أخبار مهمةخطبة الأسبوعخطبة الجمعةخطبة الجمعة القادمة ، خطبة الجمعة القادمة لوزارة الأوقاف المصرية مكتوبة word pdfعاجل

خطبة الجمعة القادمة للدكتور محمد حرز بعنوان : القرآن الكريم كتاب رحمة للعالمين

خطبة الجمعة القادمة بعنوان : القرآن الكريم كتاب رحمة للعالمين ، للدكتور محمد حرز ، بتاريخ 10 محرم 1445هـ ، الموافق 28 يوليو 2023م. 

 

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 28 يوليو 2023م بصيغة word بعنوان : القرآن الكريم كتاب رحمة للعالمين ، للدكتور محمد حرز.

 

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 28 يوليو 2023م بصيغة pdf بعنوان : القرآن الكريم كتاب رحمة للعالمين ، للدكتور محمد حرز.

عناصر خطبة الجمعة القادمة 28 يوليو 2023م بعنوان : القرآن الكريم كتاب رحمة للعالمين ، للدكتور محمد حرز.

 

أولًا: القرآنُ منهجُ حياةٍ.

ثانيــــًا: حربٌ على القرآنِ مِن آنٍ لآخرٍ.

ثالثــــًا وأخيرًا: واجبُنَا تجاهَ القرآنِ.

 

ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 28 يوليو 2023م بعنوان : القرآن الكريم كتاب رحمة للعالمين ، للدكتور محمد حرز : كما يلي:

خطبة الجمعة القادمة : القرآنُ الكريمُ كتابُ رحمةٍ للعالمين.

للدكتور محمد حرز ، 9 من المحرم بتاريخ  1445هـ، الموافق، 31يوليو 2023م

الحمدُ للهِ الذي لم يتخذْ ولدًا ولم يكنْ لهُ شريكٌ في الملكِ وما كانَ معهُ مِن إلهٍ، سبحانَهُ هو المستحقُّ لجميعِ أنواعِ العبادةِ ولذا قضَي أنْ لا نعبدَ إلَّا إيَّاهُ، ذلك بأنَّ اللهَ هو الحقُّ وأنَّ ما يدعونَ مِن دونِه هو الباطلُ وأنَّ اللهَ هو العلىُّ الكبيرُ، الحمدُ للهِ القائلِ في محكمِ التنزيلِ: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا) [الكهف: 1]. وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه ُأولٌ بلا ابتداء، وآخرٌ بلا انتهاء، الفردُ الصَّمَدُ  الذي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ وَأشهد أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ البشيرُ النذيرُ ,السراجُ المنيرُ , خيرُ الأنبياءِ مقامًا, وأحسنُ الأنبياءِ كلامًا , الداعِي إلي خيرِ الأقوالِ وأحسنِ الأفعالِ ,  فجاءَ بالدينِ الوسطِ وحذّرَ مِن الزيغِ والشططِ، وتركنَا علي المحجةِ البيضاءِ ليلهَا كنهارِهَا لا يزيغُ عنها إلُا هالكٌ، ولا يتمسكُ بها إلّا كلُّ مفلحٍ راشدٍ، فاللهمَّ صلِّ وسلمْ وزدْ وباركْ على النبيِّ  المختارِ وعلى آلهِ وصحبهِ الأطهارِ وسلمْ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدينِ.

 أمَّا بعدُ …..فأوصيكُم ونفسِي أيُّها الأخيارُ بتقوى العزيزِ الغفارِ} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } سورة  أل عمران (102)0

عبادَ الله: ((القرآنُ الكريمُ كتابُ رحمةِ للعالمين)) عنوانُ وزارتِنَا وعنوانُ خطبتِنَا.

عناصر اللقاء:

أولًا: القرآنُ منهجُ حياةٍ.

ثانيــــًا: حربٌ على القرآنِ مِن آنٍ لآخرٍ.

ثالثــــًا وأخيرًا: واجبُنَا تجاهَ القرآنِ.

أيُّها السادةُ: ما أحوجنَا في هذه الدقائقِ المعدودةِ إلى أنْ يكونَ حديثُنا تحت عنوان: (القرآنُ الكريمُ كتابُ رحمةٍ للعالمين)، وخاصةً بعدمَا رأينَا وشاهدنَا بعضَ الأقزامِ يتطاولون على القرآنِ ويحرقون المصحفَ على مواقعِ التواصلِ، وهؤلاء الأقزامُ لا يعلمون ولا يفقهون أنّ القرآنَ في الصدورِ قبلَ السطورِ، أنّ القرآنَ دستورٌ وليس سطورًا، وخاصةً وهناك الكثيرُ مِن المسلمين لا يقرؤونَ القرآنَ إلّا في رمضانَ فقط، وكأنّ رمضانَ هو شهرُ القرآنِ فقط، المصاحفُ الآن إلَّا ما رحمَ اللهُ على الأرففِ عليها الترابُ تشتكِي حالَها إلى الكبيرِ المتعال، وخاصة وهناك الآن مَن يجلسُ معنا في المسجدِ وبلغ الثلاثينَ والأربعينَ والخمسينَ مِن عمرِه ولم يقرأْ القرآنَ ولو مرةً واحدةً في الوقت الذي يقرأُ كلَّ يومٍ أكثرَ مِن جريدةٍ إخباريةٍ. ولا حولَ ولا قوةَ إلّا باللهِ.

العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : القرآن الكريم كتاب رحمة للعالمين

أولًا: القرآنُ منهجُ حياةٍ.

أيُّها السادة: القرآنُ هو كلامُ ربِّ العالمين المنزلُ علي سيدِ النبيين نزلَ في أفضلِ شهرٍ ألَا وهو شهرُ رمضانَ نزلَ في أفضلِ ليلةٍ وهي ليلةُ القدرِ نزلَ به أفضلُ ملكٍ وهو جبريلُ عليه السلامُ نزلَ علي أفضلِ نبيٍّ وهو المصطفَي ﷺ. القرآنُ هو أساسُ الدينِ ومصدرُ التشريعِ الأولِ وحجةُ اللهِ البالغةُ ونعمتُه الباقيةُ فيه نبأُ مَن قبلنَا وخبرُ مَن بعدنَا, كتابٌ ( لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ ) قال السديُّ: الباطلُ هو الشيطانُ لا يستطيعُ أنْ يزيدَ فيه حرفًا ولا ينقصُ منه حرفًا اللهُ أكبرُ، مَن اتخذَهُ إمامًا فقد فازَ خيرَ الدنيا والآخرةِ ومَن اتخذَهُ خلفَ ظهرِه فقد خسرَ الدنيا والآخرةَ .و واللهِ مَا طَابَتِ حَيَاةٌ إِلَّا بالقرآنٍ، وَلَا نَجَاةَ إِلَّا بِالِاسْتِمْسَاكِ بِه، فهُوَ أَصْدَقُ الْحَدِيثِ، وَأَشْرَفُ الذِّكْر، وَفَضْلُهُ عَلَى سَائِرِ الْكَلَامِ كَفَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى خَلْقِهِ.

والقرآنُ الكريمُ هو حبلُ اللهِ المتينُ ونورهُ المبينُ وهو الذكرُ الحكيمُ وهو الصراطُ المستقيمُ وهو الذي لا تزيغُ به الأهواءُ ولا تلتبسُ به الألسنةُ ولا يشبعُ منه العلماءُ وهو الذي مَن قالَ به صدق، ومَن حكمَ به عدل، ومَن عملَ به أُجر، ومَن دعي إليه هدي إلي صراطٍ مستقيمٍ.

القرآنُ هو الْكِتَابُ الْمُبِينُ، وَالْحِصْنُ الْحَصِينُ، وَالْحِرْزُ الْمَكِينُ مِنَ الْأَبَالِسَةِ وَالشَّيَاطِينِ، فِيهِ عَجَائِبُ لَا تَنْقَضِي، لَا يَمَلُّ مِنْهُ قَارِئُوهُ، وَلَا يَسْأَمُ مِنْهُ سَامِعُوهُ. القرآنُ معجزةٌ خالدةٌ باقيةٌ إلى قيامِ الساعةِ بَهَرَت الأولينَ والآخِرين وأعجزت البُلَغاءَ، وحَيَّرَتْ الشُّعَراء، وأذلَّتْ كثيرًا مِن الحُكَماءِ، والتي لا تزالُ إلى اليومِ لها أثَرُها على مَن يَفهَمونَ العربيةَ ومَن لا يَفهمونَها، تلكَ المعجزةُ هي التي قالَ اللهُ -جَلَّ وعلا- عنها )) وَقَالُوا لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِن رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِندَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ)[العنكبوت:50]، قالَ جلَّ وعلا((أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ((العنكبوت:51.

فَخَيْرُ النَّاسِ فِي الدُنْيَا أَهْلُ الْقُرْآن، تلَاوتُه كلُّها خَيْرٌ، وَلَا تَأْتِي إِلَّا بِالخَيْرٍ و { الْمَاهِرُ بِالْقُرْآنِ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ، وَالَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَتَتَعْتَعُ فِيهِ وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ فَلَهُ أَجْرَانِ“، مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَة، وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا. والقرآنُ الكريمُ كتابُ رحمةٍ للعالمين، قال جلّ وعلا(( يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) [يونس: 57].

لذا سمَّي اللهُ تبارك وتعالي القرآنَ بأسماءَ كثيرةٍ منها: أنّه شفاءٌ للمؤمنين قال تعالي ( وَنُنزلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلا خَسَارًا ) [سورة الإسراء:82].

وسمَّاه اللهُ جل وعلا نورًا لتوقفِ الهدايةِ عليه، فقالَ عزّ من قال { قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ) المائدة 15)، وسمَّاه اللهُ جل وعلا ذكرًا فقالَ ربُّنَا { وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنزلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ  }(الانبياء50)

وسمّاهُ اللهُ جلّ وعلا روحًا لتوقفِ الحياةِ الحقيقيةِ عليهِ ألَا وهي حياةُ القلوبِ  فقالَ سبحانَهُ (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) الشورى(52)

بل القرآنُ أحسنُ الحديثِ وأفضلُهُ كما قالَ ربُّنَا: { اللَّهُ نزلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} (23)، فالقرآنُ هو كلامُ اللهِ الذي تحدّى اللهُ به البشريةَ كلَّها بصفةٍ عامة و المشركين بصفةٍ خاصةٍ، وما زالَ التحدي قائمًا إلى يومِ القيامةِ، قال جلّ وعلا: {قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} (88) سورة الإسراء، فلمَّا عجزُوا عن الإتيانِ بقرآنٍ مثلِه فقالَ سبحانه: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} (13) سورة هود، فلمَّا عجزُوا عن الإتيانِ بِعَشْرِ سُوَرٍ تحدّاهُم أنْ يأتُوا بسورةٍ واحدةٍ مِن مثلِ سورِ القرآنِ الجليلِ فعجزوا قال تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} (38) سورة يونس. وقال تعالى: {وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} سورة البقرة(23، 24).

 فالقرآنُ الكريمُ كلامُ اللهِ الذي لو نزلَ على جبلٍ لتصدعَ الجبلُ مِن خشيةِ اللهِ، قال ربُّنَا: {لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ }سورة الحشر (21)

ولكن كيف تخشعُ الجبالُ للقرآنِ ولا تخشعُ القلوبُ؟ سؤالٌ مريرٌ، كيف تتصدعُ الجبالُ مِن القرآنِ ولا تتحركُ له القلوبُ ولا حولَ ولا قوةَ إلّا باللهِ.

فالقرآنُ تخشعُ له الحجارةُ وتخشعُ له الجبالُ ولا تخشعُ منه القلوبُ، هذه مصيبةٌ تبكِي عندَ مشاهدَةِ الأفلامِ ولا تبكِي عند سماعِ القرآنِ هذه مصيبةٌ.

لذا قال أحدُهُم: اطلبْ قلبَكَ في ثلاثةِ مواطنٍ عندَ سماعِ القرآنِ، وعندَ مجالسةِ الصالحين، وفي أوقاتِ الخلوةِ، فإنْ لم تجدْهُ فسل اللهَ أنْ يمنَّ عليك بقلبٍ فإنَّه لا قلبَ لك .لذا قال عثمانُ رضي اللهُ عنه: واللهِ لو طهرتْ قلوبُنَا ما شبعنَا مِن كلامِ ربِّنَا. بل انظروا أيُّها السادةُ لمَّا قرأَ النبيُّ المختارُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : {أَزِفَتْ الْآزِفَةُ * لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ* أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ * وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ * وَأَنتُمْ سَامِدُونَ}  سورة النجم(57، 61)أي: ترقصون وتطلبون وتزمرون {فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا*} (62) سورة النجم. فخرَّ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ساجدًا لربِّه.  اسمعْ… فلم يتمالكْ أحدٌ مِن المشركين نفسَهُ فخرُّوا ساجدًا للهِ ربِّ الأرضِ والسماءِ. اللهُ أكبرُ لمّا سمعَ المشركون القرآنَ بتدبرٍ وخشوعٍ خرُّوا سجدًا للهِ ربِّ العالمين. بل لمّا سمعَ الجنُّ القرآنَ مِن أطهرِ فمٍ عرفَهُ الوجودُ وهو فمُ المصطفَى ﷺ ( فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا}.

تابع / خطبة الجمعة القادمة بعنوان : القرآن الكريم كتاب رحمة للعالمين

لذا جعلَ اللهُ نزولَ القرآنِ علي الأمةِ المحمديةِ نعمةً لا تحصَي ومنةً عظمَي، قالَ ربُّنَا: { أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (51)}، وقال جل وعلا: { قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (58) } قال  ابنُ عباسٍ: فضلُ اللهِ :الإسلام ،وَرَحْمَتُهُ :أَنْ جَعَلَكُمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرْآنِ” فالحمدُ للهِ علي نعمةِ الإسلامِ وكفَي بها نعمة، والحمدُ للهِ علي نعمةِ القرآنِ وكفَي بها نعمة، ،بل جعلَ اللهُ القرآنَ أمينًا علي الكتبِ السابقةِ، قالَ ربُّنَا: {وَأَنْزَلْنَا إلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بِيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عليه}. قال ابنُ عباسٍ: المهيمنُ هو الأمينُ، فالقرآنُ أمينٌ علي كلِّ الكتبِ قبلَهُ.

بل أمرَ اللهُ نبيَّهُ أنْ يتلوَا القرآنَ بالليلِ والنهارِ، فقالَ جلّ وعلا: ( وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (91) وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآَنَ)، لذا قال النبيُّ المختارُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما في حديثِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ)، بل القرآنُ يأتِي شفيعًا لأصحابِه يومَ القيامةِ، فعن أَبُى أُمَامَةَ الْبَاهِلِيُّ قَال سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِ )رواه مسلم

وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَقُولُ الصِّيَامُ أَيْ رَبِّ مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ وَيَقُولُ الْقُرْآنُ مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ قَالَ فَيُشَفَّعَانِ)) بل القرآنُ سببٌ مِن أسبابِ نزولِ السكينةِ والرحمةِ مِن ربِّ الأرضِ والسماواتِ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ تَعَالَى يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ وَذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ)، بل أهلُ القرآنِ يا سادةٌ هم أهلُ اللهِ وخاصتُه، لحديثِ النبيِّ المختارِ كما في حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ لِلَّهِ أَهْلِينَ مِنْ النَّاسِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ هُمْ قَالَ هُمْ أَهْلُ الْقُرْآنِ أَهْلُ اللَّهِ وَخَاصَّتُهُ)، بل  انتبهْ لا حسدَ إلّا في اثنتينِ كما قال النبيُّ المختارُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  كما في حديث  عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَا حَسَدَ إِلَّا عَلَى اثْنَتَيْنِ رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَقَامَ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَرَجُلٌ أَعْطَاهُ اللَّهُ مَالًا فَهُوَ يَتَصَدَّقُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ)متفق عليه، بل القرآنُ نورٌ لصاحبهِ في الأرضِ وذخرٌ لك في السماءِ، فعن أبي ذرٍّ رضي اللهُ عنه قال قلتُ يا رسولَ اللهِ أوصنِي قال عليكَ بتقوى اللهِ فإنّها رأسُ الأمرِ كلِّه، قلتُ يا رسولَ اللهِ زدنِي قال عليكَ بتلاوةِ القرآنِ فإنّه نورٌ لك في الأرضِ وذخرٌ لك في السماءِ) رواه ابن حبان في صحيحه، فالقرآنُ نورٌ في الدنيا ونورٌ في الآخرةِ.

 بل القرآنُ سبيلُ النجاةِ في الدنيا وسبيلُ النجاةِ في الآخرةِ، ونسيانُ القرآنِ سببٌ مِن أسبابِ العمَي عمَي القلوبِ، كما قال ربُّنَا: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (126) }،  قال ابنُ عباسٍ -رضي اللهُ عنه-: “ذِكْرُ اللهِ -تعالى- هنا هو القرآنُ تَكَفَّلَ اللهُ -تعالى- لمن أخذَ بالقرآنِ ألّا يَضِلَّ في الدنيا ولا يَشقى في الآخِرَة، ثم قرأ: (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى)[طه:123]”. وكراهةُ القرآنِ تُؤدِّي إلي إحباطِ ثوابِ الأعمالِ، كما قال ربُّنا: ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (8) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (9) }، فالقرآنُ سبيلُ النجاةِ في الدنيا وسبيلُ النجاةِ في الآخرةِ. وقد تَكَفَّلَ اللهُ -جلَّ وعلا- بأنَّ مَنْ يَحفظْ القرآنَ أنَّ اللهَ يُعِزُّهُ ويَرفعُه، فقالَ سبحانه: (بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ)[العنكبوت:49]؛ فجعلَ اللهُ -تعالى- الذي يحفظُ القرآنَ في مكانةٍ عالية ومنزلةٍ عظيمةٍ، جعلَهُ مِن الذين أوتُوا العِلْمَ وإنْ كانَ ليسَ ذا نَسَبٍ يَرفَعُهُ ولا ذا مالٍ يَكَثِّرُه ،فلقد جعلَ الله -تعالى- كتابَهُ رِفْعَةً لمَن أخذَ بهِ، فقالَ جلّ وعلا (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ)[الزخرف:44] هذا القرآنُ ذِكْرٌ يعني رِفعَةٌ وعِزٌّ شامِخٌ لك ولقومِك، (وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ) سوف تُسألونَ عن القرآنِ هل فَهِمتُموهُ هل تَلَوتُموه؟! هل طَبَّقتُموه، هل حَكَّمتُموه، هل تَدَبَّرتُم في آياتهِ ودلائِلِه. فاحرصْ علي أنْ تكونَ مِن أهلِ القرآنِ أو علي أنْ تجعلَ ولدَك مِن أهلِ القرآنِ لتنعمَ في الدنيا ولتسعدَ في الآخرةِ، أسالُ اللهَ أنْ يجعلنِي وإياكُم مِن أهلِ القرآنِ إنّه وليُّ ذلك والقادرُ عليه

العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : القرآن الكريم كتاب رحمة للعالمين

ثانيــــًا: حربٌ على القرآنِ مِن آنٍ لآخرٍ.

أيُّها السادة: اعلموا يقينًا أنّ الصراعَ بينَ الحقِّ والباطلِ قديمٌ بقدمِ الحياةِ على ظهرِ الأرضِ، ولا يزالُ الإسلامُ العظيمُ منذُ أنْ ظهرَ فجرُه واستفاضَ نورُه إلى يومنا لا زالَ مستهدفًا مِن أعداءِ الإسلامِ، فأعداءُ الإسلامِ لا ينامون ليلًا ولا نهارًا يفكرون في هدمِ الإسلامِ وزعزعةِ المسلمين عن دينِهم ومعتقداتِهم ومقدساتِهم، ولا حولَ ولا قوةَ إلّا باللهِ، ولقد علمَ أعداءُ الإسلامِ أنّ الخطوةَ الأولى للقضاءِ على هذا الدينِ، هي القضاءُ على القرآنِ الكريمِ، ولكن هيهاتَ هيهات، فالذي تولَّى حفظَ القرآنِ هو اللهُ، ومَن تولّى اللهُ حفظَهُ لا يضيعُه أحدٌ، قالَ جلّ وعلا ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: 9]، لقد أعلنوا الحربَ على القرآنِ مِن أولِ لحظةٍ نزلَ فيها على قلبِ المصطفَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، إلي وقتِنَا  هذا بل إلي يومِ أنْ يرثَ اللهُ الأرضَ ومَن عليها، فلقد أعلنوهَا صراحةً عندما قال أحدُهم : ما دامَ القرآنُ موجودًا في أيدِي المسلمين، فلن تستطيعَ أوربا أنْ تسيطرَ على الشرقِ الأوسطِ، ولا أنْ تكون أوربا نفسُهَا في أمانٍ. ولن نستطيعَ القضاءَ على الإسلامِ إلّا بعدَ القضاءِ علي أربعٍ: القرآنٍ، والكعبةِ، وصلاةِ الجمعةِ، والأزهرِ. ولا حولَ ولا قوةَ إلّا باللهِ.

لكن هل يضرُّ السماءُ أنْ تمتدَّ إليها يدٌ شلاءٌ؟! وهل يضرُّ السماءُ نبحَ الكلابِ؟ وهل يطفئُ نورَ الشمسِ جميعُ الأفواهِ؟! و أين نورُ السُها مِن شمسِ الضحى ؟! وأين الثرَى مِن كواكبِ الجوزاءِ ؟! لكن هيهاتَ هيهات . فالذي تولَّى حفظَ القرآنِ هو اللهُ ومَن تولّى اللهُ حفظَهُ لا يضيعهُ أحدٌ، انتبهْ  فهؤلاء الاقزامُ الذين يتطاولون على القرآنِ مِن آنٍ لآخرٍ ما هم إلّا  كذبابةٍ  حقيرةٍ سقطت على نخلةِ تمرٍ عملاقةٍ، فلمّا أرادتْ الذبابةُ الحقيرةُ الرحيلَ قالت الذبابةُ لنخلةِ التمرِ العملاقةِ الشامخةِ: تماسكي أيتُها النخلةُ، فإنِّي راحلةٌ عنكِ، فقالت لها نخلةُ التمرِ العملاقةُ: انصرفِي أيتُها الذبابةُ الحقيرةُ فهل شعرتُ بك حينما سقطتِ علىَّ لأستعدَّ لكِ وأنتِ راحلةٌ عنِّي. يا رب سلم لكنِّي وربِّ الكعبةِ أخشى علي القرآنِ مِن أهلِ القرآنِ أخشى على القرآنِ مِن هَجرِنَا له { وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا (30) لكنِّي وربِّ الكعبةِ أخشى علي القرآنِ مِن أهلِ القرآنِ فقد وضعوه في غيرِ موضعِه، فالقرآنُ لم ينزلْ مِن السماءِ ليقرأَ على الأمواتِ في القبورِ؟ القرآنُ لم ينزلْ مِن السماءِ ليهلهلَ به في المأتمِ، القرآنُ لم ينزلْ مِن السماءِ  ليوضعَ في العلبِ القطيفةِ الفخمةِ الضخمة اِلتي تُهدَي إلي عليةِ القومِ وفى غرفِ الصالونِ!!! القرآنُ لم ينزلْ مِن السماءِ ليوضعَ في السياراتِ خوفًا مِن الحوادثِ !!! القرآنُ لم ينزلْ مِن السماءِ ليوضعَ في أعلَي البيوتِ خوفًا مِن الحسدِ !!! ، فالقرآنُ نزلَ مِن السماءِ ليكونَ  منهجًا ودستورًا وحياةً  للأمةِ واللهِ ما ذلت الأمةُ وهانت وضُربت علي أمِّ الرأسِ بالنعالِ إلّا يومَ أنْ استبدلت الأمةُ بالعبيرِ بعرًا، وبالثُريّا ثَرى، وبالرحيقِ المختومِ حريقًا مُحرقًا مُدمرًا، يومَ تركتْ الأمةُ سفينةَ النجاةِ الوحيدةِ وركبتْ قواربَ الشرقِ وقوارب الغرب، فضربت الأمةُ علي أمِّ الرأسِ بالنعالِ، ولا حولَ ولا قوةَ إلّا باللهِ، و واللهِ ما قادت الأمةُ الشرقَ والغربَ إلّا بالقرآنِ، وما تحولت الأمةُ مِن رعاةٍ للإبلِ والغنمِ إلى زعماءَ وقادةٍ لجميعِ الدولِ والأممِ إلّا يومَ أنْ فهمت الأمةُ كتابَ ربِّها وسنةِ نبيِّها ﷺ ,إلّا يومَ أنْ حكَّمت الأمةُ قرآنَ ربِّهَا وسنةَ نبيِّها ﷺ ،بل  انظروا يا مسلمون  عندما سمعَ أعرابيٌّ لا أقولُ صحابيًّا بل أعرابيًّا سمعَ رجلًا يقرأُ  قولَ اللهِ جلّ وعلا: {وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ}  سورة الذاريات (22، 23) فقالَ الأعرابيُّ: من ذا الذي أغضبَ الكريمَ حتى يقسم؟ اللهُ أكبر، فهمٌ للقرآنِ …لكنّنا نقرأُ القرآنَ ولا نعتبر؟  نقرأُ القرآنَ ولا نتدبر؟ نقرأُ القرآنَ ولا نخشع، نقرأُ القرآنَ واللسانُ في وادٍ والقلبُ في وادٍ آخر، ولا حولَ ولا قوةَ إلّا باللهِ { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نزلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (16) } بل لو نظرتَ إلي حالِ السلفِ الصالحِ مع القرآنِ وحالِنَا مع القرآنِ لبكيتَ بدلَ الدموعِ دمًا، ولا حولَ ولا قوةَ إلّا باللهِ، فلقد كان منهم مَن يقرأُ القرآنَ في ليلةٍ ومنهم مَن يقرأُ القرآنَ في ليلتين ومنهم مَن يقرأُ القرآنَ في سبعِ وفي عشرِ ليالٍ، ولا تتعجبْ فحالُنَا مع التليفونِ كحالِ الصحابةِ الأخيارِ مع القرآنِ يا سادةٌ. فالقرآنُ روحٌ ونورٌ، روحٌ للحياةِ ونورٌ للطريقِ، حياةُ الإنسانِ وطريقُه، وحياةُ الأمةِ وطريقُهَا، فهو يخرجُ الإنسانَ والأمةَ مِن ظلماتِ الشركِ والكفرِ والجهالةِ والعصيانِ إلى نورِ الإيمانِ والعلمِ والطاعةِ للواحدِ الديَّانِ. قال جلّ وعلا( وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ)) [الشورى:7].

يا مصطفَى ولأنتَ ساكنُ مهجتِي ***روحِي فداكَ وكلُّ ما ملكتْ يدِي

إنّي وقفتُ لنصرِ دينِكَ همتِي*** وسعادتِي ألّا بغيرِكَ اقتدِي

لك معجزاتٌ باهراتٌ جمةٌ*** وأجلهَا القرآنُ خيرُ مؤيدِي

ما حُرفتْ أو غُيرتْ كلماتُه*** شُلّتْ يدُ الجانِي وشاهَ المعتدِي

وأنا المحبُّ ومهجتِي لا تنثنِي ***عن وجدِهَا وغرامِهَا بمحمدِ

قد لامنِي فيه الكفورُ ولو درَى*** نِعم الإيمانُ بهِ لكانَ مساعدِي

يا ربِّ صلِّ على الحبيبِ مُحمدٍ ***واجعلْهُ شافعنَا بفضلِكَ في غدِ

أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الخطبة الثانية …الحمدُ للهِ ولا حمدَ إلّا لهُ، وبسمِ اللهِ ولا يستعانُ إلّا به، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ .. وبعد

العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : القرآن الكريم كتاب رحمة للعالمين

ثالثــــًا وأخيرًا: واجبُنَا تجاهَ القرآنِ.

أيُّها السادة: الواجبُ على كلِّ مسلمٍ ومسلمةٍ أنْ يتمسكَ بكتابِ اللهِ – جل وعلا – وبسنةِ سيدِ البشريةِ مُحمدٍ رسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصدقَ النبيُّ إذ يقولُ: (تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ)، فلنتمسكْ بالقرآنِ قراءةً وتلاوةً وسماعًا وتدبرًا للقرآنِ وعملًا بأحكامِه، فلنمتثلْ أوامرَ القرآنِ أمرًا أمرًا ، ونجتنبْ نواهيَهُ نهيًا نهيًا ونقفْ عند حدودِه ولنعطرْ البيوتَ، والطرقاتِ والشوارعَ ، والمزارعَ والمصانعَ بآياتِ الذكرِ الحكيمِ ولتعاهدْ ربَّكَ الآن أنْ تجعلَ لنفسِكَ وردًا قرآنيًّا في كلِّ يومٍ بالليلِ والنهارِ إذا كنت تستطيعُ القراءةَ لتضمنَ لنفسِكَ السعادةَ في الدنيا والآخرةِ فَعن عبدِ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا لَا أَقُولُ الم حَرْفٌ وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ وَلَامٌ حَرْفٌ وَمِيمٌ حَرْفٌ))، بل مثلُ المؤمنِ الذي يقرأُ القرآنَ كما قال النبيُّ المختارُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ الْأُتْرُجَّةِ رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا طَيِّبٌ وَمَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ التَّمْرَةِ لَا رِيحَ لَهَا وَطَعْمُهَا حُلْوٌ وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مَثَلُ الرَّيْحَانَةِ رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ الْحَنْظَلَةِ لَيْسَ لَهَا رِيحٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ).

بل عن عبدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ اقْرَأْ وَارْتَقِ وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا فَإِنَّ مَنْزِلَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَؤُهَا)) بل قال ابنُ عباسٍ رضي الله عنهما: مَن قرأَ القرآنَ لم يردْ إلى أرذلِ العمرِ، وذلك قولُه تعالى ثم رددناهُ أسفلَ سافلينَ إلّا الذين آمنوا، قال الذين قرؤوا القرآنَ، ومَن لم يستطعْ منكم أنْ يقرأَ القرآنَ إلّا بمشقةٍ، فليقرأْهٌ . ففي الصحيحينِ مِن حديثِ عائشةَ أنّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : الْمَاهِرُ بِالْقُرْآنِ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ وَالَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَتَتَعْتَعُ فِيهِ وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ لَهُ أَجْرَانِ)، فإنْ لم تستطعْ القراءةَ فاستمعْ إلي القرآنِ، {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (204) سورة الأعراف، وإنْ لم تستطعْ السماعَ فانظرْ في المصحفِ لتنلْ البركةَ والخيرَ في الدنيا والآخرةِ. ولنتخلقْ بأخلاقِ القرآنِ، ولنتأدبْ بآدابِ القرآنِ ليتعلمَ العالمُ كلُّه مِن أخلاقِنَا وأدبِنَا، ليعرفَ أنّ القرآنَ كتابٌ عالميٌّ وكتابُ رحمةِ للعالمين، ولن يكونَ هذا إلّا إذا ترجمنَا القرآنَ إلى أفعالٍ في حياتِنَا وإلي واقعٍ يتحركُ في دنيا الناسِ وإلي شعلةٍ توقدُ شموسَ الحياةِ .

واختمُ بكلمةٍ لأولياءِ الأمورِ، أيُّها الآباءُ والأمهاتُ، استوصُوا بالأجيالِ خيرًا، نشئُوهم على حبِّ كتابِ اللهِ، علمُوهم العيشَ في رحابِه، والاغترافَ مِن معينِه الذي لا ينضب، فالخيرُ كلُّ الخيرِ فيه، وتعاهدُوا ما أودعَ اللهُ بينَ أيدِيكُم مِن الأماناتِ، بتربيتِهَا تربيةً قرآنيةً، كي تسعدُوا في الدنيا قبلَ الآخرةِ، فما هانت أمةُ الإسلامِ إلّا بهجرِهَا لكتابِ ربِّهَا وبعدِهَا عنه ، وواللهِ لو تمسكنَا بكتابِ ربِّنَا وسنةِ نبيِّنَا ﷺ، لأصبحنَا أمةً عزيزةً، أمةً أبيةً شامخةً .فأولادُكَ أمانةٌ في رقبتِكَ ستسألُ عنهم يومَ القيامةِ إنْ حفظتَهَا حفظكَ اللهُ وإنْ ضيعتَهَا ضيعَكَ اللهُ، { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14) } فاحذرْ أيُّها الأبُّ المباركُ، أنْ يكونَ ولدُكَ عدوًّا لك في دنياكَ وأخراكَ واسمعْ  إلي قولِ النبيِّ ﷺ حيثُ قالَ: ” مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ رَعِيَّةً يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إِلَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ ” متفق عليه ،بل اسمعْ إلي هذه البشارةِ أيُّها الأبُّ الفاضلُ وأنتِ أيّتُها الأمُّ الكريمةُ مِن سيدِ البشريةِ ﷺ : ” مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ ، وَعَمِلَ بِمَا فِيهِ ، أُلْبِسَ وَالِدَاهُ تَاجًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، ضَوْءُهُ أَحْسَنُ مِنْ ضَوْءِ الشَّمْسِ فِي بُيُوتِ الدُّنْيَا لَوْ كَانَتْ فِيكُمْ ، فَمَا ظَنُّكُمْ بِالَّذِي عَمِلَ بِهَذَا ” ، فهنيئًا لكم أيُّها الأولياءُ هذه البشارةَ مِن الذي لا ينطقُ عن الهوىَ ﷺ، فاتقِ اللهَ حيثما كنت،  وراقبْ ربَّك ليلًا نهارًا، واعلم أنّ اللهَ مطلعٌ عليكَ ويراكَ، واعلمْ أنّ اللهَ يعلمُ السرَّ وأخفَي. واعلمْ أنّ أولادَكَ أمانةٌ في رقبتِكَ ستسألُ عنهم يومَ القيامةِ. واجعلْ لنفسِكَ وردًا قرآنيًّا بالليلِ والنهارِ يضمنُ لك السعادةَ في الدنيا والآخرةِ.

حفظَ اللهُ مصرَ قيادةً وشعبًا مِن كيدِ الكائدين، وحقدِ الحاقدين، ومكرِ الـماكرين، واعتداءِ الـمعتدين، وإرجافِ الـمُرجفين، وخيانةِ الخائنين.

كتبه العبد الفقير إلى عفو ربه

د/ محمد حرز إمام بوزارة الأوقاف    

 

_______________________________

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة

 

تابعنا علي الفيس بوك

 

الخطبة المسموعة علي اليوتيوب

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات

 

للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة

 

للمزيد عن أخبار الأوقاف

 

للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف

 

للمزيد عن مسابقات الأوقاف

اظهر المزيد

كتب: د.أحمد رمضان

الدكتور أحمد رمضان حاصل علي الماجستير من جامعة الأزهر بتقدير ممتاز سنة 2005م ، وحاصل علي الدكتوراه بتقدير مع مرتبة الشرف الأولي من جامعة الأزهر الشريف سنة 2017م. مؤسس جريدة صوت الدعاة ورئيس التحرير وكاتب الأخبار والمقالات المهمة بالجريدة، ويعمل بالجريدة منذ 2013 إلي اليوم. حاصل علي دورة التميز الصحفي، وقام بتدريب عدد من الصحفيين بالجريدة. للتواصل مع رئيس التحرير على الإيميل التالي: [email protected] رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) للمزيد عن الدكتور أحمد رمضان رئيس التحرير أضغط في القائمة علي رئيس التحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »
error: Content is protected !!