خطبة الجمعة القادمة 1 نوفمبر : وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ للدكتور محروس حفظي
خطبة الجمعة القادمة
خطبة الجمعة القادمة 1 نوفمبر 2024 م بعنوان : وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ، للدكتور محروس حفظي ، بتاريخ 29 ربيع الآخر 1446هـ ، الموافق 1 نوفمبر 2024م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 1 نوفمبر 2024 م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 1 نوفمبر 2024 م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ، بصيغة word أضغط هنا.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 1 نوفمبر 2024 م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ، بصيغة pdf أضغط هنا.
___________________________________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف
عناصر خطبة الجمعة القادمة 1 نوفمبر 2024 م بعنوان : وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ، للدكتور محروس حفظي :
(1) حديثُ القرآنِ الكريمِ عن أخذِ الحذرِ والحيطةِ ” الإعدادُ المعنويُّ والماديُّ”.
(2) وجوبُ الإعدادِ الجيدِ، والتخطيطِ المسبقِ بمَا يلائمُ العصرَ الحديثَ.
(3) مفاهيمُ خاطئةٌ يجبُ أنْ تصححَ لدىَ المسلمِ الفطنِ اللبيبِ.
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 1 نوفمبر 2024 م بعنوان : وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ، للدكتور محروس حفظي : كما يلي:
«وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ»
بتاريخ 29 ربيع الثاني 1445 هـ = الموافق 1 نوفمبر 2024 م
الحمدُ للهِ حمدًا يُوافِي نعمَهُ، ويُكافىءُ مزيدَهُ، لك الحمدُ كما ينبغِي لجلالِ وجهِكَ، ولعظيمِ سلطانِكَ، والصلاةُ والسلامُ الأتمانِ الأكملانِ على سيدِنَا مُحمدٍ ﷺ، أمَّا بعدُ ،،،
العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة 1 نوفمبر 2024 : وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ
(1) حديثُ القرآنِ الكريمِ عن أخذِ الحذرِ والحيطةِ:
لم يخلقْ اللهُ الإنسانَ على هذه البسيطةِ عبثاً، وإنّمَا خلقَهُ لحكمةٍ جليلةٍ وفائدةٍ عظيمةٍ ألَا وهي عمارةُ الكونِ، فقالَ تعالى: ﴿وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ﴾، ولذا حمّلَهُ مسؤوليةَ الحفاظِ على خيراتِهَا، واستثمارِ غلاتِهَا بعدَ أنْ زودَهُ بالإمدادتِ الماديةِ مِن خلقِ المواردِ الطبيعيةِ، وجعلَ لهُ الأرضَ ذلولاً سهلةً ليتمكنَ مِن السيطرةِ عليهَا كمَا قالَ ربُّنَا: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَناكِبِها وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ﴾، كما سخرَ جميعَ الموجوادتِ لخدمتِهِ وإعانتِهِ، ثم وهبَهُ العقلَ التي بهِ يسثمرُ تلكَ النعمَ ويصرفُهَا على وجهِهَا الصحيحِ والقويمِ.
إنَّ الحقَّ لا يعلُو إلّا بالقوةِ وأسبابِهَا، وتلكَ سنةٌ ربانيّةٌ، فلو شاءَ اللهُ – عزَّ وجلَّ- أنْ يهلكَ الباطلَ وأهلَهُ ويدفعَهُ فإذا هو زاهقٌ في لحظةٍ بسببٍ وبغيرِ سببٍ لفعلٍ ولكنّهَا سنةُ الابتلاءِ، وحكمةُ الاختبارِ قال تعالى: ﴿وَلَوْ يَشاءُ اللَّهُ لانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلكِنْ لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ﴾؛ لذا نجدُ أنَّ آيَ الذكرِ الحكيمِ قد أوجبَ على المسلمينَ أنْ يأخذُوا حذرَهُم، ويُعدُّوا عدتَهُم معنوياً ومادياً، وفيما يلِي بيانُ ذلك:
أولاً: الإعدادُ المعنويُّ المتمثلُ في الحذرِ مِن غضبِ اللهِ وعقابِه: حذَّرَ اللهُ عبادَهُ المؤمنينَ مِن عذابِه ونقمتِه في مواضعَ مِن كتابِه العزيزِ، وهدّدَ المخالفينَ المتواطئينَ على مصلحةِ الأمةِ ومصيرِهَا قالَ ربُّنَا: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ﴾ فالآيةُ الكريمةُ فيها تحذيرٌ وتبشيرٌ، وترغيبٌ وترهيبٌ؛ لكي لا يتجاسرَ الناسُ على ارتكابِ ما نهَى اللهُ عنهُ، ولا ييأسُوا مِن رحمتِه متى تابُوا وأنابُوا، فاللهُ يعلمُ ما يجولُ في نفوسِنَا مِن خيرٍ أو شرٍّ، وما تهجسُ بهِ خطراتُ قلوبِنَا مِن مقاصدَ واتجاهاتٍ، فلنحذرْ أنْ نقصدَ ما هو شرٌّ، أو أنْ نفعلَ ما هو منكرٌ، وهذا الحذرُ يشملُ أيضًا مخالفةَ الرسولِ ﷺ، وقد توعدَ اللهُ بالعقابِ على ذلكَ فقالَ: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾، والآيةُ وإنْ كانت قد جاءت في سياقِ تعليمِ المؤمنينَ الأدبَ في خطابِهِم مع نبيِّهِم ﷺ، وفيها أيضًا تنويهٌ بالذين يتصرفون في ذلك بمَا يليقُ بمركزهِ ومقامِه فلا يتركونَ مجالسَهُ إلّا لعذرٍ وبعدَ الاستئذانِ منهُ، وتنديدٌ بالذينَ يتصرفونَ في ذلك تصرفًا غيرَ لائقٍ فيتسللونَ مِن مجالسِهِ إلَّا أنَّ الآيةَ عامةٌ تشملُ كلَّ أمرٍ مِن أمورِهِ ﷺ لا سيّمَا فيمَا يخصُّ الشأنَ العام كأمرِ الحربِ والاستعدادِ للعدوِّ قالَ ربُّنَا: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ﴾، وقد انهزمَ المسلمون في “غزوةِ أُحدٍ” بسببِ مخالفتِهِم أمرَ النبيِّ ﷺ وجاءَ الوحيُ القرآنيُّ ليقررَ هذا المبدأَ الخالدَ أنّ الهزيمةَ نتيجةُ الذنوبِ والمعاصِي فقال ﴿أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ .
ثانياً: الإعدادُ الماديُّ مِن خلالِ الحذرِ مِن الأعداءِ المتربصينَ بنَا: اللهُ -عزّ وجلّ- أمرنَا بأخذِ الحذرِ مِن خصمِنَا، وهذا يشملُ الأخذَ بجميعِ الأسبابِ التي بها يستعانُ على حربِهِم، ويستدفعُ مكرهُم وقوتهُم كاستعمالِ الحصونِ والخنادقِ، وتعلمِ الرميِ والركوبِ، وتعلمِ الصناعاتِ التي تُعينُ على ذلك، وما بهِ يعرفُ مداخلهُم ومخارجهُم ومكرهُم قال ربُّنَا:﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُباتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً﴾ فالآيةُ قد حثتْ المؤمنين على وجوبِ النفيرِ على جميعِ الأحوالِ تبعًا للمصلحةِ والنكايةِ: في المنشطِ والمكرهِ، متفرقين ومجتمعين، خفافًا مِن السلاحِ وثِقالًا منه؛ لأنَّ الوصفَ المذكورَ وصفٌ كليٌّ يدخلُ فيهِ كلُّ هذه الجزئياتِ لكنْ هذا كلُّهُ مشروطٌ بإذنِ الإمامِ أو الحاكمِ أو القائدِ؛ ليكونَ متحسسًا إليهم وعضدًا مِن ورائِهِم وإلّا حرمَ ذلك؛ إذ قد يترتبُ عليهِ مفاسدٌ عظيمةٌ تضرُّ بمصالحِ البلادِ والعبادِ.
كما نجدُ أنَّ القرآنَ يأمرُ المؤمنينَ بوجوبِ أخذِ الحذرِ بل ويبيّنُ كيفيتَهُ خاصةً في وقتِ الحربِ، قالَ تعالَى: ﴿وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً واحِدَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ﴾ فتأملْ كيف أنَّ اللهَ – عزّ وجلَّ- أمرَ بأخذِ الأسلحةِ، وتقسيمِ المسلمينَ إلى طائفتينِ: طائفةٌ تصلِّي، وطائفةٌ تحرسُ وتحمِيهم مِن العدوِّ بل لمَّا رخصَ سبحانَهُ للمؤمنينَ بوضعِ السلاحِ حالَ المطرِ أو المرضِ أمرَهُم بالتيقظِ والمبالغةِ في الحذرِ؛ لِئلَّا يجترئَ العدوُّ عليهم احتيالًا في الميلِ عليهِم واستغفالًا منهُم لوضعِ المسلمين لأسلحتِهِم فهو يودونَ مِن صميمِ قلوبِهِم أنْ يغفلَ المسلمونَ عن أسلحتِهِم فينقضونَ عليهم مرةً واحدةً لكن أنَّى لهم ذلك؟! ولعلك تستشعرُ التعبئةَ الروحيةَ في الحرصِ على الصلاةِ في ساحةِ المعركةِ.
كما أنَّ الأنبياءَ عليهم السلامُ كانُوا دائمًا على حذرٍ مِن أعدائِهِم، فهذا موسى عليه السلامُ لمَّا قتلَ قبطيًا أصبحَ خائفًا حذرًا مِن جنودِ فرعون ﴿فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾، وهذا لوطٌ عليه السلامُ استجابَ لأمرِ اللهِ لمَّا أمرَهُ اللهُ بقولِه:﴿فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبارَهُمْ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ﴾ فكانَ الأمرُ الآلهِي للوطٍ أنْ يسيرَ بقومِه في الليلِ قبلَ الصبحِ، وأنْ يكونَ في مؤخرتِهِم يتفقدهُم، ولا يدع أحدًا منهم يتخلفُ أو يتلكأُ، أو يتلفتُ إلى ديارِهِم على عادةِ المهاجرينَ الذين ينتابهُم الشوقُ إلى ما خلفُوا مِن ديارهِم؛ فيلتفتونَ إليهَا ويتلكأونَ.
وقد أخذَ نبيُّنَا ﷺ وصحابتُهُ رضي اللهُ عنهم بالحذرِ والحيطةِ في حياتِهِم كثيرًا، فقد اختبأَ ﷺ في غارِ “ثورٍ” أثناءَ هجرتِهِ هو وصاحبُهُ أبو بكرٍ، وأخذَ بكلِّ وسائلِ الحيطةِ كي تنجحَ الهجرةُ سرًّا مع كونِهِ ﷺ مستشعرًا لمعيةِ اللهِ إلّا أنَّهُ كان حذرًا مِن إدراكِ المشركين له، وطبقهُ ﷺ أيضًا فلم يفتحْ ﷺ مكةَ بمجردِ وصولِهِ إلى المدينةِ إلّا بعدَ سنواتٍ وبعدَ أنْ أخذَ العدةَ اللازمةَ لهذا الفتحِ وهي عشرةُ آلافِ مقاتلٍ مجهزين ومدربين على القتالِ اللازمِ لهذا الأمرِ العظيمِ رغمَ أنَّ اللهَ وعدَهُ بدخولِهَا فاتحًا منتصرًا، وفي هذا ذلك تعليمٌ لأمتهِ وحثهُم على الأخذِ بوسائلِ الحذرِ الممكنةِ، ولذا مدحَ ﷺ المؤمنَ المتيقظَ الحذرَ فقالَ ﷺ: «لاَ يُلْدَغُ المُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ» (متفق عليه) .
إنّ الحذرَ المحمودَ تجنِي الأمةُ ثمرتَهُ مِن تجنبِ الفتنِ ما ظهرَ منها وما بطن، والاستعدادِ لمواجهةِ العدوِّ،
تابع / خطبة الجمعة القادمة 1 نوفمبر 2024 : وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ
وهذا يستلزمُ متابعة أخبارِ العدوِّ، والتقصِّي عن أحوالِهِم، ويكونُ أيضًا عن طريقِ رفعِ الروحِ المعنويةِ للجنودِ، وتشجيعِ الصناعاتِ العسكريةِ التي تساعدُ على النصرِ، ولا يشكنَّ عاقلٌ أنَّ الحذرَ يتعارضُ مع القدرِ؛ لأنَّ الأمرَ بالحذرِ داخلٌ في القدرِ؛ إذ الأمرُ بهِ؛ لندفعَ عنَّا شرَّ الأعداءِ لا لندفعَ ما قدرَ اللهُ الذي هو جريانُ الأمورِ بنظامٍ تأتِي فيهِ الأسبابُ بإذنِ اللهِ على قدرِ المسبباتِ التي أرادهَا سبحانه، والحذرُ مِن جملةِ الأسبابِ، فهو عملٌ بمتقضَى القدرِ لا بمَا يضادهُ كما قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ:«أَفِرَارًا مِنْ قَدَرِ اللهِ؟ فَقَالَ عُمَرُ: لَوْ غَيْرُكَ قَالَهَا يَا أَبَا عُبَيْدَةَ، نَعَمْ نَفِرُّ مِنْ قَدَرِ اللهِ إِلَى قَدَرِ اللهِ» (متفق عليه) .
كما أنَّ الكتابَ الحكيمَ يرشدُ المسلمين إلى ما يجبُ عليهم إذا لم تكنْ المصلحةُ تقتضِي “النفيرَ العام” فيقولُ ربُّنَا:﴿وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾ فالآيةُ تشيرُ إلى أنّ المسلمين عليهم أنْ يقسمُوا أنفسَهُم إلى قسمينِ: قسمٌ يبقَى مع الرسولِ ﷺ ليتفقهَ في دينِهِ، وقسمٌ آخرُ يخرجُ للجهادِ في سبيلِ اللهِ، فإذا ما عادَ المجاهدون، فعلى الباقينَ معه ﷺ أنْ يبلغُوا العائدين ما حفظوهُ عنهُ ﷺ مِن أحكامٍ، وبذلك يجمعُ المسلمون بينَ المصلحتين: مصلحةُ الدفاعِ عن الدينِ بالحجةِ والبرهانِ، ومصلحةُ الدفاعِ عنهُ بالسيفِ والسنانِ.
وتحقيقاً لهذه الأوامرِ الربانيةِ لم يفتحْ النبيُّ ﷺ مكةَ بمجردِ وصولِهِ المدينةَ إلّا بعدَ سنواتٍ مِن الإعدادِ، وبعدَ أنْ أخذَ العدةَ وهي عشرةُ آلافِ مقاتلٍ مجهزينَ بعدةِ القتالِ اللازمةِ لهذا الأمرِ العظيمِ، فقامَ الرسولُ ﷺ على إعدادِ جيشٍ قويٍّ للمسلمينَ يعملُ على إعلاءِ كلمةِ اللهِ، وتعزيزِ وحمايةِ المجتمعِ مِن الداخلِ والخارجِ، بهذا الجيشِ تغيرتْ طبيعةُ الحربِ عندَ العربِ في الإسلامِ فلم تعد غزواً للآخرين بغيةَ الغنيمةِ والكسبِ كما هي حروبُ القبيلةِ، وإنّمَا حرباً لخدمةِ الاسلامِ، والدفاعِ عن معتنقيهِ، وتمكينِ حريةِ انتشارِهِ، والسعيِ لتطبيقِ شريعتِهِ بما يتوافقُ مع مقاصدِ الإسلامِ وجوهرِهِ.
وإنّ دينَنَا الحنيفَ يلزمُنَا بالإعدادِ المعنويِّ الإيمانيِّ، وهذا ما بينتْهُ آياتُ القرآنِ الكريمِ قالَ تعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ﴾.
العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة 1 نوفمبر 2024 : وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ
(2) وجوبُ الإعدادِ الجيدِ والتخطيطِ المسبقِ بمَا يلائمُ العصرَ الحديثَ:
أمرنَا اللهُ ب “الأخذِ بالأسبابِ”؛ لأنَّ اللهَ أوجدَ الأشياءَ وهيءَ لهَا أسبابَهَا، فمَن أخذَ بهَا مكّنَهُ اللهُ، قالَ سبحانَهُ: ﴿إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا * فَأَتْبَعَ سَبَبًا﴾، وسننُ اللهِ في الكونِ لا تُحابِي أحدًا على حسابِ أحدٍ، وهذا مِن عدلِ اللهِ جلَّ جلالُهُ، والمتأملُ في القرآنِ يجدُ أنَّ جُلَّ آياتِهِ تحثنَا على الأخذِ بالأسبابِ، وتأمرُنَا بالحركةِ لا بالسكونِ، يقولُ ربُّنَا: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا﴾، فهذا أمرٌ بالمشيِ في مناكبِ الأرضِ، وقالَ أيضًا: ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ﴾، فهذا هو شأنُ المسلمِ عملٌ وبيعٌ قبلَ الصلاةِ، وسعيٌ وانتشارٌ في الأرضِ بعدَ الصلاةِ كيلَا تتوقفُ مسيرةُ الحياةِ، والملاحظُ أنَّ اللهَ في الآياتِ الثلاث عبّرَ ب “الفاءِ” التي تفيدُ الترتيبَ والتعقيبَ والسرعةَ فتنبهْ وافهمْ.
وفي مجالِ الحياةِ العسكريةِ يأمرُنَا بإعدادِ العدةِ فقالَ ربُّنَا: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ﴾، و”القوةُ” هنا عامةٌ تشملُ الماديةَ والعسكريةَ والاقتصاديةَ والاجتماعيةَ، والتعليميةَ …إلخ، ومَن يتتبع سيرَ الأنبياءِ يرى أنَّهُم ما عطلُوا الأسبابَ وما ركنُوا إلى التواكلِ بل نجدهُم رغمَ أنَّ اللهَ أيدَهُم بالمعجزاتِ الخارقاتِ إلّا أنَّهُم سارعُوا إلى الأخذِ بالأسبابِ، بهذا يكونُ ربُّنَا قد أرشدَنَا إلى كيف نحتفظُ بالثباتِ وتلك القوةِ قبلَ النصرِ وبعدَهُ بأنْ يخططَ ويدرسَ ويتعلمَ ولا يتوقف أبدًا.
وإذا كان ﷺ قد فسَّرَ “القُوةَ”﴿مِن قُوَّةٍ﴾ بما رواهُ عُقْبَةُ حيثُ قال:«سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُم مَا اسْتَطَعْتُم مِن قُوَّةٍ﴾ أَلَا إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ، أَلَا إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ، أَلَا إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ» (مسلم) .
كما رغّبَ ﷺ أصحابَهُ وأمرَهُم بالتدريبِ والتمرنِ على المعداتِ الحربيةِ، وعلى تعلمِ طرقِ وأساليبِ القتالِ التي تلائمُ عصرَهُم، وتناسبُ إمكانيتَهُم آنذاك، فعن سلَمَةَ قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ ﷺ عَلَى نَفَرٍ مِنْ أَسْلَمَ يَنْتَضِلُونَ، فَقَالَ ﷺ:«ارْمُوا بَنِي إِسْمَاعِيلَ، فَإِنَّ أَبَاكُمْ كَانَ رَامِيًا ارْمُوا، وَأَنَا مَعَ بَنِي فُلاَنٍ» قَالَ: فَأَمْسَكَ أَحَدُ الفَرِيقَيْنِ بِأَيْدِيهِمْ، فَقَالَ ﷺ:«مَا لَكُمْ لاَ تَرْمُونَ؟»، قَالُوا: كَيْفَ نَرْمِي وَأَنْتَ مَعَهُمْ؟ قَالَ ﷺ: «ارْمُوا فَأَنَا مَعَكُمْ كُلِّكُمْ» (البخاري) .
لكن تفسيرُهُ ﷺ لا يقفُ عندَ هذا الفهمِ فهو أطلقَ الرميَ، ولم يُعينْ ما يرمى بهِ، وعليهِ يشملُ كل ما يُرمَي بهِ الأعداءُ مِن قذائفَ ودباباتٍ وطائراتٍ عابرةٍ للقاراتِ، فكلُّ ما استحدثَ لا بُدَّ مِن توفرِ عنصرِ «القُوةِ» فيهِ، وليس الغرضُ مِن بيانِهِ ﷺ حصرُ مجالاتِ «القوةِ» في آلةِ الرميِ، ولا يعقلُ أنْ يقفَ النصُّ عندَ هذا الجمودِ وإلّا عمَّ الضررُ البلادَ والعبادَ خاصةً في هذا العصرِ الذي تطورتْ فيهِ الدولُ في مجالِ صناعةِ الأسلحةِ المختلفةِ بل تحرصُ كلٌّ منهَا على المسارعةِ والمسابقةِ في استحداثِ ما تتفوقُ بهِ على نظيرَتِهَا .
كما أنَّ العلةَ مِن هذا الإعدادِ أشارَ إليهَا ربُّنَا سبحانَهُ بقولِهِ:﴿تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ﴾، وهذه العلةُ موجودةٌ في كلِّ زمانٍ ومكانٍ، والحكمُ يدورُ مع علتهِ وجودًا وعدمًا، ولأنَّ ما لا يتمُّ الواجبُ إلَّا بهِ فهو واجبٌ.
يقولُ الشيخُ/ مُحَمَّد رشيد: (يجب إِعْدَاد الْأُمَّة كُلَّ مَا تَسْتَطِيعُهُ مِنْ قُوَّةٍ لِقِتَالِ أَعْدَائِهَا، فَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ عَدَدُ الْمُقَاتِلَةِ، وَيَدْخُلُ فِيهِ السِّلَاح، وَهُوَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَزْمِنَةِ وَالْأَمْكِنَةِ وَالْأَحْوَالِ، وَقَدْ كَثُرَتْ أَجْنَاسُهُ وَأَنْوَاعُهُ وَأَصْنَافُهُ فِي هَذَا الزَّمَانِ، فَمِنْهُ الْبَرِّيُّ وَالْبَحْرِيُّ وَالْهَوَائِيُّ، وَيَدْخُلُ فِيهِ الزَّادُ وَنِظَامُ سَوْقِ الْجَيْشِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْعُلُومِ وَالْفُنُونِ الْكَثِيرَةِ، وَمِنَ الْمَعْلُومِ بِالْبَدَاهَةِ أَنَّ إِعْدَادَ الْمُسْتَطَاعِ مِنَ الْقُوَّةِ يَخْتَلِفُ امْتِثَالُ الْأَمْرِ الرَّبَّانِيِّ بِهِ بِاخْتِلَافِ دَرَجَاتِ الِاسْتِطَاعَةِ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ بِحَسْبِهِ .
فَالْوَاجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي هَذَا الْعَصْرِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ صُنْعُ الْمَدَافِعِ بِأَنْوَاعِهَا وَالْبَنَادِقِ وَالدَّبَّابَاتِ وَالطَّيَّارَاتِ وَإِنْشَاءُ السُّفُنِ الْحَرْبِيَّةِ بِأَنْوَاعِهَا، وَمِنْهَا الْغَوَّاصَاتُ الَّتِي تَغُوصُ فِي الْبَحْرِ، وَيَجِبُ عَلَيْهِمْ تَعَلُّمُ الْفُنُونِ وَالصِّنَاعَاتِ الَّتِي يَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا صُنْعُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَغَيْرِهَا مِنْ قُوَى الْحَرْبِ) أ.ه.
تابع / خطبة الجمعة القادمة 1 نوفمبر 2024 : وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ
إنَّ القرآنَ الكريمَ يخبرُنَا أنَّ أنبياءَ اللهِ – عزَّ وجلَّ- والصالحينَ قد أعدُّوا العدةَ في سبيلِ مواجهةِ أعدائِهِم، فهذا نوحٌ عليهِ السلامُ قد أمرَهُ بصنعِ سفينةٍ في زمنٍ قلتْ فيهِ الاختراعاتُ، فقالَ تعالى:﴿وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ * وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَما تَسْخَرُونَ﴾، وبدأَ نوحٌ بصناعةِ سفينةٍ عظيمةٍ لا يشبهُهَا فلكٌ في العالمِ؛ لأنّهُ سيحملُ فيهَا مِن كلٍّ زوجينِ اثنين، وكان الخالقُ قادراً على أنْ ينزلَ تلك السفينةَ مِن السماءِ، أو يرفعَ نوحاً وأتباعَهُ عن الأرضِ فلا يصلُ الماءُ إليهِم لكنَّ اللهَ أمرَهُ أنْ يضربَ بمسمارِهِ على أخشابِهِ؛ ليبنيَ أعظمَ فُلكٍ في الدنيا ﴿وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ * تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ﴾، وهذا الأمرُ يشملُ الخلقَ أجمعين إلى يومِ القيامةِ، فهم مأمورونَ بشقِّ السفنِ والتفننِ في اتقانِهَا واختراعِ كلِّ ما هو جديدٌ في عالمِ هذه الصناعةِ بما يتناسبُ مع عصرِهِم ومكانِهِم، وبما يضمنُ لهم التفوقَ على عدوِّهِم.
وهذا داودُ عليه السلامُ يمتنُّ اللهُ عليه بتعليمهِ مبادئَ الصناعةِ العسكريةِ، فكان يستخدمُ الحديدَ في صناعةِ الدروعِ والسيوفِ وآلالاتِ الحربِ المختلفةِ التي تقِي المحاربَ أخطارَ الحروبِ، فكان لهُ قدمُ السبقِ في ذلك، وكان أولَ مَن سردَهَا وحلَّقهَا كما قالَ ربُّنَا: ﴿وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ * أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾، والمسلمونَ حريٌّ بهِم أنْ يتمثلُوا هذا الهديَ النبويَّ عملاً بقاعدةِ: «شرعُ مَن قبلنَا شرعٌ لنَا ما لم ينسخْ» .
وهذا رجلٌ مِن الصالحينَ مكَّنَ اللهُ لهُ في الأرضِ غربِهَا وشرقِهَا، فنشرَ فيهَا السلامَ، وكان مثالاً يُحتذَى بهِ في الهندسةِ والعمارةِ والصناعةِ؛ إذ تمكنَ مِن بناءِ سدٍّ، يحولُ بهِ بينَ قبائلَ يأجوجَ ومأجوج، فكان سدًّا عظيمًا لم يشهدْ لهُ التاريخُ مثيلاً! قال تعالى: ﴿آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا * فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا﴾ .
إنَّ المؤمنَ مطالبٌ بأنْ يكونَ قويّاً؛ لأنَّ الحياةَ لا تعترفُ إلّا بالقويِّ، الضعيفُ يُرفضُ ويداسُ بالأقدامِ؛ خصوصاً حينما تسودُ شريعةُ الغابِ، والقوةُ المطلوبةُ قوةٌ شاملةٌ، قوةٌ في الإيمانِ والأبدانِ والعلومِ والاقتصادِ، وكلِّ مناحِي الحياةِ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ، خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ» (مسلم) .
العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة 1 نوفمبر 2024 : وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ
(3) مفاهيمُ خاطئةٌ يجبُ أنْ تصححَ لدىَ المسلمِ الفطنِ اللبيبِ:
الكثيرُ مِن المسلمين قد شغلَ نفسَهُ بشتمِ الأعداءِ، ولعنِ خططهِم، وذمِّ غاراتِهِم معتقدين أنَّ ذلك غايةُ المطلوبِ، وهذا لا شكَّ مخالفٌ للهديِ القرآنِي السابق، فالقرآنُ إذ يصفُ الصراعَ بينَ الحقِّ والباطلِ يحثُّ المؤمنين على التزامِ المنهجِ الربانِي في مواجهتِهِ، ومِن ذلك: معرفةُ حقيقةِ العدوِّ وأوصافِه، فمَن ملكَ تصورًا سليمًا عن شيءٍ فقد ملكَ الوسيلةَ المناسبةَ لردِّ عاديتِهِ ولجمِ صولاتِهِ، وقد وصفَ القرآنُ أعداءَنَا بأوصافٍ كثيرةٍ وهو لا يكثرُ مِن ذكرِ شيءٍ إلّا ليلفتَ انتباهَ المسلمين إلى أهميتِهِ وخطورتِهِ، وقد كان مِن مقاصدِ هذا الوصفِ تنبيهُ المسلمينَ إلى مكرِ خصومِهِم وخبثِهِم؛ لأخذِ الحيطةِ والحذرِ، والاستمرارِ في التجهزِ والاستعدادِ قالَ ربُّنَا: ﴿كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ﴾، فوصفَهُم بالقسوةِ في طلبِ قتلِنَا، والشدةِ في محاولةِ إفنائِنَا، فهل وجدنَا غيرَ ذلك؟!
إنَّ العدوَّ الذي يحوزُ على هذا الكمِّ الهائلِ مِن الصفاتِ المعاديةِ للإسلامِ والإنسانيةِ لا يمكنُ أنْ يجابَهَ بالأمانِي والتأففِ والانزوءِ بل يجابَهُ بالمنهجِ الذي حثَّ عليهِ القرآنُ، ومِن ذلك تشجيعهُ المسلمين على التركيزِ على غرسِ نفسيةِ البحثِ والتعلمِ والعملِ، والأخذِ بزمامِ العلمِ والتفوقِ فيهِ، فالأمةُ الماسكةُ بالعلومِ أمةٌ قويةٌ مُهابةُ الجانبِ أمّا الأمةُ الجاهلةُ فإنَّهَا تظلُّ محلَّ طمعٍ لجميعِ الأعداءِ، فالضعفُ يُغرِي العدوَّ، والجهلُ يفرشُ لهُ الطريقَ ويمهدهُ.
يعتقدُ الكثيرون أنَّ الإيمانَ يكفِي لوحدِهِ لتحقيقِ النصرِ، وهذا مخالفٌ للهديِ القرآنِي والنبويِ؛ لأنَّ النصرَ لا يتحققُ بالإيمانِ وحسب، بل يتحققُ -أيضًا- بالإعدادِ في كلِّ ميادينِ الحياةِ؛ ولذا تجد السياقَ القرآنيَّ يشيرُ في كثيرٍ مِن الآياتِ أنَّ اجتماعَ الإيمانِ مع هذا الإعدادِ حسب الوسعِ كفيلٌ بتحقيقِ النصرِ والفوزِ، قالَ ربُّنَا:﴿قالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ﴾، والمستقرىءُ لكتبِ التاريخِ يجد أنَّ هذا حالُ المسلمين في أغلبِ المعاركِ رغمَ قلةِ العددِ والعتادِ إلّا أنَّ اللهَ كتبَ لهُم الفلاحَ.
إنّ المتأملَ في حالِ الأمةِ يجدهَا معتمدةً في بعضِ غذائِهَا ودوائِهَا على غيرِهَا، وهذا يُنافِي المبدأَ القرآنيَّ الذي يحثُّ على العملِ بمفهومِهِ الشاملِ ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾، ولا شكَّ أنَّ أشرفَ الأعمالِ ما رفعَ عن الأمةِ الضعفَ والهوانَ، وخيرُ ما يرفعُ ذلك أنْ تكونَ مالكةً لأمرِهَا وغذائِهَا ودوائِهَا .
ألَا فلنعدْ إلى ربِّنَا عزّ وجلّ، ولنصلحْ ما بينَنَا وبينَ أنفسِنَا، ونُغيرْ حالَنَا وحياتَنَا إلى الأفضلِ، ولنفقهْ أمرَ دينِنَا، ولنعلمْ أنَّ العبرةَ ليستْ بالكثرةِ فقط وإنَّمَا بتوجيهِ تلك الكثرةِ والعملِ على حسنِ توجيهِهَا مِن أجلِ خدمةِ دينِهَا ووطنِهَا عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«يُوشِكُ الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا، فَقَالَ قَائِلٌ: وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: «بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ، وَلَيَنْزَعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمُ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ، وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهْنَ»، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الْوَهْنُ؟ قَالَ: «حُبُّ الدُّنْيَا، وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ» (أبو داود، وأحمد) .
إنَّ الأمةَ القويةَ والدولةَ القويةَ تحفظُ مهابتَهَا ما دامتْ صفةُ القوةِ ملازمةً لهَا، وتلكُمُ سنةٌ إلهيةٌ مِن السننِ التي تُبنَى عليهَا الحياةُ، فلا خيرَ في حقٍّ لا نفاذَ لهُ، ولا يقومُ حقٌّ ما لم تحطْ بهِ قوةٌ تحفظُهُ وتسندُهُ، وما فتئتْ أممُ الأرضِ ودولُهَا، تعدُّ نفسهَا بالقوةِ بمختلفِ الأنواعِ والأساليبِ، حسبِ مقتضياتِ العصرِ، ومتطلباتِ الظروفِ في الزمانِ والمكانِ؛ ولذا تسقطُ الأممُ في هاويةِ الذلةِ إذا صغرتْ همةُ رجالِهَا، والعاجزُ لا يُرجَى لدفعِ مُلمةٍ ولا يؤملُ في النهوضِ بهمةٍ، كمَا أنّهُ ليس مِن العقلِ ولا مِن الحكمةِ الوقوفُ مع الهزائِم، واستعادةُ الأحزانِ والتعثرُ في عقباتِهَا، وتبادلِ كلماتِ اللومِ وآهاتِ التحسرِ، فمَا كان ذلك مِن أخلاقِ الأقوياءِ، ولا مِن مسالكِ ذوي العزةِ والأنفةِ، وأباةِ الضيمِ، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزّىً لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ * وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ﴾ .
وهذا الإعدادُ يومَ أنْ تعلمَ الدولُ المجاورةُ أنَّ جندَنَا مدربٌ على أرقَى أساليبِ القتالِ، ويلبِّي نداءَ الوطنِ، وفي أيِّ لحظةٍ يقدمُ كفَّهُ على روحِهِ وليمتْ مَن يمتْ، هكذا تبقَى الأمةُ، وفي القتلَى لأقوامٍ حياةٌ لآخرين؛ إذ لا يحفظُ البيتَ إلّا صاحبُهُ، ولا يحفظُ الدارَ إلّا بانيهَا، وإنّ مَن أعدَّ نفسَهُ بكلِّ السبلِ والوسائلِ هابَهُ الأعداءُ، لو علمَ اللصُّ أنَّ أهلَ الدارِ مسلحونَ ما استطاعَ وما تجرأَ أنْ يداهمَهُم .
نسألُ اللهَ أنْ يفرجَ كروبَنَا، وأنْ يزيلَ همومَنَا، وأنْ يذهبَ أحزانَنَا، ونسألُكَ يا اللهُ أنْ تجعلَ بلدنَا مِصْرَ سخاءً رخاءً، أمنًا أمانًا، سلمًا سلامًا وسائرَ بلادِ العالمين، وأنْ توفقَ ولاةَ أُمورِنَا لِمَا فيهِ نفعُ البلادِ والعبادِ.
كتبه: الفقير إلى عفو ربه الحنان المنان
د / محروس رمضان حفظي عبد العال
مدرس التفسير وعلوم القرآن – كلية أصول الدين والدعوة – أسيوط
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
وللإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
وللمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف