خطبة الجمعة بعنوان : واجبنا تجاه المنافع المشتركة والأماكن العامة ، للدكتور خالد بدير
خطبة الجمعة بعنوان : واجبنا تجاه المنافع المشتركة والأماكن العامة ، للدكتور خالد بدير، بتاريخ 9 ذو القعدة 1445 هـ ، الموافق 17 مايو 2024م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 17 مايو 2024م ، للدكتور خالد بدير بعنوان : واجبنا تجاه المنافع المشتركة والأماكن العامة:
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 17 مايو 2024م ، للدكتور خالد بدير بعنوان : واجبنا تجاه المنافع المشتركة والأماكن العامة ، بصيغة word أضغط هنا.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 17 مايو 2024م ، للدكتور خالد بدير بعنوان : واجبنا تجاه المنافع المشتركة والأماكن العامة ، بصيغة pdf أضغط هنا.
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف
للمزيد علي قسم خطبة الجمعة القادمة
عناصر خطبة الجمعة القادمة 17 مايو 2024م ، للدكتور خالد بدير ، بعنوان : واجبنا تجاه المنافع المشتركة والأماكن العامة : كما يلي:
أولًا: دعوةُ الإسلامِ إلى الحفاظِ على الأماكنِ والمرافقِ العامَّةِ.
ثانيًا: صورُ التعدِّي على الأماكنِ والمرافقِ العامَّةِ.
ثالثًا: واجبُنَا نحوَ الأماكنٍ والمرافقِ العامَّةِ.
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 17 مايو 2024م ، للدكتور خالد بدير ، بعنوان : واجبنا تجاه المنافع المشتركة والأماكن العامة : كما يلي:
واجبُنَا تجاهَ المنافعِ المشتركةِ والأماكنِ العامَّةِ
9 ذو القعدة 1445هـ – 17 مايو 2024م
المـــوضــــــــــوع
الحمدُ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ ونتوبُ إليهِ ونستغفرُهُ ونؤمنُ بهِ ونتوكلُ عليهِ ونعوذُ بهِ مِن شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، ونشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له وأنَّ سيِّدَنَا مُحمدًا عبدُهُ ورسولُهُ ﷺ. أمَّا بعدُ:
العنصر الأول من خطبة الجمعة بعنوان : واجبنا تجاه المنافع المشتركة والأماكن العامة
أولًا: دعوةُ الإسلامِ إلى الحفاظِ على الأماكنِ والمرافقِ العامَّةِ.
لقد خلقَ اللهُ الإنسانَ وسخَّرَ لهُ كلَّ ما في هذا الكونِ، قالَ تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ}. (الجاثية: 13)، وقالَ سبحانَهُ وتعالى: {وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ}. ( إبراهيم: 34)، ومِن بينِ هذه النعمِ (المنافعُ المشتركةُ والأماكنُ العامَّةُ).
إنَّ الدينَ الإسلامِيَّ الحنيفَ لم يغفلْ عن حرمةِ الأماكنِ العامَّةِ، بل أعلَى مِن شأنِ هذه الحرمةِ فجعلَهَا أشدَّ حرمةً مِن الأماكنِ الخاصَّةِ، وعنيَ عنايةً عظيمةً بالمحافظةِ على أموالِ المسلمين، وحرَّمَ التعدِّي على أموالِ الأمةِ بغيرِ حقٍّ، ولو كان شيئًا يسيرًا . فعن عدِّى بنِ عميرةَ رضى اللهُ عنه قال: سمعتُ رسولَ اللهِ ﷺ يقولُ: ” مَنْ اسْتَعْمَلْنَاهُ مِنْكُمْ عَلَى عَمَلٍ فَكَتَمَنَا مِخْيَطًا (إبرة) فَمَا فَوْقَهُ كَانَ غُلُولًا (خيانة وسرقة) يَأْتِي بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ”.(مسلم).
فالمالُ العامُّ أعظمُ خطرًا مِن المالِ الخاصِّ الذي يمتلكُهُ أفرادٌ أو هيئاتٌ محددةٌ؛ ذلك لأنَّ المالَ العامَّ مِلْكُ الأمةِ، وهو ما اصطلحَ الناسُ على تسميتِه ” مالَ الدولةِ “، ويدخلُ فيهِ: الأرضُ التي لا يمتلكُهَا الأشخاصُ، والطرقُ والمرافقُ، ومياهُ البحارِ والأنهارِ والترعِ، والمعاهدُ والمدارسُ، والمستشفياتُ، والجامعاتُ غيرُ الخاصةِ، وكلُّ هذا مالٌ عامٌ يجبُ المحافظةُ عليهِ، ومِن هنَا تأتِي خطورةُ هذا المالِ، فالسارقُ لهُ سارقٌ للأمةِ لا لفردٍ بعينِه، فإذا كان سارقُ فردٍ محددٍ مجرمًا تُقطعُ يدُهُ إنْ كان المسروقُ مِن حرزٍ وبلغَ ربعَ دينارٍ فصاعدًا، فكيف بمَن يسرقُ الأمةَ ويبددُ ثرواتِهَا أو ينهبُهَا ؟! كيف تكونُ صورتُه في الدنيا وعقوبتُه في الآخرةِ ؟!
إنَّ تشريعَ الإسلامِ لحمايةِ الملكيتينِ الخاصَّةِ والعامَّةِ لهُ علاقةٌ وثيقةٌ بأمنِ البلادِ والعبادِ، فإذا آمنَ الفردُ بأنَّ ملكيتَهُ مصونةٌ ومحترمةٌ، وأنَّ جميعَ طرقِ العدوانِ محرمةٌ في الشريعةِ الإسلاميةِ، فإنَّ الفردَ يأمنُ على مالِه وعرضِه، ويؤدِّي ذلك إلى علاقةِ ودٍّ ومحبةٍ، واستقرارِ وسلامةِ المجتمعِ مِن كلِّ خوفٍ أو رعبٍ أو تهديدٍ .
أمّا إذا تُرِكَ الحبلُ على الغاربِ، وأصبحتْ الأموالُ الخاصُّةُ والعامَّةُ فريسةً للطامعين، ونهبًا للمعتدين، فلا شكَّ أنْ يُصابَ المجتمعُ بتفككِ أوصالِه، وهدمِ بنيانِه، ويصبحُ الفردُ في رعبٍ دائمٍ، وقلقٍ مفزعٍ، فلا هو تمتّعَ بمالِهِ، ولا اطمأنَّ في مقامِهِ، كيف لا وهو يخشَى الاعتداءَ على مالِه كما تخشَى الأسدُ مِن أنْ تُلتَهَمَ فريستُهَا؟!
العنصر الثاني من خطبة الجمعة بعنوان : واجبنا تجاه المنافع المشتركة والأماكن العامة
ثانيًا: صورُ التعدِّي على الأماكنِ والمرافقِ العامَّةِ.
إنَّ التعدِّي على الأماكنِ والمرافقِ العامَّةِ له صورٌ عديدةٌ، ومِن هذه الصور:
سوءُ استخدامِ المياهِ والإسرافُ فيهَا: فقد دعَا الإسلامُ إلى نظافةِ المياهِ وذلك بالمحافظةِ على تنقيتِهَا وطهارتِهَا، وعدمِ إلقاءِ القاذوراتِ والمخلفاتِ والبقايَا فيها، باعتبارِ أنَّ الماءَ أساسُ الحياةِ، وقد جاءتْ أوامرُهُ ﷺ ناهيةً عن أنْ يُبالَ في الماءِ الراكدِ أو الجارِي ، فَعَنْ جَابِرٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: ” أَنَّهُ نَهَى عَنْ الْبَوْلِ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ” (مسلم) ، وفي رواية: ” لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ الَّذِي لَا يَجْرِي ثُمَّ يَغْتَسِلُ فِيهِ ” (متفق عليه). والعلة من ذلك حتى لا تنتشر الأمراض والجراثيم بين أفراد المجتمع.
كذلك نهَى الشارعُ الحكيمُ عن الإسرافِ في المياهِ، فقد مَرَّ ﷺ بِسيدِنَا سَعْدٍ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ ، فَقَالَ : مَا هَذَا السَّرَفُ ؟ فَقَالَ : أَفِي الْوُضُوءِ إِسْرَافٌ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، وَإِنْ كُنْتَ عَلَى نَهَرٍ جَارٍ. ” (أحمد وابن ماجة).
ومنها: إيذاءُ الناسِ في طُرقِهِم: بأيِّ نوعٍ مِن أنواعِ الأذَى، فقد أخرجَ الطبرانِيُّ أنَّ النبيَّ ﷺ قال: « مَنْ آذَى المُسْلِمِينَ في طُرقِهِمْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ لَعْنَتُهُمْ »، ويدخلُ في الأذَى مَن يؤذِي المارةَ بدخانِ سيجارتِهِ، وقد وردَ نهيٌ صريحٌ – أيضًا – عن النومِ في الطريقِ؛ لأنَّ الطريقَ للمرورِ وليس محلًا للنومِ.
بل ينبغِي على المسلمِ أنْ يرفعَ عن الطريقِ ما يُؤذِي المارةَ مِن حجرٍ أو شوكٍ أو كلِّ ما يسببُ ضررًا بالآخرين، وهذا مِن كمالِ الإيمانِ وإحدَى شعبِهِ، فعن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي اللهُ عنهُ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ:” الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ – أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ – شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنْ الْإِيمَانِ”. (متفق عليه)، بل عدَّهُ النبيُّ ﷺ مِن الصدقاتِ فقالَ: “ وَتُمِيطُ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ”(مسلم)، بل إنَّ ذلك قد يكونُ سببًا في دخولِكَ الجنة، قالَ ﷺ: «نَزَعَ رَجُلٌ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَط غُصْنَ شَوْكٍ عَنِ الطَّرِيقِ إِمَّا كانَ في شَجَرَةٍ مُقَطَّعَةٍ فَأَلْقَاهُ، وَإِمَّا كانَ مَوْضُوعًا فَأَمَاطَهُ فَشَكَرَ الله لَهُ بِهَا فَأَدْخَلَهُ الجَنَّةَ».(البخاري ومسلم).
ومنها: التخلِّي في الطريقِ ومواضعِ الظلِّ: وذلك باعتبارِهَا أماكنُ يركنُ إليهَا المارةُ للراحةِ مِن وعثاءَ السفرِ، وعناءَ المسيرِ، ورُبَّمَا لأنَّ الشمسَ لا تدخلُهَا فلا تتطهرُ فتصبحُ محطَّ الأوبئةِ وموضعَ الأمراضِ، وقد حذّرتْ منهُ السنةُ النبويةُ المطهرةُ أشدَّ التحذيرِ، بل جعلَهُ الرسولُ ﷺ مِمَّا يجلبُ اللعنةَ على صاحبِهِ، سواءٌ لعنةُ اللهِ أم لعنةُ الناسِ، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ : ” اتَّقُوا اللاعِنَيْنِ ” قَالُوا: وَمَا اللاعِنَانِ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : “ الَّذِي يَتَخَلَّى فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ وَفِي ظِلِّهِمْ ” وفي رواية: ” اتَّقُوا الْمَلاَعِنَ الثَّلاَثَ: الْبَرَازَ فِي الْمَوَارِدِ، وَالظِّلِّ، وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ. ” . (أبو داود وابن ماجه والحاكم).
ومنها: سرقةُ التيّارِ الكهربائِي: وهي جريمةٌ نكراءُ شنعاءُ، وسارقُهَا سارقٌ للأمةِ كلِّهَا، وهو مِن أكلِ أموالِ الناسِ بالباطلِ، قالَ تعالَى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا } ( النساء: 29).
ومنها: إتلافُ الأشجارِ والزينةِ ومصابيحِ الإنارةِ: فهذه الأشجارُ والزينةُ والإنارةُ قد غرستْهَا الدولةُ في الطرقاتِ والمنتزهاتِ وغيرِهَا مِن الأماكنِ العامةِ لأغراضٍ مختلفةٍ، والتعدِّي عليها وإتلافُهَا أمرٌ منهيٌّ عنهُ شرعًا حتى مع الأعداءِ، فهذا أبُو بكرٍ – رضي اللهُ عنه – لَمَّا بعثَ يزيدَ بنَ أبي سفيانَ إلى الشامِ على ربعٍ مِن الأرباعِ، أوصاهُ قائلًا: يا يزيدُ: ” لا تَقتلّوا كبيرًا هَرمًا، ولا امرأةً، ولا وليدًا. ولا تُخرِّبوا عمرانًا، ولا تقطعُوا شجرةً، إلَّا لنفعٍ، ولا تعقرنَّ بهيمةً إلَّا لنفعٍ، ولا تُحرِّقنَّ نخلًا، ولا تُغرقنَّه، ولا تَغدِر، ولا تُمثِّل، ولا تجبُن، ولا تغلُل، ولينصرنَّ اللهُ مَن ينصرَهُ ورسلَهُ بالغيبِ، إنَّ اللهَ قويٌّ عزيزٌ”[البيهقي في الكبرى]، هذا في حالِ الحربِ مع العدوِّ، فما بالُكَ في حالِ السلمِ؟! جاءَ في سننِ أبي داود، قال النبيُّ ﷺ:” مَنْ قَطَعَ سِدْرَةً فِي فَلَاةٍ يَسْتَظِلُّ بِهَا ابْنُ السَّبِيلِ وَالْبَهَائِمُ عَبَثًا وَظُلْمًا بِغَيْرِ حَقٍّ يَكُونُ لَهُ فِيهَا؛ صَوَّبَ اللَّهُ رَأْسَهُ فِي النَّارِ”.
ومنها :تخريبُ وتدميرُ المنشآتِ العامَّةِ: فإنَّ مَن يقومُ بذلك مِن حرقِ المنشآتِ العامَّةِ وإتلافِ الحدائقِ يُعدُّ مِن صورِ التعدِّيِ على المرافقِ العامَّةِ، وقد توعدَ اللهُ هؤلاءِ بقولِهِ جلَّ وعلا: { إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ } . ( المائدة: 33) .
ومنها: تشويهُ حوائطِ المنشآتِ العامَّةِ بالكتابةِ: وهذا شائعٌ وكثيرٌ، وهو ما يقومُ بهِ الشبابُ والفتياتُ والطلابُ بالكتابةِ على جدرانِ المدارسِ والجامعاتِ والمراحيضِ ومواقفِ المواصلاتِ العامَّةِ وغيرِهَا.
هذه بعضُ صورِ التعدِّي على الأماكنِ والمرافقِ العامّةِ، والتي يجبُ مواجهتُهَا والنهيُ عنهَا؛ لصلاحِ البلادِ والعبادِ.
العنصر الثالث من خطبة الجمعة بعنوان : واجبنا تجاه المنافع المشتركة والأماكن العامة
ثالثًا: واجبُنَا نحوَ الأماكنِ والمرافقِ العامَّةِ.
أيُّها الإخوةُ المؤمنون : اعلمُوا أنَّ الأمرَ جد ُّخطيرٍ، إيَّاكُم إيَّاكُم مِن التعدِّي على المالِ العامِّ بجميعِ صورِ التعدِّي، قولُوا لكلِّ مَن أخذَ المالَ العامَّ واستحلَّهُ، أنَّهُ يأتِي بهِ حاملُهُ على رقبتِهِ يومَ القيامةِ، يقولُ تعالَى: {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ}. (آل عمران: 161).
وروى الشيخانِ عن أبي هريرةَ رضي اللهُ عنه قال: ” قام فينَا النبيُّ ﷺ فذكَرَ الغُلولَ، فعظَّمَهُ وعظَّمَ أمرَهُ، قال: ” لا ألفِيَنَّ أحدَكُم يومَ القيامةِ على رَقبتهِ شاةٌ لها ثُغاءٌ، على رَقبتِه فرسٌ لهُ حَمْحَمةٌ، يقولُ: يا رسولَ اللهِ، أغِثْنِي، فأقولُ: لا أملِكُ لكَ شيئًا؛ قد أبْلَغْتُكَ، وعلى رَقَبتِه بعيرٌ له رُغاءٌ، يقولُ: يا رسولَ اللهِ، أغِثْنِي، فأقولُ: لا أملِكُ لكَ شيئًا؛ قد أبلغتُكَ، وعلى رَقَبتِه صامتٌ، فيقولُ: يا رسولَ اللهِ، أغِثْنِي، فأقولُ: لا أملِكُ لكَ شيئًا، قد أبلغتُكَ، أو على رَقَبتِه رِقَاعٌ تَخْفِقُ، فيقولُ: يا رسولَ اللهِ، أغِثْنِي، فأقولُ: لا أملِكُ لكَ شيئًا، قد أبلغتُكَ”.
فمَن غلَّ شاةً جيءَ بهَا يوم القيامةِ تيعرُ وهي على كتفِه، ومَن غلَّ بعيرًا جاءَ يحملُهُ يومَ القيامةِ وله رُغاءٌ يسمعهُ أهلُ الموقفِ على كتفِه، ومَن غلَّ فرسًا جاءَ يحملُهُ يومَ القيامةِ وله حمحمةٌ، ومَن غلَّ شيئًا قليلًا أو كثيرًا إلّا جُعلَ ناطقًا أمامَهُ، حتى الذهبِ والفضةِ، مَن غلَّ صامتًا، أي: ذهبًا أو فضةً جاءَ بهِ يومَ القيامةِ يحملُهُ!!
إنَّ الكثيرَ منَّا قد تساهلَ في أمرِ المالِ العامِّ تساهلًا عظيمًا في هذا الزمانِ:
أحدُهُم يضعُ هاتفَهُ الجوالَ جانبًا ثم يتكلمُ مِن هاتفِ العملِ في أمورِهِ الشخصيةِ!! وآخرُ يستخدمُ سيارةَ العملِ في قضاءِ حاجياتِه وحاجةِ أولادِه..!! وثالثٌ لا يأبَهُ مِن الخروجِ مبكرًا مِن العملِ بحجةِ أنَّهُ لا يوجدُ تقديرٌ للموظفِ مِن حيثُ الراتبِ أو العلاواتِ فهو ينتقمُ بطريقتِهِ الخاصةِ !! ورابعٌ يستخدمُ حاسوبَ العملِ في طباعةِ أوراقِهِ الخاصةِ !! وخامسٌ يستخدمُ فاكسَ الدائرةِ الحكوميةِ في إرسالِ سيرتِه الذاتيةِ هنَا وهناكَ!! وسادسٌ يحملُ معهُ أقلامَ وأدواتِ العملِ إلى البيتِ ليوزعَهَا على أطفالِه !! وغيُر ذلك مِن صورِ التعدِّي على المالِ العامِّ !!
فأينَ نحنُ جميعًا مِن منهجِ سلفِنَا الصالحِ في أعمالِهِم وورعِهِم وتقواهم ؟!!
ألَا فبادرْ بالتوبةِ، فبابُ التوبةِ مفتوحٌ لكلِّ مَن أخذَ مالًا خاصًا مِن أخيهِ، أو عامًّا مِن الدولةِ، أنْ يردَّ ما أخذَ مِن مظالمٍ لأهلِهَا، قبلَ أنْ يحملَ مظلمتَهُ على رقبتِهِ في الآخرةِ، ويُفضحَ بها على رؤوسِ الخلائقِ يومَ القيامةِ.
فعلينَا أنْ نربيَ أبناءَنَا وبناتِنَا على حرمةِ المرافقِ العامَّةِ والحفاظِ عليهَا، ولنضربْ لهم مثلَ سلفِنَا الصالحِ وورعهِم تجاهَ المرافقِ العامَّةِ، ومِن هذه المواقفِ النبيلةِ: ما رويَ عن أبِي بكرٍ المروزي: أنَّ شيخًا كان يجالسُ الإمامَ أحمدَ بنَ حنبلٍ -رحمَهُ اللّهُ- ذا هيبةٍ، فكان أحمدُ يقبلُ عليهِ ويكرمُهُ فبلغَهُ عنهُ أنَّهُ طيَّنَ حائطَ دارِهِ مِن خارجٍ، قال: فأعرضَ عنهُ في المجلسِ فاستنكرَ الشيخُ ذلك فقال: يا أبا عبدِ اللّهِ هل بلغَكَ عنِّي حدثٌ أحدثتُهُ؟ قال: نعم، طينتَ حائطَكَ مِن خارجٍ، قال: ولا يجوزُ؟ قال: لا؛ لأنَّكَ قد أخذتَ مِن طريقِ المسلمينَ أنملةً قال: فكيفَ أصنعُ؟ قال: إمَّا أنْ تكشطَ ما طينتَهُ، وإمَّا أنْ تهدمَ الحائطَ وتواخرَهُ إلى وراءٍ مقدارَ أصبعِ ثُمَّ تُطينَهُ مِن خارجٍ قال: فهدمَ الرجلُ الحائطَ وأخّرَهُ أصبعًا ثُمَّ طينَهُ مِن خارجٍ، قال: فأقبلَ عليهِ أبو عبدِ اللّهِ كمَا كان” (قوت القلوب) .
فأوصيكُم ونفسِي ولستُ بخيرِكُم أنْ نتقيَ اللهَ في الأماكنِ والمرافقِ العامَّةِ التي بينَ أيدينَا، وإنِّي أعلمُ أنَّ بعضنَا قد يأخذُ مِن المالِ العامِّ لا على سبيلِ قصدِ السرقةِ والغلولِ، ولكنْ على سبيلِ التساهلِ وعدمِ الالتفاتِ إلى القضيةِ على اعتبارِ أنَّهَا مِن المحقراتِ، فأقولُ: لا بُدَّ لنَا مِن الحيطةِ والحذرِ قبلَ أنْ نُفجأَ في ذلك اليومِ العظيمِ بتكاثرِ تلك المحقراتِ على رقابِنَا فيطولُ حسابُنَا، وإنِّي لأعرفُ رجالًا إذا تسلمَ أحدُهُم مرتبَهُ أخرجَ نسبةً منهُ تطهيرًا لهُ مِن تقصيرٍ ارتكبَهُ في عملِهِ أو لاستخدامِهِ بعضَ مرافقِ العملِ لأمورٍ خاصَّةٍ.
فعلينَا أنْ نحافظَ على الأماكنِ والمرافقِ العامَّةِ، وأنْ نكونَ صورةً مشرفةً حضاريةً لمصرِنَا الحبيبةِ أمامَ العالمِ كلِّهِ.
نسألُ اللهَ أنْ يرزقنَا الرزقَ الحلالَ وأنْ يباركَ لنَا فيهِ، وأنْ يحفظَ مصرَنَا مِن كلِّ مكروهٍ وسوءٍ،،
الدعاء،،،، وأقم الصلاة،،، كتبه : خادم الدعوة الإسلامية
د/ خالد بدير بدوي
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف