خطبة الجمعة القادمة : إسهامات الشباب في الحضارة الإسلاميةْ، بتاريخ 18 ربيع الأول 1436 هـ ، الموافق 9/1/2015 م
خطبة الجمعة القادمة : إسهامات الشباب في الحضارة الإسلاميةْ، بتاريخ 18 ربيع الأول 1436 هـ ، الموافق 9/1/2015 م.
لتحميل الخطبة بصيغة pdf أضغط هنا
ولقراءة الخطبة كما يلي:
إسهامات الشباب في الحضارة الإسلاميةْ
18 من ربيع أول 1436 هـ – 9 من يناير 2015م
أولا : العناصر :
1ـ مكانة الشباب في الإسلام.
2ـ دور الشباب في النهضة العلمية للحضارة الإسلامية .
4ـ دور الشباب في الحفاظ على الفكر الوسطي المعتدل .
5 ـ دور الشباب في حاضر الوطن ومستقبله.
ثانيا : الأدلة :
الأدلة من القرآن الكريم :
1 – يقول الله تعالى : {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ} [الروم : 54].
2-ويقول تعالى : {إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى * وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا}[الكهف : 13،14].
3 – ويقول تعالى: {قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ} [الأنبياء: 60}.
4- ويقول تعالى : {يَايَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا} [مريم: 12].
الأدلة من الســنة :
1 – عن أَبِي هُرَيْرَةَ (رضي الله عنه) عَنِ النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ: ” سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ، يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: الإِمَامُ العَادِلُ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي المَسَاجِدِ، وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ ، فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ، أَخْفَى حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ “[متفق عليه].
2 – وعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ (رضي الله عنه) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ):” لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعِ خِصَالٍ: عَنْ عُمُرهِ فِيمَا أَفْنَاهُ؟ وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَا أَبْلَاهُ؟ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ؟ وَعَنْ علمهِ مَاذَا عَمِلَ فِيهِ؟”(المعجم الكبير للطبراني).
3 – وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (رضى الله عنه ) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): «الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ، خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ ، احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَلَا تَعْجَزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ، فَلَا تَقُلْ : لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ : قَدَرُ اللهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ، فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ»[صحيح مسلم].
4 – وعَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ (رضى الله عنه)قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) لِرَجُلٍ وَهُوَ يَعِظُهُ: ” اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ “[سنن النسائي].
5- وعن أَنَس بْنَ مَالِكٍ (رضى الله عنه) َقال: جَاءَ شَيْخٌ يُرِيدُ النَّبِىَّ (صلى الله عليه وسلم) فَأَبْطَأَ الْقَوْمُ عَنْهُ أَنْ يُوَسِّعُوا لَهُ ، فَقَالَ النَّبِىُّ (صلى الله عليه وسلم): « لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا » (رواه الترمذي).
6 – وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ( رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا) قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): ” نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالفَرَاغُ ” [صحيح البخاري] .
7- وعن عَبْد اللَّهِ بن مسعود (رضى الله عنه ) قال: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) شَبَابًا لاَ نَجِدُ شَيْئًا، فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ»[متفق عليه].
8- وعنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ ، عَنْ أَبِيهِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ ، قَالَ : أَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَنْ أَتَعَلَّمَ لَهُ كَلِمَاتٍ مِنْ كِتَابِ يَهُودَ قَالَ : إِنِّي وَاللَّهِ مَا آمَنُ يَهُودَ عَلَى كِتَابٍ قَالَ : فَمَا مَرَّ بِي نِصْفُ شَهْرٍ حَتَّى تَعَلَّمْتُهُ لَهُ قَالَ : فَلَمَّا تَعَلَّمْتُهُ كَانَ إِذَا كَتَبَ إِلَى يَهُودَ كَتَبْتُ إِلَيْهِمْ ، وَإِذَا كَتَبُوا إِلَيْهِ قَرَأْتُ لَهُ كِتَابَهُمْ. (سنن الترمذي).
الموضــــــــــــــوع :
إن الشباب هم القلب النابض والعمود الفقري لأي أمة من الأمم، فهم عماد حضارتها، وسر نهضتها، وأمل مستقبلها، لأنهم في سن البذل والعطاء، سن التضحية والفداء، فبعقولهم وبسواعدهم تتقدم المجتمعات , وهم القوة بين الضعفين ، ضعف الطفولة وضعف الشيخوخة، قال الله تعالى : {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً}[الروم : 54].
ولقد اعتنى الإسلام بالشباب عناية فائقة ، ووجههم للخير والبناء، والإصلاح والعطاء، فهم الثروة الحقيقية ، ومنبع القوة والعزة لأي مجتمع من المجتمعات ، وقد ذكر القرآن الكريم العديد من النماذج الشابة من الأنبياء والمرسلين ، وغيرهم من الصالحين ، ليكونوا قدوة صالحة لشباب المسلمين، وكذلك ربّى النبي (صلى الله عليه وسلم ) جيلاً من شباب الصحابة الكرام الذين ضربوا أروع الأمثلة في البذل والعطاء ، والتضحية والفداء ، والعلم والعمل ، فكانوا خير قادة وأفضل سادة، ولقد صور القرآن الكريم هذه الحقيقة في قصة أصحاب الكهف، وهم شباب قاموا داعين لتوحيد الله تعالى في مجتمع طغت فيه الوثنية ، وانتشر فيه الإلحاد ، قال تعالى : {إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى * وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا}[الكهف : 13،14]. الكهف :13] ، ولفظ (الفتية) ينطبق على المرحلة الزمنية التي يطلق عليها مرحلة الشباب بكل خصائصها وسماتها ، قال ابن كثير : (فِتْيَةٌ) وَهُمُ الشَّبَابُ ، فهُمْ أَقْبَلُ لِلْحَقِّ، وَأَهْدَى لِلسَّبِيلِ مِنَ الشُّيُوخِ.
وإذا كان الإسلام قد اهتم بالشباب هذا الاهتمام ، وأولاه هذه العناية الفائقة فلا بد إذاً من الاستفادة من طاقاته ، وحسن توجيهها فيما يخدم بناء الوطن بناءً قوياً اقتصاديا وثقافياً، حتى يستفيد منه المجتمع ، فهم عماد النهضات، وهم أهل العزائم والشجاعة والإقدام والتضحيات.
وهذا ما فعله النبي (صلى الله عليه وسلم ) ، فقد كان يختبر ذكاء الشباب من صحابته ويعهد إليهم بما يتفق وإمكانات كل واحد منهم ، فعن ابن عمر (رضي الله عنهما) قال : قال رَسُولَ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) : ” إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةً لاَ يَسْقُطُ وَرَقُهَا وَهِيَ مَثَلُ الْمُسْلِمِ حَدِّثُونِي مَا هِيَ ؟ فَوَقَعَ النَّاسُ فِي شَجَرِ الْبَادِيَةِ وَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ ، قَالَ عَبْدُ اللهِ : فَاسْتَحْيَيْتُ ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ أَخْبِرْنَا بِهَا ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) هِيَ النَّخْلَةُ ” (صحيح البخاري).
كما استفاد النبي (صلى الله عليه وسلم) من الشباب ، حيث جعل سيدنا مصعب بن عمير (رضي الله عنه) أول سفير في الإسلام ، وأمَر أسامة بن زيد (رضي الله عنهما) أن يتعلم السريانية فتعلمها في وقت قصير ، فعنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ ، عَنْ أَبِيهِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ ، قَالَ : أَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَنْ أَتَعَلَّمَ لَهُ كَلِمَاتٍ مِنْ كِتَابِ يَهُودَ قَالَ : إِنِّي وَاللَّهِ مَا آمَنُ يَهُودَ عَلَى كِتَابٍ قَالَ : فَمَا مَرَّ بِي نِصْفُ شَهْرٍ حَتَّى تَعَلَّمْتُهُ لَهُ ، قَالَ : فَلَمَّا تَعَلَّمْتُهُ كَانَ إِذَا كَتَبَ إِلَى يَهُودَ كَتَبْتُ إِلَيْهِمْ ، وَإِذَا كَتَبُوا إِلَيْهِ قَرَأْتُ لَهُ كِتَابَهُمْ. (سنن الترمذي).
ولقد رسم النبي (صلى الله عليه وسلم) منهجاً واضحاً في توجيه الشباب ممثلاً في ابن عمه عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) حيث قال: « يَا غُلاَمُ إِنِّى أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ ، احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَىْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَىْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَىْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلاَّ بِشَىْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ ، رُفِعَتِ الأَقْلاَمُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ » (سنن الترمذي).
ولقد كان للشباب دور بارز في نشر الدعوة الإسلامية وبناء حضارتها ، وذلك لما لهم من خصائص عقلية، ونفسية، وجسمية، أهّلَتهم للقيام بهذه المهمة ، فإن عامة أصحاب النبي (صلى الله عليه وسلم) كانوا من الشباب حين كذّبه معظم شيوخ مكة ، فهم الذين أحاطوا برسول الله (صلى الله عليه وسلم) في نشر دعوته ، حتى أصبحوا من أكثر الرواة عن الرسول (صلى الله عليه وسلم) حتى جاوزت مروياتهم الألف حديث لكل راوٍ وهو دون الثلاثين من العمر عند وفاة النبي (صلى الله عليه وسلم)، فكان أبو هريرة (رضي الله عنه) الذي روى (5374) حديثًا في نحو السابعة والعشرين، وروى عبد الله بن عمر الذي (2630) حديثًا وهو ابن إحدى وعشرين سنة، وكان أنس بن مالك (رضي الله عنه) الذي روى (2286) حديثًا في العشرين من عمره، وروت أم المؤمنين عائشة (رضي الله عنها) (2210) أحاديث وهي بنت ثماني عشرة سنة، أمَّا عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) الذي روى (1660) حديثًا فلم يتجاوز عند وفاة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الثالثة عشرة من عمره، وكان جابر بن عبد الله (رضي الله عنهما) الذي روى (1540) حديثًا حوالي سبع وعشرين سنة، وأمَّا سابعهم أبو سعيد الخدري (رضي الله عنه) الذي روى (1170) حديثًا فكان في نحو العشرين من عمره، وتبعهم عبد الله ابن مسعود الذي قاربت مروياته الألف حديث، وكان دون الأربعين عند وفاة النبي (صلى الله عليه وسلم).
كما أن الشباب هم الذين ناصروه (صلى الله عليه وسلم) في جميع غزواته ، وهم الذين حملوا لواء الإسلام ومشعل النور في كل بقاع الأرض، فهذا أسامة بن زيد (رضي الله عنهما) مولى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يروي كلام النبي (صلى الله عليه وسلم)، فله مائة وثمانية وعشرون حديثا، ولقد ولاه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إمارة الجيش وسنه دون العشرين، وفي الجيش أبو بكر ، وعمر بن الخطاب ، وأكابر الصحابة (رضي الله عنهم أجمعين) ، وكان قوامه ثلاثة آلاف من أصحاب رسول (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ، فلما طعن بعض الناس في إمارته قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم):” إن تطعنوا في إمارته فقد طعنتم في إمارة أبيه من قبل ، وأيم الله إن كان لخليقا للإمارة، وإن هذا لمن أحب الناس إلي ” وزاد في رواية مسلم – وأوصيكم به فإنه من صالحيكم ” .
ولا ينكر أحد ما لعلي بن أبي طالب (رضي الله عنه) من دور فعال في نصرة الإسلام وهو لا يزال شابًا يرقد في فراش النبي (صلى الله عليه وسلم) ليلة الهجرة تمويهًا على المشركين، مع علمه بما يدبره المشركون لرسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فيضحي بنفسه وروحه في سبيل الله ، وعرّض نفسه للقتل ونقمة قريش، وكان عمره يومئذ ثلاث وعشرون سنة. وقد حمله النبي (صلى الله عليه وسلم) إذ ذاك مسئولية ردّ الأمانات إلى أصحابها. وفي تلبيته (رضي الله عنه) أمْرَ النبي (صلى الله عليه وسلم) مثلا للجندي الصادق المخلص لدعوة الإسلام ، حيث فدى قائده بحياته ، ففي سلامة القائد قوة الدعوة ، وفي هلاكه وهنها.
جدير بالذكر أن الشباب قد أسهم إسهاماً عظيماً في بناء الحضارة الإسلامية منذ عصر النبوة من خلال تعلم العلوم الشرعية ونشر العلم النافع في كل مجالات الحياة ، فكان أكثر فقهاء الصحابة من الشباب ،حيث برز منهم العالم, والفقيه , والمحدث , والمفتي, وفي مقدمتهم عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) الذي كان أكثر الصحابة فتوى وأوسعهم فقهًا، حتى كان عمر (رضي الله عنه) يجلسه وهو شاب صغير مجالس الكبار من أهل بدر وغيرهم، ويقول: إن له لسانًا سؤولاً وقلبًا عقولاً، والذي جمعت فتاواه فبلغت سبعة أسفار كبار، وتبعه في الفقه وكثرة الفتوى عبد الله بن عمر (رضي الله عنهما)، وقد كانا من شباب الصحابة رضي الله عنهم أجمعين ، فإذا نظرنا إلى المشهورين بالعلم والفقه من غيرهم رأينا معاذ بن جبل (رضي الله عنه) الذي كان ابن بضع وعشرين حين أرسله النبي (صلى الله عليه وسلم) إلى اليمن مفتيًا وقاضيًا، وكان حين أسلم ابن ثماني عشرة سنة، وشهد بيعة العقبة وهو شاب أمرد، ووصفه النبي (صلى الله عليه وسلم) بأنه أعلم الأمة بالحلال والحرام، وكان أحد المفتين في حياة النبي (صلى الله عليه وسلم)، وأحد حفظة القرآن كاملاً في حياة النبي (صلى الله عليه وسلم).
ومن هؤلاء الفقهاء: زيد بن ثابت، الذي وصفه النبي (صلى الله عليه وسلم) بأنه أفرض المسلمين، يعني أعلمهم بالفرائض، الذي أسلم وهو ابن إحدى عشرة سنة، والذي بعثه النبي (صلى الله عليه وسلم) ليتعلم لغة اليهود ليقرأ له كتبهم، فتعلمها في سبع عشرة ليلة، وكان أحد الذين حفظوا القرآن الكريم كله في حياة رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، ثم حمَّله أبو بكر وهو ابن إحدى وعشرين سنة مسئولية جمع القرآن ، وهي من أخطر المهام على الإطلاق ، فكان أحق بها وأهلها، وكان أحد المفتين من الصحابة، وأمَّا فقيهة النساء عائشة، فكانت في الثامنة عشرة من عمرها حين توفي النبي (صلى الله عليه وسلم)، وقد كان الصحابة يرجعون إليها فيما أُشكل عليهم، وما سألوها عن شيء إلا وجدوا عندها منه علمًا، وغير هؤلاء كثير من شباب الصحابة الذين اشتغلوا بالعلم منذ حداثة أسنانهم، فاستنارت بهم الأمة في شئون دينها ودنياها، وازدهرت بهم الحياة.
وفى العلوم الدنيوية : حث الإسلام على الأخذ بكل علم نافع ، فقد اهتم عدد كبير من الشباب المسلم بالرياضيات لتحديد المواقيت واتجاه القبلة ، أشهرهم الخوارزمي واضع علم الجبر، وعلم الهندسة ، واهتموا بالطب والجراحة، وبنى المسلمون المستشفيات وأتقنوا علم الجراحة والصيدلة منهم : الرازي وابن سينا وابن النفيس ، واهتموا أيضا بعلم الفيزياء كابن الهيثم خاصة في علم البصريات ولا تزال نظرياته تدرس إلى الآن ، واهتموا بعلم الفلك لفهم بعض آيات القرآن وصنعوا المراصد الجوية لتتبع حركات النجوم .
وإذا كان للشباب الدور الأبرز في الحضارة الإسلامية ، فلا شك أن لهم دورًا مهمًا في الحفاظ على الفكر الوسطي المعتدل للإسلام ، فالإسلام دين السماحة، والوسطية ، ولا علاقة له بالإرهاب ، والتطرف والتشدد ، ولا سيما أن شريعته السمحة قد جاءت لما فيه صلاح العباد والبلاد، وبما يحقق للفرد وللأسرة وللمجتمع السعادة والأمن والاستقرار، مما يؤكد أن الجماعات الخارجة التي جعلت القتل والعنف ديدنها خارجة عن الدين الإسلامي، فهم امتداد للخوارج الذين استحلوا الدماء والأموال وعاثوا في الأرض فسادا، والإسلام منهم براء.
ولا شك أن على الشباب الآن الدور الأكبر تجاه حاضر الوطن ومستقبله ، فعلى الشباب الآن بصفة خاصة أن يتسلحوا بالعلم والمعرفة، حتى يكونوا أقوياء في مواجهة التحديات ، وأن يطلبوا العون والمدد من الله تعالى ولا يتعجلوا النتائج، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (رضى الله عنه ) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): «الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ، خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَلَا تَعْجَزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ، فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ، فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ».
وعلى الشباب أن يتمسك بالفكر المعتدل النابع من الفهم الصحيح للإسلام ، وأن يكون له شخصيته المتميزة ، حتى يكون مؤهلا لحمل الرسالة ، وتأدية الأمانة ، وقيادة سفينة النجاة لإنقاذ الأمة من حيرتها ومن تخبطها ، والوصول بها إلى طريق الرشاد والأمن والسعادة والاستقرار والتقدم .
وعلى الشباب أن يتحلى بروح المبادرة إلى الخير والعمل الصالح، فقد كان الصحابة يبادرون ويتسابقون إلى فعل الخيرات ، فمن ذلك ما قاله عمر بن الخطاب (رضى الله عنه ) قال : ” أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يَوْمًا أَنْ نَتَصَدَّقَ، فَوَافَقَ ذَلِكَ مَالًا عِنْدِي، فَقُلْتُ: الْيَوْمَ أَسْبِقُ أَبَا بَكْرٍ إِنْ سَبَقْتُهُ يَوْمًا، فَجِئْتُ بِنِصْفِ مَالِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): «مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ؟» ، قُلْتُ: مِثْلَهُ، قَالَ: وَأَتَى أَبُو بَكْرٍ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) بِكُلِّ مَا عِنْدَهُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): «مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ؟» قَالَ: أَبْقَيْتُ لَهُمُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، قُلْتُ: لَا أُسَابِقُكَ إِلَى شَيْءٍ “. فالمراد خلق روح التنافس بين الشباب بصفة خاصة وبين الناس بصفة عامة على التسابق في أوجه الخير ، قال تعالى :{ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ}[البقرة:148].
كذلك على الشباب أن يحسنوا توظيف طاقاتهم ، فلديهم طاقات هائلة لو أحسنوا استثمارها، ووجَّهوها إلى أبواب الخير ، وميادين الإصلاح والتنمية ، لكانت سببا في رقي المجتمع وتقدمه وتحضره، فالإسلام لا يقبل أن يعيش الشباب عالة على المجتمع ، بل دعا الشباب إلى العمل والإنتاج ، فعن كَعْبِ بن عُجْرَةَ (رضي الله عنه) قَالَ: مَرَّ عَلَى النَّبِيِّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) رَجُلٌ، فَرَأَى أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) مِنْ جِلْدِهِ وَنَشَاطِهِ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ: لَوْ كَانَ هَذَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ):”إِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى وَلَدِهِ صِغَارًا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى أَبَوَيْنِ شَيْخَيْنِ كَبِيرَيْنِ فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ يَسْعَى عَلَى نَفْسِهِ يُعِفُّهَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ رِيَاءً وَمُفَاخَرَةً فَهُوَ فِي سَبِيلِ الشَّيْطَانِ”[المعجم الكبير للطبراني] .
وقد عمل النبي (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) في صباه برعي الغنم ، كما عمل في شبابه بالتجارة في مال السيدة خديجة (رضي الله عنها) ، فهل لشبابنا أسوة وقدوة في رسول الله (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ؟ ، وبخاصة في اغتنام شبابهم في الخير ، فعنَ مُعَاذِ بن جَبَلٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ):”لا تَزُول قَدمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعِ خِصَالٍ: عَنْ عُمُرُهِ فِيمَا أَفْنَاهُ؟ وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَا أَبْلاهُ؟ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ؟ وَعَنْ علِْمهِ مَاذَا عَمِلَ فِيهِ؟” [رواه الطبراني ، وكذا أخرجه الترمذي وقال :حديث صحيح] .
كذلك على الشباب أن يحسنوا استثمار الوقت، فالوقت أمانة سَنُسأل عنها يوم القيامة حتى إن الأسئلة الأربعة التي توجّه إلى المكلف يوم القيامة يخص الوقتَ منها سؤالان رئيسان، فالإنسان يسأل عن عمره عامة ، وعن شبابه خاصة ، والشباب جزء من العمر ولكن له قيمة مميزة باعتباره سن الحيوية والنشاط والقوة فعَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ (رضى الله عنه ) قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) لِرَجُلٍ وَهُوَ يَعِظُهُ: ” اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ ” (سنن النسائي) ، فالوقت نعمة لا يعرف قيمتها إلا الموفقون فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا)قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): ” نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالفَرَاغُ ” (رواه البخاري) .
وقد حث النبي ( صلى الله عليه وسلم ) الشباب على فعل الخير والطاعة ، وبين لهم فضل العبادة ، لاسيما في مرحلة الشباب ، حيث يظلهم الله في ظله، فعن أَبِي هُرَيْرَةَ (رضى الله عنه) عَنِ النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ: ” سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ، يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: الإِمَامُ العَادِلُ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ….” كذلك على الشباب أن يناهضوا الفكر المتطرف والبعيد كل البعد عن الفكر الإسلامي المستنير، فبدلا من أن يكونوا حقلا لتجارب من لا علم لهم ولا دين ، عليهم أن يكونوا جنودا أوفياء لدينهم ، فيتسلحون بالعلم والفهم المستنير لدينهم.
إننا في حاجة إلى أن نعيد تأهيل الشباب تأهيلاً مبنياً على العلم والدين الصحيح، ودفعه إلى العمل والإنتاج والابتكار بعيداً عن تلك الثقافات التي تسربت إلى أخلاقيات المجتمع عامة والشباب خاصة ، وأن نغرس في نفوس الشباب احترام الآخر .
كما أنه لن ينهض مجتمع إلا بالتعاون المثمر القائم على المحبة والمودة والاحترام الكامل بين الشباب والشيوخ ، حيث يفيد الشباب من حكمة وخبرة الشيوخ ، ويفيد الشيوخ من طاقة وقوة الشباب، فيوجه كل واحد منهما عِلْمَه وتجربته إلى ما يعود نفعه خيراً على الوطن والمواطنين.