خطبة بعنوان: ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم، للدكتور خالد بدير
خطبة بعنوان: ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم
لتحميل الخطبة أضغط هنا
ولقراءة الخطبة كما يلي:
عناصر الخطبة:
العنصر الأول: ميلاد الرسول ميلاد أمة
العنصر الثاني: الرسول صلى الله عليه وسلم القدوة الصالحة
العنصر الثالث: القدوة في حياتنا المعاصرة بين الواقع والمأمول
المقدمة: أما بعد:
العنصر الأول: ميلاد الرسول ميلاد أمة
في فترة من فترات التاريخ الغابرة، وعلى ثرى البقعة المباركة التي اختارها الله لتكون مثابة للناس وأمنا، وفي ظل أجواء مليئة بالجهل والظلم، وتحكـم الغني بالفقير، وسيطرة القوي على الضعيف كان العالم كله يرقب ولادة جديدة تنتشل الأمة من وهدتها، وتطيح بالظلم والطغيان لتضع الأمور في نصابها؛ وتعيد للإنسانية كرامتها وترتفع بالبشرية ؛ من حياة الذل والضياع متطلعة بها إلى حياة العزة والمجد.
وسط هذه الأجواء الملبدة بغيوم الجهل والشرك والوثنية كانت الولادة المرتقبة، فانتبهت مكة على إيقاع صوت الحق ينطلق من بين أزقتها، وأفاقت تلك المدينة المقدسـة الوادعة على أنغام الترحاب بالوليد اليتيم الذي لم يكن يخطر ببال أحـد أنه سيكون منقذا لأمة ومؤسسا لحضارة ؛ ومعلما للبشرية وقائدا لركب الإيمان والتوحيد؛ وقائما بين الناس بالعدل.
إن أردت العدل كان محمد…………. وإن أردت الحق كان هداه
صلوا عليه علي الدوام وآله…………..فهو الذي صلي عليه الله
يصور لنا سيدنا جعفر بن أبي طالب حال الأمة قبل بعثته – صلى الله عليه وسلم – وبعدها تصويرا حقيقياً حينما وقف خطيبا أمام النجاشي ملك الحبشة قائلاً: ” أَيُّهَا الْمَلِكُ كُنَّا قَوْمًا أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ؛ نَعْبُدُ الْأَصْنَامَ، وَنَأْكُلُ الْمَيْتَةَ، وَنَأْتِي الْفَوَاحِشَ، وَنَقْطَعُ الْأَرْحَامَ، وَنُسِيءُ الْجِوَارَ يَأْكُلُ الْقَوِيُّ مِنَّا الضَّعِيفَ؛ فَكُنَّا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْنَا رَسُولًا مِنَّا نَعْرِفُ نَسَبَهُ وَصِدْقَهُ وَأَمَانَتَهُ وَعَفَافَهُ؛ فَدَعَانَا إِلَى اللَّهِ لِنُوَحِّدَهُ وَنَعْبُدَهُ وَنَخْلَعَ مَا كُنَّا نَعْبُدُ نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ الْحِجَارَةِ وَالْأَوْثَانِ؛ وَأَمَرَنَا بِصِدْقِ الْحَدِيثِ وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ وَصِلَةِ الرَّحِمِ وَحُسْنِ الْجِوَارِ وَالْكَفِّ عَنْ الْمَحَارِمِ وَالدِّمَاءِ؛ وَنَهَانَا عَنْ الْفَوَاحِشِ وَقَوْلِ الزُّورِ وَأَكْلِ مَالَ الْيَتِيمِ وَقَذْفِ الْمُحْصَنَةِ؛ وَأَمَرَنَا أَنْ نَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا وَأَمَرَنَا بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ وعَدَّدَ عَلَيْهِ أُمُورَ الْإِسْلَامِ…..” [ مجمع الزوائد – الهيثمي ]
لقد امتنّ الله تعالى على عباده ببعثة الرّسول صلى الله عليه وسلم وميلاد أمته فقال: { لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ } (آل عمران: 164)
إن ذكرى المولد النبوي الشريف : مولد رسول .. ميلاد أمة ورسالة وحضارة؛ قاوم بكل مقوماته حتى رفع راية الحق؛ وتحمل من أجلها كل الصعاب؛ جاع فصبر…وربط على بطنه الحجر…ثم أعطي فشكر…وجاهد في سبيل الله فانتصر …
فاق النبيين في خلق وفي خلق…..ولم يدانوه في حــــــــلم ولا كــــــرم
جاءت لدعوته الأشجار ساحرة….تمشى إليه علي ساق بلا قدم
هذا هو حبيبنا المصطفى ( محمد )…صلّوا عليه وسلموا تسليما.
جاء صلى الله عليه وسلم فاستل العداوات، ومحا السخائم، وألّف القلوب، وأعاد اللُّحمة، ونشر الرحمة؛ وحل السخاء؛ وعم الرخاء.
أحبتي في الله: في برهة من الزمن غيَّر صلى الله عليه وسلم العالم كله؛ وشهد له العدو قبل الصديق؛ والكافر قبل المسلم؛ وهناك شواهد غربية أنصفته صلى الله عليه وسلم أذكر لك بعضها وبالمثال يتضح المقال:
يقول غوته : “إننا أهل أوربة بجميع مفاهيمنا ، لم نصل بعد إلى ما وصل إليه محمد ، وسوف لا يتقدم عليه أحد … ، ولقد بحثت في التاريخ عن مثل أعلى لهذا الإنسان ، فوجدته في النبي محمد … وهكذا وجب أن يظهر الحق ويعلو، كما نجح محمد الذي أخضع العالم كله بكلمة التوحيد”( آفاق جديدة للدعوة – العلامة أنور الجندي)
ويقول آخر: ” أنا واحد من المبهورين بالنبي محمد الذي اختاره الله الواحد لتكون آخر الرسالات على يديه ، وليكون هو أيضاً آخر الأنبياء … ويكفيه فخراً أنه هدى أمة برمتها إلى نور الحق ، وجعلها تجنح للسكينة والسلام ، وفتح لها طريق الرقي والمدينة” .
ويقول العلامة شيريل ، عميد كلية الحقوق بفيينا :”إن البشرية لتفتخر بانتساب رجل كمحمد إليها”
ومــــمــــــا زادني فـــخراً وتـيــهـــــــاً…. وكــــــدت بأخمـــــــصي أطأ الـثريا
دخولي تحت قولك يا عبادي…. وأن صـيَّرت أحــمد لي نـبيــا
ويقول الشاعر الفرنسي الشهير (لا مارتين) : ” أعظم حدث في حياتي هو أنني درست حياة رسول الله محمد دراسة واعية ، وأدركت ما فيها من عظمة وخلود، ومن ذا الذي يجرؤ على تشبيه رجل من رجال التاريخ بمحمد ؟! ومن هو الرجل الذي ظهر أعظم منه ، عند النظر إلى جميع المقاييس التي تُقاس بها عظمة الإنسان…”
ويقول المؤرخ كريستوفر دارسون في كتابه (قواعد الحركة في تاريخ العالم) :”إن الأوضاع العالمية تغيرت تغيراً مفاجئاً بفعل فرد واحد ظهر في التاريخ هو محمد”
قلت : سبحان الله!! فرد واحد غير مجرى التاريخ!! ونحن ألوف بل ملايين وحالنا هكذا !! إذن هناك خلل لابد من إصلاحه ويتلخص في: أن نكون جميعا – دعاة ومدعوين وحكاما ومحكومين أفرادا وجماعات – على ما كان عليه صلى الله عليه وسلم.
ويقول الشاعر الروسي الشهير (بوشكين) :
“شُقّ الصدر ، ونُزع منه القلب الخافق … غسلته الملائكة ، ثم أُثبت مكانه ! قم أيها النبي وطف العالم …. وأشعل النور في قلوب الناس”
نسبٌ أضاءَ عمودهُ في رفعه…..كالصبـــــــح فيــــــــه ترفُّعٌ وضياءُ
وشمــــــــائلٌ شهدَ العدوُّ بفضلها….والفضلُ ما شهدت به الأعداء
أيها المسلمون عباد الله: في ذكرى مولده صلى الله عليه وسلم نحتاج أيضا للولادة فيه من جديد ، لتجديد البيعة من جديد لمبادلته الحب الذي علمنا إياه وأرشدنا إليه ؛ نحتاج لفهم سيرته وتحريرها مما اقترفناه بحقها من انحراف في الفهم أو التطبيق ؛ لإعادة الاعتبار إلى العناوين الكبرى التي شكلت مفاتيح شخصيته: الحرية .. والرحمة.. والوحدة .. والوسطية والاعتدال …والصدق والأمانة.. والسهولة واليسر… والعفو والتسامح ….واحترام الإنسان أي إنسان ؛ وإعادة الاعتبار للدين الذي ضحى من أجله ؛ فكان قضية أصحابه الأولى وللرجال الذين وقفوا معه فكان أحب إليهم من أنفسهم ، وللأمّة التي أسسها فكانت خير أمة أخرجت للناس!!
نحتفي -دائما – برسولنا ونستأنس به من وحشتنا ونلوذ إلى سيرته لنبدد يأسنا وخوفنا ونعتز بعظمته وإنسانيته ورسالته لنجدد إيماننا!!
الخلاصة: نحتاج إلى ولادة من جديد؛ وتغيير ما بي أنفسنا من عقائد فاسدة؛ وقلوب حاسدة؛ وأطماع حاقدة؛ وأمراض اجتماعية موجعة؛ وحوادث مفجعة؛ ووجوه عابسة؛ وأجسام متفرقة؛ ودعايات مغرضة؛ وصدق الله حيث يقول: { إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ} ( الرعد: 11)
العنصر الثاني: الرسول صلى الله عليه وسلم القدوة الصالحة
القدوة في الدعوة والتربية هي أفعل الوسائل جميعًا، وأقربها إلى النجاح، وإن مبادئ الإسلام تحظى بالقبول حينما يمتثلها الداعي قبل المدعويين، وهكذا كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صورةً حيةً لتعاليم الإسلام السامية في كل شيء، رأَى الناس فيه الإسلام رأْيَ العين، فهو أعظم قدوة في تاريخ البشرية كلها، ولقد تحركت نفوس الناس بقدر وسعها نحو التطبيق والعمل، يقتبسون من نوره ويتعلمون من آدابه.
سيرته صفحة مكشوفة يعرفها محبوه وشانئوه، ولقد نقل لنا الرواة دقيق وصف بدنه، وقسمات وجهه، وصفة شعره، وكم شيبة في رأسه ولحيته، وطريقة حديثه، وحركة يده، كما نقلوا تفصيل شأنه في مأكله، ومشربه، ومركبه، وسفره، وإقامته، وعبادته، ورضاه، وغضبه، حتى دخلوا في ذكر حاله مع أزواجه أمهات المؤمنين في المعاشرة، والغسل، والقسم، والنفقة، والمداعبة، والمغاضبة، والجد، والمزاح، وفصلوا في خصوصيات الحياة وضروراتها.
كلهم يجدون في سيرته الهداية التامة على تنوع أحوالهم وتفاوت طرائقهم، والفرد الواحد لا يخرج عن محل القدوة به صلى الله عليه وسلم مهما تقلبت به الحال، ومهما ركب من الأطوار؛ فهو القدوة والأسوة في ذلك كله.
ومن أبرز الأمثلة على القدوة في شخص رسولنا- صلى الله عليه وسلم- ما كان عليه من أخلاق قبل البعثة، حيث كان يعرف قبل الرسالة بالصادق الأمين، وما جرَّب قومه عليه كذبًا قط، ولقد شهدت له زوجه عائشة رضي الله عنها؛ وهي ألصق الناس به، وأكثرهم وقوفًا على أفعاله في بيته، بأنه صلى الله عليه وسلم: “كان خلقه القرآن”، (رواه مسلم )؛ قال الإمام الشاطبى: “وإنما كان صلى الله عليه وسلم خلقه القرآن لأنه حكَّم الوحي على نفسه حتى صار في عمله وعلمه على وفقه، فكان للوحي موافقًا قائلاً مذعنًا ملبيًا واقفًا عند حكمه”. فكان صلى الله عليه وسلم قرآنًا يمشي على الأرض.
ولقد شهد الله سبحانه وتعالى له بالأخلاق العظيمة في كل الأمور في حياته صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى:{وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}(القلم: 4)، من أجل ذلك ارتضاه الله سبحانه وتعالى للبشرية كلها بأنه القدوة الحسنة، والأسوة الطيبة في كل ما يصدر عنه من أقوالٍ وأفعال.
وهذه الخاصة كانت من أعظم الأدلة على صدقه فيما جاء به، إذ قد جاهر بالأمر وهو مؤتمر، وبالنهي وهو منتهٍ، وبالوعظ وهو متَّعظ، وبالتخويف وهو أول الخائفين، وبالترجية وهو سائق دابة الراجين، وحقيقة ذلك كله جعلُهُ الشريعةَ المنزلة عليه حجةً حاكمة عليه، ودلالة له على الصراط المستقيم الذى سار عليه صلى الله عليه وسلم.
لقد كان نبي الرحمة محمد – صلى الله عليه وسلم – أسوة في أقواله وأفعاله، فإذا أَمَر بخير كان أسرع الناس إلى تنفيذه، وإذا أبلغ شيئًا من الوحي كان أول من يلتزم به، فكان أشدَّ الناس زهدًا وورعًا، وعبادة تقوى، وأعظمهم شجاعة وشهامة ومروءة وكرمًا، وأكبرهم تضحية وبذلاً وفداءً، وأكثرهم صبرًا وحلمًا وعفوًا، ولنا القدوة والأسوة فيه – صلى الله عليه وسلم – {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا } (الأحزاب: 21).
وهذه الآية الكريمة أصل كبير في التأسي برسول الله- صلى الله عليه وسلم- في أقواله وأفعاله وأحواله، ولهذا أمر الله تبارك وتعالى الناس بالتأسي به صلى الله عليه وسلم؛ فكان صلى الله عليه وسلم إذا أمرَ بشيءٍ أو نادى به فعله أولاً قبل الناس، ليتأسوا به ويعملوا كما عمل، وفي السيرة النبوية شواهد على ذلك كثيرة، منها:
أنه لما تم صلح الحديبية بين المسلمين وقريش ونصوا في بنودها أن يرجع المسلمون هذا العام بلا أداء العمرة ويعودوا في العام القادم، أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن ينحروا الهدي ويتحللوا من إحرامهم فقال: “قوموا فانحروا ثم احلقوا” فتكاسل الصحابة حيث إن الشروط كانت جائرةً على المسلمين، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على السيدة أم سلمة مغضبًا، وأخبرها بتخلف الناس عن أمره، فأشارت عليه صلى الله عليه وسلم بأن يُسرع في التنفيذ أمامهم، فقام صلى الله عليه وسلم فحلق رأسه، ونحر هديه، وتسابق الصحابة في التطبيق حتى كاد بعضهم يقتل بعضًا من شدة الزحام.
ومن أبرز الأمثلة في السيرة النبوية الشريفة أيضًا على كونه- صلى الله عليه وسلم- كان يبدأ بنفسه قبل الناس ليقتدي الناس به، موقفه في بناء المسجد؛ حيث كان يشارك الصحابة في الحفر ونقل التراب، ورفع البناء، وكانوا يرتكزون أثناء عملهم بقولهم:
لئن قعدنا والرسول يعملُ……………… لذاك منا العمل المضللُ
وشاركهم صلى الله عليه وسلم في حفر الخندق حول المدينة، عندما سمع بقدوم الأحزاب لاستئصال شأفة المسلمين في المدينة، وكان له قسم مثلهم يباشر الحفر معهم بيده، ويحمل التراب على كتفه، وإذا استعصت عليهم مشكلة سارعوا إليه صلى الله عليه وسلم يلتمسون منه حلاًّ لها بمعوله، فكان هذا كله دافعًا للصحابة على العمل، ومقويًّا لهممهم وعزائمهم، فلم يكسلوا أو يتوانوا؛ حيث يرون قائدهم ورسولهم معهم في خندقٍ واحد، يعمل كما يعملون، ويأكل مما يأكلون، ويشرب مما يشربون، وينام على مثل ما ينامون، وما زادهم ذلك إلا إيمانًا وتسليمًا.
وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم صحابته إلى أن يقتدوا به في أقواله وأفعاله، ولا سيما في العبادات، فلم يُعِدّ مجلسا لشرح أركان الصلاة وسننها ومبطلاتها كما نفعل الآن، وإنما قال: ” صلُّوا كما رأيتُموني أصلِّي ” (رواه البخاري)، وفي الحج قال”خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ” (رواه مسلم والنسائي).
ولما علم الرسول شدة اقتداء الصحابة به صلى الله عليه وسلم وخاصة في مناسك الحج خشي عليهم الازدحام والتقاتل في أداء المناسك فرفع عنهم الحرج؛ فعن جابر، قال: ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم:” قد نحرت هاهنا، ومنى كلها منحر، ووقف بعرفة، فقال: قد وقفت هاهنا، وعرفة كلها موقف، ووقف بالمزدلفة، فقال: قد وقفت هاهنا، والمزدلفة كلها موقف” ( أبوداود )؛ تصورت هذا المشهد من ازدحام الناس عند جبل الرحمة في أرض عرفات وقلت: لو قال النبي صلى الله عليه وسلم: وقفت ها هنا وهذا هو الموقف!! ونحرت ها هنا وهذا هو المنحر!! لتقاتل الناس وهلك الكثير ؛ ولكنه صلى الله عليه وسلم كان رحيما بأمته.
وفي الصيام اتبعوه- صلى الله عليه وسلم- في الوصال فنهاهم رحمة ورأفة بهم وشفقة عليهم؛ فعن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ” نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْوِصَالِ فِي الصَّوْمِ. فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ: إِنَّكَ تُوَاصِلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَالَ: وَأَيُّكُمْ مِثْلِي؟! إِنِّي أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِ؛ فَلَمَّا أَبَوْا أَنْ يَنْتَهُوا عَنْ الْوِصَالِ وَاصَلَ بِهِمْ يَوْمًا ثُمَّ يَوْمًا ثُمَّ رَأَوْا الْهِلَالَ؛ فَقَالَ: لَوْ تَأَخَّرَ لَزِدْتُكُمْ ؛ كَالتَّنْكِيلِ لَهُمْ حِينَ أَبَوْا أَنْ يَنْتَهُوا ” ( البخاري )
ولشدة اقتداء الصحابة به – صلى الله عليه وسلم- اتبعوه في خلع نعله أثناء الصلاة ، مع أن هذا الأمر خاص به – لعارض – دون غيره.
فقد أخرج أبو داود والحاكم والببهقي عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي إِذْ وَضَعَ نَعْلَيْهِ عَلَى يَسَارِهِ فَأَلْقَى النَّاسُ نِعَالَهُمْ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلاةَ ، قَالَ: ” مَا حَمَلَكُمْ عَلَى إِلْقَاءِ نِعَالِكُمْ ؟ “، قَالُوا : رَأَيْنَاكَ أَلْقَيْتَ فَأَلْقَيْنَا، فَقَالَ: ” إِنَّ جِبْرِيلَ أَخْبَرَنِي أَنَّ فِيهِمَا قَذَرًا أَوْ أَذًى فَمَنْ رَأَى – يَعْنِي – فِي نَعْلِهِ قَذَرًا أَوْ أَذًى فَلْيَمْسَحْهُمَا ثُمَّ لِيُصَلِّ فِيهِمَا .”
ولقد امتدت القدوة في حياة النبي- صلى الله عليه وسلم- لتشمل الأطفال والصبيان، فقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا أمر بعمل كان يفعله أولا، ثم يطلب من الأطفال والصبيان أن يفعلوه كما لاحظوه، فقد روي أنه -صلى الله عليه وسلم- رأى طفلا يسلخ شاة وما يحسن، فما كان منه -صلى الله عليه وسلم- إلا أن شمَّر عن ساعديه وبدأ بسلخ الشاة أمام الطفل؛ وراح الطفل يتأمل الكيفية ويُعمل عقله في ذلك، فقد أخرج ابن ماجة وابن حبان من حديث أبي سعيد الخدري ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بغلام يسلخ شاة ، فقال له : « تنح حتى أريك ، فإني لا أراك تحسن تسلخ » ، قال : فأدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم يده بين الجلد واللحم ، فدحس بها حتى توارت إلى الإبط ، ثم قال صلى الله عليه وسلم : « هكذا يا غلام فاسلخ » ، ثم انطلق …”
أختم هذه الصور والمواقف بموقف رائع لسيدنا عبدالله بن عمر رضي الله عنهما ؛ فقد روي أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- مر على طريق يوما ثم نزل من فوق ظهر ناقته، وصلى ركعتين، فصنع ابن عمر ذلك إذا جمعه السفر بنفس البقعة والمكان..فسئل عن ذلك فقال: رأيت الرسول -صلى الله عليه وسلم- يفعل ذلك ففعلت!!
بل إنه ليذكر أن ناقة الرسول دارت به دورتين في هذا المكان بمكة، قبل أن ينزل الرسول من فوق ظهرها، ويصلي ركعتين، وقد تكون الناقة فعلت ذلك تلقائيا لتهيئ لنفسها مناخها؛ لكن عبدالله بن عمر لا يكاد يبلغ ها المكان يوما حتى يدور بناقته، ثم ينيخها، ثم يصلي ركعتين لله.. تماما كما رأى المشهد من قبل مع رسول الله..
أحبتي في الله: لم يكن عجيبًا أن تصنَع تلك الشخصية المتفرِّدة ذاك الأثر الكير في نفوس الصحابة، ليُقدِّموا نجاحات مُبهرة على الصعيد الفردي والجماعي، وفي المجال الحضاري والسياسي والعسكري والاجتماعي؛ الأمر الذي جعل ( ليوبولدفايس) يقول عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم والاقتداء به: إن العمل بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم هو عمل علي حفظ كيان الإسلام وعلي تقدمه ، وإن ترك السنة هو انحلال الإسلام .
ويقول الكونت كاتياني في كتابه (تاريخ الإسلام) : “أليس الرسول جديراً بأن تقدَّم للعالم سيرته حتى لا يطمسها الحاقدون عليه وعلى دعوته التي جاء بها لينشر في العالم الحب والسلام؟! وإن الوثائق الحقيقية التي بين أيدينا عن رسول الإسلام ندر أن نجد مثلها ، فتاريخ عيسى وما ورد في شأنه في الإنجيل لا يشفي الغليل” .
أيها الأفاضل! ألا ما أحوجنا أن نرجع من جديد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لنسير على دربه، فوالله لا سعادة لنا ولا نجاة في الدنيا والآخرة إلا إذا عدنا من جديد إليه وسرنا على نفس الدرب الذي سار عليه، ورددنا مع السابقين الأولين الصادقين قولتهم الخالدة: {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [البقرة:285]. فعن جابر رضي الله عنه أن الرسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبة الوداع يوم عرفة: « تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ كِتَابَ اللَّهِ. وَأَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنِّى فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ ». قَالُوا نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ وَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ. فَقَالَ بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ يَرْفَعُهَا إِلَى السَّمَاءِ وَيَنْكُتُهَا إِلَى النَّاسِ « اللَّهُمَّ اشْهَدِ اللَّهُمَّ اشْهَدْ ». (رواه مسلم)؛ وهو القائل صلى الله عليه وسلم: ” عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ؛ وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ؛ وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ؛ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ” (رواه أبو داود والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح)
فعلينا التمسك بسنة حبيبي وقرة عيني المصطفى صلى الله عليه:
يا مصطفى ولأنت ساكن مهجتي….روحي فداك وكل ما ملكت يدي
إني وقفت لنصرة دينك همتي………..وسعادتي ألا بغيرك اقتدي
لك معجزات باهرات جمة…………وأجلها القرآن خير مؤيدي
ما حرفت أو غيرت كلماته……….شلت يد الجاني وشاه المعتدي
وأنا المحب ومهجتي لا تنثني………..عن وجدها وغرامها بمحمد
قد لامني فيه الكفور ولو درى……..نعم الإيمان به لكان مساعدي
يا رب صلِّ على الحبيب محمد…….واجعله شافعنا بفضلك في غدِ
العنصر الثالث: القدوة في حياتنا المعاصرة بين الواقع والمأمول
إن القدوة في الإسلام مسألة في غاية الأهمية، نحتاج إلى تجويدها عمليًّا باستمرار، وتحسين أداء القائمين عليها في البيت والمدرسة والجامعة، والمسجد، وأجهزة الإعلام؛ حتى يكون للأمة مكانها تحت الشمس.
ولقد فطن الغرب إلى أهمية القدوة في بناء الأفراد والأمم والحضارات، واعتبروا هدم القدوة هدما للحضارة كلها.
يقول أحد المستشرقين: إذا أردت أن تهدم حضارة أمة فهناك وسائل ثلاث هي:
- اهدم الأسرة………………. 2. اهدم التعليم………………………..3. أسقط القدوات.
* لكي تهدم الأسرة: عليك بتغييب دور (الأم) اجعلها تخجل من وصفها بـ”ربة بيت”
* ولكي تهدم التعليم: عليك بـ (المعلم) لا تجعل له أهمية في المجتمع وقلل من مكانته حتى يحتقره طلابه.
* ولكي تسقط القدوات: عليك بـ (العلماء والآباء) اطعن فيهم قلل من شأنهم، شكك فيهم حتى لا يسمع لهم ولا يقتدي بهم أحد.
فإذا اختفت (الأم الواعية)، واختفى (المعلم والأب المخلص)، وسقطت (القدوة)؛ فمن يربي النشء على القيم؟!
وإن من ينظر إلى واقعنا المعاصر يجد تناقضا عجيبا بين القول والفعل؛ فكم نقرأ عن الأخلاق؟! وكم ندرس قيما وفضائل شتى؟! وكم من فرد في المجتمع يسمع في المسجد والإعلام والمحاضرات والقوافل كلاما معسولا يتأثر به لحظات ثم يتناثر هباءً منثورا ؛ فيصير الكلام شيئا والفعل شيئا آخر .
وسأحكي لكم قصة تدل على مدى الانفصام والانفصال بين النظرية والتطبيق؛ وإن شئت فقل بين الواقع والمأمول في الجانب الأخلاقي: شاب يعمل في دولة أجنبية، فأعجبته فتاة أجنبية فتقدم لخطبتها وكانت غير مسلمة، فرفض أبوه لأنها غير مسلمة، فأخذ الشاب مجموعة من الكتب تظهر سماحة الإسلام وروحه وأخلاقه ثم أعطاها لها، طمعاً في إسلامها وزواجها، فطلبت منه مهلة شهرين تقرأ الكتب وتتعرف على الإسلام وروحه وأخلاقه وسماحته، وبعد انتهاء المدة تقدم لها فرفضته قائلة: لست أنت الشخص الذي يحمل تلك الصفات التي في الكتب، ولكني أريد شخصاً بهذه الصفات.
ويحزنني قول أحد العلماء المسلمين لما سافر إلى دول الغرب ووجدهم يطبقون تعاليم الإسلام قائلاً: وجدت هناك إسلاماً بلا مسلمين وهنا مسلمين بلا إسلام.
عباد الله: إن القدوة علم وعمل فيجب على العالِم أو المربي أن يعمل بما يعلم أو يقول، حتى تؤتي القدوة ثمارها، وإلا كانت هباءً منثوراً لا وزن لها ولا تأثير. ولقد ذم الله هؤلاء بقوله تعالى: ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ،كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ” ( الصف 2 ، 3)
قال مالك بن دينار رحمه الله ” إن العالم إذا لم يعمل بعمله زلت موعظته عن القلوب كما تزل القطرة عن الصفا” ويقول الشاطبي ” إذا وقع القول بيانا فالفعل شاهد له ومصدق”
فهذا المعلم أو هذا الأساس – القدوة – الذي هو من أهم أسس التربية والذي لن يفيدنا كثيرا إلا بعد أن نراه مطبقا بالفعل؛ ويفيدنا أكثر أن نراه مطبقا في أعلى صوره، لأن ذلك سوف يعطينا فكرة عملية عن المدى الذي يمكن أن يبلغ إليه هذا العنصر لنقيس به جهدنا إليه في كل مرة ونحاول المزيد.
إن حال من مخالف قوله فعله في دعوته وتربيته كحال من قال:
لقد أسمعت لو ناديت حيا……ولكن لا حياة لمن تنادي
ولو نارا نفخت بها أضاءت….. ولكن أنت تنفخ في رماد
إن المعلومات والقواعد التي يتلقاها الأبناء في محاضن التربية وأماكن التعليم، تبقى رسوما جامدة لا حياة فيها ولا حراك، فإذا هيأ الله لها من ينفخ فيها روح التطبيق من أب أو أخ كبير، آتت ثمارها وظهرت آثارها، ورسخت في أذهان الأبناء وعقولهم رسوخ الجبال الراسية.
وأما إذا كان المربون يبنون كل يوم لبنة – وهي وللأسف ضعيفة – ثم يهدم المجتمع ألف لبنة بما يراه المتعلم عليهم من مخالفات لما تعلمه، فأنى لبنيان العلم يوما أن يقوم ويرتفع؟ وكيف لصرح الأخلاق والآداب أن يصلب ويشتد؟
ومتى يبلغ البنيان يوما تمامه……. إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم؟!!
كيف يحافظ الولد على الصلاة وأبوه لها من المهملين؟!كيف يخف لأداء صلاة الفجر مع الجماعة وأبوه عنها من المتكاسلين؟! متى يتعلم الصدق في القول والوفاء بالوعد، وهو يرى والده يكذب ويخلف؟! متى يعي حرمة الغش ووالده يغش في بيعه وشرائه ومعاملاته؟! ومن هذا الطالب الذي سيكرم جاره، ووالده وجاره متلاحيان متخاصمان؟! وأي طالب سيطبق ما تعلمه عن صلة الرحم، وأبوه مصارم لأخيه مقاطع لبني عمه وأقاربه؟!
لا شك أنه يقلد والده في كل شئ حقا كان أو باطلا !!
مَشَـى الطـاووسُ يومـاً باعْـوجاجٍ……..فـقـلدَ شكـلَ مَشيتـهِ بنـوهُ
فقـالَ: عـلامَ تختـالونَ ؟ فقالـوا: ……بـدأْتَ بـه ، ونحـنُ مقلـِـدوهُ
فخـالِفْ سـيركَ المعـوجَّ واعـدلْ ……..فـــإنـا إن عـدلـْتَ معـدلـوه
أمـــــَا تـــــــــدري أبـانـا كـلُّ فــــــرع ٍ……..يجـاري بالخـُطـى مـن أدبـوه؟!
وينشَــأُ ناشـئُ الفتيــانِ منـــــــــــا……….علـى ما كـان عـوَّدَه أبـــوه
وأما حين يكون الأب هو أول الهادمين، بما يلحظه ولده من فرق بين ما يقوله وما يعمله ، وبما يرونه من مفارقات بين أوامره المثالية معلما ومربيا، وتصرفاته المغايرة لأقواله وأوامره، فهذا يدل على فساد علاجه؛ فليعالج نفسه قبل أن يعالج غيره؛ فإن فاقد الشيء لا يعطيه.
يا أيهــــــــا الرجـــــــــــــــل المعلـــــــــــــــــم غيره ……….هلا لنفسك كان ذا التعليم
تصف الدواء لذي السقام وذي الضنا.. ..كيما يصح به وأنت سقيم
ونراك تصـــــــــــــــــلح بالرشــــــــــــاد عقـــــــــولنا…….أبدا وأنت من الرشاد عديم
ابدأ بنفسك فانههــــــــــــــا عن غيهـــــــــــا……..فإذا انتهت عنه فأنت حكيم
فهنــــــــــاك يقبل ما تقـــــــــــــول ويقتدى……..بالعلم منك وينفـــــــــــع التعليم
لا تنــــــــه عن خــــــــــــــــــلق وتأتي مثـــــــــلـه……..عار عليك إذا فعلت عظيم
أيها الآباء والمعلمون: إن الأبناء يولدون وهم على الخير مفطورون، وعلى اتباع الحق مجبولون، قلوبهم طاهرة، وصدورهم منشرحة، ونفوسهم على الخير مقبلة، ونحن الذين نملك تثبيت تلك الفطرة أو تغييرها، قال صلى الله عليه وسلم ـ: ” كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ؛ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ ” ( متفق عليه) ، فماذا نحن فاعلون؟! هل سنعمل على تثبيت فطرة الله التي فطر أبناؤنا عليها بجعل أنفسنا قدوة لهم في الخير وتسييرهم على الصراط المستقيم؟ أم سنتركهم يتبعون السبل المغوية المضللة فتفرق بهم عن السبيل؟!
عباد الله: القدوة القدوة تفلحوا ؛ القدوة القدوة تنجحوا؛ القدوة القدوة تغتنوا؛ القدوة القدوة تعتلوا؛ القدوة القدوة تسودوا ؛ القدوة القدوة تقودوا؛ القدوة القدوة تعمروا ؛ القدوة القدوة القدوة…….
إن العامل الأكبر في انتشار الإسلام في عصر النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والسلف الصالح إنما هو القدوة الحسنة والأخلاق الكريمة التي لمسها المدعون في هذا الجيل الفذ من المسلمين، سواء كانت هذه الأخلاق في مجال التجارة من البيع والشراء، مثل الصدق والأمانة أو في مجال الحروب والمعارك، وفي عرض الإسلام عليهم وتخييرهم بين الإسلام أو الجزية أو المعركة، أو في حسن معاملة الأسرى، أو عدم قتل النساء والأطفال والشيوخ والرهبان، هذه الأخلاق وغيرها دفعت هؤلاء الناس يفكرون في هذا الدين الجديد الذى يحمله هؤلاء، وغالبًا كان ينتهي بهم المطاف إلى الدخول في هذا الدين وحب تعاليمه، ومؤاخاة المسلمين الفاتحين في الدين والعقيدة.
يقول الباحث الفرنسي كليمان هوارت : “لم يكن محمداً نبياً عادياً ، بل استحق بجدارة أن يكون خاتم الأنبياء ، لأنه قابل كل الصعاب التي قابلت كل الأنبياء الذين سبقوه مضاعفة من بني قومه … نبي ليس عادياً من يقسم أنه “لو سرقت فاطمة ابنته لقطع يدها” ! ولو أن المسلمين اتخذوا رسولهم قدوة في نشر الدعوة لأصبح العالم مسلماً”
فالقدوة هي أسلوب عملي في الدعوة الإسلامية، وإن شئت فقل هي الدعوة الصامتة التي تفتح القلوب والعقول، وتأثيرها في النفوس أشد من تأثير الخطب والدروس.
إن الدعوة الإسلامية في العصر الحاضر تحتاج إلى دعاة متميزين في العلم والأخلاق والعمل؛ حيث إن المهمة شاقة، والعبء ثقيل، والطريق طويلة، والخصوم أكثر من الأنصار، فيستشعر صعوبة المهمة التي يقوم بها، والناس يضعونه تحت المجهر في كل تصرفاته، فلا بد له أن يستعين بالله- عز وجل- حتى يعينه في أن ينتصر على نفسه، فيكون داعيةً بمظهره ومخبره، وحاله ومقاله، وحركته وسكونه، وجمال طلعته، وحسن منطقه، مقتديًا بخاتم النبيين، وإمام المرسلين، ورحمة الله للعالمين..
اللهم اجعلنا هداة مهديين لا ضالين ولا مضلين،،،،،،،،
كتبه : خادم الدعوة الإسلامية
د / خالد بدير بدوي