أخبار مهمةالخطبة المسموعةخطبة الأسبوعخطبة الجمعةخطبة الجمعة القادمة ، خطبة الجمعة القادمة لوزارة الأوقاف المصرية مكتوبة word pdfعاجل

خطبة الجمعة القادمة بعنوان : أَفَتَّانٌ أَنْتَ يَا مُعَاذُ؟! ، للدكتور محمد حرز

خطبة الجمعة القادمة بعنوان : أَفَتَّانٌ أَنْتَ يَا مُعَاذُ؟! ، للدكتور محمد حرز ، بتاريخ 26 صفر 1446هـ ، الموافق 30 أغسطس 2024م

 

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 30 أغسطس 2024م بصيغة word بعنوان : أَفَتَّانٌ أَنْتَ يَا مُعَاذُ؟! ، للدكتور محمد حرز.

 

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 30 أغسطس 2024م بصيغة pdf بعنوان : أَفَتَّانٌ أَنْتَ يَا مُعَاذُ؟! ، للدكتور محمد حرز.

عناصر خطبة الجمعة القادمة 30 أغسطس 2024م بعنوان : أَفَتَّانٌ أَنْتَ يَا مُعَاذُ؟!.

 

أولًا: معاذٌ وما أدراكَ ما معاذٌ ؟

ثانيًا:.دينُنَا دينُ اليسرِ والتخفيفِ يا سادةٌ.

ثالثــــًا وأخيرًا: لا تغترْ بنفسكَ فتهلك!!!

 

ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 30 أغسطس 2024م بعنوان : أَفَتَّانٌ أَنْتَ يَا مُعَاذُ؟! : كما يلي:

 

((أفتَّانٌ أنتَ يا معاذُ)) د. مُحمد حرز

 بتاريخ: 25 من صفر  1446هــ – 30 أغسطس 2024م

الحمدُ للهِ القويِّ العزيزِ، الفعالِ لِمَا يريدُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وليُّ الصالحين وَأشهدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وصفيُّهُ مِن خلقِهِ وخليلُهُ، اللهُمَّ صلِّ وسلمْ وزدْ وباركْ على النبيِ  المختارِ وعلى آلهِ وأصحابِهِ الأطهارِ الأخيارِ وسلمْ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدينِ.  أمَّا بعدُ.

فأوصيكُم ونفسِي أيُّهَا الأخيارُ بتقوىَ العزيزِ الغفارِ{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } (آل عمران :102). عبادَ الله: (أفتَّانٌ أنتَ يا معاذُ)عنوانُ وزارتِنَا وعنوانُ خطبتِنَا .

عناصرُ اللقاءِ:

أولًا: معاذٌ وما أدراكَ ما معاذٌ ؟

ثانيًا:.دينُنَا دينُ اليسرِ والتخفيفِ يا سادةٌ.

ثالثــــًا وأخيرًا: لا تغترْ بنفسكَ فتهلك!!!

أيُّها السادةُ: ما أحوجنَا في هذه الدقائقِ المعدودةِ إلي أنْ يكونَ حديثُنَا عن التيسيرِ والتخفيفِ وتركِ الكبرِ والغرورِ، وخاصةً ونحن نعيشُ زمانًا أنتشرَ فيه المتشددونَ في دينِ اللهِ بلا شفقةٍ وبلا رحمةٍ وبلا علمٍ، وخاصةً وانتشرَ الكبرُ والغرورُ عندَ الكثيرينَ مِن الناسِ إلّا ما رحمَ اللهُ جلَّ وعلا، وخاصةً ودينُنَا دينُ التيسيرِ دينُ التخفيفِ دينُ الرحمةِ والشفقةِ والمحبةِ، قالَ جلَّ وعلا (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} (البقرة: 185)

العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : أَفَتَّانٌ أَنْتَ يَا مُعَاذُ؟! 

أولًا: معاذٌ وما أدراكَ ما معاذٌ؟

أيُّها السادةُ: نَحْنُ الْيَوْمَ على موعدٍ مَعَ شَابٍّ مِنْ شَبَابِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمُ وأرضاهُم ، شَابٌّ أَسْلَمَ فِي الثَّامِنَةِ عَشْرَةَ مِنْ عُمُرِهِ، وماتَ فِي الثَّالِثَةِ والثَّلاثِينَ، خَمْسَةَ عَشَرَ عَامًا هِي عُمُرُهُ فِي الْإِسْلامِ، لَكِنَّهَا تُسَاوِي قُرُونًا.

قِصَّةُ حَيَاةٍ عَجِيبةٌ، وَسِيرَةُ كِفَاحٍ رَهِيبَةٌ فِي هَذِهِ السَّنَوَاتِ الْقِصَارِ الطِّوَالِ.. ذَلِكُمُ الرَّجُلُ الَّذِي عَاشَ حَيَاةً حَافِلَةً بِالْعِلْمِ والدَّعْوَةِ والْجِهَادِ والقربِ مِن سيّدِ الأنامِ ﷺ إِنَّهُ مُعَاذُ بْنُ جَبَلِ أيُّها الأخيارُ وإنِّي واللهِ لمعاذٍ لمحبٌ ولسيرتِهِ لعاشقٌ… معاذٌ وما أدراكَ ما معاذٌ ؟ ابْنُ الْعِشْرِينَ هذَا كَانَ أُمَّةً وَحْدَهُ، يَكْفِيهِ شَرَفًا أَنَّهُ كَانَ رَدِيفَ النَّبِيِّ ﷺ فأَخَذَ النَّبِيُّ ﷺ بِيَدِهِ وَقَالَ له: “يَا مُعَاذُ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ“، فَقَالَ: “أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ لَا تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ تَقُولُ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ، وَشُكْرِكَ، وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ” أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ.

معاذٌ وما أدراكَ ما معاذٌ ؟ ابْنُ الْعِشْرِينَ هذَا كَانَ أُمَّةً وَحْدَهُ، كَانَ يُعَلِّمُ النَّاسَ الخيرَ، وكَانَ مُطِيعًا للهِ وَرَسُولِهِ ﷺ، فَعَنْ فَروَةَ بنِ نَوفَلٍ الأَشجَعيِّ، قَالَ: قالَ ابنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: “إِنَّ مُعاذَ بنَ جَبَلٍ كَانَ أُمَّةً قانِتًا للهِ حَنيفًا ولَمْ يَكُ مِنَ المُشْرِكِينَ، فَقُلتُ: غَلَطَ أَبُو عَبدِالرَّحمَنِ، إِنَّمَا قَالَ اللهُ: ﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [النحل: 120] فَأَعَادَهَا عَلَيَّ، فَقالَ: إِنَّ مُعاذَ بنَ جَبَلٍ كانَ أُمَّةً قانِتًا لِلَّهِ حَنيفًا ولَم يَكُ مِنَ المُشرِكينَ).

معاذٌ وما أدراكَ ما معاذٌ؟ ابْنُ الْعِشْرِينَ هذَا كَانَ أُمَّةً وَحْدَهُ، فَقَدْ قَالَ عَنه عمرُ بنُ الخطابِ رضى اللهُ :” مَنْ أَرَادَ الْفِقْهَ فَلْيَأْتِ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ”. أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ .بَلْ قَالَ عَنْهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ: “خُذُوا القُرْآنَ مِنْ أَرْبَعَةٍ: مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَسَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ“. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. معاذٌ وما أدراكَ ما معاذٌ ؟ لَقَدْ كَانَ مُعَاذٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مِنْ خِيرَةِ الرِّجَالِ والشَّبَابِ بِشَهَادَةِ خَيْرِ الْبَشَرِ ﷺ، كما في حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: “نِعْمَ الرَّجُلُ أَبُو بَكْرٍ، نِعْمَ الرَّجُلُ عُمَرُ، نِعْمَ الرَّجُلُ معاذ بن جبل ” وَلَيْسَتْ هَذِهِ الأَفْضَلِيَّةُ مِنْ فَرَاغٍ، وَلا مِنَ التَّسَكُّعِ فِي الشَّوَارِعِ والطرقات ولا من السهر على الهواتف والمسلسلات ولا من اتِّبَاعِ الشَّهَوَاتِ، بَلْ سَعَى مُعَاذٌ إِلَى الأَعْمَالِ والطاعاتِ والقروباتِ والعباداتِ. معاذٌ وما أدراكَ ما معاذٌ ؟ أعلمُ الأمةَ بالحلالِ والحرامِ، حاملُ لواءَ العلماءِ يومَ القيامةِ، فقد روىَ الحاكمُ والترمذيُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَرْحَمُ أُمَّتِي بِأُمَّتِي أَبُو بَكْرٍ، وَأَشَدُّهُمْ فِي أَمْرِ اللهِ عُمَرُ، وَأَصْدَقُهُمْ حَيَاءً عُثْمَانُ، وَأَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللهِ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَأَفْرَضُهُمْ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَعْلَمُهُمْ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِيناً، وَإِنَّ أَمِينَ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ)). معاذٌ وما أدراكَ ما معاذٌ ؟ لَمْ يَكْتَفِ مُعَاذٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بِالْعِبَادَةِ فَحَسْبُ، وإِنَّمَا نَشَرَ الْعِلْمَ بَينَ الْعَالَمِينَ، ودَعَا إِلى تَوحِيدِ اللهِ وعِبَادَتِهِ بَينَ النَّاسِ أَجْمَعِينَ؛ فَأَرْسَلَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعَلِّمًا إِلى الْيَمَنِ؛ لِعِلْمِهِ وفِقْهِهِ؛ قالَ صلَّى اللهُ تعالى عليهِ وسلَّمَ لما بعثَ معاذًا إلى اليمنِ: كيفَ تقضِي إذا عُرِضَ عليكَ قضاءٌ؟ قالَ : أقضِي بكتابِ اللهِ قالَ : فإن لم تجِدْ في كتابِ اللهِ تعالى، قالَ : فبسنَّةِ رسولِ اللهِ ﷺ قالَ : فإن لم تجدْ ؟ قالَ : أجتهدُ رأيي ولا آلو، فضربَ صدرَهُ وقالَ : الحمدُ للهِ الَّذي وفقَ رسولَ رسولِ اللهِ لما يرضاهُ رسولُ اللهِ)). معاذٌ وما أدراكَ ما معاذٌ ؟ قال معاذٌ -رضي اللهُ عنه-: “كُنْتُ رِدْفَ النبيِّ ﷺ ليسَ بَيْنِي وبيْنَهُ إلَّا مُؤْخِرَةُ الرَّحْلِ، فقالَ: “يا مُعاذَ بنَ جَبَلٍ!“، قُلتُ: لَبَّيْكَ رَسولَ اللهِ! وسَعْدَيْكَ، ثُمَّ سارَ ساعَةً، ثُمَّ قالَ: “يا مُعاذَ بنَ جَبَلٍ!” قُلتُ: لَبَّيْكَ رَسولَ اللهِ! وسَعْدَيْكَ، ثُمَّ سارَ ساعَةً، ثُمَّ قالَ: “يا مُعاذَ بنَ جَبَلٍ!“, قُلتُ: لَبَّيْكَ رَسولَ اللهِ! وسَعْدَيْكَ، قالَ: “هلْ تَدْرِي ما حَقُّ اللهِ علَى العِبادِ؟“, قالَ: قُلتُ: اللَّهُ ورَسولُهُ أعْلَمُ، قالَ: “فإنَّ حَقُّ اللهِ علَى العِبادِ أنْ يَعْبُدُوهُ، ولا يُشْرِكُوا به شيئًا“، ثُمَّ سارَ ساعَةً، ثُمَّ قالَ: “يا مُعاذَ بنَ جَبَلٍ!”, قُلتُ: لَبَّيْكَ رَسولَ اللهِ! وسَعْدَيْكَ، قالَ: “هلْ تَدْرِي ما حَقُّ العِبادِ علَى اللهِ إذا فَعَلُوا ذلكَ؟“, قالَ: قُلتُ: اللَّهُ ورَسولُهُ أعْلَمُ، قالَ: “أنْ لا يُعَذِّبَهُمْ“(أخرجه الشيخان), وفي روايةٍ لهما: فَقُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ! أفَلا أُبَشِّرُ به النَّاسَ؟ قالَ: “لا تُبَشِّرْهُمْ؛ فَيَتَّكِلُوا.  معاذٌ وما أدراكَ ما معاذٌ ؟ نَامَ معاذُ بنُ جبلٍ عَلَى فِرَاشِ الْمَوْتِ فِي الثَّالِثَةِ والثَّلاثِينَ مِنْ عُمُرِهِ، وَيَنْظُرُ إِلَى أَصْحَابِهِ مِنْ حَوْلِهِ وَيَقُولُ: انْظُرُوا أَصْبَحْنَا؟ فَأُتِيَ فَقِيلَ: لَمْ تُصْبِحْ، قَالَ: انْظُرُوا أَصْبَحْنَا؟، فَأُتِيَ فَقِيلَ: لَمْ تُصْبِحْ. حَتَّى أُتِيَ فَقِيلَ لَهُ: قَدْ أَصْبَحْتَ، قَالَ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ لَيْلَةٍ صَبَاحُهَا إِلَى النَّارِ، مَرْحَبًا بِالْمَوْتِ مَرْحَبًا.. زَائِرًا مُغَيَّبًا حَبِيبًا، جَاءَ عَلَى فَاقَةٍ، اللَّهُمَّ إِنِّي قَدْ كُنْتُ أَخَافُكَ، فَأَنَا الْيَوْمَ أَرْجُوكَ، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أُحِبُّ الدُّنْيَا وَطُولَ الْبَقَاءِ فِيهَا لِكَرْيِ الْأَنْهَارِ، وَلَا لِغَرْسِ الشَّجَرِ، وَلَكِنْ لِظَمَأِ الْهَوَاجِرِ، وَمُكَابَدَةِ السَّاعَاتِ، وَمُزَاحَمَةِ الْعُلَمَاءِ بِالرُّكَبِ عِنْدَ حِلَقِ الذِّكْرِ”، أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، فأينَ نحن مِن معاذٍ أيُّها الأخيارُ؟ أينَ نحن مِن علمِ معاذٍ وأدبِ معاذٍ وأخلاقِ معاذٍ رضى اللهُ عنهُ وأرضاهُ، يكفيهِ شرفًا أنَّ الذي ربَّاهُ هو المصطفَى وكفَى !!!

العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : أَفَتَّانٌ أَنْتَ يَا مُعَاذُ؟! 

ثانيًا:.دينُنَا دينُ اليسرِ والتخفيفِ يا سادةٌ.

أيُّها السادةُ: التيسيرُ مَعْلَمٌ مِن معالمِ وخصائصِ الشريعةِ الإسلاميةِ، ومظهرٌ مِن مظاهرِهَا، وسِمَةٌ بارزةٌ مِن سماتِهَا، ووصفٌ ملازمٌ لها، ومنحةٌ إلهيةٌ رفَعَ اللهُ بها شأنَ هذه الرسالةِ الخالدةِ، فالمُتتبِّعُ لأحكامِ الشريعةِ الغرَّاءِ في كلِّ أحوالِهَا وجوانبِهَا يُلاحظُ التيسيرَ نمطًا سائدًا، وهدفًا واضحًا، بل إنّنَا لا نكونُ قد تجاوزنَا الحدَّ إذا قلنَا: إنَّ التيسيرَ مِن المقاصدِ العُلْيَا للشريعةِ الإسلاميةِ، قالَ جلَّ وعلا: ﴿ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ ﴾ [الحج: 78]، وقال جلَّ وعلا: ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ﴾ [البقرة: 286]، وقالجل وعلا ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا ﴾ [الطلاق: 7، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: ((إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا، وَأَبْشِرُوا)(أخرجه البخاري) وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ النبي ﷺ قَالَ: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ، عَلَيْكُمْ مِنَ الأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ؛ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا، وَإِنَّ أَحَبَّ الأَعْمَالِ إِلَى اللهِ مَا دُووِمَ عَلَيْهِ، وَإِنْ قَلَّ((أخرجه مسلم(، وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه أنَّ رَسُولَ الله ﷺ قَالَ: ((إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ، كَمَا يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى عَزَائِمُهُ (أخرجه ابن حِبَّان، والنبيُّ ﷺ لمَّا بَعَثَ مُعَاذًا وَأَبَا مُوسَى إلى الْيَمَنِ؛ قال لهما: ((يَسِّرَا ولا تُعَسِّرَا، وَبَشِّرَا ولا تُنَفِّرَا، وَتَطَاوَعَا ولا تَخْتَلِفَا) أخرجه البخاري ومسلم. وعن جابرِ بنِ عبدِاللهِ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ـ أنَّ النبيَّ ﷺ قال: إِنَّ اللَّهَ لم يَبْعَثْنِي مُعَنِّتًا، ولا مُتَعَنِّتًا؛ وَلَكِنْ بَعَثَنِي مُعَلِّمًا مُيَسِّرًا” أخرجه مسلم.

ومِن التخفيفِ في دينِنَا ما جاءَ في حديثِ جابِرِ بنِ عبدِ اللهِ رضِيَ اللهُ عنهما أنَّ مُعاذَ بنَ جَبَلٍ رضِيَ اللهُ عنه كانَ يُصَلِّي مع النَّبيِّ ﷺ العِشاءَ ، ثُمَّ يَأْتي قَوْمَهُ فيُصَلِّي بهِمُ الصَّلَاةَ، فَقَرَأَ بهِمُ البَقَرَةَ، قالَ: فَتَجَوَّزَ رَجُلٌ فَصَلَّى صَلَاةً خَفِيفَةً، فَبَلَغَ ذلكَ مُعَاذًا، فَقالَ: إنَّه مُنَافِقٌ، فَبَلَغَ ذلكَ الرَّجُلَ، فأتَى النَّبيَّ ﷺ فَقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، إنَّا قَوْمٌ نَعْمَلُ بأَيْدِينَا، ونَسْقِي بنَوَاضِحِنَا، وإنَّ مُعَاذًا صَلَّى بنَا البَارِحَةَ، فَقَرَأَ البَقَرَةَ، فَتَجَوَّزْتُ، فَزَعَمَ أنِّي مُنَافِقٌ، فَقالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: يا مُعَاذُ، أفَتَّانٌ أنْتَ؟! -ثَلَاثًا- اقْرَأْ: والشَّمْسِ وضُحَاهَا، وسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى، ونَحْوَهَا.

لذلك كان مِن هديِ الرسولِ ﷺ التخفيفُ في الصلاةِ. فَعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ، لاَ أَكَادُ أُدْرِكُ الصَّلاَةَ مِمَّا يُطَوِّلُ بِنَا فُلاَنٌ، فَمَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ فِي مَوْعِظَةٍ أَشَدَّ غَضَبًا مِنْ يَوْمِئِذٍ، فَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّكُمْ مُنَفِّرُونَ، فَمَنْ صَلَّى بِالنَّاسِ فَلْيُخَفِّفْ، فَإِنَّ فِيهِمُ المَرِيضَ وَالضَّعِيفَ وَذَا الحَاجَةِ».(متفق عليه).

ومِن التيسيرِ والتخفيفِ أنَّ بابَ اللهِ مفتوحٌ لا يغلقُ أبدًا، ففي سننِ الترمذيِّ أنَّ رَسُولَ الله يَقُولُ: “قَالَ اللَّهُ: يَا بْنَ آدَمَ، إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلا أُبَالِي، يَا بْنَ آدَمَ، لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي، غَفَرْتُ لَكَ وَلا أُبَالِي، يَا بْنَ آدَمَ، إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا، ثُمَّ لَقِيتَنِي لا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا، لأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً))، فأيُّ تيسيرٍ أكثرَ مِن أنْ يعلمَ الخاطئُ أنَّ بابَ التوبةِ مفتوحٌ على مصراعيهِ، وأنَّهُ إنْ بذلَ جُهدًا في التقرُّبِ إلى اللهِ، فإنَّ خالقَ الكونِ يتقرَّبُ إليهِ بأكثرَ مِمَّا يصنعُهُ العبدُ، فمهمَا عظُمَ جرمُ الإنسانِ وكَبُرَ ذنبُهُ، فبابُ التوبةِ مفتوحٌ، فاللهُ جلَّ وعلا لا يتعاظَمُهُ ذنب. وَعَنْ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ شَيْخٌ كَبِيرٌ يَدَّعِمُ عَلَى عَصًا لَهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ لِي غَدَرَاتٍ وَفَجَرَاتٍ، فَهَلْ يُغْفَرُ لِي؟ قَالَ: ((أَلَسْتَ تَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ؟))، قَالَ: بَلَى، وَأَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ، قَالَ صلى الله عليه وسلم: ((قَدْ غُفِرَ لَكَ غَدَرَاتُكَ وَفَجَرَاتُكَ))؛ [رواه أحمد) وفي رواية قال الرجلُ أرأيتَ مَن عملَ الذنوبَ كلَّهَا ولم يتركْ منها شيئًا وهو في ذلك لم يتركْ حاجةً ولاداجةً إلّا أتاهَا، فهل لذلك مِن توبةٍ ؟ قال : فهل أسلمتَ ؟ قال : أما أنَا فأشهدُ أنْ لا إله إلّا اللهُ، وأنّكَ رسولُ اللهِ قال : تفعلُ الخيراتِ، وتتركُ السيئاتِ، فيجعلهنَّ اللهُ لكَ خيراتٍ كلِّهنَّ قال وغَدَراتِي وفَجَراتِي ؟ قال : نعم، قال : اللهُ أكبرُ، فما زالَ يُكبِّرُ حتى تَوارَى.

فدينُنَا ليس دين التشددِ وليس دينَ التطرفِ وليس دينَ الإرهابِ، إنّمَا دينُ اليسرِ والسماحةِ دينُ الرحمةِ والرأفةِ ، دينُ التخفيفِ ورفعِ الحرجِ.
        أنا مُسلمٌ والسِّلمُ فِي وِجْدَانِي *** سِلْمًا مِن الإرهابِ والعُدْوَانِ

رَبِّي السَّلامُ تقَدَّسَتْ أسمَاؤُهُ *** ذُو الفَضلِ والإكرامِ والإحسَانِ

أقولُ قولِي هذا واستغفرُ اللهَ العظيمَ لِي ولكُم

الخطبةُ الثانية الحمدُ للهِ ولا حمدَ إلَّا لهُ وبسمِ اللهِ ولا يستعانُ إلَّا بهِ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ……… وبعدُ

العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : أَفَتَّانٌ أَنْتَ يَا مُعَاذُ؟! 

ثالثــــًا وأخيرًا: لا تغترْ بنفسِكَ فتهلك!!!

أيُّها السادةُ: الكبرُ والغرورُ طريقُ الهلاكِ في الدنيا والأخرةِ، خُلُقٌ شَيْطَانِيٌّ ذَمِيمٌ، وَخَصْلَةٌ مِنْ قَبِيحِ الْخِصَالِ، دَاءٌ يُصِيبُ صَاحِبَهُ بِالتِّيهِ وَالْعَجَبِ وَالْغُرُورِ، فَلَا يرى إلّا نَفْسَهُ، وَلَا يرى لِأَحَدٍ فَضْلاً وَلَا مَكَانَةً، دَاءٌ يَصُدُّ صَاحِبَهُ عَنِ الْحَقِّ وَيَجُرُّهُ إِلَى الْمَهَالِكِ.. ذَلِكُمْ -عِبَادَ اللَّهِ- هُوَ دَاءُ الْكِبْرِ، وَمَا أَدْرَاكُمْ مَا الْكِبْرُ؛ دَاءٌ ابْتُلِيَ بِهِ بَعْضُ النَّاسِ، فَعَمِيَتْ بِسَبَبِهِ الْأَبْصارُ عَنِ الْحَقِّ فَلَا تُبْصِرُهُ.. خُلُقٌ يُزَيِّنُهُ الشَّيْطَانُ لِضُعفَاءِ وَمرْضَى النُّفُوسِ فَيَنْفُخُ فِيهِمْ حَتَّى يَنْتَفِخَ أحَدُهُمْ وَيَرْتَفِعَ كَالْبَالُونِ؛ فَتَتَلَاعَبُ بِهِمُ الأَهْوَاءُ وَيَكُونُونَ عُرْضَةً لِلسُّقُوطِ وَالتَّلاشِي فِي أَيِّ لَحْظَةٍ.

الْكِبْرُ كَبِيرَةٌ مِنْ كَبائرِ الذُّنُوبِ، وَهُوَ مِنْ أَوَّلِ الذُّنُوبِ وَالْمَعَاصِي الَّتِي ارْتُكِبَتْ فِي حَقِّ اللَّهِ تَبَاركَ وَتَعَالَى، قَالَ اللهُ تَعَالَى مُبَيِّنًا سَبَبَ امْتِناعِ إبْلِيسَ عَنِ السُّجُودِ لِآدَمَ: ﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ ﴾ (البقرة: 34]، وَإمَامُ الْمُتَكَبِّرِينَ وَقُدْوَتُهُمْ فِي ذَلِكَ عَدُوُّ الْبَشَرِيَّةِ: إِبْلِيسُ، أَعَاذَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ مِنْ شَرِّهِ وَمَكْرِهِ؛ حَيْثُ رَدَّ الْحَقَّ حِينَ جَاءَهُ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَرَأَى مِن نَفْسِهِ الأَفْضَليةِ، وَقَالَ قَوْلَتَهُ الَّتِي مِلْؤُهَا التَّكَبُّرُ الْعَفِنُ الأنا: ﴿ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ﴾ (الأعراف: 12(فأصبحَ شيطانًا رجيمًا، فإيّاكَ ثمّ إيّاكَ أنْ تغترَّ بنفسِكَ فتهلكَ إيَّاكَ ثمَّ إيَّاكَ أنْ تغترَّ بعملِكَ فتندمَ، ولا تنسَ نفسَكَ يا عبدَ اللهِ: فهل عرفتَ أصلَكَ؟ وكيف خلقَكَ؟ قال جلَّ وعلا: ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ ) ما  أصلُكَ ؟ ما فصلُكَ  ؟

أصلُكَ يا ابنَ آدمَ مِن ترابٍ  ***وفصلُكَ يا ابنَ آدمَ مِن نطفةٍ

أصلُكَ يا ابنَ آدمَ يوطأُ بالأقدامِ ***وفصلُكَ تطهرُ منهُ الأبدانُ

( يَا أَيُّهَا الإنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ (8)، بَصَقَ النَّبِيَّ يَوْمًا فِي كَفِّهِ فَوَضَعَ عَلَيْهَا أُصْبُعَهُ ثُمَّ قَالَ قَالَ اللَّهُ ابْنَ آدَمَ أَنَّى تُعْجِزُنِي وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ مِثْلِ هَذِهِ حَتَّى إِذَا سَوَّيْتُكَ وَعَدَلْتُكَ مَشَيْتَ بَيْنَ بُرْدَيْنِ وَلِلْأَرْضِ مِنْكَ وَئِيدٌ فَجَمَعْتَ وَمَنَعْتَ حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ التَّرَاقِيَ قُلْتَ أَتَصَدَّقُ  َأَنَّى أَوَانُ الصَّدَقَةِ)  ماذا تعرفُ عن نفسِك ؟ تحملُ البولَ في مثانتِك،  والمخاطَ في أنفِك، والبزاقَ في فمِك، والوسخَ في أذنِك، والدمَ في عروقِك، وتغسلُ الغائطَ بيدِكَ كلَّ يومٍ .يا ابنَ آدمَ أولُكَ نطفةٌ قذرة، وآخرُكَ جيفةٌ قذرة، وأنت بين ذلك تحملُ العذرةَ. قال الأحنفُ: عجبتُ لِمَن يجرِي في مجرَى البولِ مرتينِ، كيف يتكبرُ؟ بل لقد أرسلَ الصديقُ رضي اللهُ عنه إلي كسرَي، عندما رآهُ يتكبرُ قائلًا له يا كسري كيف تتكبرُ علي اللهِ ؟ وقد خرجتَ مِن مجرَي البولِ مرتين، مرةً ماءًا مهينًا، ومرةً طفلًا صغيرًا

يَا مُدعي الْكِبْرَ إعْجَابًا بِصُورَتِهِ *** اُنْظُرْ خَلاَكَ فَإِنَّ النَّتْنَ تَثْرِيبُ

لَوْ فَكَّرَ النَّاسُ فِيمَا فِي بُطُونِهِمْ *** مَا اسْتَشْعَرَ الْكِبْرَ شُبَّانٌ وَلاَ شِيبُ

فيا هذا الأعمارُ مهما طالَتْ فهي قصيرةٌ، والدنيا مهما طابتْ فهي يسيرةٌ، واليوم عملٌ ولا حساب، وغدًا حسابٌ ولا عمل.. الكيِّسُ من دانَ نفسَهُ، وعمِلَ لما بعدَ الموتِ، والعاجِزُ من أتبعَ نفسَهُ هواها، وتمنَّى على اللهِ الأماني. فهل مِن مستغفرٍ قبلَ فواتِ الأوانِ ؟ هل مِن مستغفرٍ قبلَ حلولِ الأجلِ ؟ فالبدارَ البدارَ بالتوبةِ والعودةِ إلى علامِ الغيوبِ وستيرِ العيوبِ، فاللهُ كريمٌ يقبلُ توبةَ التائبين ، ويغفرُ ذنوبَ المستغفرين ..ويمحُو سيئاتِ النادمين ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا) [سورة التحريم (8) فالبدارَ البدارَ باغتنام الأيامِ والساعاتِ والأنفاسِ قبلَ أنْ يأتِيَ يومٌ لا ينفعُ فيه الندمُ. قبلَ أنْ يأتيَ يومٌ ويقولُ المرءُ منّا: أُريدُ أنْ أرجعَ إلى الدنيا فأعمل صالحًا، فالغنيمةَ الغنيمةَ قبلَ انقضاءِ الأعمارِ، والمبادرةَ المبادرةَ بالعملِ قبلَ انتهاءِ الأعمالِ، والعجلَ العجلَ قبلَ هجومِ الأجل، وقبلَ أنْ يندمَ المفرّطُ على ما فعلَ، وقبلَ أنْ يسألَ الرجعةَ فلا يُجابُ إلى ما سأل، قبلَ أنْ يحولَ الموتُ بينَ المؤمِّلِ وبلوغِ الأملِ، قبلَ أنْ يصيرَ المرءُ محبوسًا في حفرتهِ بمَا قدَّمَ مِن عملٍ، فبادرْ قبلَ أنْ تبادر، بادرْ بالتوبةِ والرجوعِ إلى علامِ الغيوبِ وستيرِ العيوبِ والتخلصِ  مِنْ كُلِّ الْمَعَاصِي جُمْلَةً وَتَفْصِيلًا، فإذا اجتمعَ للمسلمِ توبةٌ نصوحٌ مع أعمالٍ فاضلةٍ في أزمنةٍ فاضلةٍ فهذا عنوانُ الفلاحِ. قال تعالى: (فَأَمَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَىٰ أَن يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ) (القصص:67)، و بابُ التوبةِ مفتوحٌ لا يغلقُ أبدًا في كلِّ وقتٍ وحينٍ ما لم تطلعْ الشمسُ مِن مغربِهَا وما لم تصلْ الروحُ إلى الحلقومِ كما قالَ النبيُّ المختارُ ﷺ في حديثِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ:( إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ)، رواه الترمذي. وأبشرْ: فما دمتَ في وقتِ المهلةِ فبابُ التوبةِ مفتوحٌ لقولِ المصطفَي ﷺ: (إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا ) رواه مسلم ، فالبدارَ البدارَ بالاستغفارِ قبلَ فواتِ الأوانِ واسمعْ إلى العزيزِ الغفارِ وهو ينادِى (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)) [الزمر:53)

يا رَبِّ إِن عَظُمَت ذُنوبي كَثرَةً *** فَلَقَد عَلِمتُ بِأَنَّ عَفوَكَ أَعظَمُ

إِن كانَ لا يَرجوكَ إِلّا مُحسِنٌ ***فَبِمَن يَلوذُ وَيَستَجيرُ المُجرِمُ

ما لي إِلَيكَ وَسيلَةٌ إِلا الرَجا ***وَجَميلُ عَفوِكَ ثُمَّ أَنّي مُسلِمُ

حفظَ اللهُ مصرَ قيادة وشعبًا مِن كيدِ الكائدين، وشرِّ الفاسدين وحقدِ الحاقدين، ومكرِ الـماكرين، واعتداءِ الـمعتدين، وإرجافِ الـمُرجفين، وخيانةِ الخائنين.

                              كتبه العبد الفقير إلى عفو ربه

                                      د. محمد حرز

_______________________________

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة

 

تابعنا علي الفيس بوك

 

الخطبة المسموعة علي اليوتيوب

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات

 

للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة

 

للمزيد عن أخبار الأوقاف

 

للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف

 

للمزيد عن مسابقات الأوقاف

اظهر المزيد

كتب: د.أحمد رمضان

الدكتور أحمد رمضان حاصل علي الماجستير من جامعة الأزهر بتقدير ممتاز سنة 2005م ، وحاصل علي الدكتوراه بتقدير مع مرتبة الشرف الأولي من جامعة الأزهر الشريف سنة 2017م. مؤسس جريدة صوت الدعاة ورئيس التحرير وكاتب الأخبار والمقالات المهمة بالجريدة، ويعمل بالجريدة منذ 2013 إلي اليوم. حاصل علي دورة التميز الصحفي، وقام بتدريب عدد من الصحفيين بالجريدة. للتواصل مع رئيس التحرير على الإيميل التالي: [email protected] رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) للمزيد عن الدكتور أحمد رمضان رئيس التحرير أضغط في القائمة علي رئيس التحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »