الأزهرهيئة كبار العلماء

علي جمعة: الخطاب الإلهي في الإسلام يدعو إلى التعارف والتعاون بين الشعوب لتحقيق السلم والسلام

د. علي جمعة: الخطاب الإلهي في الإسلام يدعو إلى التعارف والتعاون بين الشعوب لتحقيق السلم والسلام
د. علي جمعة: خلق الله الناس مختلفين من أجل التعارف والحوار واللطف مع الآخر
د. علي جمعة: حوار الحضارات ممكن حتى مع بقاء كل حضارة بثقافاتها وأديانها ومذاهبها
أكد فضيلة الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، خلال كلمته في المؤتمر الذي عقدته كلية الدعوة الإسلامية بجامعة الأزهر بالتعاون مع مجمع البحوث الإسلامية، تحت عنوان: “الدعوة الإسلامية والحوار الحضاري رؤية واقعية استشرافية”، أن الخطاب الإلهي في الإسلام موجّه إلى البشرية جمعاء، ويدعو إلى التعارف والتعاون بين الشعوب المختلفة لتحقيق السلم والسلام العالميين.
وأوضح الدكتور علي جمعة، في كلمته المسجلة التي بُثت عبر الفيديو خلال المؤتمر، أننا نقرأ فاتحة الكتاب التي يتلوها المسلم في كل ركعة من ركعات الصلاة:{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2]. فهو سبحانه ليس “ربَّ المؤمنين”، ولا “ربَّ الفاسقين”، ولا “ربَّ الكافرين”، بل “ربَّ العالمين”. إنه خطاب يخاطب الناس أجمعين، على اختلاف ألوانهم ودياناتهم وأماكنهم. إنه يخاطبهم على اختلاف حضاراتهم وثقافاتهم وتاريخهم، كما قال سبحانه صفةً لنبينا صلى الله عليه وسلم:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107].
وأضاف فضيلته أن القليل من الناس من يستفيد من هذه الموعظة الربانية التي جعلها الله خاتمة للأديان، وخطابًا أخيرًا وعهدًا بين الله وبين البشر. يذكِّرنا ذلك بقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ} [النساء: 1]. وكذلك يذكِّرنا بالأمر الإلهي في قوله:{وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} [الحجرات: 13]. وكلمة لتعارفوا هي أساس حوار الحضارات من النواحي الثقافية والدينية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية. هي أيضًا أساس السلم والسلام الاجتماعي والأمن المجتمعي، وأساس معالجة النزاعات وتحقيق السلام بين البشر. كل ذلك مبني على “لتعارفوا”.
وتابع فضيلته أن الله سبحانه وتعالى خلقنا مختلفين من أجل التعارف، ومن أجل ذلك فإن الدعوة الإسلامية تضع نصب أعينها قضية حوار الحضارات. وهناك أسس جوهرية للحوار، منها قوله تعالى:{قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ * قُل لَّا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [سبأ: 24-25]. هاتان الآيتان يمكن أن نجعلهما دستورًا للحوار، ودستورًا للتعامل الدعوي مع حوار الحضارات.
ودعا عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر إلى الحوار المعقول المبني على أسس علمية، موافقًا للواقع، مستشهدًا فضيلته بالآية القرآنية:{قُل لَّا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ}. وهنا نستفيد من الآية أننا كأننا نُلطِّف مع المجادل، ولا نُسمِّي ما يفعله “جريمة”، وإن كان كذلك. بل نُسمِّي سلوكنا الذي لم يُعجبه وعملنا الذي لم يَرضَ عنه بأنه “إجرام”. وهنا، نجد التعبير: عَمَّا تَعْمَلُونَ، وليس عَمَّا تُجْرِمُونَ. يقول المفسرون إن الله سبحانه وتعالى يُلطِّف مع المناقش ليصل إلى استيعاب المراد من الكلام. وهذا هو مراد الله سبحانه وتعالى في هذا المجال.
وأشار فضيلته إلى قاعدة أخرى في الحوار الحضاري، وهي قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ} [المائدة: 8]. فنحن أثناء الحوار، وأثناء هذا التعاون، وأثناء الامتثال لأمر الله سبحانه وتعالى، علينا أن نتحلى بالعدل والقسط.
وفي ختام كلمته، بيّن عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر أن الله سبحانه وتعالى يبيح التعاون مع الآخرين، كما في قوله:{لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة: 8]. فجعل التعاون ممكنًا حتى مع بقاء كل حضارة بثقافاتها، وأديانها، ومذاهبها الأخلاقية. إذن، هذا هو الأساس لكل حوار. ويمكن استنباط الكثير من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا المقام.

اظهر المزيد

كتب: د.أحمد رمضان

الدكتور أحمد رمضان حاصل علي الماجستير من جامعة الأزهر بتقدير ممتاز سنة 2005م ، وحاصل علي الدكتوراه بتقدير مع مرتبة الشرف الأولي من جامعة الأزهر الشريف سنة 2017م. مؤسس جريدة صوت الدعاة ورئيس التحرير وكاتب الأخبار والمقالات المهمة بالجريدة، ويعمل بالجريدة منذ 2013 إلي اليوم. حاصل علي دورة التميز الصحفي، وقام بتدريب عدد من الصحفيين بالجريدة. للتواصل مع رئيس التحرير على الإيميل التالي: [email protected] رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) للمزيد عن الدكتور أحمد رمضان رئيس التحرير أضغط في القائمة علي رئيس التحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »