خطبة الجمعة القادمة بعنوان : لا تحزن إن الله معنا ، للدكتور محمد حرز
خطبة الجمعة القادمة بعنوان : لا تحزن إن الله معنا ، للدكتور محمد حرز ، بتاريخ 6 محرم 1445هـ ، الموافق 12 يوليو 2024م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 12 يوليو 2024م بصيغة word بعنوان : لا تحزن إن الله معنا ، للدكتور محمد حرز.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 12 يوليو 2024م بصيغة pdf بعنوان : لا تحزن إن الله معنا ، للدكتور محمد حرز.
عناصر خطبة الجمعة القادمة 12 يوليو 2024م بعنوان : لا تحزن إن الله معنا.
أولًا: إيَّاكَ والحزنَ، فربُّكَ الرحمنُ الرحيمُ .
ثانيــــًا: معيةُ اللهِ تكفيكَ!!!.
ثالثــــًا: كيفَ تكسبُ معيةَ اللهِ الخاصةَ؟
رابعًا وأخيرًا :خابَ وخسرَ مَن لم يكنْ في معيةِ اللهِ جلَّ وعلا !!!
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 12 يوليو 2024م بعنوان : لا تحزن إن الله معنا : كما يلي:
لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا
د. محمد حرز بتاريخ: 6 من المحرم 1446هــ– 12 يوليو 2024م
الحمدُ للهِ، القائلِ في محكمِ التنزيلِ: ﴿ إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ﴾ التوبة: 40، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلّا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ له، وَأشهدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، كان مِن دعائِهِ ﷺ أنَّهُ يستعيذُ باللهِ مِن الحَزَنِ فيقولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الْجُبْنِ وَالْبُخْلِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ الدَّيْنِ وَقَهْرِ الرِّجَالِ)، فاللهُمَّ صلِّ وسلمْ وزدْ وباركْ على النبيِّ المختارِ وعلى آلهِ وصحبهِ الأطهارِ وسلمْ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدينِ. أمَّا بعدُ …..فأوصيكُم ونفسِي أيُّها الأخيارُ بتقوى العزيزِ الغفارِ { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } (آل عمران :102).
عبادَ الله ) : لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا)، عنوانُ وزارتِنَا وعنوانُ خطبتِنَا.
عناصرُ اللقاءِ:
أولًا: إيَّاكَ والحزنَ، فربُّكَ الرحمنُ الرحيمُ .
ثانيــــًا: معيةُ اللهِ تكفيكَ!!!.
ثالثــــًا: كيفَ تكسبُ معيةَ اللهِ الخاصةَ؟
رابعًا وأخيرًا :خابَ وخسرَ مَن لم يكنْ في معيةِ اللهِ جلَّ وعلا !!!
أيُّها السادةُ : بدايةً ما أحوجنَا في هذه الدقائقِ المعدودةِ إلي أنْ يكونَ حديثُنَا عن: لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا، وخاصةً والأمةُ الإسلاميةُ في مشارقِ الأرضِ ومغاربِها تحتفلُ بذكرى هجرةِ المصطفَى العدنانِ ﷺ، وخاصةً وكلمةُ )لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَ (، يحتاجُهَا المسلمُ كلَّ آنٍ، فإذا تكاثفَ همُّكَ، وكثرَ غمُّكَ، وتضاعفَ حزنُكَ فقلْ لقلبِكَ: {لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا}. وإذا غلبك الدَّينُ، أضعفَكُ الفقرُ، وشواكَ العدمُ، فقلْ لقلبِكَ: {لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا}، وإذا هزّتْكَ الأزمانُ، وطوّقتْكَ الحوادثُ، وحلّتْ بكَ الكُرُباتُ ، فقلْ لقلبِكَ: إنَّ اللهَ معنَا ، وخاصةً ونحن نعيشُ زمانًا الأزماتُ فيه متلاحقةٌ والأوبئةُ فيهِ منتشرةٌ والمصائبُ فيهِ متتاليةٌ والأسعارُ مرتفعةٌ وضاقتْ الدنيَا في عيونِ الكثيرِ مِن الناسِ إلَّا ما رحمَ اللهُ جلّ وعلا، وخاصةً وأنّ الإنسانَ في هذه الدنيا متقلبُ الأحوالِ، بين صحةٍ ومرضٍ، وسعادةٍ وحزنٍ، وغنَى وفقرٍ، وخوفٍ وأمنٍ، وجوعٍ وشبعٍ، وشدةٍ وفرجٍ، ولكنّ هذه الشدةَ لا تدومُ بل (سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا)) (الطلاق: 7 )، ومهما عظمتْ مصيبتُكَ، وكبرَ همُّكَ، وازدادَ غمُّكَ، فاعلمْ أنَّ مع العسرِ يُسرًا، ومع الكربِ فرجًا. ولله درُّ القائلِ:
إذا ابتليتَ بمحنةٍ فاصبرْ لهَا *** صبرَ الكريمِ فإنَّ ذلك أسلمُ
وإذا ابتليتَ بكربةٍ فالبسْ لهَا *** ثوبَ السكوتِ فإنَّ ذلك أسلمُ
لا تشكونَّ إلى العبادِ فإنَّمَا *** تشكو الرحيمَ إلى الذي لا يرحمُ
العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : لا تحزن إن الله معنا
أولًا: إياكَ والحزنَ، فربُّكَ الرحمنُ الرحيمُ.
أيُّها السادةُ: مِمَّا لا شكَّ فيهِ أَنَّ الحَزَنَ لا بُدَّ وأَن يُصِيبَ العَبدَ في هَذِهِ الحَيَاةِ، وَأَنَّ الدُّنيَا لَيسَت بِدَارِ سَعَادَةٍ كَامِلَةٍ، وَلا يَذُوقُ فِيهَا العَبدُ رَاحَةً تَامَّةً، قالَ جلَّ وعلا: ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ ﴾ البلد: 4.وللهِ درُّ القائلِ:
ثَمَانِيَةٌ تَجرِي عَلَى النَّاسِ كُلِّهِم *** وَلا بُدَّ لِلإِنسَانِ يَلقَى الثَّمَانِيَة
سُرُورٌ وَحُزنٌ وَاجتِمَاعٌ وَفُرقَةٌ *** وَيُسرٌ وَعُسرٌ ثُمَّ سُقمٌ وَعَافِيَة
لذا إِذَا دَخَلَ أَهلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ وَاستَقَرُّوا فِيهَا، فَإِنَّ مِن أَوَّلِ دُعَائِهِم مَا ذَكَرَهُ اللهُ – تَعَالى – عَنهُم حَيثُ قَالَ :﴿ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ ﴾ فاطر 34، وكيفَ لا ؟ والهمومُ والأحزانُ مِن أكبرِ أعداءِ صحةِ المسلمِ، قال ابنُ القيمِ -رحمَهُ اللهُ-: ( أَرْبَعَةٌ تَهْدِمُ الْبَدَنَ: الْهَمُّ، وَالْحُزْنُ، وَالْجُوعُ، وَالسَّهَرُ)، والهمومُ والأحزانُ يُضْعِفَانِ الْعَزمَ وَيُوهِنَانِ الْقَلبَ، وكلُّ إنسانٍ عندَهُ همومٌ وأحزانٌ، فلا أحدَ يسلمُ منهَا البتةَ، قالَ اللهُ تعالي: { الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت: 1 – 3، لذا لا تقلْ يا ربّ عندِي همٌّ كبيرٌ ولك قلْ يا همُّ عندِي ربٌّ كبيرٌ، وك على يقينٍ أنَّ الدنيا دارُ ابتلاءٍ واختبارٍ، وأنَّ الأجرَ على قدرِ المشقةِ، إِنَّهَا الحَقِيقَةُ الَّتي تُهَوِّنُ كُلَّ المَصَائِبِ والهمومِ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنهما-: عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: ( مَا يُصِيبُ المُسْلِمَ، مِنْ نَصَبٍ وَلاَ وَصَبٍ، وَلاَ هَمٍّ وَلاَ حُزْنٍ وَلاَ أَذًى وَلاَ غَمٍّ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاه،( وعنْ صُهَيْبٍ -رضي الله عنه-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: (عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ).وعندما يَحُلُّ شهرُ اللهِ المُحرَّمُ، يتذكَّرُ المسلمون ذلك الحدثَ العظيمَ، ذلكم الحدثُ الذي قلَبَ موازينَ التاريخِ، وغيَّرَ وجهَ البشريَّةِ، إنَّهُ حادثُ الهجرةِ النبويةِ المباركةِ، مِن مكَّةَ المشرَّفةِ إلى المدينةِ النبويَّةِ، الهجرةُ.. هذا الحدَثُ الجليلُ الذي قضَى اللهُ جلَّ جلالُه أنْ يكونَ بدايةَ مِيلادِ دَولةِ الإسلامِ الأولَى، أعلنَهَا النبيُّ المختارُ ﷺ صراحةً لا تحزنْ إنَّ اللهَ معنَا فنجَّاهُ اللهُ وصاحبَهُ مِن الهلاكِ عندمَا كان في الغارِ وجاءَ أبو جهلٍ والقومُ معهُ ووقفُوا أمامَ بابِ الغار، وهنا دارَ حوارٌ هامسٌ خفيٌّ بينَ الصدِّيقِ الخائفِ على النبيِّ ﷺ أكثرَ مِن خوفهِ على نفسهِ، يا رسولَ اللهِ لو أنَّ أحدَهُم نظرَ إلى قدميهِ لرآنَا، فيردُّ عليهِ الحبيبُ ﷺ بلغةٍ يحدُوهَا الأملُ، وبقلبٍ يملأهُ اليقينُ. « يا أبَا بكرٍ ما ظنُّكَ باثنينِ اللهُ ثالثهُمَا » يا أبَا بكرٍ « لا تحزنْ إنَّ اللهَ معنَا» رواه البخاري. اللهُ أكبرُ فو اللهِ ثمَّ واللهِ لو جمعَ أبو جهلٍ الأحياءَ كلَّهُم بل إنْ شئتَ وأخرجَ الأمواتَ مِن قبورِهِم يسحبونَ أكفانَهُم خلفَ أبِي جهلٍ يقلبونَ معه حجارةَ الأرضِ، ويزحزحونَ الجبالَ عن أماكنِهَا، وينقبونَ في الرمالِ، ما وصلُوا إلي اثنينِ اللهُ ثالثهُمَا (، إلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) سورة التوبة، وأيُّ معيّةٍ تعدِلُ معيةَ اللهِ ؟ إنَّها الحِصنُ الحَصينُ مِن كُلِّ الغوائِلِ، والعدّةُ في كلِّ شدةٍ، والدّرعُ الواقِي مِن سهامِ البوائِقِ والشّرورِ، لكنَّ هذه المعيّةَ الخاصّةَ التي تكونُ بالتّأييدِ والتّوفيقِ والحِفظِ والمعونةِ والنّصرِ إنَّما جعلَهَا اللهُ تعالى لأوليائِهِ المتّقين المحسِنين. يا أبَا بكرٍ! اهجرْ همَّكَ، وأزلْ غمَّكَ، واطردْ حزنَكَ، وانسَ يأسَكَ؛ لأنّ اللهَ معنَا.
يا أبَا بكرِ! ارفعْ رأسَكَ، وهدّئْ مِن روعِكَ، وأرحْ قلبَكَ؛ لأنَّ اللهَ معنَا.
يا أبَا بكرٍ! أبشرْ بالفوزِ، وانتظرْ النصرَ، وترقّبْ الفتحَ؛ لأنَّ اللهَ معنَا.
غدًا سوفَ تَعلُو رسالتُنَا، وتَظهرُ دعوتُنَا، وتُسمعُ كلمتُنَا؛ لأنّ اللهَ معنَا.
غدًا سوفَ نُسمِعُ أهلَ الأرضِ روعةَ الأذانِ، وكلامَ الرحمنِ، ونغمةَ القرآنِ؛ لأنَّ اللهَ معنَا. غدًا سوف نُخرجُ الإنسانيَّةَ، ونحرّرُ البشريّةَ مِن عبوديّةِ الوثنيّةِ؛ لأنَّ اللهَ معنَا. ( لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا.(
إذنْ معنَا الركنُ الذي لا يُضامُ، والقوةُ التي لا تُرامُ، والعزةُ التي لا تُغلبُ. وما دامَ اللهُ معنَا فمِمّنْ نخافُ؟ ومَن نخشَى؟ ومَن نرهبُ؟ فهو القويُّ العزيزُ، وهم الضعفاءُ الأذلاّءُ، ما دامَ اللهُ معنَا فلا تأسفْ على قِلّةٍ مِن عددٍ، أو عوزٍ مِن عتادٍ، أو فقرٍ مِن مالٍ، أو تخاذلٍ مِن أنصارٍ.. وللهِ درُّ شوقِي:
فَأَدبَروا وَوُجوهُ الأَرضِ تَلعَنُهُم***كَباطِلٍ مِن جَلالِ الحَقِّ مُنهَزِمِ
لَولا يَدُ اللَهِ بِالجارَينَ ما سَلِما***وَعَينُهُ حَولَ رُكنِ الدينِ لَم يَقُمِ
فالدنيا دارُ ابتلاءٍ وبوتقةُ اختبارٍ، فالدنيا إذا حَلتْ أوحلتْ، وإذا كستْ أوكستْ، وإذا أضحكتْ أبكتْ، وإذا أفرحتْ أحزنتْ، وإذا أعطتْ منعتْ، وإذا وهبتْ حرمتْ، إذا لا تَبقَى هذه الحياةُ على حالٍ) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ (البلد: 4)، لذا لما سُئِلَ الإمامُ أحمدُ رحمَهُ اللهُ: متى يجدُ العبدُ طعمَ الراحةِ؟، قال: مع أولِّ قدمٍ يضعُهَا في الجنةِ)، وما ضاقتْ الدنيا إلا فُرجتْ وَلَرُبَّ نازِلَةٍ يَضيقُ لَها الفَتى***ذَرعًا وَعِندَ اللَهِ مِنها المَخرَجُ
ضاقَت فَلَمّا اِستَحكَمَت حَلَقاتُها***فُرِجَت وَكُنتُ أَظُنُّها لا تُفرَجُ
فمِن سننِ اللهِ في الكونِ أنّ الضياءَ يأتِي بعدَ الظلامِ وأنّ اليسرَ يأتِي بعدَ العسرِ وأنّ الفرجَ يأتِي بعدَ الشدةِ، قال ربُّنَا: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (الشرح: 5- 6.
يا صاحبَ الهمِّ إن الهمَّ منفرجٌ *** أبشر بخيرٍ فإنّ الفارجَ الله
إذا بُليتَ فثق بالله وارضَ به*** إنّ الذي يكشفُ البلوى هو اللهُ
اليأسُ يقطعُ أحيانًا بصاحبه *** لا تيأسنَّ فإنّ الفارجَ اللهُ
اللهُ يُحدثُ بعد العسرِ ميسرةً*** لا تجزعنَّ فإنّ الكافيَ اللهُ
واللهِ مالكَ غيرُ اللهِ مِن أحدٍ *** فحسبكَ اللهُ في كلٍّ لكَ اللهُ
العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : لا تحزن إن الله معنا
ثانيــــًا: معيةُ اللهِ تكفيكَ!!!.
أيُّها السادةُ: معيةُ اللهِ تعالى لخلقِهِ ثابتةٌ بالكتابِ والسنةِ وإجماعِ السلفِ، ومعيةُ اللهِ عزَّ وجلَّ على نوعين: مَعِيَّةٌ عَامَّة، وَمَعِيَّةٌ خَاصَّة: معيةٌ عامةٌ: شاملةٌ لجميعِ المخلوقاتِ، فهي تشملُ كلَّ أحدٍ، مِنْ مُؤْمِنٍ وكافِرٍ، وَبَرٍّ وفاجر، قالَ جلَّ وعلا: ((وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير}(الحديد:4)، وقالَ جلَّ وعلا: ((مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا}(المجادلة:7) والْمَعِيَّةُ الْخَاصَّةُ فهي معيتُهُ -سبحانَهُ- لرسلِهِ وأنبيائِهِ والصالحينَ مِن عبادِهِ، بالنصرِ والتأييدِ، والمحبةِ والتوفيقِ، والهدايةِ والإرشادِ، والحفظِ والرعايةِ، والتسديدِ والإعانةِ، قال جلَّ وعلا: ((إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ}(النحل: 128)، وقالَ جلَّ وعلا: ((:إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}(البقرة:153، وقولُهُ تعالَى في الحديثِ القدسِي الذي رواه البخاري في صحيحه: (أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي)، قال قتادةُ رضى اللهُ عنهُ مَن يتقِ اللهَ يكنْ معَهُ، ومَن يكنْ اللهُ معهَ فمعَهُ الفئةُ التي لا تُغلبُ، والحارسُ الذي لا ينامُ، والهادِي الذي لا يضلُّ”. قال بعضُ السلفِ لأخيهِ: “إنْ كان اللهُ معكَ فمَن تخاف، وإنْ كان عليكَ فمَن ترجُو؟” إنَّهَا معيةُ اللهِ جلَّ وعلا التي تولَّى اللهُ أمرَ سيدِنَا يوسفَ عليهِ السلامُ، فأحوجَ القافلةَ للماءِ في الصحراءِ ليذهبُوا إلى البئرِ، ثم أحوجَ عزيزَ مصرَ للأولادِ ليتبنَّى سيدَنَا يوسفَ، ثم أحوجَ الملكَ للرؤيَا وتفسيرِهَا ليخرجَهُ مِن السجنِ، ثم أحوجَ مصرَ بأكملِهَا للطعامِ ليكونَ عزيزَ مصرَ، كلُّ هذا مِن أجلِ عبدِه الذي تولَّى أمرَهُ، انظرْ إلى آخرِ سورةِ يوسفَ) رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنْ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) [يوسف:101]، أتممْ ولايتَكَ علىَّ في القبرِ وتوفنِي مسلمًا وأدخلنِي الجنةَ كما توليتَ أمرِي طوالَ حياتِي.
وتولَّى اللهُ بمعيتِهِ موسَى عليه السلامُ عندما كان طفلًا رضيعًا فنشأَ في بيتِ فرعونَ ويرعاهُ اللهُ بعنايتِه ولمَّا كبرَ موسَي عليه السلامُ وأرادَ فرعونُ الفتكَ به وبأصحابِه عندمَا قال لهُ قومُهُ يا موسَي ( إِنَّا لَمُدْرَكُونَ)، ها هو البحرُ مِن أمامِنَا وفرعونُ وجنودُهُ مِن خلفِنَا، فماذا قال مُوسَى قالَ لهم (كَلا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ) [سورة الشعراء: 61-62] فيأتيهِ الجوابُ مِن السماءِ (فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (63) } لكنّهُ التوكلُ على اللهِ، والثقةُ بأنَّ مَن يتولَّى تدبيرَ أمورَ العبادِ هو اللهُ سبحانَهُ وتعالَي ، ومَن تولَّى اللهُ أمرَهُ فلن يدركَهُ أحدٌ مهمَا كان شأنهُ. لَمَّا أمرَ اللهُ -تعالى- موسى وهارون -عليهما السلام- بدعوة فرعون(قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى * قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى)[طه: 45-46]؛ أي: إنني معكما بحفظي، ونصري وتأييدي، فاطمأنَّتْ قلوبُهما لوعد ربهما جل جلاه،
لقد أدرَكَ معيةَ الله الخاصَّةَ إبراهيمُ الخليلُ -عليهِ السلامُ- حين أُلقِيَ في النارِ فقالَ اللهُ جلَّ وعلا: (يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ)[الْأَنْبِيَاءِ: 69]، وعندما رُزِقَ إبراهيمُ -عليه السلامُ- بالولدِ الأولِ إسماعيلَ -عليه السلامُ- أمرَهُ ربُّه بأنْ يهاجرَ مِن فلسطينَ مع زوجتِه هاجر وابنِه الرضيعِ إلى وادٍ لا ماءَ فيهِ ولا طعامَ ولا شجرَ، ولا يوجدُ فيه أحدٌ مِن البشرِ، حتى إذا وصلَ إلى ذلك المكانِ تركَ زوجتَهُ وابنَهُ الرضيع، وتركَ لهما قليلًا مِن الماءِ وبعضَ حباتٍ مِن التمرِ، وعادَ بأمرِ ربِّه إلى فلسطين، فتبعتْهُ أمُّ إسماعيلَ فقالت: “يا إبراهيمُ: أين تذهبُ وتتركُنَا في هذا الوادٍي الذي ليسَ فيهِ أحدٌ ولا شيءَ فيهِ؟!”، قالت ذلك مرارًا، وجعلَ لا يلتفتُ إليها حتى لا يتأثرَ بالعاطفةِ ويحنَّ عليهما وينسَى أمرَ ربِّه، فقالتْ لهُ: “آللهُ الذي أمرَك بهذا؟!”، قال: “نعم”، قالت: “إذًا؛ لا يضيعُنَا”.يا لها مِن كلمةٍ عظيمةٍ تنبئُ عن إيمانٍ عميقٍ، وتوكلٍ عظيمٍ، وثقةٍ لا حدودَ لها بالولِي خالقِ الأرضِ والسماواتِ! حتى إذا كان عندَ الثنيةِ حيثُ لا يرونَهُ استقبلَ بوجهِهِ البيتَ ثُمّ دعا الولِيَّ الذي لا يضيعُ ولا يخذلُ مَن تولَّاهُ، قال تعالى: ((رَبَّنَا إِنَّي أَسْكَنتُ مِن ذُرّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاةَ فَجْعَلْ أَفْئِدَةً مّنَ النَّاسِ تَهْوِى إِلَيْهِمْ وَرْزُقْهُمْ مّنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) [إبراهيم: 37أنها معية الله ياسادة .
وأدركتْ معيةُ اللهِ يونسَ -عليهِ السلامُ- حينَ كان في ظلماتٍ ثلاثٍ: ظلمةِ الليل، وظلمةِ البحر، وظلمةِ بطن الحوت، (فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ)[الْأَنْبِيَاءِ: 87-88]، فكمَا نصرَ اللهُ -تعالى- أنبياءَهُ ورُسُلَهُ، وأيَّدَهُم وأعانَهُم، فكذلك ينصرُ ويؤيدُ أتباعَهُم، ( إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ)[غَافِرٍ: 51)
العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : لا تحزن إن الله معنا
ثالثــــًا: كيفَ تكسبُ معيةَ اللهِ الخاصةَ ؟.
أيُّها السادةُ: معيةُ اللهِ الخاصةُ لا تكونُ إلّا لأولياءِ اللهِ الصالحين وكلَّمَا زادَ العبدُ قربًا مِن ربِّه كان وليًّا مِن أوليائِه الصالحين وعبادِه المقربين ولا يحصلُ العبدُ على معية مولاهُ إلّا بأسبابٍ كثيرةٍ وعديدةٍ منها على سبيلِ المثالِ لا الحصرِ: تقوَى اللهِ عزَّ وجلَّ، والإيمانُ بهِ، قالِ جلَّ وعلا: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ}(البقرة:194 ، وقالَ جلَّ وعلا: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} يونس: 52-63. وكلُّ أحدٍ خفتَ منهُ هربتَ منهُ إلّا اللهَ فإنّكَ إذا خفتَ مِن اللهِ هربتَ إلى اللهِ. ولا تُنَالُ الوَلايةُ إلّا بالإيمانِ الصادقِ والعلمِ الراسخِ والعملِ الصالحِ المتواصلِ الثابتِ، فبتقوَاكَ وايمانِكَ تدخلُ في معيةِ اللهِ جلّ وعلا وولايتِهِ فتسعدَ في دنياكَ وآخراكَ.
تحصلُ على معيةِ المولَى جلَّ جلاله: بالتقرّبِ إلى اللهِ بالحفاظِ على الفرائِضِ، والإكثارِ مِن النَّوَافِلِ، قال جل وعلا ((وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا)[الْمَائِدَةِ: 12]، ففي الحديثِ القدسيِّ: عن أبي هريرةَ رضي اللهُ عنه، قال: قالَ رسولُ اللهِ ﷺ: (مَن عادَى لِي وَلِيًّا فقَدْ آذَنْتُهُ بالحَرْبِ، وما تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بشَيءٍ أحَبَّ إلَيَّ ممّا افْتَرَضْتُ عليه، وما يَزالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بالنَّوافِلِ حتّى أُحِبَّهُ فإذا أحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذي يَسْمَعُ به، وبَصَرَهُ الَّذي يُبْصِرُ به، ويَدَهُ الَّتي يَبْطِشُ بها ورِجْلَهُ الَّتي يَمْشِي بها وإنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ ولَئِنِ اسْتَعاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ)أخرجه البخاري ) أي: يحفظُهُ ويسددُهُ في جوارحِهِ ويتولاهُ بمعيتِهِ الخاصة. ومِن ذلك: الطمأنينةُ والراحةُ النفسيةُ؛ لأنَّهُ مِمّن تولاهُ اللهُ، قالَ تعالى: ))قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ(( [التوبة:51(ومَن كان في ولايةِ اللهِ لا يخافُ مِن أعداءِ اللهِ مهما كان عددُهُم وعدتُهُم، قالَ تعالى: (إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) [آل عمران:175)
تحصلُ على معية المولَى جلّ جلالُهُ: بالاستعانةِ باللهِ جلَّ وعلا، فالاستعانةُ باللهِ تعالَى مِن أجلِّ العباداتِ وأفضلِهَا والتي أمرَ اللهُ بها عبادَهُ للحصولِ على عطائِه وكرمِه ومعيتِه وولايتِه، قال جلَّ وعلا ذاكرًا عبدَهٌ موسَى عندمَا نصحَ قومَهُ بالاستعانةِ باللهِ تعالَى ((قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا)، فأمرَهُم بالاستعانةِ باللهِ في ردِّ عدوانِ فرعونَ وملأِهِ ليكونُوا في ولايةِ المولَى جلّ جلالُه ، وهذا هو المختارُ ﷺ عندما قرأَ قولَهُ جلَّ وعلَا ((وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ))(يس) مستعينًا بهِ في ردِّ كيدِ المشركين فأخرجَهُ اللهُ مِن بينِ أيديهِم سالمًا محفوظًا ، فمَن أعانَهُ اللهُ فهو المعانُ ومَن خذلَهُ اللهُ فهو المخذولُ، فاطلبْ العونَ والمددَ مِن اللهِ لتكونَ مِن أوليائِه المقربين، فعنْ مُعاذٍ أنَّ رسولَ اللَّهِ ﷺ قال لهُ يا معاذُ واللَّهِ إِنِّي لأَحِبُّكَ فلا تَدعَنَّ أن تقولَ في دُبُرِ كلِّ صلاةٍ اللَّهُمَّ أَعِنِّي على ذِكرِكَ وشُكرِكَ وحُسنِ عبادَتِكَ)) فالعبدُ ضَّعْفٌ، قَال تَعالَى ))وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا) (النساء:28( والعبدُ في جميعِ أحوالِهِ يَحتاجُ إلى الولِيِّ الذي يَرْعَاهُ، ويُدَبِّرُ شؤونَهُ ويقضِي مصالِحَهُ، ويُقَوِّيهِ عندَ النَّوَازِلِ، ويُثَبِّتهُ عِنْدَ الشَّدَائِدِ فاستعنْ بمولَاكَ ولا تعجز
تحصلُ على معيةِ المولَى جلّ جلالُه: بذكرِ اللهِ جلًّ وعلا بالليلِ والنهارِ، فذِكرُ اللهِ يُورِث معيتَه، والقُربَ منه ومحبتَه؛ فمَنْ أكثرَ مِنْ ذِكر الله -تعالى- أكثَر اللهُ مِنْ ذِكرِه في الملأ الأعلى؛ ففي الصحيحين يقول الله -عز وجل-: “أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ حِيْنَ يَذْكُرُنِي، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ، ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ، ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُ”. وعن ابنِ عباسٍ رضي اللهُ عنهما قال: قال رجلٌ: يا رسولَ اللهِ، مَن أولياءُ اللهِ؟ قال: ((الذين إذا رُؤوا ذُكِرَ اللهُ)) رواه البزار.
تحصلُ على معية المولَى جلَّ جلالُه: باتّباعِ السُّنَّةِ النبويةِ المشرفةِ، وحُسنِ الاقتداءِ بهِ ﷺ، ولزومِ جماعةِ المسلمينَ وإمَامِهم المختارِ ﷺ، قالَ جلَّ وعلا {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} النساء: 115 فلا يكونُ العبدُ وليًّا للهِ إلّا مَنْ آمنَ بالنبيِّ المختارِ ﷺ ،وبمَا جاءَ بهِ، واتبعَهُ ظاهرًا وباطنًا، قالَ جلَّ وعلَا: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ)آل عمران: 31، فبيَّنَ فيها أنَّ مَن اتبعَ الرسولَ ﷺ فإنَّ اللهَ يحبُّهُ، ومَن ادّعَى محبةَ اللهِ ولم يتبعْ الرسولَ ﷺ فليس مِن أولياءِ اللهِ.. وجماعُ أسبابِ الوصولِ إليهَا قولُهُ تعالى: (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيئاً وإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ ) (الجاثية: 18- 19(
فمَن يدعِي حبَّ النبيِّ ولم يفدْ*** مِن هديهِ فسفاهةٌ وهراءُ
فالحبُّ أولُ شرطهِ وفروضهِ ***إنْ كانَ صادقًا طاعةٌ ووفاءُ
أقول قولي هذا واستغفر اللهَ العظيم لي ولكم
الخطبةُ الثانيةُ: الحمدُ للهِ ولا حمدَ إلا له وبسم اللهِ ولا يستعانُ إلا به وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ……… وبعدُ
العنصر الرابع من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : لا تحزن إن الله معنا
رابعًا وأخيرًا :خابَ وخسرَ مَن لم يكنْ في معيةِ اللهِ جلَّ وعلا !!!
أيُّها السادةُ الأخيارُ: السعيدُ مَن كان في معيةِ اللهِ وعنايةِ اللهِ وولايةِ اللهِ، والتعيسُ مَن ابتعدَ عن معيةِ اللهِ وعنايةِ اللهِ وولايةِ اللهِ .فازَ وسعدَ مَن تولَّى اللهُ أمرَهُ وخابَ وخسرَ مَن تولَّى الشيطانُ أمرَهُ !!! وأيُّ معيّةٍ تعدِلُ معيةَ اللهِ ؟ وأيُّ ولايةٍ تعدلُ ولايةَ اللهِ؟ وأيُّ عنايةٍ تعدلُ عنايةَ اللهِ؟ !!!إنّها الحِصنُ الحَصينُ مِن كُلِّ الغوائِلِ، والعدّةُ في كلِّ شدةٍ، والدّرعُ الواقِي مِن سهامِ البوائِقِ والشّرورِ، لكنَّ هذه المعيّةَ الخاصّةَ التي تكونُ بالتّأييدِ والتّوفيقِ والحِفظِ والمعونةِ والنّصرِ إنَّما جعلَهَا اللهُ تعالى لأوليائِهِ المتّقين المحسِنين. فمَن توكلَ عليهِ كفاهُ، ومَن فوضَ إليهِ الأمرَ هداهُ، ومَن سألَهُ أعطاهُ، ومَن وثقَ في اللهِ نجَّاهُ، ومَن صفَا مع اللهِ صافاهُ، و مَن أوَى إلى اللهِ أواهُ، و مَن فوّضَ أمرهُ إلى اللهِ كفاهُ، و مَن باعَ نفسَهُ إلى اللهِ اشتراهُ، و جعلَ ثمنَهُ جنّـتَهُ، قال جلَّ وعلا: (بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ) [آل عمران: 150]،فكنْ مِن أولياءِ اللهِ ولا تكنْ مِن أولياءِ الطاغوتِ وتذكرْ(( اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [سورة البقرة:257.
كُنْ مِن اتباعِ الرحمنِ ولا تكنْ مِن اتباعِ الشيطانِ وقُلْ (وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) (البقرة: 286).
كنْ مِن أولياءِ الرحمنِ وإنْ تخلَّى الناسُ عنكَ وتذكرْ ((وَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَوْلاَكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ((قالَ الشافعيُّ رحمَهُ اللهُ : إذا تخلَّى الناسُ عنكَ في كربٍ، فاعلمْ أنّ اللهَ يريدُ أنْ يتولَّى أمرَكَ..
يا شاكيًا همَّ الحياةِ وضيقَهَا *** أبشرْ فربُّكَ قد أبانَ المنهجَا
مَن يتقِ الرحمنَ جلّ جلالُه *** يجعلْ لهُ مِن كلِّ ضيقٍ مخرجَا
ولِتَكُنْ مَعَ الدَّمْعَةِ بَسْمَةٌ، وَمَعَ الخَوْفِ أَمْنٌ، وَمَعَ الفَزَعِ سَكِينَةٌ ومع الشدةِ فرجٌ ومع الحزنِ فرحٌ وسرورٌ، قال ربُّنَا: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ﴾ (سورة محمد :11)، وإذا داهمتْكَ مصائبُ الحياةِ، وضاقتْ عليكَ الأرضُ بما رحبتْ، فتذكرْ أنَّ لك ربًّا يجيبُ المضطرَّ إذا دعاهُ ويكشفُ السوءَ ))أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ) [النمل: 62].. وتذكرْ أنَّ بعدَ الشدةِ فرجًا. وعليكَ برفعِ أكفَّ الضراعةِ إلى اللهِ وتدعُوا كمَا علّمَنَا رسولُ اللهِ كما في حديثِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَدْعُو عِنْدَ الكَرْبِ يَقُولُ: (( لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ العَظِيمُ الحَلِيمُ، لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، وَرَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ وعَنْ سَعْدِ بنِ أبي وقاصٍ -رضي اللهُ عنه-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ( دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الحُوتِ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ ).
فكُن عَن هُمُومِكَ مُعْرِضًا *** وَدَع الأُمُورَ إِلَى القَضَا
وَانعَم بِطُولِ سَلَامَةٍ *** تُسْلِيكَ عَمَّا قَدْ مَضَى
فَلَرُبَّمَا اتَّسَعَ المَضِيقُ *** وَ لَرُبَّمَا ضَاقَ الفَضَا
اللهُ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ *** فَلَا تَكُن مُتَعَرِّضَا
حفظَ اللهُ مصرَ مِن كيدِ الكائدين، وشرِّ الفاسدين، وحقدِ الحاقدين، ومكرِ الـماكرين، واعتداءِ الـمعتدين، وإرجافِ الـمُرجفين، وخيانةِ الخائنين.
كتبه العبد الفقير إلى عفو ربه
د/ محمد حرز
إمام بوزارة الأوقاف
_______________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف