ذلكَ منافِ للسننِ الكونيةِ والحكمِ الربانيةِ، قالَ اللهُ: ﴿وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾، كي يتمكنَ الإنسانُ مِن الانطلاقِ في الحياةِ ويعمرَهَا بكلِّ ثقةٍ وطمأنينةٍ.
ثانياً: ذمُّ الإسلامِ للتقليدِ الأعمَى: ذَمَّ اللهُ – عزّ وجلّ- التقليدَ في القرآنِ الكريمِ، ورفضَ التبعيةَ المبنيةَ على الظنونِ والخرفاتِ، ودعا إلى البحثِ والنقدِ، ونعَى المقلدةَ الذينَ عطلُوا عقولَهُم مِن خلالِ تسليمِهِم عقولَهُم لغيرِهِم كي يفكرُوا لهُم بهَا، لدرجةِ أنّهُم غدوا لا يروا إلّا بعيونِ مَن اتّبعوا وسلمُوا لهُم القيادةَ، ولا يفكّرُوا إلّا بتفكيرِهِم، ولا يصدرُوا إلّا عن أمرِهِم، فقَالَ تَعَالَى:﴿وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ﴾، كما حذَّرَنَا رسولُنَا ﷺ مِن التَّقليدِ الأعمَى، فعَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «لَا تَكُونُوا إِمَّعَةً، تَقُولُونَ: إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَحْسَنَّا، وَإِنْ ظَلَمُوا ظَلَمْنَا، وَلَكِنْ وَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ، إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَنْ تُحْسِنُوا، وَإِنْ أَسَاءُوا فَلَا تَظْلِمُوا»
ثالثاً: أمرَ الإسلامُ العقلَ أنْ يتعلمَ وحثّهُ على ذلك: لأنَّ نموَّ العقلِ بالعلمِ ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾، ومَا أمرَ اللهُ رسولَهٌ ﷺ بطلبِ الزيادةِ في شيءٍ إلّا في العلمِ، ﴿وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا}.
لنعلمَ يومَ أنْ ضعفَت حضارةُ اليونانِ ترجمَ أجدادُنَا العربُ والمسلمون بأجناسِهِم معارفَ اليونانِ وفلسفَتَهم، والهندَ وحضارتهَا، وفارسَ وأدبهَا، فكانت دارُ الحكمةِ في بغدادَ تشعُّ نورًا بمعارفِهَا، وتبعتهَا الأمصارُ الإسلاميةُ شرقاً وغرباً، ولما اشتغلنَا ببعضِنَا، وأعرضنَا عن علومِ سننِ الكونِ حينهَا كانت أورُبا تتسابقُ في ترجمةِ معارفِنَا وتطويرِهَا، فكتبَ اللهُ لهُم الصدارةَ، وكانت لهُم الحضارةُ، ليس صدفةً ولا اختياراً، ولكنّهَا سننُ اللهِ لا تتغيرُ ولا تتبدلُ مَن أخذهَا هنيئاً لهُ السبقُ والريادةُ.
رابعًا: نهَى عن كلِّ ما يؤثرُ في سيرِهِ أو يغطيهِ فضلاً عمَّا يزيلُهُ، لذلكَ حرّمَ الاسلامُ شربَ الخمرِ، بل وحرّمَ كلَّ مسكرٍ، بل وامتدَّ التحريمُ إلى الكميةِ التي لا تسكرُ منهَا، فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ، فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ» (أبو داود)، كلُّ، هذا حفاظاً على العقلِ وعلى بقائِهِ.
خامسًا: ثقافةُ القدرةِ على التغييرِ والتجديدِ: إنَّ الأمةَ اليومَ بحاجةٍ إلى عقولٍ مبدعةٍ، لقد سأمَ الناسُ مِن الروتينِ والتكرارِ، والتجديدِ والابداعِ في الطرحِ ضمنَ دائرةِ الشريعةِ وداخلَ حدودِهِ وضمنَ ضوابطِهِ أمرٌ مطلوبٌ، المشكلةُ أنّنَا لم نتعودْ على تحريكِ هذا العقلِ، ولن يكونَ مبدعاً مَن لم يكنْ شجاعاً في تفكيرِهِ.
نسألُ اللهَ أنْ يرزقنَا الأمنَ والأمانَ، والسلمَ والسلامَ، وحسنَ العملِ، وفضلَ القبولِ، إنَّهُ أكرمُ مسؤولٍ، وأعظمُ مأمولٍ، الَّلهُمَّ أَوْرِدْنَا حَوْضَ نبيِّكَ، وَاحْشُرْنَا فِي زُمْرَتِهُ، وَأَنِلْنَا شَفَاعَتَهُ، وَاجْعَلْنَا فِي الجَنَّةِ بِجِوَارِهِ ﷺ، واجعلْ بلدَنَا مِصْرَ سخاءً رخاءً، أمناً أماناً، سلماً سلاماً وسائرَ بلادِ العالمين، ووفقْ ولاةَ أُمورِنَا لِمَا فيهِ نفعُ البلادِ والعبادِ.
كتبه: الفقير إلى عفو ربه الحنان المنان
د / محروس رمضان حفظي عبد العال
مدرس التفسير وعلوم القرآن – كلية أصول الدين والدعوة – أسيوط
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
وللإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
وللمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف