الدرس الخامس عشر والأخير: الفداء والتضحية ، للدكتور خالد بدير
سلسلة دروس وعبر من هجرة سيد البشر ﷺ الدرس الخامس عشر والأخير: الفداء والتضحية ، للدكتور خالد بدير
لتحميل سلسلة دروس وعبر من هجرة سيد البشر ﷺ الدرس الخامس عشر والأخير: الفداء والتضحية ، للدكتور خالد بدير ، بصيغة word أضغط هنا.
لتحميل سلسلة دروس وعبر من هجرة سيد البشر ﷺ الدرس الخامس عشر والأخير: الفداء والتضحية ، للدكتور خالد بدير ، بصيغة pdf أضغط هنا.
وللإطلاع علي سلسلة دروس وعبر من هجرة سيد البشر ﷺ الدرسُ الأولُ: الإخلاصُ والتحذيرُ من الرياء ، للدكتور خالد بدير
وللإطلاع علي سلسلة دروس وعبر من هجرة سيد البشر ﷺ الدرس الثاني: التخطيط ودوره في بناء المجتمع ، للدكتور خالد بدير
وللإطلاع علي سلسلة دروس وعبر من هجرة سيد البشر ﷺ الدرس الثالث : الأخذ بالأسباب مع التوكل على الله تعالى ، للدكتور خالد بدير
وللإطلاع علي سلسلة دروس وعبر من هجرة سيد البشر ﷺ الدرس الرابع : السعي على الرزق والكسب ، للدكتور خالد بدير
وللإطلاع علي سلسلة دروس وعبر من هجرة سيد البشر ﷺ الدرس الخامس : نشأة التاريخ الهجري ، للدكتور خالد بدير
وللإطلاع علي سلسلة دروس وعبر من هجرة سيد البشر ﷺ الدرس السادس : مكانة المسجد وعلاقته بالهجرة ، للدكتور خالد بدير
وللإطلاع علي سلسلة دروس وعبر من هجرة سيد البشر ﷺ الدرس السابع : حسن الصحبة ، للدكتور خالد بدير
وللإطلاع علي سلسلة دروس وعبر من هجرة سيد البشر ﷺ الدرس الثامن : حفظ الأمانات ، للدكتور خالد بدير
وللإطلاع علي سلسلة دروس وعبر من هجرة سيد البشر ﷺ الدرس التاسع : الهجرة وترك التهاجر والتناحر ، للدكتور خالد بدير
وللإطلاع علي سلسلة دروس وعبر من هجرة سيد البشر ﷺ الدرس العاشر : يوم عاشوراء فضائل وأحكام ، للدكتور خالد بدير
وللإطلاع علي سلسلة دروس وعبر من هجرة سيد البشر ﷺ الدرس الحادي عشر : معاني وأنواع الهجرة في ضوء القرآن والسنة ، للدكتور خالد بدير
وللإطلاع علي سلسلة دروس وعبر من هجرة سيد البشر ﷺ الدرس الثاني عشر : من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه ، للدكتور خالد بدير
وللإطلاع علي سلسلة دروس وعبر من هجرة سيد البشر ﷺ الدرس الثالث عشر: الهجرة وحب الأوطان ، للدكتور خالد بدير
وللإطلاع علي سلسلة دروس وعبر من هجرة سيد البشر ﷺ الدرس الرابع عشر: معية الله تعالى لرسوله ﷺ ، للدكتور خالد بدير
ولقراءة سلسلة دروس وعبر من هجرة سيد البشر ﷺ
سلسلة دروس وعبر من هجرة سيد البشر ﷺ
الدرس الخامس عشر والأخير: الفداء والتضحية
لقد برزت في هجرة الرسول ﷺ وأصحابه الكرام نماذج من التضحية لا مثيل لها في التاريخ.
فالهجرة بحد ذاتها، نوع من أرقى أنواع التضحية، لا يعرفها إلا من ذاقها، ولا يستشعرها إلا من مارسها .
فهذا رسولُ الله ﷺ والذي ضرب أروع الأمثلة في الفداء والتضحية، يضطرُّ إلى مغادرة بلده الذي وُلِد فيه وترعرع، وترك أقرباءه وعشيرته، فقال وهو يغادرها بِنَبْرة من الحزنِ: ((واللهِ إنَّك لَخيْر أرْض الله، وأحبُّ أرْض الله إلى الله، ولوْلا أنِّي أُخْرِجْت منْك ما خرجْتُ))؛ ” الترمذي”.
فقد أتى جبريلُ عَلَيْهِ السِّلَامُ رسولَ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: لَا تَبِتْ هَذِهِ اللَّيْلَةَ عَلَى فراشِك الَّذِي كنتَ تَبِيتُ عَلَيْهِ، قَالَ: فَلَمَّا كَانَتْ عَتْمَة مِنْ اللَّيْلِ اجْتَمَعُوا عَلَى بَابِهِ يَرْصُدُونَهُ مَتَى يَنَامُ، فَيَثِبُونَ عَلَيْهِ؟ فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَكَانَهُمْ، قَالَ لعليِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: نَمْ عَلَى فِرَاشِي وتَسَجَّ بِبُرْدي هَذَا الحَضْرمي الْأَخْضَرِ، فَنَمْ فِيهِ، فَإِنَّهُ لَنْ يَخْلُص إلَيْكَ شَيْءٌ تَكْرَهُهُ مِنْهُمْ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَنَامُ فِي بُرْدِه ذَلِكَ إذَا نَامَ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي يَزِيدُ بن زياد، عن محمد بن كعب القُرظي قَالَ: لَمَّا اجْتَمَعُوا لَهُ، وَفِيهِمْ أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ، فَقَالَ وَهُمْ عَلَى بَابِهِ: إنَّ مُحَمَّدًا يزعُم أَنَّكُمْ إنْ تَابَعْتُمُوهُ عَلَى أَمْرِهِ، كُنْتُمْ مُلُوكَ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ، ثُمَّ بُعثتم مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ، فجُعلت لَكُمْ جِنان كَجِنَانِ الْأُرْدُنِّ، وَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا كَانَ لَهُ فِيكُمْ ذَبْح، ثُمَّ بُعثتم مِنْ بعدِ مَوْتِكُمْ، ثُمَّ جُعلت لَكُمْ نَارٌ تُحرقون فِيهَا. قَالَ: وَخَرَجَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَأَخَذَ حَفْنَةً مِنْ تُراب فِي يَدِهِ، ثُمَّ قَالَ: أَنَا أَقُولُ ذَلِكَ، أنتَ أحدُهم. وَأَخَذَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى أبصارِهم عَنْهُ، فَلَا يَرَوْنَه، فَجَعَلَ يَنثرُ ذَلِكَ الترابَ عَلَى رءوسِهم وَهُوَ يَتْلُو هؤلاءِ الْآيَاتِ مِنْ يس: {يس، وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ، إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ، عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ} إلَى قَوْلِهِ: {فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ} [يس: 9] حَتَّى فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنْ هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ، وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ رجل إلا قد وَضَعَ عَلَى رَأْسِهِ تُرَابًا، ثُمَّ انْصَرَفَ إلَى حَيْثُ أَرَادَ أَنْ يذهبَ، فَأَتَاهُمْ آتٍ مِمَّنْ لم يكن معهم، فقال: ما تنتظرون ههنا؟ قَالُوا: مُحَمَّدًا: قَالَ: خَيَّبَكُمْ اللَّهُ! قَدْ وَاَللَّهِ خَرَجَ عَلَيْكُمْ مُحَمَّدٌ، ثُمَّ مَا تَرَكَ مِنْكُمْ رَجُلًا إلَّا وَقَدْ وَضَعَ عَلَى رأسِهِ تُرَابًا، وَانْطَلَقَ لِحَاجَتِهِ، أَفَمَا تَرَوْنَ مَا بِكُمْ؟ قَالَ: فَوَضَعَ كلُّ رجلٍ مِنْهُمْ يدَه عَلَى رأسِه، فَإِذَا عَلَيْهِ ترابٌ ثُمَّ جَعَلُوا يتطلَّعون فَيَروْن عَلِيًّا عَلَى الْفِرَاشِ مُتَسَجِّيًا بِبُرْد رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَيَقُولُونَ: وَاَللَّهِ إنَّ هذا لمحمد نائم عَلَيْهِ بُرْدُه. فَلَمْ يَبْرَحُوا كَذَلِكَ حَتَّى أَصْبَحُوا فَقَامَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ الْفِرَاشِ فَقَالُوا: وَاَللَّهِ لَقَدْ كَانَ صدَّقنا الَّذِي حَدَّثَنَا. (سيرة ابن هشام).
ومن نماذج التضحية في الهجرة التضحية بالمال، ويتجلى ذلك فيما فعله الصديق رضي الله عنه حين أخذ ماله كله ولم يترك لآل بيته منه شيئا، قالت أسماء بنت الصديق رضي الله عنها: “لما خرج رسول الله ﷺ، وخرج أبو بكر معه، احتمل أبو بكر ماله كله، وكان خمسة آلاف أو ستة آلاف درهم، فانطلق به معه. قالت: فدخل علينا جدي أبو قحافة، وقد ذهب بصره، فقال: والله إني لأراه قد فجعكم بماله مع نفسه! قالت: قلت: كلا يا أبت! إنه قد ترك لنا خيراً كثيراً، قالت: فأخذت أحجاراً، فوضعتها في كوة في البيت، التي كان أبي يضع أمواله فيها، ثم وضعت عليها ثوباً، ثم أخذت بيده، فقلت: يا أبت، ضع يدك على هذا المال! قالت: فوضع يده عليه، فقال: لا بأس، إذا ترك لكم هذا فقد أحسن وفي هذا بلاغ لكم! ولا والله ما ترك لنا أبي شيئاً، ولكنني أردت أن أسكّن الشيخ.
وهذا صهيب الرومي يضحي بماله كله في سبيل الله تعالى. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَذُكِرَ لِي عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ صُهَيْبًا حَيْنَ أَرَادَ الْهِجْرَةَ قَالَ لَهُ كُفَّارُ قُرَيْشٍ: أَتَيْتنَا صُعْلُوكًا حَقِيرًا، فَكَثُرَ مَالُكَ عِنْدَنَا، وَبَلَغْتَ الَّذِي بَلَغْتَ، ثُمَّ تُرِيدُ أَنْ تَخْرُجَ بِمَالِكَ وَنَفْسِكَ، وَاَللَّهِ لَا يَكُونُ ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُمْ صُهَيْبٌ: أَرَأَيْتُمْ إنْ جَعَلْتُ لَكُمْ مَالِي أَتُخْلُونَ سَبِيلِي؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: فَإِنِّي جَعَلْتُ لَكُمْ مَالِي. قَالَ: فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ: رَبِحَ صُهَيْبٌ، رَبِحَ صُهَيْبٌ.
وهذه أم سلمة رضي الله عنها أوذيت هي وزوجها وابنها إيذاءً شديدا في الهجرة. فعن أُمِّ سَلَمَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ، قَالَتْ: لَمَّا أَجْمَعَ أَبُو سَلَمَةَ الْخُرُوجَ إلَى الْمَدِينَةِ رَحَلَ لِي بَعِيرَهُ ثُمَّ حَمَلَنِي عَلَيْهِ، وَحَمَلَ مَعِي ابْنِي سَلَمَةَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ فِي حِجْرِي، ثُمَّ خَرَجَ بِي يَقُودُ بِي بَعِيرَهُ، فَلَمَّا رَأَتْهُ رِجَالُ بَنِي الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ قَامُوا إلَيْهِ، فَقَالُوا هَذِهِ نَفْسُكَ غَلَبْتنَا عَلَيْهَا، أَرَأَيْتَ صَاحِبَتَكَ هَذِهِ؟ عَلَامَ نَتْرُكُكَ تَسِيرُ بِهَا فِي الْبِلَادِ؟ قَالَتْ: فَنَزَعُوا خِطَامَ الْبَعِيرِ مِنْ يَدِهِ، فَأَخَذُونِي مِنْهُ. قَالَتْ: وَغَضِبَ عِنْدَ ذَلِكَ بَنُو عَبْدِ الْأَسَدِ، رَهْطُ أَبِي سَلَمَةَ، فَقَالُوا: لَا وَاَللَّهِ، لَا نَتْرُكُ ابْنَنَا عِنْدَهَا إذْ نَزَعْتُمُوهَا مِنْ صَاحِبِنَا. قَالَتْ: فَتَجَاذَبُوا بَنِي سَلِمَةَ بَيْنَهُمْ حَتَّى خَلَعُوا يَدَهُ، وَانْطَلَقَ بِهِ بَنُو عَبْدِ الْأَسَدِ، وَحَبَسَنِي بَنُو الْمُغِيرَةِ عِنْدَهُمْ، وَانْطَلَقَ زَوْجِي أَبُو سَلَمَةَ إلَى الْمَدِينَةِ. قَالَتْ: فَفَرَّقَ بَيْنِي وَبَيْنَ زَوْجِي وَبَيْنَ ابْنِي. قَالَتْ: فَكُنْتُ أَخْرُجُ كُلَّ غَدَاةٍ فَأَجْلِسُ بِالْأَبْطُحِ، فَمَا أَزَالُ أَبْكِي، حَتَّى أَمْسَى سَنَةً أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا حَتَّى مَرَّ بِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَمِّي، أَحَدُ بَنِي الْمُغِيرَةِ، فَرَأَى مَا بِي فَرَحِمَنِي فَقَالَ لِبَنِي الْمُغِيرَةِ: أَلَا تُخْرِجُونَ هَذِهِ الْمِسْكِينَةَ، فَرَّقْتُمْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا وَبَيْنَ وَلَدِهَا! قَالَتْ: فَقَالُوا لِي: الْحَقِي بِزَوْجِكَ إنْ شِئْتِ. قَالَتْ: وَرَدَّ بَنُو عَبْدِ الْأَسَدِ إلَيَّ عِنْدَ ذَلِكَ ابْنِي. قَالَتْ: فَارْتَحَلْتُ بَعِيرِي ثُمَّ أَخَذْتُ ابْنِي فَوَضَعْتُهُ فِي حِجْرِي، ثُمَّ خَرَجْتُ أُرِيدُ زَوْجِي بِالْمَدِينَةِ. (سيرة ابن هشام)
وفي الجملة فإن المهاجرين بصفة عامة قد تركوا الوطن والبيت والمال، وقد قال الله فيهم: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ}(الحشر: 8).
تلكم أيها الأحبة الكرام مشاهد قليلة من ملحمة الحب والتضحية التي سطّرها أسلافنا الكرام من الصحابة الأخيار حين دعاهم رسول الله ﷺ إلى الهجرة.. ما تهاونوا وما تراخوا في تلبية النداء، وما بخلوا بأنفسهم ولا بأموالهم في سبيل نصرة نبيهم، وما كبلتهم عواطفهم نحو أهليهم وأبنائهم وبلدانهم، ولا حالت بينهم وبين الانطلاق إلى طيبة المباركة. فهلا سرنا على خطى هؤلاء الأحبة، وهلا تحررنا من قيود الدنيا وفتنها لننطلق بصدق وثبات منتصرين لهذا الدين، عاملين على استعادة المجد والتمكين.
إن للتضحيات دوراً كبيراً في بناء الأمم ونهضتها والحصول على حريتها. ما أكثر من يموت لكن شتان بين من يموت على فراشه أو في سبيل شهواته وبين مَنْ يموت في سبيل دينه وعقيدته وحريته دفاعًا عن وطنه، هذه هي التضحية التي نريدها بذل النفس والمال والوقت والحياة وكل شيء في سبيل الغاية، وليس في الدنيا جهاد لا تضحية معه.
نسال الله أن يجعلنا من أهل الفداء والتضحية، وأن يحفظ مصرنا من كل مكروه وسوء .
كتبه : خادم الدعوة الإسلامية
د / خالد بدير بدوي
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف