خطبة الجمعة بعنوان : رحم اللَّه رجلًا سمحًا ، للدكتور خالد بدير
خطبة الجمعة بعنوان : رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا ، للدكتور خالد بدير، بتاريخ 8 ربيع الآخر 1446 هـ ، الموافق 11 أكتوبر 2024م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 11 أكتوبر 2024م ، للدكتور خالد بدير بعنوان : رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا :
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 11 أكتوبر 2024م ، للدكتور خالد بدير بعنوان : رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا ، بصيغة word أضغط هنا.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 11 أكتوبر 2024م ، للدكتور خالد بدير بعنوان : رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا ، بصيغة pdf أضغط هنا.
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف
للمزيد علي قسم خطبة الجمعة القادمة
عناصر خطبة الجمعة القادمة 11 أكتوبر 2024م ، للدكتور خالد بدير ، بعنوان : رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا : كما يلي:
أولًا: الإسلامُ دينُ السماحةِ.
ثانيًا: السماحةُ في البيعِ والشراءِ صورٌ ونماذجُ مشرقةٌ.
ثالثًا: ثمراتُ وفوائدُ السماحةِ.
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 11 أكتوبر 2024م ، للدكتور خالد بدير ، بعنوان : رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا : كما يلي:
” رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا “
8 ربيع الثاني 1446هـ – 11 أكتوبر 2024م
المـــوضــــــــــوع
الحمدُ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ ونتوبُ إليهِ ونستغفرُهُ ونؤمنُ بهِ ونتوكلُ عليهِ ونعوذُ بهِ مِن شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، ونشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له، وأنَّ سيِّدَنَا مُحمدًا عبدُهُ ورسولُهُ ﷺ. أمَّا بعدُ:
العنصر الأول من خطبة الجمعة بعنوان : رحم اللَّه رجلًا سمحًا
أولًا: الإسلامُ دينُ السماحةِ.
إنَّ الدينَ الإسلاميَّ دينُ السماحةِ، فهو مبنيٌّ في تشريعاتِهِ وأحكامِهِ على اليسرِ والمسامحةِ، وبهذه السماحةِ بُعثَ النبيُّ ﷺ فيقولُ: “بُعِثْتُ بِالحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ”(أحمد والطبراني).
إنَّ السماحةَ لبابُ الإسلامِ وزينةُ الأنامِ، وهي ذروةُ سنامِ الأخلاقِ، وأشهرُ علاماتِ الوفاقِ ..كم فُتحَتْ بهَا قلوبٌ، وكم رفعتْ أصحابهَا عندَ علامِ الغيوبِ، فما أحبَّ صاحبهَا عندَ الناسِ، بل وأعظمَ منهُ عندَ ربِّ الناسِ!!
لذلك حثّ السنةُ النبويةُ على التحلِّي بخُلقِ السماحةِ، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «اسْمَحْ يُسْمَحْ لَكَ».(أحمد والطبراني بسند صحيح)، بل عدّهَا النبيُّ ﷺ مِن الإيمانِ، فقد سُئِلَ ﷺ عن أفضلِ الإيمانِ؟ فقالَ: ” الصَّبْرُ وَالسَّمَاحَةُ “. (أحمد والبيهقي بسند حسن).
على أنَّ السماحةَ لا تعنِي الضعفَ والهوانَ والذلَّ والصغارَ، وإنّما تعنِي العزةَ والكرامةَ، وهذه المعانِي للسماحةِ قد وقفَ أمامَهَا الغربيونَ عجباً! يبيِّنُ الشاعرُ غوتَه ملامحَ هذا التسامحِ في كتابِهِ (أخلاقُ المسلمين) فيقولُ: “للحقِّ أقولُ: إنَّ تسامحَ المسلمِ ليسَ مِن ضعفٍ، ولكنَّ المسلمَ يتسامحُ مع اعتزازِهِ بدينِهِ، وتمسكهِ بعقيدتِهِ” .
وإذا كان الإسلامُ يحثُّ أفرادَهُ على السماحةِ والرفقِ واللينِ، فقد نهاهُم عن الشدةِ والغلظةِ، لذلك نفَى اللهُ عن رسولِهِ الفظاظةَ وغلظةَ القلبِ، فقالَ تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} [آل عمران: 159]. يقولُ الإمامُ السعديُّ: ” أي: برحمةِ اللهِ لكَ ولأصحابِكَ، مَنَّ اللهُ عليكَ أنْ ألنتَ لهُم جانبَكَ، وخفضتَ لهُم جناحَكَ، وترققتَ عليهم، وحسنتَ لهُم خلقَكَ، فاجتمعُوا عليكَ وأحبوكَ، وامتثلُوا أمرَكَ. وَلَوْ كُنتَ فَظًّا أي: سيئَ الخُلقِ غَلِيظَ الْقَلْبِ أي: قاسيهِ، لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ لأنَّ هذا يُنفرهُم ويبغضهُم لِمَن قامَ بهذا الخلقِ السيِّئِ.”( تفسير السعدي).
وهكذا يتسمُ دينُنَا الحنيفُ الدينُ الإسلاميُّ بالسماحةِ والأخلاقِ الحسنةِ.
العنصر الثاني من خطبة الجمعة بعنوان : رحم اللَّه رجلًا سمحًا
ثانيًا: السماحةُ في البيعِ والشراءِ صورٌ ونماذجُ مشرقةٌ.
ينبغِي على المسلمِ أنْ يكونَ ذَا شفَقَةٍ وعَطفٍ وتسامحٍ وإحسانٍ في البيعِ والشراءِ، فلا يُغالِي في الرِّبحِ، ولا يبالغُ في التكسُّبِ، ولا يهتبلُ حاجةَ إخوانِهِ ليرهقَهُم بما يشقُّ عليهِم، بل يُراعِي حقوقَ الأخوَّةِ الإسلاميّةِ، وقد حثَّنَا الشارِعُ الحكيمُ على المسَامحَةِ في المعاملةِ، فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، قَالَ: «رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ، وَإِذَا اشْتَرَى، وَإِذَا اقْتَضَى».( البخاريّ). فالفردُ المسلمُ مسامحٌ وهيّنٌ وليّنٌ، في بيعهِ وشرائهِ واقتضائهِ لدينهِ، يقولُ الإمامُ ابنُ حجرٍ:” فِيهِ الْحَضُّ عَلَى السَّمَاحَةِ فِي الْمُعَامَلَةِ، وَاسْتِعْمَالِ مَعَالِي الْأَخْلَاقِ وَتَرْكُ الْمُشَاحَةِ، وَالْحَضُّ عَلَى تَرْكِ التَّضْيِيقِ عَلَى النَّاسِ فِي الْمُطَالَبَةِ وَأَخْذُ الْعَفْوِ مِنْهُم.” ( فتح الباري).
وهناكَ صورٌ مشرقةٌ لخُلقِ السماحةِ في البيعِ والشراءِ والاقتضاءِ مِن ذلكَ:
حلمُ الرسولِ ﷺ وسماحتُهُ مع زيدِ بنِ سعنةَ حبرِ اليهودِ، حيثُ جاءَ إلى النبيِّ ﷺ يختبرُ حلمَهُ وسماحتَه وقد ابتاعَ منهُ تمرًا إلى أجلٍ، فطالبَهُ قبلَ حلولِ الأجلِ مغلظًا لهُ في القولِ وسطَ القومِ،” يقولُ زَيْدُ بْنُ سَعْنَةَ: فَأَتَيْتُهُ فَأَخَذْتُ بِمَجَامِعِ قَمِيصِهِ وَرِدَائِهِ وَنَظَرْتُ إِلَيْهِ بِوَجْهٍ غَلِيظٍ وهزَّ الحبرُ اليهوديُّ رسولَ اللهِ ﷺ هزًّا عنيفًا وهو يقولُ لهُ: أَدِّ ما عليكَ مِن حقٍّ ومِن دَيْنٍ يا محمدٌ! فَوَاللهِ مَا عَلِمْتُكُمْ يا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ إلا مُطلًا في أداءِ الحقوقِ وسدادِ الديونِ، وَلَقَدْ كَانَ لِي بِمُمَاطَلَتِكُمْ عِلْمٌ قَالَ: فَنَظَرْتُ إِلَى عُمَرَ، وَإِذَا عَيْنَاهُ تَدُورَانِ فِي وَجْهٍ كَالْفَلَكِ الْمُسْتَدِيرِ، ثُمَّ رَمَانِي بِبَصَرِهِ فَقَالَ: يَا عَدُوَّ اللهِ، أَتَقُولُ لِرَسُولِ اللهِ ﷺ مَا أَسْمَعُ، وتفعلُ برسولِ اللهِ ﷺ ما أرًى؟!! فَوَ الَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ لَوْلَا أنى أخشى فَوْتَهُ وغضبه لَضَرَبْتُ رَأْسَكَ بِسَيْفِي هذا! يقولُ زيدُ بنُ سعنه: وأنا أنظرُ إلى النبيِّ ﷺ وهو يَنْظُرُ إِلَى عُمَرَ فِي سُكُونٍ وَتُؤَدَةٍ وَتَبَسُّمٍ، ثُمَّ قَالَ: «يَا عُمَرُ، لقد كنتُ أَنَا وَهُوَ أَحْوَجَ إِلَى غَيْرِ هَذَا، يا عمرُ لقد كان مِن الواجبِ عليكَ أَنْ تَأْمُرَنِي بِحُسْنِ الْأَدَاءِ وَتَأْمُرَهُ بِحُسْنِ الطلبِ، فبهتَ الحبرُ أمامَ هذه الأخلاقِ الساميةِ، وأمامَ هذه الروحِ الوضيئةِ العاليةِ مِن الحبيبِ المصطفَى ﷺ. فالتفتَ الحبيبُ إلى عمرَ رضى اللهُ عنه وقال:((اذْهَبْ بِهِ يَا عُمَرُ، فَأَعْطِهِ حَقَّهُ وَزِدْهُ عِشْرِينَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ جزاءِ ما روعتَهُ!! ». قَالَ زَيْدٌ: فَذَهَبَ بِي عُمَرُ فَأَعْطَانِي حَقِّي وَزَادَنِي عِشْرِينَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، فَقُلْتُ: مَا هَذِهِ الزِّيَادَةُ يَا عُمَرُ؟ فَقَالَ: أَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ ﷺ أَنْ أُزِيدَكَها جزاءَ ما روعتُكَ!! فالتفتَ الحبرُ اليهوديُّ إلى عمرَ وقالَ: ألا أَتَعْرِفُنِي يَا عُمَرُ؟ قَالَ: لَا، فَمَنْ أَنْتَ؟ قُلْتُ: أَنَا زَيْدُ بْنُ سَعْنَةَ، قَالَ عمرُ: حبرُ اليهودِ؟ قال: نعم. فالتفتَ إليهِ عمرُ وقَالَ: فَمَا دَعَاكَ إِلَى أَنْ فَعَلْتَ بِرَسُولِ اللهِ ﷺ مَا فَعَلْتَ وَقُلْتَ لَهُ مَا قُلْتَ؟ فقال زيدٌ: واللهِ يا ابنَ الخطابِ ما مِن شيءٍ مِن عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ إِلَّا وَقَدْ عَرَفْتُهُ فِي وَجْهِ رَسُولِ اللهِ ﷺ حِينَ نَظَرْتُ إِلَيْهِ ولكننِي لم أختبرْ فيهِ خصلتين مِن خصالِ النبوةِ. فقالَ عمرُ: وما هما؟ قال حبرُ اليهودِ: الأولى: يَسْبِقُ حِلْمُهُ جَهْلَهُ، والثانيةُ: لَا تُزِيدُهُ شِدَّةُ الْجَهْلِ عَلَيْهِ إِلَّا حِلْمًا أمَـا وقد عرفتُها اليومَ في رسولِ اللهِ فَأُشْهِدُكَ يَا عُمَرُ أَنِّي: أشهد أنْ لا إلَه إلّا اللهُ وأنَّ محمدًا رسولُ اللهِ ﷺ. قَدْ رَضِيتُ بِاللهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ ﷺ نَبِيًّا، وَأُشْهِدُكَ أَنَّ شَطْرَ مَالِي – فَإِنِّي أَكْثَرُهُمْ مَالًا – صَدَقَةٌ عَلَى أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ ، فَقَالَ لِي: عُمَرُ أَوْ عَلَى بَعْضِهِمْ، فَرَجَعَ عُمَرُ وَزَيْدٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَقَالَ زَيْدٌ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَآمَنَ بِهِ وَصَدَّقَهُ وَتَابَعَهُ وَشَهِدَ مَعَهُ مَشَاهِدَ كَثِيرَةً”.( ابن حبان بسند حسن).
تابع / خطبة الجمعة بعنوان : رحم اللَّه رجلًا سمحًا
كما ضربَ لنَا الرسولُ ﷺ أروعَ الأمثلةِ في سماحةِ القضاءِ والاقتضاءِ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ سِنٌّ مِنْ الْإِبِلِ فَجَاءَهُ يَتَقَاضَاهُ فَقَالَ: ” أَعْطُوهُ . فَطَلَبُوا سِنَّهُ فَلَمْ يَجِدُوا لَهُ إِلَّا سِنًّا فَوْقَهَا فَقَالَ: أَعْطُوهُ . فَقَالَ: أَوْفَيْتَنِي أَوْفَى اللَّهُ بِكَ . قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: إِنَّ خِيَارَكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً ” .(متفق عليه) .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: “اشْتَرَى رَجُلٌ مِنْ رَجُلٍ عَقَارًا لَهُ، فَوَجَدَ الرَّجُلُ الَّذِي اشْتَرَى الْعَقَارَ فِي عَقَارِهِ جَرَّةً فِيهَا ذَهَبٌ، فَقَالَ لَهُ الَّذِي اشْتَرَى الْعَقَارَ: خُذْ ذَهَبَكَ مِنِّي إِنَّمَا اشْتَرَيْتُ مِنْكَ الْأَرْضَ وَلَمْ أَبْتَعْ مِنْكَ الذَّهَبَ، وَقَالَ الَّذِي لَهُ الْأَرْضُ: إِنَّمَا بِعْتُكَ الْأَرْضَ وَمَا فِيهَا، فَتَحَاكَمَا إِلَى رَجُلٍ، فَقَالَ الَّذِي تَحَاكَمَا إِلَيْهِ: أَلَكُمَا وَلَدٌ؟ قَالَ أَحَدُهُمَا: لِي غُلَامٌ. وَقَالَ الْآخَرُ: لِي جَارِيَةٌ. قَالَ: أَنْكِحُوا الْغُلَامَ الْجَارِيَةَ وَأَنْفِقُوا عَلَى أَنْفُسِهِمَا مِنْهُ وَتَصَدَّقَا”( متفق عليه ). فانظرْ إلى أمانةِ وسماحةِ كلٍّ مِن البائعِ والمشترِي!! كلاهُمَا يتورعُ عن جرةِ الذهبِ!! البائعُ يقولُ: بعتُكَ الأرضَ بما فيها !! والمشترِي يقولُ: اشتريتُ الأرضَ دونَ ما فيها!! تخيلْ لو حدثتْ هذه الواقعةُ في زمانِنَا هذا لقامتْ مِن أجلِ هذا الذهبِ حروبٌ وقتالٌ، وراحَ ضحيتُهُ أروحٌ عديدةٌ!!
ومِن هذه الصورِ ما رويَ أنَّ قيسَ بنَ عبادةَ – وكان مِن الأجوادِ المعروفين – مرضَ يوماً فاستبطأَ إخوانَهُ في عيادتِهِ، فسألَ عنهُم فقِيلَ لهُ: إنّهُم يستحيونَ مِمَّا لكَ عليهِم مِن الدينِ!! فقالَ أخزَى اللهُ مالًا يمنعُ الإخوانَ مِن الزيارةِ!! ثمَّ أمرَ مناديًّا يُنادِي: مَن كان عليهِ لقيسَ مالٌ فهو منهُ في حلٍّ، فما أمسَى حتى كُسرَتْ عتبةُ بابهِ لكثرةِ مَن عادَهُ وزارَهُ!!
وهذا أبو قَتَادَةَ كَانَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ، فَكَانَ يَأْتِيهِ يَتَقَاضَاهُ، فَيَخْتَبِئُ مِنْهُ، فَجَاءَ ذَاتَ يَوْمٍ، فَخَرَجَ صَبِيٌّ فَسَأَلَهُ عَنْهُ، فَقَالَ: نَعَمْ، هُوَ فِي الْبَيْتِ، فَنَادَاهُ يَا فُلَانُ، اخْرُجْ، فَإِنِّي قَدْ أُخْبِرْتُ أَنَّكَ هَاهُنَا، فَخَرَجَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: مَا يُغَيِّبُكَ عَنِّي؟ قَالَ: إِنِّي مُعْسِرٌ، وَلَيْسَ عِنْدِي شَيْءٌ، فَقَالَ: آللَّهِ إِنَّكَ لَمُعْسِرٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَبَكَى أَبُو قَتَادَةَ، ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، يَقُولُ: ” مَنْ نَفَّسَ عَنْ غَرِيمِهِ أَوْ مَحَا عَنْهُ كَانَ فِي ظِلِّ الْعَرْشِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ”. (أحمد والدارمي).
هكذا فلتكنْ الأخلاقُ، وهكذا فليكنْ الصفحُ، وهكذا فلتكنْ السماحةُ !!
العنصر الثالث من خطبة الجمعة بعنوان : رحم اللَّه رجلًا سمحًا
ثالثًا: ثمراتُ وفوائدُ السماحةِ.
إنَّ للسماحةِ فوائدَ وثمراتٍ كثيرةً تعودُ على صاحبِهَا بالخيرِ والبركةِ في الدنيا، والفوزِ بمرضاةِ اللهِ في الآخرةِ منهَا:
محبةُ الناسِ للمسامحِ: فيستطيعُ سمحُ النفسِ الهينُ اللينُ، أنْ يظفرَ بأكبرَ قسطٍ مِن محبةِ النَّاسِ لهُ، وثقةِ النَّاسِ بهِ؛ لأنّهُ يعاملُهُم بالسَّمَاحَةِ والبشرِ ولينِ الجانبِ، فإذا باعَ كان سمحًا، وإذا اشترَى كان سمحًا، وإذا أخذَ كان سمحًا، وإذا أعطَى كان سمحًا، وإذا قضَى ما عليهِ كان سمحًا، وإذا اقتضَى ما لهُ كان سمحًا، فينعمُ بالخيرِ الدنيويِّ بتسامحِهِ، وذلك لأنَّ النَّاسَ يحبونَ المتسامحَ الهيِّنَ الليِّنَ، فيميلونَ إلى التعاملِ معهُ، فيكثرُ عليهِ الخيرُ بكثرةِ محبيهِ والواثقينَ بهِ، فتربحُ تجارتُهُ وينمُو مالُهُ، ويحظَى برضَا اللهِ والناسِ، فيسعدُ في دنياهُ وأخراهُ.
ومنها: شهادةُ الناسِ للمسامحِ عندَ موتِهِ: فالرجلُ المسامحُ الهينُ اللينُ المشهورُ بحسنِ خُلقِهِ بينَ الناسِ، يحظَى بشهادةِ الناسِ لهُ عندَ موتِهِ ويكثرُ المصلونَ على جنازتِهِ فيكونُ ذلكَ سبباً في وجوبِ الجنةِ لهُ، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: ” مُرَّ بِجَنَازَةٍ فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا خَيْرًا ، فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ: وَجَبَتْ وَجَبَتْ وَجَبَتْ، وَمُرَّ بِجَنَازَةٍ فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا شَرًّا. فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ: وَجَبَتْ وَجَبَتْ وَجَبَتْ . قَالَ عُمَرُ: فِدًى لَكَ أَبِي وَأُمِّي ، مُرَّ بِجَنَازَةٍ فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا خَيْرٌ فَقُلْتَ وَجَبَتْ وَجَبَتْ وَجَبَتْ، وَمُرَّ بِجَنَازَةٍ فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا شَرٌّ فَقُلْتَ وَجَبَتْ وَجَبَتْ وَجَبَتْ!!! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ خَيْرًا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ، وَمَنْ أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ شَرًّا وَجَبَتْ لَهُ النَّارُ أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ ” ( متفق عليه واللفظ لمسلم ) .
ومنها: أنَّ السماحةَ مِن مكفراتِ الذنوبِ: فعن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ؛ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ :” كَانَ تَاجِرٌ يُدَايِنُ النَّاسَ؛ فَإِذَا رَأَى مُعْسِرًا قَالَ لِفِتْيَانِهِ تَجَاوَزُوا عَنْهُ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنَّا؛ فَتَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهُ”.(متفق عليه).
فقد تجاوزَ اللهُ عنهُ؛ لأنّهُ تجاوزَ عن العبادِ فكانَ الجزاءُ مِن جنسِ العملِ.
ومنها: أنَّ السماحةَ تُجلبُ رحمةَ اللهِ: كما في الحديثِ الشريفِ:” رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ وَإِذَا اشْتَرَى وَإِذَا اقْتَضَى”. (البخاري).
ومنها: أنَّ السماحةَ منجاةٌ مِن كُربِ يومِ القيامةِ: قالَ ﷺ:” مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُنْجِيَهُ اللَّهُ مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلْيُنَفِّسْ عَنْ مُعْسِرٍ أَوْ يَضَعْ عَنْهُ “. (مسلم).
ومنها: أنَّ السماحةَ تُحرِّمُ صاحبَهَا على النارِ: فعن جابرٍ قال، قال ﷺ:” ألَا أُخبِرُكم على مَن تحرُمُ النَّارُ غدًا؟! على كلِّ هيِّنٍ ليِّنٍ سهلٍ قريبٍ “. (ابن حبان والطبراني).
فالسماحةَ السماحةَ تفلحُوا، السماحةَ السماحةَ تسعدُوا، السماحةَ السماحةَ تغنمُوا !!
تابع / خطبة الجمعة بعنوان : رحم اللَّه رجلًا سمحًا
وما أجملَ قولَ الإمامِ الشافعِيِّ في ديوانِهِ:
وكنْ رجلًا على الأهوالِ جلدًا …………………. وشيمتُكَ السَّمَاحَةُ والوفاءُ
وإنْ كثرتْ عيوبُكَ في البرايا …………………… وسَرَّك أَنْ يَكونَ لها غِطَاءُ
تَسَتَّر بالسَّخَاءِ فكُلُّ عَـــــيْبٍ …………………… يُغـــــــــطِّيه كما قيلَ السَّخاءُ
ولا ترجُ السَّمَاحَةَ مِن بخيلٍ ……………………. فَما في النَّارِ لِلظْمآنِ مَاءُ
وهكذا – أيُّها المسلمون- يفوزُ المسامحُ بخيرَي الدنيا والآخرةِ، والفرصةُ أمامَكُم فماذَا أنتُم فاعلون؟!!
نسألُ اللهَ أنْ يجعلَنَا مِن أهلِ السماحةِ، وأنْ يحفظَ مصرَنَا وبلادَنَا مِن كلِّ مكروهٍ وسوءٍ ؛؛؛؛؛؛
الدعاء،،،،،،، وأقم الصلاة،،،،، كتبه : خادم الدعوة الإسلامية
د / خالد بدير بدوي
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف