أخبار مهمةالخطبة المسموعةخطبة الأسبوعخطبة الجمعةخطبة الجمعة القادمة ، خطبة الجمعة القادمة لوزارة الأوقاف المصرية مكتوبة word pdfعاجل

خطبة الجمعة القادمة 25 أكتوبر : وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ، للدكتور محروس حفظي

خطبة الجمعة القادمة

خطبة الجمعة القادمة 25 أكتوبر 2024 م بعنوان : وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ، للدكتور محروس حفظي ، بتاريخ 22 ربيع الآخر 1446هـ ، الموافق 25 أكتوبر 2024م. 

 

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 25 أكتوبر 2024 م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان :وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا.

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 25 أكتوبر 2024 م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : لَوَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ، بصيغة  pdf أضغط هنا.

___________________________________________________________

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة

 

للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف

 

و للمزيد عن مسابقات الأوقاف

 

للمزيد عن أخبار الأوقاف

 

و للمزيد عن الدروس الدينية

 

عناصر خطبة الجمعة القادمة 25 أكتوبر 2024 م بعنوان : وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ، للدكتور محروس حفظي :

 

(1) منهج الإسلام في الترغيب في القول الحسن .

(2) من أحق الناس بحسن القول؟

 

ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 25 أكتوبر 2024 م بعنوان : لَوَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ، للدكتور محروس حفظي : كما يلي: 

 

خطبة بعنوان «وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً»

بتاريخ 22 ربيع الثاني 1446 هـ = الموافق 15 أكتوبر 2024 م

 

الحمد لله حمداً يوافي نعمه، ويكافىء مزيده، لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك، ولعظيم سلطانك، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أما بعد ،،،

(1) منهج الإسلام في الترغيب في القول الحسن: الكلمة عنوان المرءِ، تُتَرجِم عن مُستَودعاتِ صَدره، وتبرهِن على مكنوناتِ قَلبِه، وتدَلِّل على أصله وعقلِه، وتنبئ عن إيمانه أو نفاقه، قال الإمام يحيى بن معاذٍ: “القلوب كالقدور تغلي بما فيها، وألسنتها مصارفها، فانظر إلى الرجل حين يتكلَّم، فإنَّ لسانه يغترف لك مما في قلبه”، وها هو يوسف عليه السلام يطلبه الملك بعد أن سمع من النسوة تبرئته:﴿وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي﴾، فلما سمع منطقه، وعلم صدقه ونصحه، ورجاحة عقله قال: ﴿إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ﴾؛ وكما يقال: “منطق الرجل أدل عليه من هيئته ولباسه”، ولله در القائل:

وكاين ترى من صامتٍ لك مُعجب *** زيـادته أم نقصـه في التكــلمِ

لســان الفتى نصــفٌ ونصـفٌ فـؤاده *** فلم يبق إلا صورةُ اللحم والدمِ

ولذا قد سلك الإسلام منهجاً فريداً في الحث على الالتزام بالقول الطيب من ذلك:

أولاً: أن للقول محط عناية واهتمام كبير بيِّن في الإسلام حيث اهتم بكيفية التخاطب وأداء الكلمات، وصياغة الألفاظ والجمل، بحيث يكون اللفظ الصادر عن الإنسان: طيب المعنى، لين الأسلوب، ذا غاية وهدف لا مجرد ثرثرة وقطع للوقت، وأنت تقرأ القرآن الكريم تراه في عشرات الآيات يأمر أتباعه بالمداومة على النطق بالكلام الطيب حتى تنتشر بينهم المحبة والمودة كقوله سبحانه: ﴿وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾، فالكلمة الطيبة تلملم جراح القلوب، وتجمعها على الود والسلامة.

ثانياً: الإسلام حينما يأمر بالقول الحسن لم يخص طائفة دون أخرى وإنما عمم ذلك بحيث يشمل الخلق أجمعين قال تعالى: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً﴾ ولفظ “الناس” هنا يعم الناس كلهم، مؤمنهم وكافرهم دون تحديد لدين أو جنس أو مذهب، أو طبقة اجتماعية فهي تشمل جنس الناس؛ يقول الفخر الرازي: “ثَبَتَ أَنَّ جَمِيعَ آدَابِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا داخلة تحت قوله:﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً﴾”؛ ولذا فرعون الذي كان شر الخلق في زمن موسى عليه السلام، ومع ذلك فإن الله أرسل إليه نبيين كريمين، وأمرهما باللين معه فقال تعالى: ﴿فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى﴾، فإذا كان هذا مع فرعون، فكيف بغيره؟ يقول القرطبي: “وهذا كله حض على مكارم الأخلاق، فينبغي للإنسان أن يكون قوله للناس ليناً، ووجهه منبسطاً طلقاً مع: البر والفاجر، والسني والمبتدع من غير مداهنة، ومن غير أن يتكلم معه بكلام يظن أنه يرضى مذهبه؛ لأن الله قال لموسى وهارون:﴿فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا﴾ فالقائل ليس بأفضل من موسى وهارون، والفاجر ليس بأخبث من فرعون، وقد أمرهما الله باللين معه” أ.ه.

ثالثاً: عد الإسلام الحنيف القول الحسن صدقة يقدمها العبد لله رب العالمين فعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كُلُّ سُلَامَى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ، كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ؛ تَعْدِلُ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ صَدَقَةٌ، وَتُعِينُ الرَّجُلَ عَلَى دَابَّتِهِ فَتَحْمِلُهُ عَلَيْهَا أَوْ تَرْفَعُ لَهُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ، وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ خُطْوَةٍ تَمْشِيهَا إِلَى الصَّلَاةِ صَدَقَةٌ، وَتُمِيطُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ» (متفق عليه)، ووجه تشبيهه صلى الله عليه وسلم الكلمة الطيبة بالصدقة بالمال هو أن الصدقة بالمال تحيا بها نفس المتصدق عليه ويفرح بها، والكلمة الطيبة يفرح بها المؤمن، ويحسن موقعها من قلبه فاشتبها من هذه الجهة، ألا ترى أنها تذهب الشحناء وتجلى السخيمة؛ ولذا وصف الله الكلمة الطيب والكلمة الخبيثة بقوله: ﴿أَلَمْ تَرَى كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ﴾، وحسن القول يكون بذكر الله ودعائه، والتذكير بنعمه، والدعوة إليه، وتلاوة كلامه، والتبليغ عن نبيه صلى الله عليه وسلم، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والتواصي بالحق وبالصبر والمرحمة، وكل قول يتحقق به الإصلاح بين الناس، وقطع دابر الفتن والشرور، وكل قول يستحسنه ذووا العقول الراجحة، والفطرة السليمة، ويتحقق به صلاح القلوب، وسلامة الصدور.

رابعاً: إن الحرص على طيب الكلام، وحسن الخطاب يقي من النار، فهو حصن من حصون الوقاية من النار فعَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ ذَكَرَ النَّارَ فَتَعَوَّذَ مِنْهَا، وَأَشَاحَ بِوَجْهِهِ ثَلَاثَ مِرَارٍ، ثُمَّ قَالَ: «اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا، فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ» (مسلم)، فإذا كانت الكلمة الطيبة يتقى بها النار، فالكلمة الخبيثة يستوجب بها النار.

أخي الحبيب:  لقد نهى الله المؤمنين عن الاسترسال في الجهر بالسوء إلا عند ما يوجد المقتضى لهذا الجهر كما في حالة الظلم والبغي والتجاوز كما قال سبحانه: ﴿لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ﴾، وعدم محبته- سبحانه- لشيء كناية عن غضبه على فاعله وعدم رضاه عنه، وقول السوء بدون مقتض يبغضه الله سواء أكان هذا القول سراً أم جهراً إلا أنه- سبحانه- خص الجهر بالذكر؛ لأنه أشد فحشاً، ولأنه أكثر جلباً للعداوة بين الناس، وأشد تأثيراً في إشاعة الجرائم في المجتمع، فإن كثرة سماع الناس للكلام السيئ؛ وللقول الماجن، يغرى الكثير منهم بترديد ما سمعوه، وبحكايته في أول الأمر بشيء من الحياء، ثم لا يلبث هذا الحياء أن يزول بسبب إلف الناس للكثير من الألفاظ النابية، والأقوال السيئة .

إن أعظم ما يراعى استقامته بعد القلب من الجوارح اللسان، فإنه ترجمان القلب والمعبر عنه فعَنْ أَنَسِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ، وَلَا يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ، وَلَا يَدْخُلُ رَجُلٌ الْجَنَّةَ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ» (أحمد)، ومن استقامته أن يكون ذا خطاب لين لا فاحش ولا بذيء، مبتعد عن العنف والتجريح، ذا أسلوب سهل عفيف كيف لا!! وقد قال صلى الله عليه وسلم لعائشة: حينما «اسْتَأْذَنَ رَهْطٌ مِنَ الْيَهُودِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكُمْ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: بَلْ عَلَيْكُمُ السَّامُ وَاللَّعْنَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا عَائِشَةُ «إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الْأَمْرِ كُلِّهِ» قَالَتْ: أَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟ قَالَ: «قَدْ قُلْتُ وَعَلَيْكُمْ» (متفق عليه) .

خامساً: لقد كان من حرص الشارع في الكلام وضرورة حسنه، واختيار أطايبه أن حرص حتى على طريقة أدائه جاء في موعظة لقمان لابنه:﴿وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ﴾، فذكر الحمار في الآية “مثل في الذم البليغ والشتيمة، وكذلك نهاقه، ومن استفحاشهم لذكره وتفاديهم من اسمه أنهم يكنون عنه فيقولون: “الطويل الأذنين”، كما يكنى عن الأشياء المستقذرة، وقد عد في مساوي الآداب أن يجرى ذكر الحمار في مجلس قوم من أولى المروءة، ومن العرب من لا يركب الحمار استنكافاً وإن بلغت منه الرجلة، فتشبيه الرافعين أصواتهم بالحمير، وتمثيل أصواتهم بالنهاق، مبالغة شديدة في الذم والتهجين، وإفراط في التثبيط عن رفع الصوت والترغيب عنه، وتنبيه على أنه من كراهة الله بمكان” (الكشاف 3/ 498).

سادساً: بل إن الإسلام حينما رغب العباد في الالتزام بالقول الطيب، بيَّن أن الكلام الطيب يرجع أثره على صاحبه، فهو من أعظم أسباب زيادة الحسنات، ورفعة الدرجات، وحط الخطيئات، وعلو المنزلة عند رب الأرض والسموات ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ﴾ وعن عبد الله بن عمرو، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «إن في الجنة غرفا يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها» فقال أبو مالك الأشعري: لمن يا رسول الله؟ قال:«لمن أطاب الكلام، وأطعم الطعام، وبات قائما والناس نيام» (الحاكم وصححه)، وكذا الحديث السيء فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَجُلًا لَعَنَ الرِّيحَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَلْعَنْهَا، فَإِنَّهَا مَأْمُورَةٌ، وَإِنَّهُ مَنْ لَعَنَ شَيْئًا لَيْسَ لَهُ بِأَهْلٍ رَجَعَتِ اللَّعْنَةُ عَلَيْهِ» (أبو داود)، فكيف بمن نراه يلعن أخاه المسلم وأبناءه، بل زوجته التي يساكنها نفس الفراش .

سابعاً: إن النبي صلى الله عليه وسلم قد عد القول الطيب من علامات الإيمان بالله واليوم الآخر فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ» (البخاري) .

يقول ابن حجر: “هذا من جوامع الكلم؛ لأن القول كله إما خير وإما شر، وإما آيل إلى أحدهما، فدخل في الخير كل مطلوب من الأقوال: فرضها، وندبها فأذن فيه على اختلاف أنواعه، ودخل فيه ما يؤول إليه، وما عدا ذلك مما هو شر، أو يئول إلى الشر، فأمر عند إرادة الخوض فيه بالصمت” أ.ه.

والعاقِلُ – عباد الله- من لزِم الصمت إلا عن حقٍّ يوضِحه، أو باطلٍ يَدحضه، أو خيرٍ ينشُرُه، أو علمٍ يذكره، أو فضلٍ يشكره، “وقد قيل: فمُ العاقِل ملجَم، إذا همَّ بالكلام أحجَم، وفَم الجاهِلِ مطلَق، كلّ ما شاء أطلَق” .

ثامناً: على المسلم أن يراقب الله تبارك وتعالى في أقواله وفي أفعاله، وليعلم الإنسان أنه سَيُسأل عن كل كلمة يقولها، فعليه أن يختار من الكلام أحسنه، والذي ينتفع به يوم الدين ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾، فكل قول سيُكتب في صحائف الأعمال، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، وعثراتُ القولِ طريقُ الندَم، والمنطِق الفاسِد الذي لا نِظام له ولا خِطام عنوانُ الحرمان ودليل الخذلان فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:«إِنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ، لاَ يُلْقِي لَهَا بَالًا، يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ، لاَ يُلْقِي لَهَا بَالًا، يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ» (البخاري)، وقد كان الصالحون يتعهدون ألسنتهم، فيحرصون على اختيار الألفاظ التي لا يندمون عليها، فرأينا منهم عجباً، فهذا الأحنف بن قيس يخاصمه رجل فيقول له: “لئن قلت واحدة لتسمعن عشراً، فقال الأحنف: لكنك والله لو قلت عشراً ما سمعت واحدة”.

إن الكلمة الطيّبة مغنَم، والكلِمة الخبيثة مأثم فعن عَائِشَةَ، أَخْبَرَتْهُ: أَنَّهُ اسْتَأْذَنَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ فَقَالَ: «ائْذَنُوا لَهُ، فَبِئْسَ ابْنُ العَشِيرَةِ – أَوْ بِئْسَ أَخُو العَشِيرَةِ -» فَلَمَّا دَخَلَ أَلاَنَ لَهُ الكَلاَمَ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قُلْتَ مَا قُلْتَ، ثُمَّ أَلَنْتَ لَهُ فِي القَوْلِ؟ فَقَالَ: «أَيْ عَائِشَةُ، إِنَّ شَرَّ النَّاسِ مَنْزِلَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ تَرَكَهُ – أَوْ وَدَعَهُ النَّاسُ- اتِّقَاءَ فُحْشِهِ» (البخاري).

(2) من أحق الناس بحسن القول؟: أحق الناس بحُسنِ المَنطِقِ كثر، ونحن بحاجة ملحة أن نستحضر ذلك معهم، ومنهم:

أولاً: حال الخلاف والمحاوراة والمجادلة: لقد بين الله المنهج العام في الدعوة إلى الله بأبين وأوضح الكلام فقال تعالى: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾، فالموعظة الحسنة والجدال الحسن سفيرَا الدعوة إلى الله إلى قلوب البشر؛ لتستمع إلى الحق وهي راغبة فيه، فتسير إلى الله محبة ورغبة، ومن لطائف التوجيهات الإلهية لسيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم “الانصراف عن التعنيف في الرد على أهل الباطل” حيث قال الله لنبيه: ﴿وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمْ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُوراً﴾ وقال: ﴿وَإِنْ جَادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ * اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾ كأن هذا نوع من المنهج؛ لأن الجدل في بعض الأحيان يجعلك تنصرف وتقف، فإن جادلوك في مقام آخر جادلهم في مقام آخر مبدأ ﴿فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾، وقال:﴿قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾، مع أن بطلانهم ظاهر، وحجتهم ظاهرة، والقضية قضية مقام الربوبية ﴿قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾، هذا نوعٌ من القول الحسن في بعض مواطن الجدال.

إن إغلاظ القول، ورفع الصوت، وانتفاخ الأوداج لا يُولِّد إلا غيظاً وحقداً وحنقاً، ومن أجل هذا فليحرص المحاور ألا يرفع صوته أكثر من الحاجة، فهذا إيذاءٌ للنفس وللغير، ورفع الصوت لا يقوي حجةً، ولا يجلب دليلاً، ولا يقيم بُرهاناً، بل إن صاحب الصوت العالي لا يعلو صوته في الغالب إلا لضعف حجته، وقلة بضاعته، فيستر عجزه بالصراخ، ويواري ضعفه بالعويل، وهدوء الصوت عنوان العقل والاتزان، والثقة الواثقة، وقد يكون أحياناً كسب القلوب مقدَّمٌ على كسب المواقف، فقد تفحم الخصم ولكنك لا تقنعه، وقد تسكته بحجة ولكنك لا تكسب تسليمه وإذعانه، والحرص على القلوب واستلال السخائم أهم وأولى عند المنصف العاقل من استكثار الأعداء واستكفاء الإناء .

وتأمل هذا الحوار الهادئ، والقول الحسن، فهذا حصين الخزاعي والد عمران، كانت قريش تعظمه ، فطلبت منه أن يكلم النبي صلى الله عليه وسلم في آلهتها، فجاء حصين ومعه بعض أفراد قريش حتى جلسوا قريباً من باب النبي صلى الله عليه وسلم، ودخل حصين، “فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم قال: وسعوا للشيخ، فقال حصين: ما هذا الذي بلغنا عنك أنك تشتم آلهتنا؟ فقال: يا حصين! كم تعبد من إله؟ قال: سبعة في الأرض وواحد في السماء، فقال: فإذا أصابك الضر فمن تدعو؟ قال: الذي في السماء، قال: فإذا هلك المال فمن تدعو؟ قال: الذي في السماء، قال: أفيستجيب لك وحده وتشرك معه؟ يا حصين! أسلم تسلم، فقام إليه ولده عمران فقبل رأسه ويديه ورجليه، فلما أراد حصين الخروج قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: شيعوه إلى منزله” (السيرة الحلبية)، وهذا نوع من التكرمة، عجباً! دخل هذا الرجل كافراً ناقماً منتقماً، فخرج صادقاً مسلماً! ليت شعري كيف كان حال قريش مع صاحبها ووجيهها حينما دخل لهم بوجه وخرج لهم بوجه آخر؟!

وقد تعهد الرسول صلى الله عليه وسلم لمن ترك الخطاب الجدلي الذي لا نفع منه غير إيغار الصدور، وبث التباغض بين القلوب بالجنة فعَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا، وَبِبَيْتٍ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا وَبِبَيْتٍ فِي أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ» (أبو داود) .

ثانياً: عند الخطأ والتعليم، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر: الكلمة الطيبة هي عماد الدعوة إلى الله، وهي وسيلة لقبول الخير والحق، فهذا نبينا صلى الله عليه وسلم على أعلى درجات الصدق والإخلاص في الدعوة، وصحابته من خيرة الناس قبولًا للخير ومع ذلك كله قال تعالى: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ .

وفي موقف عملي يعلمنا صلى الله عليه وسلم أن نرفق بالجاهل، ونحسن له القول فعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ، قَالَ: بَيْنَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ، فَقُلْتُ: يَرْحَمُكَ اللهُ فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ، فَقُلْتُ: وَاثُكْلَ أُمِّيَاهْ، مَا شَأْنُكُمْ؟ تَنْظُرُونَ إِلَيَّ، فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِي لَكِنِّي سَكَتُّ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي، مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ، فَوَاللهِ، مَا كَهَرَنِي وَلَا ضَرَبَنِي وَلَا شَتَمَنِي، قَالَ: «إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ، إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ» (مسلم) .

ثالثاً: حال التعامل مع الوالدين: من العجيب أن ترى بعض الشباب يتعاملون مع آبائهم معاملة فظة فيرفعون أصواتهم وينهرونهم ويسيئون إليهم ويؤذونهم بمنطقهم السيئ حتى لو أن إنسانًا رآهم ولم يكن يعلم أن هذا هو الوالد لظن أنهما خادمان يعملان لدى الأبناء من شدة غلظة وقسوة الألفاظ التي يستخدمها بعض الأبناء مع الوالدين، وإذا كان لِين الكلام يُطلب مع الجميع فإنه يكون من باب أولى مع أصحاب الحقوق، ومن أعظم هؤلاء الوالدين، فهما وصية الرحمن ﴿إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما وَقُلْ لَهُما قَوْلاً كَرِيماً﴾ إذ الكبير بحاجة إلى مزيد من الرعاية لضعفه، وقد يحتاج الولد إلى أن يقوم عليه كما قام أبوه عليه حينما كان صغيراً، كما أن الكبير لربما لفراغه يكثر منه الضجر، فهم بحاجة إلى مزيد من التلطف معه، ولربما دعاه الفراغ إلى أن يسأل كثيراً عما لا يعنيه؛ فلفظ: “أُفٍّ”: أدنى ما يُتصور من الأذية، وما فوقه من باب أولى، والنهر كأن ينفض يده في وجهما، أو أن يأتي بالكلام على سبيل الزجر والإغلاظ، فتخرج العبارات، والكلمات مكهربة تدل على نفس محتدمة، تدل على نفس قد امتلأت حنقاً على هذا الوالد .

لا شك أن القول اللين يستميل النوازع البشرية، ووشائج القربى، وعبارات الحنو والشفقة، فإبراهيم – عليه السلام- نادى أباه بكلماتٍ مشفقة، ونلحظ في قصته إبراهيم – عليه السلام – حينما كان يخاطب أباه المشرك كان خطاباً يحمل صبغة الاحترام والتوقير فقال فيما قصه علينا القرآن الكريم: ﴿يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً * يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً * يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيّاً * يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً﴾ إلى قوله: ﴿سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً﴾ .

وهذا هو خطاب الأنبياء مع أبائهم خطاب تقدير وحب واحترام: ومن ذلك خطاب إسماعيل لأبيه إبراهيم – عليهما السلام – ﴿قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ﴾، وخطاب يوسف لأبيه يعقوب – عليهما السلام -: ﴿إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَاأَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي﴾ .

رابعاً: العلاقة بين الزوجين: لقد أخبر ربنا تعالى في كتابه عن الأساس الذي تبنى عليه البيوت فقال: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ فيحتاج كلًا من الزوجين لاختيار أفضل الألفاظ وأحسنها للتخاطب في ما بينهم وإبداء مشاعر الحب والمودة والرحمة، وإنَّ في هدي نبينا- صلى الله عليه وسلم- خيرَ مثال على ذلك وأفضلَ دليل حيث نجد حسن الخطاب حاضراً في وصيته صلى الله عليه وسلم حين قال:”استوصوا بالنساء خيراً” (مسلم)، فمن الخيرية حسن التعامل معهم قولاً وفعلاً، فلا تسمع زوجك منك كلمة قبيحة أو تكرهها فعَنْ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا حَقُّ الْمَرْأَةِ عَلَى الزَّوْجِ؟ قَالَ: «أَنْ يُطْعِمَهَا إِذَا طَعِمَ، وَأَنْ يَكْسُوَهَا إِذَا اكْتَسَى، وَلَا يَضْرِبِ الْوَجْهَ، وَلَا يُقَبِّحْ، وَلَا يَهْجُرْ إِلَّا فِي الْبَيْتِ» (ابن ماجه) .

 خامساً: المنكسرة قلوبهم، وأصحاب الحاجات: الله يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم: ﴿فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ﴾ فهذا نهي عن التعامل مع اليتيم بالقول بالزجر، واستخدام العبارات الغليظة العنيفة التي تجرح مشاعره، وهكذا أيضاً يكون بالهيئة بالعبوس، والتقطيب فيظلم الوجه أمام هذا اليتيم، واليتيم قلبه منكسر، وقد لا نشعر بذلك؛ ولهذا فإن الله أمر بأن يقال لهم القول المعروف، هؤلاء الأيتام إذا طلبوا أموالهم، ولم يصلوا إلى سن الرشد فإنه يقال لهم القول الطيب ﴿وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا﴾

كما أمرنا الله أن نلتزم القول الحسن مع الفقراء والمحتاجين فقال سبحانه: ﴿وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ﴾، وقال أيضاً: ﴿قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ﴾، هذا الإنسان الفقير منكسر القلب، وجهه يتلفع، وكأن الناس يلطمونه على وجهه، فإذا جاء يسأل، فهو يتوقع كل شيء، يتوقع الزجر، يتوقع الإغلاظ، يتوقع القهر، والكهر، والدفع، وجرح المشاعر، يكفيه ذل المسألة، والحاجة فلا يحتاج معه إلى إذلال آخر، أن نُذله بما نُسمعه من القول الجارح، فالآية قد أخبرت أن القول الحسن أحسن من أن نعطيه، وأن نُتبع ذلك بقول نجرح به مشاعره، ولله در القائل:

إلا تكن وَرِقٌ يوماً أجود بها **** للسائلين فإني ليّن العودِ

لا يعدم السائلون الخيرَ من خلقي *** إما نوالي وإما حُسنُ مردودِ

الخلاصة: للألفاظِ والكلماتِ دلائلها ومعانيها التي تحمل في طيَّاتها الخير، فيُجازى عليها الإنسانُ بالإحسان إحسانًا، أو تحملُ في طيَّاتها الشرَّ والفُحْشَ والبذاءَ فيُجازى عليها بالسيئات المضَاعَفَةِ إلى يوم المعاد، وإنَّ لجارحة اللسانِ أعظم الأثرِ في حياةِ المسلمِ دينًا ودنيا، ربطَ اللهُ عليها الفلاحَ، وعلَّقَ عليها السعادةَ أو الشقاوةَ في العاجلِ والآجلِ، ورتَّبَ عليها الجزاءَ والعقابَ؛ ولذا كان أهم أعضاء الإنسان جارحة اللسان، فهو أنفع الجوارح إذا صلح، وأضرها إذا فسد فعَنْ مُعَاذِ قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَأَصْبَحْتُ يَوْمًا قَرِيبًا مِنْهُ وَنَحْنُ نَسِيرُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ، وَيُبَاعِدُنِي مِنَ النَّارِ، قَالَ:«أَلَا أُخْبِرُكَ بِمِلَاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ؟» قُلْتُ: بَلَى، فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ، فَقَالَ:«تَكُفُّ عَلَيْكَ هَذَا» قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟ قَالَ:«ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ وَهَلْ يُكِبُّ النَّاسَ عَلَى وُجُوهِهِمْ فِي النَّارِ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ؟» (الترمذي).

إن سمات خطابنا معاشر المسلمين لا بد وأن يكون خطاباً حضارياً يتفق وتعاليم ديننا فالذي أمرنا بتوحيده وإقامة الصلاة والزكاة أمرنا بأطايب الكلام، ونهانا عن الفاحش منه، فسهام الكلام كسهام النصال حساً، وجرح اللسان كجرح اليد فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ، وَلَا اللِّعَانِ، وَلَا الْبَذِيءِ، وَلَا الْفَاحِشِ» (ابن حبان) .

نحن لا نرد على الخطاب الفاحش بمثله، بل نرتقي كما علما ديننا، فمن التوجيهات للصائم أن يقول عند تعرضه للشتم ونحو ذلك: إني صائم فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: “الصِّيَامُ جُنَّةٌ فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَجْهَلْ، وَإِنِ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ مَرَّتَيْنِ” (البخاري) إنه تدريب على التخلق بخلق عدم الرد على الكلام والخطاب الفاحش بمثله .

إننا قد لا نسع الناس بمالنا ولا جاهنا، فلا أقل من أن نسعهم بكلامنا وخطابنا الطيب قال ابن بطال: “طيب الكلام من جليل عمل البر؛ لقوله تعالى: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾ والدفع قد يكون بالقول كما يكون بالفعل” أ.ه.، فخطابنا يجب أن يترفع عن أسلوب اللعن والشتم فعن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده» (البخاري)، وقدم اللسان؛ لأن إيذاءه أكثر وأسهل، ولأنه أشد نكاية .

نسأل الله أن يرزقنا حسن العمل، وفضل القبول، إنه أكرم مسؤول، وأعظم مأمول، وأن يجعل بلدنا مِصْرَ سخاءً رخاءً، أمناً أماناً، سلماً سلاماً وسائر بلاد العالمين، ووفق ولاة أُمورنا لما فيه نفع البلاد والعباد .

                                          كتبه: الفقير إلى عفو ربه الحنان المنان

                                          د / محروس رمضان حفظي عبد العال

                             مدرس التفسير وعلوم القرآن – كلية أصول الدين والدعوة – أسيوط

_____________________________________

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة

 

وللإطلاع علي قسم خطبة الجمعة

 

تابعنا علي الفيس بوك

 

الخطبة المسموعة علي اليوتيوب

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات

 

وللإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة

 

للمزيد عن أخبار الأوقاف

 

وللمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف

 

للمزيد عن مسابقات الأوقاف

اظهر المزيد

كتب: د.أحمد رمضان

الدكتور أحمد رمضان حاصل علي الماجستير من جامعة الأزهر بتقدير ممتاز سنة 2005م ، وحاصل علي الدكتوراه بتقدير مع مرتبة الشرف الأولي من جامعة الأزهر الشريف سنة 2017م. مؤسس جريدة صوت الدعاة ورئيس التحرير وكاتب الأخبار والمقالات المهمة بالجريدة، ويعمل بالجريدة منذ 2013 إلي اليوم. حاصل علي دورة التميز الصحفي، وقام بتدريب عدد من الصحفيين بالجريدة. للتواصل مع رئيس التحرير على الإيميل التالي: [email protected] رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) للمزيد عن الدكتور أحمد رمضان رئيس التحرير أضغط في القائمة علي رئيس التحرير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »
error: Content is protected !!