الأزهرالجامع الأزهر

ملتقى “رؤية معاصرة” بين الطب والشرع بالجامع الأزهر يفند الحكمة من مشروعية عدة المرأة

العدة لا تجب على الرجل لكن عليه التربص بها في بعض الحالات

ملتقى “رؤية معاصرة” بين الطب والشرع بالجامع الأزهر يفند الحكمة من مشروعية عدة المرأة
د. رمضان الصاوي: العدة مدة تتربص فيها المرأة إما لـ “براءة الرحم أو للتعبد أو للتفجع
العدة لا تجب على الرجل لكن عليه التربص بها في بعض الحالات
د. محمود صديق: المرأة التي يتعدد عليها الرجال أكثر عرضة للإصابة بالأمراض الفتاكة
د. هاني عودة: جاء الإسلام بتشريعات وأحكام تصون العرض وتحفظ النسل
المرأة ليست سلعة تباع وتشترى بل هي أساس المجتمع وشريك فعال للرجل في عمارة الأرض
عقد الجامع الأزهر الشريف اللقاء الرابع للملتقى الفقهي “رؤية معاصرة” تحت عنوان “عدة المرأة بين الشرع والطب”، وحاضر فيه الدكتور رمضان الصاوي، أستاذ الفقه ونائب رئيس جامعة الأزهر، والدكتور محمود صديق، نائب رئيس جامعة الأزهر ، وأدار اللقاء الدكتور هاني عودة، مدير عام الجامع الأزهر ، وذلك تحت رعاية فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، ومتابعة الدكتور محمد الضويني ، وكيل الأزهر.
وفي بداية الملتقى ، أكد الدكتور رمضان الصاوي، أن العدة مدة تتربص فيها المرأة إما لبراءة الرحم أو للتعبد أو للتفجع، فبراءة الرحم ظاهرة إن كانت المرأة من ذوات الحيض أنها تبدأ فيها عدتها طهرًا ثم حيض، ثم طهر، وحين تتلبس بالحيضة الثالثة تنتهي عدتها، رغم أن براءة الرحم ظاهرة في الطهر الأول بعد الحيض، أما جانب التعبد، فهو ظاهر في جميع العدد، فالمرأة التي توفى عنها زوجها قبل أن يدخل بها ، فعليها عدة أربعة أشهر وعشرا. وكذلك الأيسة والصغيرة التي لم تحض عليهما عدة أيضاً، ولو كانت لبراءة الرحم فقط، لتم إعفائها من هذه العدة لكن العدة هنا للتعبد، ووالأمر الثالث للتفجع، فالمرأة التي توفي عنها زوجها دخل بها أو لم يدخل فهذه العده تسمى عدة التفجع، وبهذا تجتمع الأحكام الثلاثة في عدة واحدة.
وأشار نائب رئيس الجامعة، إلى أنه لا يجب على الرجل عدة، لكن يجب عليه التربص في حالتين: الحالة الأولى إذا طلق إمرأة وأراد أن يتزوج بمن لا يحل له الجمع بينها وبين زوجته كعمتها أو خالتها، أو أختها أو ابنة أخيها، أو ابنة أختها، لقول النبي ﷺ (لا تُنكَحُ المرأةُ على عمتِها ولا العمةُ على بنتِ أخيها ولا المرأةُ على خالتِها ولا الخالةُ على بنتِ أختِها لا الكبرَى على الصغرَى ولا الصغرَى على الكبرَى إنكم إذا فعلتُم ذلك قطعتُمْ أرحامَكُم)، والحالة الثانية: إذا طلق إمرأته طلاقاً رجعياً، وعنده من الزوجات أربع وأراد أن يتزوج بأخرى، فالمرأة الرجعية في معنى الزوجة حتى تنتهي عدتها. فإذا تزوج خامسة يكون بذلك قد جمع بين أكثر من أربعة، والنبي ﷺ لما جاءه غيلان بن سلمة مسلماً، وكان تحته عشرة نسوة، قال له أمسك أربعاً وفارق سائرهن.
وبيّن أستاذ الفقه، الأحكام المتعلقة بالمعتدة قائلا: إنه لو طلقت المرأة طلاقاً رجعياً، يستطيع الزوج أن يراجعها في أي وقت من الأوقات، وفي هذه الحالة لا تغادر بيته، ولها السكنى ولها النفقة، وإن كانت المرأة مطلقة طلاقاً بائناً لها السكنى، أما المتوفى عنها زوجها فلها السكنى فقط لأنها استحقت ميراثها منه، وبالتالي لم يعد لها مجال في هذا المال الذي أصبح حقاً للآخرين ميراثاً، مشيرا إلى حكم خطبة المعتدة قائلاً: لو كانت المرأة معتدة من طلاق رجعي لا يجوز أن تخطب لا تعريضاً ولا تصريحاً، لأنها في معنى الزوجة، ويستطيع الزوج أن يراجعها في أي وقت شاء ما دامت في العدة.
وتابع: وبالنسبة للمرأة المعتدة من طلاق بائن أو المتوفى عنها زوجها فيجوز خطبتها تعريضاً لا تصريحاً، وذلك لأن علاقة الزوجية بينها وبين زوجها قد انتهت بالوفاة، وحرم التصريح لئلا تجرح شعور أهله وصرح التعريض، مشيرا إلى أن المطلقة طلاقاً بائناً فقد انتهت علاقة النكاح ولا يستطيع زوجها ردها إلا إذا تزوجت بزوج آخر ، ويجوز خطبتها تعريضاً لنفس العلة الموجودة في المتوفى عنها زوجها.
كما بيَّن المواضع التي يمكن أن تتحول فيها العدة، وهى إن كانت المرأة في العدة طلقت طلاق رجعي، ثم توفي زوجها في أثناء العدة، تتحول عدتها من مطلقة إلى متوفى عنها زوجها من يوم الوفاة، وتعتد وترث، والحالة الثانية: إذا كانت المرأة صغيرة أو أيسة ومعتدة، ثم نزل عليها الدم بعد أن بدأت في عدتها بشهر أو بشهرين فعليها أن ترجع إلى الحيض والطهر، لأنه الأصل، وأن المرأة إذا بدأت في الحيض وفي عدتها، ثم بعد ذلك انقطع الدم عنها فهذا تقدم الحكم والكلام فيه بأنها تتربص تسعة أشهر ثم تعتد بثلاثه بعدها.
وفي سياق متصل، أوضح د. محمود صديق، مشروعية العدة من الناحية الطبية قائلاً: توجد بعض الحالات بعض الحالات الطبية التي تصاب بها المرأة، وقد يكون السبب إما في التبويض أو في الرحم نفسه، وينتج عنها أنها لا تحيض. لكن بعد فترة من الفترات، قد يتدخل الطب ويحدث ما حدث لزوجة سيدنا زكريا عليه السلام؛ فزوجته كانت مصابة بشيء أو قد بلغت سن اليأس ثم شاء الله لها الحمل. فهذا أمر وارد في الطب، وقد حدث أن المرأة قد تصاب بالعقم أو تبلغ سن اليأس، وبإجراء بعض الفحوصات الطبية وتناول الأدوية التي تحفز التبويض لديها وتحفز الرحم، يحدث الحمل. فقد حدث أن حملت نساء في عمر السبعين.
وأشار إلى أن التشريع في التربص في العدة موجود في التشريعات التي سبقت الإسلام، وأن من يدعي أن العلم الحديث يستطيع أن يقول كلمته في المرأة التي مات زوجها عنها أو التي طلقت، نقدم في جهاز الأشعة ونتبين أن الرحم خالٍ، وبالتحاليل الطبية نثبت أن الرحم خالٍ. كل هذا ليس في منتهى الدقة التي يتخيلها البعض، فمن الوارد أن تحيض المرأة الحامل وينزل عليها الدم في الشهر الأول والثاني والثالث. موضحاً أن المرأة حينما يتوفى عنها زوجها، يكون الارتباط أكثر بالرجل، وهناك علاقة كبيرة بينهما، وحزن شديد يصيب المرأة، وهو ما يؤخر خروج بصمة ماء الرجل منها. فطهارة الرحم لابد أن تستبين بعد أربعة أشهر وعشرة أيام، وهي الفترة التي قد ينفخ فيها الروح في الجنين.
وبيّن د. صديق أن المرأة المتعددة العلاقات أكثر عرضة للإصابة بالأمراض، وذلك أن المرأة حينما تتشبع برجل آخر يكون له فيها، كما يقولون، بصمة وراثية من ماء هذا الرجل ومن علاقته، ولا يزول إلا بعد انتهاء فترة معينة حددها الشارع الحكيم بثلاثة قروء أو بأربعة أشهر وعشرة أيام. في المجتمعات التي انقطع فيها السبل في تحكيم الفطرة، المرأة التي يتعدد عليها الرجال تكون أكثر عرضة للإصابة بسرطان عنق الرحم وسرطان الثدي، وأمراض فتاكة، أخطرها نقص المناعة المكتسبة. فالشارع الحكيم في حكمه حريص تمام الحرص على أن يكون الإنسان في كل أموره التعبدية محافظاً على صحته وعلى كل شيء موجود فيه. فالشريعة الإسلامية صالحة لكل إنسان في كل زمان ومكان، ففيها من المعجزات والدلالات، وفيها من الأشياء التي تجعلنا نقول إن هذا القرآن لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد.
أوضح الدكتور هاني عودة أن الإسلام جاء بتشريعات وأحكام تصون العرض وتحفظ النسل، فالنسل لا يكون إلا من طريق الزواج الشرعي. وقد حذر القرآن الكريم من الزنا والفواحش فقال تعالى: ﴿ولا تقربوا الزنا﴾، وهذا نهي صريح وواضح ليكون المسلم بعيدًا كل البعد عن العلاقات المحرمة. ثم حافظ الإسلام على النسل حتى بعد الطلاق، فشرع العدة، وفيها من الحكم التشريعية ومن الإعجاز العلمي ما كشف عنه الطب بعد أكثر من ألف عام من إيضاح النبي ﷺ. ومع مرور الأزمان والأعوام، يكشف لنا الطب الحديث عن الإعجاز العلمي فيما شرعه الله سبحانه وتعالى، وفيما بينه نبينا محمد ﷺ.
وأكد مدير الجامع الأزهر أن المرأة ليست مجرد سلعة، ولا مجرد مكان لقضاء الشهوة فحسب، بل هي أساس المجتمع وأحد ركائزه الأساسية، وبها تكون عمارة الأرض. حيث حذر الإسلام من المتاجرة بالأعراض، بل ويسعى دائمًا إلى استقرار الأسرة وإلى المحافظة على الأنساب. أما غير ذلك فلا يليق بأمة الإسلام. وقد أثبت الطب الحديث ما أكده التشريع الإسلامي منذ قرون، مؤكدًا أن الإسلام قد راعى في المقام الأول حفظ النسل حتى لا ينسب الولد إلى غير أبيه، فإنه راعى كذلك المرأة التي قد تلحقها الأمراض إذا خالفنا ذلك. وهذا ما أكده الطب الحديث من خلال بصمة ماء الرجل التي تتعلق برحم المرأة؛ فالمرأة صاحبة الرجل الواحد تحمل بصمة واحدة، أما المرأة المتعددة العلاقات، فعلى قدر تلك العلاقات تتعدد البصمات، ويتناحر الماء المتعدد مع بعضه بعضًا ثم ينتج عنه أمراض خطيرة.
ودعا د. عودة إلى الأمانة والتحلي بأخلاق النبي ﷺ، وهو أن المرأة المعتدة من طلاق رجعي لا يجوز بأي حال من الأحوال التصريح أو التعريض لها بالخطبة، لأنها ما زالت في حكم الزوجة. ولا نأخذ هذا الأمر نوعًا من تجارة الأعراض، فهي تجارة فاسدة. داعيًا أولياء الأمور إلى الاجتهاد في اختيار الزوج المناسب للبنت، بأن يكون عونًا لها على بناء أسرة صالحة. موضحًا أن قضاء العدة يكون في بيت الزوجية، فذلك يكون أدعى إلى الصلح ولم الشمل، والتفكر والتعقل. موجهًا رسالة إلى المفسدين في الأرض والمفسدات بألا يعبثوا في عقول البشر، وأن يتركوا الأسرة تعيش في أمان، فغدًا سيقف الجميع أمام الله عز وجل. فإذا حققنا ذلك، تحققت عمارة الأرض، فالخير دائمًا فيما شرعه الله سبحانه وتعالى من الطيبات، وأنه دائمًا يكمل الشرط فيما حرمه الله سبحانه وتعالى. لافتًا إلى أن الطب كشف لنا عن بعض الوجوه، وغدًا سيكشف عن البعض الآخر، ولكن السعيد التقي النقي هو الذي يسير على منهج القرآن وسنة النبي ﷺ الذي أرسله المولى عز وجل ليخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد.

اظهر المزيد

كتب: د.أحمد رمضان

الدكتور أحمد رمضان حاصل علي الماجستير من جامعة الأزهر بتقدير ممتاز سنة 2005م ، وحاصل علي الدكتوراه بتقدير مع مرتبة الشرف الأولي من جامعة الأزهر الشريف سنة 2017م. مؤسس جريدة صوت الدعاة ورئيس التحرير وكاتب الأخبار والمقالات المهمة بالجريدة، ويعمل بالجريدة منذ 2013 إلي اليوم. حاصل علي دورة التميز الصحفي، وقام بتدريب عدد من الصحفيين بالجريدة. للتواصل مع رئيس التحرير على الإيميل التالي: [email protected] رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) للمزيد عن الدكتور أحمد رمضان رئيس التحرير أضغط في القائمة علي رئيس التحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »
error: Content is protected !!