خطبة الجمعة القادمة بعنوان : قوة الأوطان ، للدكتور محمد حرز
خطبة الجمعة القادمة بعنوان : قوة الأوطان ، للدكتور محمد حرز ، بتاريخ 22 ذو الحجة 1445هـ ، الموافق 28 يونيو 2024م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 28 يونيو 2024م بصيغة word بعنوان : قوة الأوطان ، للدكتور محمد حرز.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 28 يونيو 2024م بصيغة pdf بعنوان : قوة الأوطان ، للدكتور محمد حرز.
عناصر خطبة الجمعة القادمة 28 يونيو 2024م بعنوان : قوة الأوطان .
أولًا: الوطنُ وما أدراكَ ما الوطنُ ؟ ا
ثانيًا: ركائزُ قوةِ الأوطانِ.
ثالثــــًا: ستظلُّ مصرُ فوقَ الجميعِ رغمَ الصعوباتِ والتحدياتِ.
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 28 يونيو 2024م بعنوان : قوة الأوطان : كما يلي:
قوةُ الأوطانِ
د. محمد حرز بتاريخ: 19 من ذي الحجة 1446هــ 28 يونيه 2024م
الحَمْدُ للهِ الذِي مَنَّ عَلَينَا بِوَطَنٍ مِنْ خِيرَةِ الأَوطَانِ، وَنشَرَ عَلَينا فِيهِ مَظَلَّةَ الأَمَانِ و الاستِقْرَارِ، الحَمْدُ للهِ القائلِ في محكمِ التنزيلِ: ﴿ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِين﴾ يوسف: 99، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وليُّ الصالحين، وَأشهدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وصفِيُّهُ مِن خلقِهِ وخليلُه القائلُ: (عَيْنَانِ لَا تَمَسُّهُمَا النَّارُ: عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ الله، وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ الله) رواه الترمذي، فاللهمَّ صلِّ وسلمْ على مسكِ الختامِ، وخيرِ مَن صلَّى وصام، وتابَ وأنابَ، ووقفَ بالمشعرِ، وطافَ بالبيتِ الحرامِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ الأعلامِ، مصابيحِ الظلامِ، خيرِ هذه الأمةِ على الدوامِ، وعلى التابعينَ لهم بإحسانٍ والتزام.
أمَّا بعدُ: فأوصيكُم ونفسِي أيُّها الأخيارُ بتقوىَ العزيزِ الغفارِ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (آل عمران :102).
عبادَ الله: (قوةُ الأوطانِ) عنوانُ وزارتِنَا وعنوانُ خطبتِنَا.
عناصر اللقاء :
أولًا: الوطنُ وما أدراكَ ما الوطنُ ؟ ا
ثانيًا: ركائزُ قوةِ الأوطانِ.
ثالثــــًا: ستظلُّ مصرُ فوقَ الجميعِ رغمَ الصعوباتِ والتحدياتِ.
أيُّها السادةُ: ما أحوجنَا في هذه الدقائقِ المعدودةِ إلي أنْ يكونَ حديثُنَا عن ركائزِ قوةِ الأوطانِ بينَ التأصيلِ والتطبيقِ، وخاصةً ووطنُنَا في حاجةٍ إلى سواعدِ الجميعِ في البناءِ والاستقرارِ والتنميةِ والتقدمِ والرقيِّ والازدهارِ كلُّ في مجالِهِ وتخصصهِ، وخاصةً وأنَّ مصرنَا الغاليةَ مستهدفةٌ مِن الداخلِ والخارجِ مِمَّن يريدونَ النيلَ منها ومِن أمنِهَا واستقرارِهَا؛ لتعمَّ الفوضَى والخرابُ والهلاكُ والدمارُ، ولا حولَ ولا قوةَ إِلّا باللهِ. وخاصةً والحديثُ عن الأوطانِ شيقٌ وممتعٌ وجميلٌ وسألُوا مَن تغربَ في بلادِ الغربةِ عن اشتياقهِ وحبهِ لوطنه
العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : قوة الأوطان
أولًا: الوطنُ وما أدراكَ ما الوطنُ ؟ ا
أيُّها السادةُ: بدايةً لن نملَّ مِن الحديثِ عن وطنِنَا؛ لأنّنا مِن غيرهِ لا قيمةَ ولا وزنَ لنَا، وحقُ الوطنِ والدفاعِ عنه دينٌ وإيمانٌ وإحسانٌ نقولُهَا بملءِ الأفواهِ، وكيف لا؟ وحبُّ الوطنِ مِن هدىِّ النبيِ العدنانِ ﷺ والنبيين الأخيارِ، والدفاعُ عن الوطنِ مطلبٌ شرعيٌ، وواجبٌ وطنيٌ، ومَسْؤولـيَّةٌ ووَفَاءٌ تقعُ على عاتقِ الجميعِ، والموتُ في سبيلِه عِزةٌ وكرامةٌ وشهامةٌ وشجاعةٌ ورجولةٌ وشهادةْ. وكيف لا؟ والوطنُ وما أدراكَ ما الوطنُ ؟ الوطنُ عطرٌ يفوحُ شذَاهُ وعبيرٌ يسمُو في علاه، الوطنُ وما أدراكَ ما الوطنُ ؟ الوطنُ نِعْمَةٌ عظيمةٌ ومنةٌ كبيرةٌ مِنْ نعمِ اللهِ العَظِيمَةِ الَّتِي لا تُقَدَّرُ بِثَمَنٍ وَلا تُسَاوَمُ بِالأَمْوَالِ وَالأَرْوَاحِ، بَلْ تُبْـذَلُ الأَمْوَالُ لأَجْـلِهَا وَتُرْخَصُ الأَرْوَاحُ فِي سَبِيلِ وَحْدَتِهَا وَالدِّفَاعِ عَنْهَا. الوطنُ وما أدراكَ ما الوطنُ ؟ الوَطَنُ كَلِمَةٌ صَغِيرَةٌ فِي مَبْـنَاهَا، عَظِيمَةٌ فِي مَعْـنَاهَا، كَلِمَةٌ مَا إِنْ تُذْكَرُ حَتَّى تَتَحَرَّكَ لَهَا المَشَاعِرُ وَتَتَفَاعَلَ مَعَهَا الأَحَاسِيسُ، الوطنُ وما أدراكَ ما الوطنُ ؟ الوَطَنُ أغلَى ما يملكُ المرءُ بعدَ دينِه، وما مِن إنسانٍ إلَّا ويعتزُّ بوطنِه؛ لأنَّهُ نشأَ فيه وترعرعَ وتربَّى وشبَّ على أرضهِ وعاشَ حياتَهُ وذكرياتهِ بحلوِهَا ومرِّهَا، الوطنُ وما أدراكَ ما الوطنُ؟ الوَطَنُ موطنُ الآباءِ والأجدادِ، ومأوَى الأبناءِ والأحفادِ، وهو مسقطُ الرأسِ، ومستقرُ الحياةِ، ومِن أجلِهِ نُضحِّي بكلِّ غالٍ ونفيسٍ، وسلُوا مَن تغربَ في بلادِ الغربةِ عن اشتياقِه وحبِّه لوطنِه وكيف أنَّ الوطنَ حياةٌ ما بعدَهَا حياة، والمحافظةُ على الوطنِ مِن الكلياتِ الستِ التي أمرنَا الإسلامُ بالمحافظةِ عليها. الوطنُ وما أدراكَ ما الوطنُ ؟ الوطنُ هو الأمنُ والأمانُ والاستقرارُ والطمأنينةُ، وهو رمزُ الكرامةِ والعزةِ وهو الكيانُ لكلِّ إنسانٍ، وهو الحضنُ الدافئُ الذي نلجأُ إليهِ في أيِّ وقتٍ وحينٍ، لذا حثَّنَا الدينُ على حبِّ الوطنِ والدفاعِ عنهُ ضدَّ الأعداءِ.
لذا لَمَّا كَانَتْ مَحَبَّةُ الوَطَنِ فِي النَّفْسِ عَظِيمَةٌ، وَكَانَ فِرَاقُهُ عَلَى القَلْبِ مُؤْلِمًا، نَجِدُ أَنَّ أَعَدَاءَ الرُّسُلِ وَالأَنْبِيَاءِ يُهَدِّدُونَ أَنْبِياءَهُمْ بِإِخْرَاجِهِمْ مِنْ أَوْطَانِهِمْ وَحِرْمَانِهِمْ مِنْ نِعْمَةِ الوَطَنِ، قَالَ تَعَالَى : {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ } الأعراف 88، وهذَا شُعَيْبٌ -عَلَيْهِ السَّلامُ- قَالَ لَهُ المَلأُ الَّذِينَ استَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ: { لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ }، وَهَذَا نَبِيُّ اللهِ لُوطٌ -عَلَيْهِ السَّلامُ- وَمَنْ مَعَهُ قَالَ عَنْهُمْ قَومُهُمْ {أَخْرِجُوا آَلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ }الأعراف 82، وَقَدْ لاقَى سَيِّدُ أُولِي العَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ هَذَا النَّوْعَ مِنَ الإِيذَاءِ البَلِيغِ، فَهَا هُوَ يَلْتَفِتُ إِلَى مَكَّةَ، وَطَنِهِ الحَبِيبِ إِلَى قَلْبِهِ، { إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا }، قَائِلاً: (مَا أَطْـيَبَكِ مِنْ بَلَدٍ وَأَحَبَّكِ إِلَيَّ، وَلَوْلا أَنَّ قَوْمَكِ أَخْرَجُونِي مِنْكِ مَا سَكَنْتُ غَيْرَكِ) رواه الترمذي، اللُه أكبرُ خاطبُ مكةً المكرمةَـ زادَها اللهُ تكريمًا وتشريفًا إلى يومِ الدينِـ مودعًا إياها وهي وطنُهُ الذي أُخرجَ منه، بكلماتٍ تُؤلمُ القلبَ وتُبكي العينَ بدل الدموعِ دمًا، بكلماتٍ كلّهَا حنينٌ ومحبةٌ وألمٌ وحسرةٌ على الفراقِ، بكلماتٍ كلّهَا انتماءٌ وتضحيةٌ ووفاءٌ وتعلنُ السماءُ حالةَ الطوارئِ ليهبطَ أمينُ السماءِ جبريلُ عليهِ السلامُ بقرآنٍ يُتلى إلى يومِ الدينِ ليجففَ للبنيِّ العدنانِ ﷺ دموعَهُ، وليخففَ عنهُ آلامَهُ فقال جلَّ وعلا:{إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ}القصص: 85)، أي وبحقِّ القرآنِ ليأتي اليومُ ويردُك اللهُ إلى وطنِك و إلى مكةَ التي أخرجوكَ منها فاتحًا منتصرًا وَيَتَجلَّى هَذَا الحُبُّ مِنْهُ ﷺ حِينَ جَلَسَ إِلى وَرَقةَ بنِ نَوفل ابنِ عَمِّ السَّيِّدَةِ خَدِيجَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْها- وَلَمْ يَلْتَفِت ﷺ كَثِيرًا إِلى مَا أَخْبَرَهُ بِهِ مِمَا سَيَتَعرَّضُ لَهُ فِي دَعْوَتِهِ مِنْ مِحَنٍ وَمصَاعِبَ مِنْ قَوْمِهِ، حَتَّى قَالَ لَهُ وَرَقَةُ:(وَلَيتَنِي أَكُونُ مَعَكَ إِذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ) عِنْدَها قَالَ ﷺ : (أَوَمُخْرِجِيَّ هُمْ؟)، إِنَّهُ الوَطَنُ يا سادةٌ سَكِينَةُ النَّفْسِ، وَرَاحَةُ البَالِ، وَمَجْمَعُ الأَحِبَّةِ، وَمُنْطَلَقُ البِنَاءِ، اسْـأَلُوا عَنْ نِعْمَةِ الوَطَنِ مَنْ فَقَدَهَا، وَانظُرُوا إِلَى قِيمَتِهَا فِي مِيزَانِ مَنْ حُرِمَهَا، تُدْرِكُوا حَقِيقَةَ النِّعْمَةِ، وَعَظِيمَ المِنَّةِ. فحبُّ الوطنِ مِن الإيمانِ والدفاعُ عن الوطنِ شرفٌ وعزةٌ وكرامةٌ وشهامةٌ وشهادةٌ في سبيلِ اللهِ.
بِلاَدِي هَوَاهَا فِي لِسَانِي وَفِي دَمِي ***يُمَجِّدُهَا قَلْبِي وَيَدْعُو لَهَا فَمِي
العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : قوة الأوطان
ثانيًا: ركائزُ قوةِ الأوطانِ.
أيُّها السادةُ: قوةُ الوطنِ واستقرارُهُ نعمةٌ عظيمةٌ ومنةٌ كبيرةٌ لا تُقدرُ بثمنٍ مِن الاثمانِ، فكمْ مِن بلادٍ دُمرَتْ بسببِ الفوضَى؟ وكمْ مِن بلادٍ ضَعفَتْ بسببِ الفرقةِ؟ وكم مِن بلادٍ انهارتْ بسببِ الاختلافِ؟ وكم مِن بلادٍ تفتتْ بسببِ الضعفِ والهوانِ ؟ والحمدُ للهِ مصرُنَا بخيرٍ وأمانٍ !! والحمدُ للهِ مصرُنَا في أمنٍ واستقرارٍ نعمةٌ عظيمةٌ تستوجبُ مِنّا شكرَ المُنعمِ بالليلِ والنهارِ. وركائزُ قوةِ الأوطانِ كثيرةٌ وعديدةٌ منهَا على سبيلِ المثالِ لا الحصر:
قيادةٌ حكيمةٌ وشرطةٌ ساهرةٌ على أمنِنَا ،وجيشٌ قويٌّ، لقد مَنَّ اللهُ علينَا بالقيادةِ الحكيمةِ وبالجيشِ القويِّ، فجيشُنَا مِن أقوَى الجيوشِ العربيةِ، بل إنْ شئتَ فقُلْ: والعالمية وللهِ الفضلُ والمنةُ وكيفَ لا ؟ وهم خيرُ أجنادِ الأرضِ وكيفَ لا؟ ولقد ضربَ جيشُنَا الأبِيُّ أروعَ الأمثلةِ في التضحياتِ وبذلِ الأرواحِ للمحافظةِ على وطنِنَا وعلى أمنِنَا واستقرارِنَا وللهِ الفضلُ والمنةُ رغمَ الصعوباتِ والتحدياتِ التي تمرُّ بهَا المنطقَةُ.
ومِن ركائزِ قوةِ الأوطانِ أيُّهَا الأخيارُ: المحافظةُ على أمنِهِ واستقرارِهِ وعدمِ الاستماعِ إلى الدعواتِ المغرضةِ مِن هنا وهناك للنيلِ مِن دولتِنَا واستقرارِهَا وأمنِهَا، فالأمنُ في الأوطانِ مطلبٌ الكُلُّ يريدُه ويطلبُه، ومَن يسعى لزعزعةِ الأمنِ إنَّما يريدُ الإفسادَ في الأرضِ، وأنْ تعمَّ الفوضَى والشرُ بينَ عبادِ اللهِ، فزعزعةُ أمنِ الأمّةِ وترويعُ الآمنينَ جريمةٌ نكراءُ بشعة فيها إعانةٌ لأعداءِ الإسلامِ على المسلمين، فالأمنُ والأمانُ مِن أَجَلِّ النعمِ التي أنعمَ اللهُ بها علينا؛ لقولِ النبيِ ﷺ كما في حديثِ أبي الدرداءِ رضى اللهُ عنه قال: قال رسولُ الله: ” مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بحذافيرها ” رواه البخاري في الأدب المفرد والترمذي في السنن.
ومِن ركائزِ قوةُ الأوطانِ أيُّها الأخيارُ: التنميةُ الشاملةُ في جميعِ نواحي الحياةِ، فالمجتمعاتُ الناجحةُ تقاسُ قوتُهَا بمدىَ تحقيقِ التنميةِ الشاملةِ فيها سواءٌ التنميةِ الاقتصاديةِ والاجتماعيةِ والتعليميةِ والإيمانيةِ والروحيةِ، فالركودُ والتضخمُ والكسادُ والبطالةُ والفقرُ والجهلُ والمعاصي أمراضُ شيخوخةٍ تؤديِ إلى انتشارِ الفسادِ في أركانهِ، وانطفاءِ الأملِ بين شبابِه، ومن ثَمَّ تكثرُ الانحرافاتُ اليأسُ والانتحارُ والإحباطُ في المجتمعاتِ، وهذا يتنافىَ مع ما جاءَ به الإسلامُ.
ومِن ركائزِ قوةُ الأوطانِ أيُّها الأخيارُ: المشاركةُ بإخلاصٍ في بنائِه وذلك بإتقانِ العملِ والحرصِ على جودةِ الإنتاجِ فهو سببٌ لتقدمِ الأممِ فكم مِن أممٍ تقدمتْ بسببِ اتقانِهَا للعملِ، وكم مِن أممٍ تأخرتْ بسببِ عدمِ اتقانِهَا للعملِ لذا قال رسولُ اللهِ ﷺ كما في حديثِ عائشةَ أمِّ المؤمنين: ( إنَّ اللهَ تعالى يُحِبُّ إذا عمِلَ أحدُكمْ عملًا أنْ يُتقِنَهُ) رواه البيهقي. وللهِ درُّ القائلِ:
بِقَدْرِ الْكَدِّ تُكْتَسَبُ المعَالِي *** ومَنْ طَلبَ العُلا سَهرَ اللَّيالِي
ومَنْ طلبَ العُلا مِن غيرِ كَدٍّ *** أَضَاعَ العُمْرَ في طلبِ الْمُحَالِ
ومِن ركائزِ قوةُ الأوطانِ أيُّها الأخيارُ: الاهتمامُ بالعلمِ والعلماءِ، فالدولُ تقاسُ بقوةِ تعليمِهَا وعلمائِهَا، وللهِ الفضلُ والمنةُ فمصرُ ولادةٌ بالعلماءِ في جميعِ التخصصاتِ، والتفوقُ العلمِيُّ سببٌ لتقدمِ الأممِ والشعوبِ، فلا سعادةَ ولا فلاحَ ولا تقدّمَ ولا رقيَّ إلَّا بالعلمِ، فبالعلمِ تُبنَى الأمجادُ، وتُشَيَّدُ الحضاراتُ، وتَسُودُ الشعوبُ، وتقلُّ الأمراضُ والأوبئةُ، فالعلمُ هوَ الركيزةُ العُظمَى لأيِّ نهضةٍ في قديمِ التاريخِ وحاضرِهِ، وحيثُ كانتْ النهضةُ كانَ التعليمُ، وحيثُ كانَ التعليمُ كانتْ النهضةُ، فكمْ مِن أُممٍ نهضتْ بسببِ تعليمِهَا، وكمْ مِن أممٍ تقدمتْ بسببِ تعليمِهَا، وكمْ مِن أممٍ تفوقتْ بسببِ تعليمِهَا، وكمْ مِن أممٍ تأخرتْ بسببِ جهلِهَا، وكمْ مِن أممٍ سادَ فيهَا الظلامُ والأمراضُ والأوبئةُ بسببِ جهلِهَا، ولا حولَ ولا قوةَ إلَّا باللهِ، قالَ جلَّ وعلا: ﴿يَرْفَعِ الله الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ دَرَجَاتٍ وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾المجادلة:11، وخاصةً وأنَّ التفوقَ العلمِيَّ في مختلفِ المجالاتِ مطلبٌ شرعِيٌّ ووطنِيٌّ وإنسانِيٌّ، ولا مجالَ لبناءِ دولةٍ قويةٍ بغيرِ العلمِ والتفوقٍ.. لذا كان من دعائه ﷺ إذا أصبحَ قال: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ عِلْمًا نَافِعًا، وَرِزْقًا طَيِّبًا، وَعَمَلًا مُتَقَبَّلًا) رواه ابن ماجه.
وللهِ درُّ القائلِ:
علمُ العليمِ وعقلُ العاقلِ اختلفَـا *** مَن ذا الذي منهمَا قد أحرزَ الشرفَا
فالعلمُ قالَ أنَا أحرزتُ غايتَـُه *** والعقلُ قالَ أنا الرحمنُ بِي عُرفَا
فأفصحَ العلمُ إفصاحًا وقال له *** بأيّنَا الرحمنُ في قرآنِهِ اتصفَـا
فبانَ للعقلِ أنّ العلـمَ سيدُهُ *** وقبّلَ العقلُ رأسَ العلمِ و انصرفَا
تابع / خطبة الجمعة القادمة بعنوان : قوة الأوطان
فالعلمُ نورٌ يستضيءُ بهِ الناسُ ويهتدونَ بهِ، والجهلُ ظلمةٌ يجرُّ الناسَ إلى الهلاكِ، العلمُ يدعُو إلى الحكمةِ والتأنِّي، والجهلُ يدعُو إلى العجلةِ والاستعجالِ، قالَ أحمدُ شوقِي:
العلمُ يبنِي بيوتًا لا عمادَ لهَـا *** والجهلُ يهدمُ بيوتَ العزِّ والشرفِ
أهلُ العلمِ أحياءٌ، وأهلُ الجهلِ أمواتٌ ..وللهِ درُّ عليٍّ بنِ أبِي طالبٍ رضى اللهُ عنهُ وأرضاهُ
مَا الفَخْرُ إلا لأَهلِ العِلمِ إنَّهُمُ ***على الهُدَى لِمَن اسْتَهْدَى أَدِلاَّءُ
وقَدْرُ كُلِّ امرِئٍ مَا كان يُحْسِنُهُ****والجَاهِلُون لأَهلِ العِلمِ أَعدَاءُ
فَفُزْ بِعِلْمٍ تِعِش حَيًّا بِه أَبَدا***النَّاسُ مَوتى وأَهلُ العِلمِ أَحْيَاءُ
ومِن ركائزِ قوةُ الأوطانِ أيُّها الأخيارُ: العدلُ وما أدراكَ ما العدلُ ؟ ما قامتْ السماواتُ والأرضُ إلّا بالعدلِ، واللهُ تعالَى هو العدلُ، لا يظلمُ أحدًا، ولا يُحابِي أحدًا، ولا يجورُ على أحدٍ، مع أنَّ الخلقَ خَلْقُهُ، والأمرَ أمْرُهُ، والملكَ مُلْكُهُ، ومع تلك العظمةِ والجبروتِ والسلطانِ اتَّصفَ بالعدلِ، فاللهُ تعالَى عَدْلٌ في أحكامِهِ، عدلٌ في عطائِهِ، عدلٌ في مَنْعِهِ، عدلٌ في دينِهِ، عدلٌ في جزائِهِ، ولا أعدلَ مِن اللهِ، فعن النبيِّ ﷺ فيما يروِى عن اللهِ تباركَ وتعالى أنَّهُ قال: ( يا عبادِي، إني حرَّمتُ الظلم على نفسي، وجعلته بينكم مُحرَّمًا، فلا تظالموا… الحديث) [صحيح مسلم]، وقالَ جلَّ وعلا ﴿ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 49)، بالعدلِ قامتْ السماواتُ والأرضُ، فهو أساسُ الاطمئنانِ، ومفتاحُ الحقِّ، وجامعُ الكلمةِ، ومؤلفُ القلوبِ، يشتدُّ بهِ أمرُ الضعيفِ، ويَقوَى رجاؤهُ، ويهونُ بهِ أمرُ القوِي، وينقطعُ طمعُهُ، قد قالَهَا الصدِّيقُ -رضي اللهُ عنه- واضحةً صريحةً لصحابةِ رسولِ اللهِ ﷺ ورضيَ اللهُ عنهم: “الضعيفُ فيكُم قويٌّ عندِي حتى آخذَ الحقَّ لهُ، والقويُّ فيكُم ضعيفٌ عندِي حتى آخذَ الحقَّ منهُ”. فالعدلُ أساسُ الملكِ، ومعيارُ السعادةِ، ومقياسُ الحضارةِ، إذا سادَ العدلُ في أُمةٍ مِن الأممِ حُفظَتْ الحقوقُ، ونُصِرَ المظلومُ، وولتْ الهمومُ، وأدبرتْ الغمومُ، ولا فرَّطَ فيهِ مجتمعٌ إلّا هُدِّمَ بنيانُهُ، وقُوِّضتْ أركانُهُ، وانتشرَ فيهِ الفسادُ والخرابُ.
ومِن ركائزِ قوةُ الأوطانِ أيُّها الأخيارُ: حبُّ الوطنِ واحترامُ أنظمتِهِ وقوانينِهِ، وفي التشبثِ بكلِّ ما يؤدِّي إلى وحدتهِ وقوتهِ، فحبُّ الوطنِ يظهرُ في المحافظةِ على منشآتهِ ومنجزاتهِ، وفي الاهتمامِ بنظافتهِ وجمالهِ، حبُّ الوطنِ يظهرُ في دعمِ منتجاتهِ الصناعيةِ والزراعيةِ والتجاريةِ، حبُّ الوطنِ يظهرُ في إخلاصِ العاملِ في مصنعهِ، والموظفِ في إدارتهِ، والمعلمِ في مدرستهِ، حبُّ الوطنِ يظهرُ في المحافظةِ على أموالهِ وثرواتهِ، حبُّ الوطنِ يظهرُ في المحافظةِ على أمنهِ واستقرارهِ والدفاعِ عنه، حبُّ الوطنِ يظهرُ بنشرِ القيمِ والأخلاقِ الفاضلةِ ونشرِ روحِ التسامحِ والمحبةِ والأخوةِ بين الجميعِ، وأنْ نحققَ مبدأَ الأخوةِ الإيمانيةِ في نفوسِنَا، وأنْ ننبذَ أسبابَ الفرقةِ والخلافِ والتمزقِ، وأنْ نقيمَ شرعَ اللهِ في واقعِ حياتِنَا وسلوكِنَا ومعاملاتِنَا، ففيهِ الضمانُ لحياةٍ سعيدةٍ وآخرةٍ طيبةٍ، وصدقَ النبيُّ ﷺ إذْ يقولُ كما في صحيحِ مسلمٍ من حديث النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:( مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى (، فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ–، وَكُونُوا لِوَطَنِكُمْ هَذَا خَيْرَ بُنَاةٍ، وَلِمُقَوِّمَاتِهِ وَأُسُسِهِ حُمَاةً، رَاعُوا نُظُمَهُ وَقِيَمَهُ، وَأَوْفُوا بِجَمِيعِ حُقُوقِهِ، وقِفُوا صَفًّا واحِدًا فِي وَجْهِ كُلِّ مُرْجِفٍ، وَتَنَبَّهُوا لِسَعْيِ كُلِّ مُفْسِدٍ، اغْرِسُوا فِي أَبنَائِكُمْ حُبَّ الوَطَنِ وَالاعتِزَازَ بِإِنْجَازَاتِهِ الحَاضِرَةِ وَمَجْدِهِ التَّلِيدِ، حَتَّى يُحَقِّقُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَعْنَى المُوَاطَنَةِ الصَّالِحَةِ، فَهُمْ أَمَلُ الوَطَنِ وَبُنَاةُ الغَدِ، ولا تسمعُوا لهذه الدعواتِ المغرضةِ التي تريدُ النيلَ مِن مصرِنَا وأمنِهَا والاستقرارِ لتعمَّ الفوضَى والخرابُ والدمارُ، باللهِ عليكُم ماذا جنتْ لنَا ثوراتُ الربيعِ العربِي إلّا كلَّ خرابٍ وخزيٍ وعارٍ ودمارٍ، أينَ سُوريَا الحرةُ؟ وأينَ لبيبَا الشقيقةُ؟ وأينَ وأينَ وحدثْ ولا حرجَ لكنّنِي: أكررُهَا دائمًا وأبدًا حبُّ الوطنِ والتضحيةُ في سبيلهِ ليستْ مجردَ كلماتٍ تُقالُ أو شعاراتٍ تُرفعُ، إنّمَا هو سلوكٌ وتضحياتٌ وحقوقٌ تُؤدَى، الجنديٌّ بثباتِه وصبرِه وفدائِه وتضحيتِه، والشرطيُّ بسهرِه على أمنِ وطنِه، والفلاحُ والعاملُ والصانعُ بإتقانِ كلّ منهم لعملِه، والطبيبُ والمعلم والمهندسُ بما يقدمُ كلُّ منهم في خدمةِ وطنِهِ، وهكذا في سائرِ الأعمالِ والمهنِ والصناعاتِ يجبُ على كُلٍّ منَّا أنْ يقدمَ ما يثبتُ بهِ أنَّ حبَّهُ للوطنِ ولاءٌ وعطاءٌ وانتماءٌ ليسَ مجردَ كلامٍ أو أماني أو أحلام فاللهَ اللهَ في الأوطانِ، اللهَ اللهَ في مصرَ وأهلِهَا، فاللهَ اللهَ في قواتِنَا المسلحةِ وشرطتِنَا الساهرةِ على حمايةِ أوطانِنَا، اللهَ اللهَ في كلِّ غيورٍ محبٍّ لوطنهِ، اللهَ اللهَ في التضحيةِ مِن أجلِ الأوطانِ، اللهَ اللهَ في المحافظةِ على مصرِنَا، اللهَ اللهَ على كلِّ مواطنٍ يعملُ لرفعةِ وطنهِ.
أقولُ قولِي هذا واستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم
الخطبة الثانية الحمدُ للهِ ولا حمدَ إلّا لهُ وبسمِ اللهِ ولا يُستعانُ إلّا بهِ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ …………………… وبعدُ
العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : قوة الأوطان
ثالثــــًا: ستظلُّ مصرُ فوقَ الجميعِ رغمَ الصعوباتِ والتحدياتِ
أيُّها السادةُ: ما بَالكُم إذا كانَ الوطنُ هو مصرُ الغاليةُ صَخرةُ الإسلامِ العاتية. مصرُ التي نحبُّهَا ونعشقُهَا، إذا ذُكرتْ مصرُ ذُكرتْ الكعبةُ والبيتُ الحرامُ، فإنَّ عمرَ -رضي اللهُ عنه- أرسلَ إلى عاملهِ في مصرَ أنْ يصنعَ كسوةً للكعبةِ المشرفةِ، فصُنعتْ الكسوةُ في عهدٍ عمرَ -رضي اللهُ تعالى عنه- وظلتْ كسوةُ الكعبةِ تُصنعُ هناك، ولم يتوقفْ ذلك إلّا قبلَ قرابة المائةِ سنة.
إذا ذَكَرتَ مصرَ ذَكَرتَ الحُجَّاجَ والمعتمرين، فإنَّ البعثةَ الطبيةَ المصريةَ كانتْ في الحجِّ لسنواتٍ طويلةٍ هي أبرزُ ما ينفعُ الحجاجُ في علاجِهِم، يأتونَ مِن أقطارِ الدنيا لأجلِ أنْ يلتقُوا بهذه البعثةِ المصريةِ. إذا ذكرتَ مصرَ ذكرتَ الدفاعَ عن فلسطين، وذكرتَ الجهادَ والمجاهدين، فصلاحُ الدينِ أقامَ بمصرَ، وأبرزُ المعاركِ مع اليهودِ قادَهَا مصريون، وإذا ذكرتَ مصرَ ذكرتَ السادسَ مِن أكتوبر العاشرَ مِن رمضانَ معركةَ العبورِ .
إذا ذكرتَ مصرَ ذكرتَ أمَّنَا هاجرَ زوجةَ إبراهيمَ -عليهِ السلامُ- وهي أمُّ إسماعيلَ جدُّ رسولِنَا -عليه الصلاةُ والسلامُ-، هي مصريةٌ مِن القبطِ، وماريةُ القبطيةُ زوجةُ رسولِنَا الكريمِ وأمُّ ولدِهِ إبراهيمَ مصريةٌ، فإذا ذكرتَ مصرَ ذكرتَ أخوالَ رسولِنَا، وأصهارَ نبيِّنَا ﷺ .
أيُّها السادةُ: ذكرَ اللهُ -تعالى- مصرَ في القرآنِ، وبيّنَ اللهُ -جلّ وعلا- اسمَهَا صريحةً في أربعةِ مواضعٍ في كتابهِ تشريفًا لهَا وتكريمًا، فقالَ اللهُ -جلّ وعلا-: {وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ} [يوسف:21]، وقال -سبحانَهُ-: {ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللّهُ آمِنِينَ} [يوسف:99]، وقال -جلَّ وعلا-: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا} [يونس:87]، وحكَى -جلَّ وعلا- قولَ فرعونَ: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ} [الزخرف:51].ليس هذا فقط، بل أشارَ اللهُ -تعالى- إلى مصرَ ولم يصرّحْ باسمِهَا في ثلاثينَ موضعًا مِن القرآنِ، كقولهِ -جلّ وعلَا-: {وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا} [القصص:15]، يعني مصر، وقولهِ -جلّ وعلا-: {وَقَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ} [الأعراف:127]، يعنونَ مصرَ، إلى آخرِ هذه المواضعِ.ِ
إنّ مصرَ -أيُّها الأخيارُ- هي الأرضُ الطيبةُ التي قال اللهُ -تعالى- عنها لمَّا طهرَهَا اللهُ مِن فرعونَ وقومِهِ:{كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ} الدخان:25-28.
إنَّ مصرَ هي خزائنُ الأرضِ، بشهادةِ ربِّنَا –جلّ وعلا- لمّا قالَ عن يوسفَ -عليه السلام-: { قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} [يوسف:55[.
ولم يذكرْ اللهُ -تعالى- قصةَ نهرٍ في القرآنِ إلّا نهرَ النيلِ، قالَ -جلّ وعلا: { وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ} القصص: ٧، إنّها مصرُ يا سادةٌ: قال عنها سيدنُا عمرُو بنُ العاص رضي اللهُ عنه وأرضاهُ: ولايةَ مصرَ جامعةٌ تعدلُ الخلافةَ، يعني: ولايةُ كلِّ بلادِ الإسلامِ في كفةٍ، وولايةُ مصرَ في كفةٍ. وقال الجاحظُ: إنّ أهلَ مصرَ يستغنونَ بما فيهَا مِن خيراتٍ عن كلِّ بلدٍ، حتى لو ضُرِبَ بينها وبينَ بلادِ الدنيا بسورٍ ما ضرَّها. اللهُ أكبر، وفي أرضِ مصرَ الربوةُ التي أوَى إليها عيسَى -عليه السلام- وأمُّهُ، قال -جلّ وعلا-: {وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ} [المؤمنون:50]، وعلى أرضِ مصرَ ضربَ موسَى بعصاهُ الحجرُ فانفجرَ الماءٌ منه، وانشقَّ البحرُ لهُ، فكان كلُّ فرقٍ كالطودِ العظيمِ.
ولقد ضربَ اللهُ -تعالى- بأبطالِ مصرَ أمثلةً في كتابهِ، فمِن المصريين مؤمنُ آلِ فرعونَ البطلُ الثابتُ على الحقِّ الذي قال اللهُ -جلّ وعلا- عنه: {وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ} [غافر:28].
ومِن المصريينَ الرجلُ المؤمنُ الذي حذّرَ موسَى -عليه السلام مِن فرعونَ وجنودهِ-: {وَجَاء رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ} [القصص: 20].
فمصرُ هي أمُّ البلادِ، وهي موطنُ المجاهدين والعُبادِ، قهرتْ قاهرتُها الأممَ، ووصلتْ بركاتُها إلى العربِ والعجمِ سكنَها الأنبياءُ والصحابةُ والعلماءُ.
مصرُ الكنانةُ ما هانتْ على أحدٍ*** اللهُ يحرسُها عطفًا ويرعَاها
ندعوكَ يا ربِّ أنْ تحمِى مرابعَها *** فالشمسُ عينٌ لها والليلُ نجواهَا
مَن شاهَدَ الأرْضَ وأَقْطَارَها *** والنَّاسَ أنـواعًا وأجناسًا
ولا رأى مِصْـرَ ولا أهلها *** فما رأى الدنيا ولا الناسَ
فاللهَ اللهَ في الأوطانِ، اللهَ اللهَ في الوطنية ِ الحقيقية ِ، اللهَ اللهَ في مصرَ وأهلِهَا، اللهَ اللهَ في كلِّ غيورٍ محبٍّ لوطنهِ، اللهَ اللهَ في التضحيةِ مِن أجلِ الأوطانِ، اللهَ اللهَ في المحافظةِ على مصرِنَا، اللهَ اللهَ على كلِّ مواطنٍ يعملُ لرفعةِ وطنهِ.
حفظَ اللهُ مصرَ قيادة وشعبا من كيدِ الكائدين، وشرِّ الفاسدين وحقدِ الحاقدين، ومكرِ الـماكرين، واعتداءِ الـمعتدين، وإرجافِ الـمُرجفين، وخيانةِ الخائنين.
كتبه العبد الفقير إلى عفو ربه
د/ محمد حرز
_______________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف