خطبة الجمعة بعنوان : وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا ، للدكتور خالد بدير
خطبة الجمعة بعنوان : وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا ، للدكتور خالد بدير، بتاريخ 3 ربيع الأول 1446 هـ ، الموافق 6 سبتمبر 2024م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 6 سبتمبر 2024م ، للدكتور خالد بدير بعنوان : وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا :
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 6 سبتمبر 2024م ، للدكتور خالد بدير بعنوان : وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا ، بصيغة word أضغط هنا.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 6 سبتمبر 2024م ، للدكتور خالد بدير بعنوان : وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا ، بصيغة pdf أضغط هنا.
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف
للمزيد علي قسم خطبة الجمعة القادمة
عناصر خطبة الجمعة القادمة 6 سبتمبر 2024م ، للدكتور خالد بدير ، بعنوان : وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا : كما يلي:
أولًا: أسبابُ ظاهرةِ الطلاقِ.
ثانيًا: مخاطرُ الطلاقِ وآثارُهُ.
ثالثًا: استوصُوا بالنساءِ خيرًا.
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 6 سبتمبر 2024م ، للدكتور خالد بدير ، بعنوان : وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا : كما يلي:
“وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا“
3 ربيع الأول 1446هـ -6 سبتمبر 2024م
المـــوضــــــــــوع
الحمدُ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ ونتوبُ إليهِ ونستغفرُهُ ونؤمنُ بهِ ونتوكلُ عليهِ ونعوذُ بهِ مِن شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، ونشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له، وأنَّ سيِّدَنَا مُحمدًا عبدُهُ ورسولُهُ ﷺ. أمَّا بعدُ:
العنصر الأول من خطبة الجمعة بعنوان : وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا
أولًا: أسبابُ ظاهرةِ الطلاقِ.
لقد اهتمَّ الإسلامُ بالأسرةِ اهتمامًا كبيرًا؛ لأنَّ الأسرةَ هي قوامُ المجتمعِ، وجعلَ الزواجَ بناءَ هذه الأسرةِ، وأحاطَهُ بسياجِ السكنِ والمودةِ والرحمةِ، وأخذَ الميثاقَ الغليظَ على الزوجينِ في استمراريةِ العلاقةِ الزوجيةِ، فقالَ تعالَى: {وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} (النساء: 21)، يقولُ القاسميُّ: ” وَأَخَذْنَ مِنكُم ميثَاقاً غَلِيظاً ” أي : عهداً وثيقاً مؤكداً مزيدَ تأكيدٍ، يعسرُ معَهُ نقضُهُ، كالثوبِ الغليظِ يعسرُ شقُّهُ. وقالَ الزمخشريُّ: الميثاقُ الغليظُ حقُّ الصحبةِ والمضاجعةِ، ووصفَهُ بالغلظِ لقوتِهِ وعظمِهِ “. ( محاسن التأويل).
وليس أبلغَ مِن التعبيرِ القرآنِي العظيمِ في وصفِ علاقةِ الزوجيةِ بكونِهَا [الميثاقُ الغليظُ]، وبمَا تعنيهِ الكلمةُ القرآنيةُ مِن بلاغةٍ وروعةٍ مِن العهدِ والقوةِ والتأكيدِ الشديدِ لأهميةِ الحفاظِ عليهِ والوفاءِ بهِ.
وقد جاءَ وصفُ هذا العقدِ بالميثاقِ الغليظِ في هذه الآيةِ الكريمةِ لقوتِهِ وعظمتِهِ ومدَى أهميتِهِ في بناءِ الأسرةِ، والميثاقُ الغليظُ يقتضِي الصحبةَ الصالحةَ، والمعاشرةَ بالمعروفِ، والتضحيةَ والبذلَ والوفاءَ والحبَّ والتفاهمَ، وفى ذلك إشارةٌ إلى قوةِ ومتانةِ هذا العقدِ الذي يعسرُ نقضُهُ، كالثوبِ الغليظِ الذي يعسرُ شقُّهُ أو تمزيقُهُ.
ولمتانةِ هذا الميثاقِ الغليظِ أخذَهُ اللهُ على أنبيائِهِ عليهمُ السلامُ، فقالَ تعالى: { وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا}. (الأحزاب: 7).
وللحفاظِ على هذا الميثاقِ الغليظِ شُرِعَ الطلاقُ الرجعيُّ، حتى يكونَ هناك مهلةٌ وفرصةٌ للزوجينِ، وفي حالةِ الرجعةِ أو الطلاقِ لم يغفلْ الشرعُ الحكيمُ عن الالتزامِ بالمعروفِ وحسنِ المعاشرةِ في الحالين: حالِ الإمساكِ، وحالِ التسريحِ. قالَ تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}.(البقرة: 229). ” وعن ابنِ عباسٍ قال: إذا طلقَ الرجلُ امرأتَهُ تطليقتينِ، فليتقِ اللهَ في الثالثةِ، فإمَّا أنْ يمسكَهَا بمعروفٍ فيحسنُ صحبتَهَا، أو يسرحَهَا بإحسانٍ فلا يظلمهَا مِن حقِّهَا شيئًا”.(تفسير ابن كثير).
أيُّها الإخوةُ المؤمنون: لقد انتشرتْ ظاهرةُ الطلاقِ في المجتمعِ انتشارَ النارِ في الهشيمِ، ويرجعُ انتشارُ الطلاقِ إلى أسبابٍ كثيرةٍ. من ذلك: عدمُ الصّبرِ وتحملِ العبءِ؛ فتخرجُ العديدُ مِن النّساءِ مِن بيتِ زوجِهَا مهمَا كانتْ المشكلةُ بسيطةً. ومنها: تدخلاتُ الأهلِ في المشاكلِ الزوجيةِ، والأصحابِ عبرَ وسائلِ التواصلِ الاجتماعيِّ فقد جاءَ في الحديثِ: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ خَبَّبَ امْرَأَةً عَلَى زَوْجِهَا».(الحاكم وصححه ووافقه الذهبي). وخببَ: أفسدَ.
ومنها: الخيانةُ الزّوجيةُ التّي يلجأُ إليها العديدُ من الأزواجِ دون الخوفِ من اللهِ تعالى، وضعفِ الوازعِ الدينيِّ عندَ الزّوجِ أو الزّوجةِ، والتّقصيرِ في أحدِ واجباتِ المنزلِ، أو استخدامِ الزّوجِ لأسلوبِ العنفِ في بيتِهِ، أو البخلِ، أو سهولةِ نطقِ كلمةِ الطّلاقِ عندَ الأزواجِ في جميعِ الأمورِ، وقد زادَ في وقتِنَا الحاضرِ طلبُ الزّوجةِ من الزّوجِ الطلاقَ مقابلَ إبراءِ ذمتِهِ ليتمَّ الطّلاقُ بسهولةٍ أكبر.
ومِن أسبابِ انتشارِ مشكلةِ الطلاقِ أيضًا: عدمُ استشعارِ بعضِ الأزواجِ أهميةَ هذا المشروعِ العظيمِ والميثاقِ الغليظِ وهو الزواجُ، فهم يعتبرونَهُ للوطءِ والجماعِ وتفريغِ الشهوة وحسب، ولا يلتفتُون أبدًا لكونِهِ موضعًا للرحمةِ والمودةِ، ومحلًا للاطمئنانِ والسكينةِ، ومحضنًا للتربيةِ وصناعةِ الأجيالِ.
ومِن أسبابِ حصولِ الطلاقِ: الخطأُ الفادحُ في اختيارِ الزوجِ لزوجتهِ واختيارِ الزوجةِ لزوجِهَا.
ومن أسبابِ حصولِ الطلاقِ أيضًا: تهاونُ وتقصيرُ الأزواجِ في مسألةِ الحقوقِ المتبادلةِ بينهم. واللهُ تعالى يقولُ : { وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ } .(البقرة: 228). وبسببِ هذا التقصيرِ يحدثُ النزاعُ والفراقُ.
هذه هي أسبابُ الطلاقِ المشهورةُ المنتشرةُ في المجتمعِ، نعرفُهَا لنتوقاهَا ونحذرُهَا، كما قالَ الشاعرُ:
عَرَفتُ الشَرَّ لا لِلشَرِ ……………………. لَكِن لِتَوَقّــــــــيهِ
وَمَن لَم يَعرِفِ الشَرَّ ………………… مِنَ الخَيرِ يَقَع فيهِ
وقولُ حذيفةَ رضي اللهُ عنه :” كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنِ الخَيْرِ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي “.(البخاري).
العنصر الثاني من خطبة الجمعة بعنوان : وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا
ثانيًا: مخاطرُ الطلاقِ وآثارُهُ
الطلاقُ مشكلةٌ أسريةٌ عظيمةٌ، بسببِهَا تفرقتْ الأسرُ، وتهدّمتْ البيوتُ، وضاعتْ الذريّةُ وتأخرُوا في التعليمِ والدراسةِ، وقُطعتْ الأرحامُ والصلاتُ، وكثُرتْ الآثامُ، وانعدمتْ الرحمةُ والشفقةُ عندَ كثيرٍ من الآباءِ والأمهاتِ، وانتشرتْ الجرائمُ في المجتمعِ، وكثُرتْ الأمراضُ النفسيةُ عندَ الأبناءِ والآباءِ والأمهاتِ، وتزعزعَ الأمنُ والاستقرارُ، وفي انحلالِ الزواجِ وسيلةٌ لزرعِ الكراهيةِ والنزاعِ والمشاجرةِ بينَ أفرادِ المجتمعِ خصوصًا إذا خرجَ الطلاقُ عن حدودِ الأدبِ الإسلامِي.
إنَّ الطلاقَ صدمةٌ، ولذلك يؤثرُ سلبيًّا على الصحةِ النفسيةِ والجسديةِ للمطلقين، حيثُ تتغيرُ مكانتُهُم الاجتماعيةُ مِن (متزوجٍ أو متزوجةٍ) إلى مكانةِ {مطلقٍ أو مطلقةٍ}،وهذا يعنِي أنَّ الطلاقَ يقللُ مِن المكانةِ الاجتماعيةِ لكلٍّ مِن الرجلِ والمرأةِ، حيثُ تتغيرُ نظرةُ الناسِ إلى المطلقين، ويفقدانِ الكثيرَ مِن أصدقائِهِم ويعانيانِ مِن الوحدةِ ويتحملانِ تعليقاتِ اللومِ والفشلِ في الحياةِ الزوجيةِ، مِمَّا يجعلُهُم يعيشونَ على هامشِ الحياةِ الاجتماعيةِ.
وغيرَ ذلكَ مِن المخاطرِ والآثارِ السيئةِ على الفردِ والمجتمعِ، والتي لا يتسعُ المقامُ لذكرِهَا.
لهذا فإنَّ إبليسَ يبعثُ جنودَهُ في الأرضِ، ويجعلُ الجنديَّ البارعَ – الذي فرقَ بينَ الزوجينِ وهدمَ الأسرةَ – أقربَهُم منهُ منزلةً. فعَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ” إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ، ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ، فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً، يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا، فَيَقُولُ: مَا صَنَعْتَ شَيْئًا، قَالَ ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ، قَالَ: فَيُدْنِيهِ مِنْهُ وَيَقُولُ: نِعْمَ أَنْتَ ” قَالَ الْأَعْمَشُ: أُرَاهُ قَالَ: «فَيَلْتَزِمُهُ». (مسلم).
فعلينَا أنْ نتنبَّهَ لذلكَ، وأنْ نتَذَكَّرَ قَوْلَ اللهِ تَعَالَى: { وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا }. وقولَ الرسولِ ﷺ: «لَا يَفْرَكْ [أَيْ لاَ يُبْغِضْ] مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ».(مسلم). وكما قالَ الشاعرُ:
إِذَا أَنْتَ لَمْ تَصْبِرْ مِرَارًا عَلَى الْقَذَى …………… ظَمِئْتَ وَأَيُّ النَّاسِ تَصْفُو مَشَارِبُهْ
العنصر الثالث من خطبة الجمعة بعنوان : وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا
ثالثًا: استوصُوا بالنساءِ خيرًا.
هذه هي وصيةُ النبيِّ ﷺ بالنساءِ في قولِهِ: «اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ، فَإِنَّ المَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلاَهُ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ». (متفق عليه). وفي روايةِ مسلمٍ: «إِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ لَنْ تَسْتَقِيمَ لَكَ عَلَى طَرِيقَةٍ، فَإِنِ اسْتَمْتَعْتَ بِهَا اسْتَمْتَعْتَ بِهَا وَبِهَا عِوَجٌ، وَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهَا، كَسَرْتَهَا وَكَسْرُهَا طَلَاقُهَا». وعندَ ابنِ حبانٍ: «إِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ فَإِنْ أَقَمْتَهَا كَسَرْتَهَا فَدَارِهَا تَعِشْ بِهَا». قال الإمامُ النوويُّ: “فيه الحثُّ على الرفقِ بالنساءِ والإحسانِ إليهِنَّ والصبرِ على عوجِ أخلاقهِنَّ، واحتمالِ ضعفِ عقولهِنَّ وكراهةِ طلاقهِنَّ بلا سببٍ، وأنَّه لا مطمعَ في استقامتِهِنَّ”، وقالَ القسطلانيُّ: “في الحديثِ الندبُ إلى المداراةِ لاستمالةِ النفوسِ وتألفِ القلوبِ، وفيه سياسةُ النساءِ بأخذِ العفوِ عنهنَّ والصبرِ على عوجهِنَّ، فإنَّ مَن رامَ تقويمَهُنَّ فاتَهُ الانتفاعُ بهنَّ، مع أنَّه لا غنَى للإنسانِ عن امرأةٍ يسكنُ إليهَا ويستعينُ بهَا على معاش”.
وفي حجةِ الوداعِ يقولُ ﷺ: ” اتَّقُوا اللهَ فِي النِّسَاءِ، فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللهِ”. (مسلم). كما أوصانَا ﷺ بالرفقِ بالقواريرِ، حيثُ قالَ: «يَا أَنْجَشَةُ رُوَيْدَكَ سَوْقًا بِالْقَوَارِيرِ». (متفق عليه).
«قالَ العلماءُ: سمَّى النساءَ قواريرَ؛ لضعفِ عزائمِهِنَّ، تشبيهًا بقارورةِ الزجاجِ لضعفِهَا، وإسراعِ الانكسارِ إليهَا» [شرح النووي على مسلم]. فاتقُوا اللهُ في أهليكُم وأزواجِكُم وأولادِكُم؛ فأنتُم مسئولونَ عنهم أمامَ اللهِ يومَ القيامةِ، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّهُ: سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالخَادِمُ فِي مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ؛ فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ». ( متفق عليه). وعَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «إِنَّ اللهَ سَائِلٌ كُلَّ رَاعٍ عَمَّا اسْتَرْعَاهُ، أَحَفِظَ ذَلِكَ أَمْ ضَيَّعَ؟ حَتَّى يُسْأَلَ الرَّجُلُ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ».(النسائي وابن حبان بسند صحيح).
فعليكُم التحملَ والصبرَ والرضا، فالميثاقُ الغليظُ الذي بين الزوجينِ يقتضِي أنْ يتحملَ كلٌّ منهما هفواتِ الآخر، يقولُ أبو الدرداءِ -رضي اللهُ عنه- لزوجتِهِ أمِّ الدرداء: ” إذا رأيتنِي غاضبًا فرضِّينِي، وإذا رأيتُكِ غضبَى رضَّيتُكِ. وإلّا لم نصطحبْ”. فبالودِّ والمسامحةِ والمحبةِ تدومُ العشرةُ، وبدونِهَا لا توجدُ ألفةٌ ولا عشرةٌ.
ولو أنّ كِلَا الزوجينِ وقفَ عندَ هفواتِ الآخرِ، ما استمرتْ الحياةُ، بل صارتْ إلى هدمٍ وزوالٍ، وما صارَ أحدٌ مع زوجتِهِ في المجتمعِ كلِّه، فلابدَّ لكلٍّ منهُمَا أنْ يتحملَ صاحبَهُ، حتى تستقرَّ الأسرُ والمجتمعُ.
فاستوصُوا بالنساءِ خيرًا، واتقُوا اللهَ في نسائِكُم وأهلِيكُم وأولادِكُم.
تابع / خطبة الجمعة بعنوان : وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا
وأخيرًا: نداءٌ ورسالةٌ إلى الزوجينِ:
فأقولُ للزوجِ: أيُّها الزوجُ، يا مَن تريدُ طلاقَ زوجَتِكِ، كيفُ هي حياتُكَ بعدَهَا؟ وكيف سيكونُ أبناؤُكَ وبناتُكَ؟ وإلى أيِّ مآلٍ ستتجهُ حياتُكَ واهتماماتُكَ؟ فاللهَ اللهَ في الحكمةِ والصبر، والتدرجِ في معالجةِ الأمورِ، وجَرِّبِ النُّصْحَ لِزَوْجِكَ، وامتثلْ قولَ اللهِ تعالَى: { وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا }.(النساء: ) وَحَاوِلِ الصُّلْحَ بِحَكَمٍ مِنْ أَهْلِهَا وَحَكَمٍ مِنْ أَهْلِكَ. { وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا }.(النساء: ). وكنْ لزوجِكَ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: ” خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي” .(الترمذي وحسنه). يقولُ صاحبُ تحفةِ الأحوذِي في شرحِهِ لهذا الحديثِ:” قولُهُ: خيرُكُم خيرُكُم لأهلِه: أي لعيالِه وذوِي رحمِهِ، وقِيلَ لأزواجِهِ وأقارِبِه، وذلكَ لدلالتِهِ على حسنِ الخُلقِ، “وأنا خيرُكُم لأهلِي” فأنَا خيرُكُم مطلقًا، وكان أحسنَ الناسِ عشرةً لهم، وكان على خُلقٍ عظيمٍ.”
ألَا فتخلقْ بأخلاقِ الرسولِ ﷺ مع أزواجِهِ، واحذرْ مِن الغفلةِ والغضبِ التي توردُكَ مواردَ الندمِ والحسرةِ.
وأقولُ للزوجةِ: أيّتُها الزوجةُ، يا مَن تريدينَ الطلاقَ، استشعرِي ما هو حالُكِ بعدَ أنْ تفقدِي نعمةَ الزوجِ، سيئولُ للعنوسةِ والوحدةِ والانطواءِ، وحملِ لقبٍ منبوذٍ في المجتمعِ (مطلقة)، وقد لا يقدرُ اللهُ لكِ زواجًا آخرَ، واصبرِي على علّاتِ زوجِكِ، واحتسبِي الأجرَ على ذلك، وانظرِي إلى مواطنِ الإيجابيةِ فيه، واعلمِي أنّ طاعتكِ لزوجكِ وخدمتكِ لأولادكِ طريقٌ إلى الجنة، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِذَا صَلَّتِ الْمَرْأَةُ خُمُسَهَا، وَصَامَتْ شَهْرَهَا، وَحَصَّنَتْ فَرْجَهَا، وَأَطَاعَتْ بَعْلَهَا دَخَلَتْ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شَاءَتْ».( ابن حبان وصححه الأرنؤوط)، واحذرِي أنْ تطلُبِي منهُ الطلاقَ من غيرِ سببٍ واضحٍ، فذلك ذنبٌ عظيمٌ وعقوبتُهُ عظيمةٌ. فعَنْ ثَوْبَانَ رضي اللهُ عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ” أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا الطَّلاَقَ فِي غَيْرِ مَا بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ “(ابن ماجة بسند صحيح).
فما أجملَ أنْ يعيشَ الزوجانِ في عشِّ الزوجيةِ تحتَ ظلالِ الحبِّ والسكنِ والمودةِ والرحمةِ، حتى يسودَ الأمنُ والاستقرارُ بينَ الأسرِ وأفرادِ المجتمعِ.
نسألُ اللهَ أنْ يباركَ لنَا في أزواجِنَا وأبنائِنَا، وأنْ يحفظَ مصرَنَا مِن كلِّ مكروهٍ وسوءٍ.
الدعاء،،،،،،، وأقم الصلاة،،،،، كتبه : خادم الدعوة الإسلامية
د / خالد بدير بدوي
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف