خطبة الجمعة القادمة للدكتور محمد حرز بعنوان : عناية الإسلام بالنشء
خطبة الجمعة القادمة بعنوان : عناية الإسلام بالنشء ، للدكتور محمد حرز ، بتاريخ 19 ذو الحجة 1444هـ ، الموافق 7 يوليو 2023م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 7 يوليو 2023م بصيغة word بعنوان : عناية الإسلام بالنشء ، للدكتور محمد حرز.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 7 يوليو 2023م بصيغة pdf بعنوان : عناية الإسلام بالنشء ، للدكتور محمد حرز.
عناصر خطبة الجمعة القادمة 7 يوليو 2023م بعنوان : عناية الإسلام بالنشء.
أولًا: دينُنَا دينُ تربيةِ النشءِ.
ثانيــــًا: كيفَ نربِّي أولادَنَا؟
ثالثــــًا : إنّها مسؤوليةُ الجميعِ يا سادة.
رابعًا وأخيرًا: شبابٌ ربَّاهُم المصطفَى وكفَى!!!
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 7 يوليو 2023م بعنوان : عناية الإسلام بالنشء : كما يلي:
خطبة الجمعة القادمة : عنايةُ الإسلامِ بالنشءِ للدكتور محمد حرز
19 ذو الحجة بتاريخ 1444هـ، الموافق، 7يوليو 2023م
الْحَمْدُ لِلَّهِ أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ وَأَشْكُرُهُ، وَأُثْنِي عَلَيْهِ وَأَسْتَغْفِرُهُ، الْحَمْدُ لِلَّهِ القائلِ في محكمِ التنزيلِ: (رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا((الفرقان: 74،وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلّا اللَّهُ وليُّ الصالحين، وَأشهدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وصفيُّهُ مِن خلقهِ وخليلُهُ، القائل كما في حديثِ أبي هريرةَ رضي اللهُ عنه أنَّ النبيَّ ﷺ قال: (كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ) (رواه البخاري) يا مصطفَى
وأَحسنُ منكَ لم ترَ قطُّ عيني ** وَأجْمَلُ مِنْكَ لَمْ تَلِدِ النّسَاءُ
خلقتَ مبرأً منْ كلّ عيبٍ ** كأنكَ قدْ خلقتَ كما تشاءُ
فاللهُمّ صلِّ وسلمْ وزدْ وباركْ على النبيِّ المختارِ وعلى آلهِ وصحبهِ الأعلامِ، مصابيحِ الظلامِ، خيرِ هذه الأمةِ على الدوامِ، وعلى التابعينَ لهم بإحسانٍ والتزام. أمَّا بعدُ …..فأوصيكُم ونفسِي أيُّها الأخيارُ بتقوى العزيزِ الغفارِ { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (أل عمران : :102
عبادَ الله: (عنايةُ الإسلامِ بالنشءِ ) عنوانُ وزارتنِا وعنوانُ خطبتِنا
عناصر اللقاء:
أولًا: دينُنَا دينُ تربيةِ النشءِ.
ثانيــــًا: كيفَ نربِّي أولادَنَا؟
ثالثــــًا : إنّها مسؤوليةُ الجميعِ يا سادة.
رابعًا وأخيرًا: شبابٌ ربَّاهُم المصطفَى وكفَى!!!
أيُّها السادة: ما أحوجنَا إلى أنْ يكونَ حديثُنا في هذه الدقائقِ المعدودةِ عن عنايةِ الإسلامِ بالنشءِ، وخاصةُ وأنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ مُسْتَقْبَلاً تَأْمُلُهُ وَتَنْشُدُهُ، وَلَا يَقُومُ هَذَا الْمُسْتَقْبَلُ إلاَّ عَلَى النَّاشِئِ، فَأَطْفَالُ الْيَوْمِ هُمْ رِجَالُ الْغَدِ، أَطْفَالُ الْيَوْمِ هُمْ حُمَاةُ الدين وأَبطَالُ الوَطَنِ، أَطفالُ الْيَوْمِ هُمْ نَوَاةُ أُمَّتِنَا وَهُمْ فَخْرُهَا وَعِزَّتُهَا، وخاصة في زمنٍ تكالبَ فيه أعداءُ الإسلامِ على أهلِه، وفي زمنٍ كشّرَ الشرُّ فيه عن أنيابِه، وفي زمنٍ انتشرتْ فيه وسائلُ الفسادِ وعمتْ وطمّتْ، كان لزامًا علينا -نحن الآباءَ والمربين وأولياءَ الأمورِ- أنْ نهتمَّ بشأنِ تربيةِ الأولادِ، وأنْ نبحثَ عن كلِّ ما مِن شأنِه أنْ يعيننَا على القيامِ بهذه المسؤوليةِ، وخاصةً ونحن في زمنٍ ضاعتْ فيه التربيةُ بين النشءِ إلّا ما رحمَ اللهُ، وخاصةً وهناكَ محاولاتٌ بالليلِ والنهارِ للنيلِ مِن شبابِنَا وبناتِنَا، أعداءُ الإسلامِ لا ينامون ليلًا ولا نهارًا، يريدون النيلَ مِن شبابِنَا وشباتِنَا، فلابدَّ مِن تربيتِهِم وتنشئتِهِم تنشئةً صحيحةً على كتابِ اللهِ وسنةِ رسولهِ ﷺ للحذرِ مِن هؤلاءِ الأعداءِ المتربصين لهم بالليلِ والنهارِ، وللهِ درُّ القائل:
مؤامرةٌ تدورُ على الشبابِ***لتجعلَهُ ركامًا مِن تراب
مؤامرةٌ تقولُ لهم تعالوا*** إلى الشهواتِ في ظلِّ الشراب
مؤامرةٌ يحيكُ خيوطهَا ***أعداءُ سوءٍ في لؤمِ الذئاب
تفرقَ شملُهُم إلّا علينَا *** فصرنَا كالفريسةِ للكلابِ
العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة للدكتور محمد حرز بعنوان : عناية الإسلام بالنشء
أولًا: دينُنَا دينُ تربيةِ النشءِ.
أيُّها السادةُ: أولادُنَا ثمارُ قلوبِنَا، وعمادُ ظهورِنَا، وفلذاتُ أكبادِنَا، وأحشاءُ أفئدتِنَا، وزينةُ حياتِنَا، أولادُنَا نعمةٌ عظيمةٌ، ومنةٌ كبيرةٌ ومنحةٌ جليلةٌ ،أولادُنَا زينةُ الحاضرِ وأملُ المستقبلِ، هم حباتُ القلوبِ سماهُم اللهُ زينةُ في محكمِ التنزيلِ، قال جلَّ وعلا: ﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ [الكهف: 46]،قال جلّ وعلا ﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ﴾ [آل عمران: 14]، أولادُنَا قرةُ الأعينِ ، وبهجةُ الحياةِ، وأنسُ العيشِ، بهم يحلُو العمرُ، وعليهم تعلقُ الآمالُ، وببركةِ تربيتِهِم يستجلبُ الرزقُ، وتنزلُ الرحمةُ، ويضاعفُ الأجرُ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي اللهُ عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ” إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ ” رواه مسلم، وإذا أردتَ أنْ تعرفَ عظيمَ منةِ اللهِ عليك بهذه النعمةِ، فانظرْ إلى مَن حُرمهَا، وكيف يذوقُ ويتجرعُ مرارةَ الحرمانِ والفقدِ، حينما يرى الناسَ معهم أولادهُم، فيحترقُ قلبُهُ شوقًا وحزنًا للأولادِ!. فنعمةُ الولدِ نعمةٌ عظيمةٌ ومنةٌ كبيرةٌ …… فهم عمادُ الأمةِ، وعزُّهَا المجيدُ، و قوةُ الشعوبِ، وحصنُهَا الحصين، ودرعُهَا المتينُ، هم سببُ الفتوحاتِ، وأساسُ الانتصاراتِ فالشبابُ كانوا في صدرِ الإسلامِ وبعدهِ لبلادِ الكفارِ فاتحين ، وعن بلادِ الإسلامِ مناضلين، تجدهُم محاربين، وتراهُم مقاتلين، تهابهُم الأعداءُ، ويحبهُم مَن في السماءِ، متبعين لسنةِ نبيِّهِم ، متمسكينَ بدينِ ربِّهِم. وللهِ درُّ القائل
وَإنما أوْلاَدُنَا بَيْنَنا *** أكْبَادُنَا تَمْشِي عَلى الأرْضِ
لَوْ هَبَّتِ الرِّيحُ عَلى بَعْضِهِمْ *** لاَمْتَنَعَتْ عَيْني مِنَ الْغَمضِ
لِذَا لَا عَجَبَ أَنْ نَجِدَ اهْتِمَامًا بالِغًا فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالتَّارِيخِ بِتَرْبِيَةِ الأَطْفَالِ وتَأهِيلِيهِمْ وَإِنْشائِهِمْ نَشْأَةً تُرضِي اللهَ عَزَّ وَجَلَّ، وَتَنْفَعُهُمْ في دِينِهِم ودُنيَاهُم, فَهَذَا نُوحٌ صلى الله عليه وسلم يَدْعُو وَلَدَهُ رَاجِيًا لَهُ النَّجَاةَ مِنْ عَذَابِ اللهِ فقَالَ له: ﴿ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ ﴾ [هود: 42].وِإِبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ يَدعُو رَبَّهُ قَائِلاً: ﴿ وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ ﴾ [إبراهيم: 35]، وَيَعْقُوبُ عَلَيْهِ السَّلامُ يُوصِي بَنِيهِ عِندَ مَوْتِهِ: ﴿ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [البقرة: 132] فَهَذَا زَكَرِيَّا -عَلَيْهِ السَّلَامُ- يَدْعُو رَبَّهُ: (قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ * فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى)[آل عمران: 38- 39]. لذا نادَى اللهُ جلّ وعلا على أهلِ الايمانِ بنداءِ الكرامةِ في القرآنِ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [التحريم: 6]، قال عَلِيُّ بنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه: عَلِّمُوهُمْ، وَأَدِّبُوهُمْ.، فليستْ التربيةُ عنفًا كلَّها ، ولا لينًا كلَّها، بل هي شدةٌ في غيرِ عنفٍ، ولينٌ في غيرِ ضعفٍ، هكذا هي التربيةُ، أمّا أنْ يعتقدَ أبٌّ ، أو تظنَّ أمٌّ ، أنّ التربيةَ تكتيفٌ بالسلاسلِ، وضربٌ بالحديدِ، وسجنٌ في غرفةٍ مظلمةٍ، وحرقٌ بالنار هذا جهلٌ والعياذُ باللهِ بل قال رَسُولُ اللَّهِ ﷺ : ” إِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ ” ولا شكَّ أنَّ تربيةَ النشءِ والقيامَ عليهم لها فضلٌ عظيمٌ عندَ اللهِ –تعالى-، روى مسلمٌ والترمِذيُّ عن ثَوبانَ -رضي اللهُ عنه- قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: “أفضَلُ دينارٍ يُنفقُه الرجلُ: دينارٌ يُنفِقُه على عِيالهِ، ودينارٌ ينفقهُ على فَرَسِه في سبيل الله ودينارٌ ينفقه على أصحابهِ في سبيل الله”. ولَأَنْ يُؤدِّبَ الرَّجُلُ ولَدَه خيرٌ مِن أن يتصدَّقَ بصاعٍ.
ومِمّا يعينُ على التربيةِ: الدعاءُ للأولادِ بالصَّلاحِ والهدايةِ والخيرِ، فها هو الخليلُ إبراهيمُ عليه السلامُ يدعو فيقولُ: ﴿ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ ﴾ [إبراهيم: 35]، وقال أيضًا: ﴿ رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ ﴾ [إبراهيم: 40].وها هُم عبادُ الرَّحمنِ يدْعونَ ربَّهُم بأنْ يهبَ لهم ما تقرُّ به أعينهُم مِن الذريَّةِ الصالحةِ: ﴿ وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ﴾ [الفرقان: 74]. ودعاءُ الوالدِ لولدِه مِن الدعاءِ المستجابِ الذي يُرجَى أنْ يتحقَّقَ بإذنِ اللهِ عزَّ وجلّ، فعن أبي هريرةَ رضي اللهُ عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (ثلاثُ دعواتٍ مستجاباتٌ لا شكَّ فيهنَّ: دعوةُ الوالدِ، ودعوةُ المسافرِ، ودعوةُ المظلومِ) رواه أبو داودَ، وإياكُم والدعاءَ عليهم فإنَّهُم إذا فسدُوا وانحرفُوا فإنّ الوالدين أولُ مَن يكتوي بذلك، ولهذا قال ﷺ: ” لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَوْلَادِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ، لَا تُوَافِقُوا مِنَ اللهِ سَاعَةً يُسْأَلُ فِيهَا عَطَاءٌ، فَيَسْتَجِيبُ لَكُمْ”
ومِمّا يعينُ على تربيةِ الأولادِ: العدلُ بينَ الأولادِ، فكثيرًا مِن الآباءِ كان سببًا في العدواتِ بين الإخوةِ والأخواتِ إلّا ما رحمَ اللهُ جلّ وعلا بسببِ عدمِ العدلِ بينَ الأولادِ، فبسببِ الظُّلمِ تنشأّ الأخلاقُ السيِّئةُ، وتنشأُ التصرُّفاتُ الغريبةُ، ولذلك كان حرصُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ملحوظًا في التحذيرِ مِن الظلمِ بين الأولادِ، وتُحدِّثُنَا السنَّةُ أنَّ النُّعمانَ بنَ بَشيرٍ – رضي اللهُ عنهما – كان محبوبًا لدَى والدِه، وكانَ صغيرًا، فأراد أنْ يُفضِّله على بقيَّة أولادِه فأبتْ زوجتُه، وقالتْ: لا أقبلُ حتى تُشهِدَ عليه رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فإنْ كان مُباحًا أجازَه، وإلاَّ منعكَ، فذهبَ بَشيرٌ إلى رسولِنا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم فسألُهُ الرسولُ: ((أَكُلَّ ولدِكَ نَحلتَ مِثِلَ هذا؟)) قال: لا، فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (لا تُشهِدوني إذًا، لا أشهدُ على جَورٍ، لا أشهدُ على جَوْرٍ، لا أشهدُ على جَورٍ، أَشْهِدْ على ذلك غيري).
ومِمّا يعينُ على تربيةِ الأولادِ: اختيارُ الاسمِ الحسن، جاء رجلٌ إلى عمرَ بنِ الخطاب -رضي الله عنه- يشكو عُقوقَ ولدِه، فدعا عمرُ بالولدِ ووَبَّخَهُ وناصحَهُ، فقال الولدُ: “لا تَعجَّلْ يا أميرَ المؤمنين، ألَيسَ لي حقٌّ على أبي كما لهُ حقٌّ عليَّ؟ قال: بلى، قال: فما حقِّي عليه؟ قال: أنْ يُحسِن اخَتيارَ أمِّك، ويسمِّيكَ اسمًا حسنًا، ويحفِّظَكَ القرآنَ، قال الولدُ: فإنَّ أبي لم يفعلْ شيئًا مِن ذلك: أمَّا أمِّي فهي أمَةٌ خَرقَاء اشتراها بدِرهمين فولدتني فسمَّانِي جُعلًا، ولم يحفِّظني مِن القُرآنِ آيةً”، فقال عمرُ للأبِ: “اخرُجْ فقد سبقتَ ولدَكَ إلى العقوقِ”.
ومِمّا يعينُ على تربيةِ الأولادِ: معاملةُ الأولادِ بالرأفةِ والرحمةِ واللينِ: وقد ضرَب رسولُنا محمدٌ صلى الله عليه وسلم أروعَ الأمثلةِ في مُعاملةِ الأولادِ بالرأفةِ والرحمةِ، فقد رُويَ أنَّ ولدًا مِنْ أولادِ بناتِه جاءَ إليه فقبَّله، فقال رجلٌ مِن الأعرابِ: أتُقبِّلون أبناءَكم؟! إنَّ لي عشرةً مِن الولدِ ما قبَّلتُ واحدًا منهم، فقال – عليه الصلاةُ والسلامُ -: ((أَوَ أملِكُ لكَ أنْ نزَع اللهُ الرحمةَ من قلبِكَ))؛ أي: ماذا أفعلُ إذا كان اللهُ نزعَ الرَّحمةَ من قلبِكَ. وقدْ رُويَ أنَّه صلى الله عليه وسلم كان يَخطبُ على المِنبرِ، فوجَدَ الحسنَ والحسينَ يَدخلانِ المسجدَ ويَتعثَّران في السَّيرِ، فنَزَل مِن فوق المنبرِ وحمَل الحَسنَ بيدِه اليُمنى والحسينَ بيده اليسرى، وأجلسَهما بجوار المنبر، ثُمَّ صَعِد وقال: صَدَق الله: ﴿ إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ ﴾ [الأنفال: 28]، ﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ [الكهف: 46].
ومِمّا يعينُ على تربيةِ الأولادِ: أنْ تكونَ قدوةً صالحةً لأولادِكَ؛ فصالحُكَ صلاحٌ للأولادِ، قال جلّ وعلا (وَكَانَ أُبُوهُمَا صَالِحًا) [الكهف:82]، فينبغي للوالدين أنْ يكونَا قدوةً صالحةً لأولادهِما في الصدقِ والاستقامةِ وجميعِ شؤونِ حياتِهم وصدقَ ربُّنَا إذ يقولُ: ﴿ وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ﴾ [النساء: 9]،فَالتربيةُ الطيِّبةُ لا تُثمرُ إلا ثَمرَةً طيِّبةً، والتربيةُ السيئةُ لا تُثْمرُ إلا ثَمرةً خَبيثةً.﴿ وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا ﴾ [الأعراف: 58].
فتربيةُ الأولادِ مِن أهمِّ أسسِ ونجاحِ الأسرِ بل ونجاحِ المجتمعاتِ
وينشَأٌ ناشِئُ الفِتيانِ منَّا *** على ما كانَ عوَّدَه أبُوهُ
العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة للدكتور محمد حرز بعنوان : عناية الإسلام بالنشء
ثانيــــًا: كيفَ نربِّي أولادَنَا؟
أيُّها السادة: تربيةُ النشءِ تربيةً صحيحةً تحتاجُ إلى الكثيرِ والكثيرِ مِن الجهدِ والتعبِ مِن الآباءِ والأمهاتِ لذا وضعتْ الشريعةُ الاسلاميةُ ضوابطَا لتربيةِ النشءِ منها على سبيلِ المثالِ لا الحصر: تربيةُ النشءِ على الكتابِ والسنةِ ، وعلى الإيمانِ والعقيدةِ الصحيحةِ: أنْ يتعرفَ الأبناءُ على ربِّهم عزّ وجلّ وعلى نبيِّهم صلى الله عليه وسلم ، وعلى دينِه الذي ارتضاهُ للبشريةِ جمعاء، فهذه العقيدةُ وصّى بها يعقوبُ عليه السلامُ بنيهِ عند الموتِ فقال: {يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [البقرة: 132] وقال لقمانُ عليه السلامُ لولدِه الوصيةَ الجامعةَ التي جمعتْ الأصولَ والفروعَ مُعلمًا إياهُ كما قالَ اللهُ: {يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13]، لذا نري الرسولَ صلى الله عليه وسلم يعطينَا دروسًا في العقيدةِ السليمةِ والتوحيدِ الخالصِ على يدِ ابنِ عباسٍ رضي اللهُ عنه لبناءِ الشخصيةِ منذُ الصغرِ على العقيدةِ الخالصةِ للهِ فقال يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ) رواه الترمذي.
نُربِّي أولادَنَا على الْآدَابِ الْإِسْلَامِيَّةَ وَالْأَخْلَاقِ الْفَاضِلَةَ؛ لِيَنْشَأَ عَلَيْهَا مِنْ صِغَرِهِ، فَعَنْ عُمَرَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ: كُنْتُ غُلاَمًا في حِجْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَكَانَتْ يَدِى تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: “يَا غُلاَمُ! سَمِّ اللَّهَ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ”، فَمَا زَالَتْ تِلْكَ طِعْمَتِي بَعْدُ”(متفق عليه)، وَعَن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: “يَا بُنَيَّ! إِذَا دَخَلْتَ عَلَى أَهْلِكَ فَسَلِّمْ؛ يَكُونُ بَرَكَةً عَلَيْكَ وَعَلَى أَهْلِ بَيْتِكَ”(رواه الترمذي).
نُربّي أولادَنَا على الالتزامِ بالشعائرِ التعبديةِ كالصلاةِ والصومِ وغيرِهِما وامتثالِ أمرِ اللهِ تعالى، وكونوا كحالِ سيدِنَا إسماعيلَ حيثُ مدحَهُ ربُّ العالمين فقالَ جلّ وعلا: {وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا} [مريم: 55]، وكحالِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم إذ خاطبَهُ ربُّهُ فقالَ جلَّ وعلا {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} [طه: 132] وامتثالًا لأمرِ رسولِه صلى الله عليه وسلم في قولِه: ” مُرُوا أَوْلاَدَكُمْ بِالصَّلاَةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرِ سِنِينَ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ في الْمَضَاجِعِ”
نُربّي أولادَنَا: على اختيارِ الأسوةِ الحسنةِ: فالأسوةُ الحسنةُ: هي الاقتداءُ بأهلِ الخيرِ والفضلِ والصلاحِ، في كلِّ ما يتعلقُ بمعالِي الأمورِ وفضائلِها، فالمسلمُ الحقيقيُّ ليس أسوتُهُ التافهين والتفهات ولا الساقطين والساقطات، إنَّما أسوتُهُ النبيُّ المختارُ صلى الله عليه وسلم والصحابةُ الأخيارُ والصالحون الأبرارُ بنصٍّ مِن عندِ اللهِ { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا )) الأحزاب21. لذا أوصَى أحدُ السلفِ معلمَ ولدهِ قائلا: ليكن أولُ إصلاحِكَ لولدِي إصلاحكَ لنفسِك؛ فإنَّ عيونَهُم معقودةٌ بعينِك، فالحسنُ عندهُم ما صنعتَ، والقبيحُ عندهُم ما تركتَ).
نُربّي أولادَنَا: على مراقبةِ اللهِ جلّ وعلا في جميعِ تصرفاتِ حياتِه وأنّ اللهَ مطلعٌ عليه ويراهُ، قال اللهُ تعالى عن لقمانَ الذي أرشدَ ولدَهُ إلى هذه المراقبةِ: ﴿ يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ ﴾ [لقمان: 16]. وقُلْ لهُ يا ولدِي
إذا ما خلوتَ الدهرَ يومُا فــلا *** تقلْ خلوتُ ولكن قلْ علىّ رقيبُ
ولا تحسبنَّ اللهَ يغفلُ ســـاعةً *** ولا أنّ ما يخفَى عليـــه يغيبُ
وإِذا خَلَوتَ بِرِيبَةٍ في ظُلمَةٍ ***والنَفسُ داعيَةٌ إلى الطُغيانِ
فاِستَحيِ مِن نَظَرِ الإِلَهِ وقل لها*** إنَّ الَّذي خَلَقَ الظَلامَ يَرانِي
نُربّي أولادَنَا: على اختيارِ الصاحبِ، ونعلمُه أنّ الصاحبَ ساحبٌ، والصديقَ قبلَ الطريقِ، فالصاحبُ يضرُّ بصاحبهِ يا شباب، كما قالَ نبيُّنَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِطُ وَقَالَ مُؤَمَّلٌ مَنْ يُخَالِل ) (أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه وأحمد والحاكم وصححه)، فكم مِن صديقٍ قادَ صاحبَهُ إلى القرآنِ؟ وكم مِن صديقٍ قادَ صاحبَهُ إلى الغناءِ؟ فكم مِن صديقٍ قادَ صاحبَهُ إلى الصلاةِ؟ وكم مِن صديقٍ قادَ صاحبَهُ إلى التدخينِ؟ وصدقَ ربُّنَا إذ يقولُ (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلا (27) يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلا (28) ) (سورة الفرقان )، فمِن الناسِ مفاتحٌ للخيرِ مغاليقٌ للشرِّ كما قال نبيُّنَا صلى الله عليه وسلم ففي الصحيحينِ مِن حديثِ أبي مُوسي ـ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ ـ قال: قال النبيُّ المختارُ (مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالسَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً) وللهِ درُّ القائلِ
عَنِ المَرءِ لا تَسأَلْ وَسَلْ عَن قَرينِهِ * * فَكُلُّ قَرينٍ بِالمُقارِنِ يَقتَدي
نُربِّي أولادَنَا: على التربيةِ على كلِّ خُلقٍ طيبٍ وجميلٍ فبالأخلاقِ تُبنَى الشخصياتُ ياسادة، وخاصةً ونحن نعيشُ زمانًا انعدمتْ فيه الأخلاقُ بينَ المؤمنين وانتشرَ فيه سوءُ الأخلاقِ بصورةٍ مخزيةٍ ولا حولَ ولا قوةَ إلّا باللهِ، مع أنَّ نبيَّنَا هو نبيُّ الأخلاقِ، ودينُنَا هو دينُ الأخلاقِ، وشريعتُنَا هي شريعةُ الأخلاقِ، وقرآنُنَا هو قرآنُ الأخلاقِ، بل الغايةُ الأسمَى مِن بعثتهِ صلى الله عليه وسلم هي الأخلاقُ فقالَ كما في حديثِ أبي هريرةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ{ بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ } رواه البخاري، فبالأخلاقِ انتشرَ الإسلامُ في كلِّ مكانٍ، ووصلَ إلى بلادِ الأندلسِ وبلادِ ما وراءَ النهرِ، وبالأخلاقِ سادَ المسلمونَ العالمَ، وبالأخلاقِ تُبنًي الحضاراتُ، فالأخلاقُ عنوانُ صلاحِ الأممِ والمجتمعاتِ، ومعيارُ فلاحِ الشعوبِ والأفرادِ.
إنَّما الأممُ الأخلاقُ ما بقيتْ…فإنْ همو ذهبتْ أخلاقُهُم ذهبُوا
صلاحُ أمرِكَ للأخلاقِ مرجعهُ…فقوّمِ النفسَ بالأخلاقِ تستقم
إذا أصيبَ القومُ في أخلاقِهِم…فأقمْ عليهم مأتمًا وعويلا
العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة للدكتور محمد حرز بعنوان : عناية الإسلام بالنشء
ثالثــــًا : إنّها مسؤوليةُ الجميعِ يا سادة.
أيُّها السادةُ: إنّنَا نعيشُ الآنَ في واقعٍ مريرٍ مؤلمٍ واقعٍ معروفٍ للصغيرِ قبلَ الكبيرِ، ومعروفٍ للقاصِي قبلَ الدانِي، فو اللهِ إنّ العينَ لتدمع وإنّ القلبَ ليحزن وإنّا لِمّا حلّ بالبيوتِ لمحزونون، واقعٌ مرٌّ ومؤلمٌ لِمَا نراهُ ونشاهدهُ في واقعِنَا الحاضرِ، فَقَدَ شبابُنَا القدوةَ والمثلَ الأعلى وراحَ شبابُنَا إلى تقليدِ الغربِ في ملبسهِ ومأكلهِ ومشربهِ وقصاتِ شعرهِ، انحرافٌ وانحطاطٌ ما بعدَهُ انحرافٌ وانحطاطٌ وتدنِّي في الأخلاقِ والقيمِ والتربية!!وصدقَ نبيُّنَا ﷺ إذْ يقولُ كما في حديثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: لَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ شِبْرًا شِبْرًا وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ تَبِعْتُمُوهُمْ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى قَالَ فَمَنْ) متفق عليه. والسؤالُ الذي يطرحُ نفسَهُ يا سادة أين دورُ الآباءِ في تربية لأولادهِ ؟أين دورُ المدرسةِ والمساجدِ والمعاهدِ والجامعاتِ في بناءِ الشخصياتِ يا سادة؟ أين دورُ الإعلام ِ في تربية النشء وفي بناءِ الشخصياتِ المسلمة ِ يا سادة؟ أنها مسؤولية الجميع ياسادة , والْمَسْؤُولِيَّةُ الأُولَى فِي تَرْبِيَةِ الْأَبْنَاءِ تَقَعُ عَلَى الْوَالِدَيْنِ, وَعَلَيْهِمْ تَوْفِيرُ الْبِيئَةِ الْمُنَاسِبَةِ لِيَنْشَأَ أَطْفَالُهُمْ نَشْأَةً إِيمَانِيَّةً وَتَرْبَوِيَّةً مُسْتَقِيمَةً, تُحَقِّقُ لَهُمُ السَّعَادَةَ فِي الدُّنْيَا, وَالْفَوْزَ فِي الْآخِرَةِ ،فإن من أعظم الأمانات التي استرعاكم الله عليها أمانة الأولاد قال تعالى: [إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا] (الأحزاب الآية 72).فأولادك أمانةٌ في رقبتك وتربيتُهُم أمانةٌ ستسألُ عنها يومَ القيامةِ إذا حافظتَ عليهم فقد صُنتَ الأمانةَ، وإذا أهملتَهُم فقد خُنتَ الأمانةَ كما أخبرَ بذلك الصادقُ المصدوقُ صلى اللهُ عليه وسلم فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِي اللَّهُ عَنْهمَا ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، فَالْإِمَامُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى أَهْلِ بَيْتِ زَوْجِهَا وَوَلَدِهِ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ)) (متفق عليه) وفي صحيحِ مسلمٍ من حديثِ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ- رضى اللهُ عنه–قال: سمعتُ النبيَّ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ: ” مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ رَعِيَّةً يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إِلَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ)) قال رَسولُ اللهِ – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((كَفَى بالمرءِ إثمًا أنْ يُضيِّعَ مَنِ يَقُوتُ)) ولله در القائل
ليس اليتيمُ من انتهى أبواهُ *** من الحياةِ وخلفَاهُ ذليلاً
إنّ اليتيمَ هو الذي تَرى له ***أُمَّا تَخَلّتْ أو أَبًا مشغولًا
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية …الحمدُ للهِ ولا حمدَ إلّا لهُ، وبسمِ اللهِ ولا يستعانُ إلّا به، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ .. وبعد
العنصر الرابع من خطبة الجمعة القادمة للدكتور محمد حرز بعنوان : عناية الإسلام بالنشء
رابعًا وأخيرًا: شبابٌ ربَّاهُم المصطفَى وكفَى!!!
أيها السادة : نَبِيُّنَا محمَّدٌ صلى الله عليه وسلم ضربَ لنا أروعَ الأمثلةِ في تَربِيةِ أَطفَالِ الأُمَّةِ حتَّى أَخرَجَهُمْ جِيلاً نَشَرَ الإِسلامَ في رُبُوعِ الأَرضِ، وأَضاءَ النُّورَ في أَنحاءِ المعمُورَةِ. فسَلْ عَن عَلِيٍّ كَيفَ تَرَبَّى في مَدرَسَةِ الحبيب ِمُحمَّدٍ صلى الله عليه وسلم ، ذلكَ الطَّفلُ الذِي أَسلَمَ وهُو صَغِيرٌ ثُمَّ مَا بَرِحَ حتَّى قَادَ المسلِمينَ وصَارَ أَميراً للمؤمِنِينَ، سَلْ عَنهُ كَيفَ تَرَبَّى حتَّى قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم في غَزوةِ خَيبرَ: “لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ رَجُلًا يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ، وَيُحِبُّهُ اللهُ وَرَسُولُهُ” فكانَ ذَلكَ الرَّجُلُ هو عَلِيٌّ رضي اللهُ عنهُ.
سَلْ عَن أُسَامَةَ بنِ زَيدٍ حِبِّ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وابنِ حِبِّهِ، كَيفَ تَرَبَّى في مَدرَسَةِ الحبيب مُحمَّدٍ صلى الله عليه وسلم ، ثُمَّ لَم يَلبَثْ بَعدَ أَنْ بَلَغَ الثَّامِنةَ عَشرَةَ مِن عُمُرِهِ حتَّى وَلاَّهُ الرَّسولُ صلى الله عليه وسلم إِمارةَ جَيشٍ فيهِ أَفَاضلُ الصَّحَابةِ.
سَلْ عَن عبدِاللهِ بنِ عُمرَ بنِ الخطَّابِ، كَيفَ تَرَبَّى في مَدرَسَةِ الحبيب مُحمَّدٍ صلى الله عليه وسلم ، ذَلكَ الطِّفلُ الذي أَسلَم وعُمُرُهُ سَبعُ سَنوَاتٍ، ثُمَّ هَاجَرَ إلى المَدِينَةِ قَبلَ أَبيهِ. حتَّى كَانَ ابنُ عُمَرَ رَاوِيةً مِن رُواةِ الإِسلامِ وحَافِظاً مِن حُفَّاظِهِ، وقَلَّ أَن تَجِدَ بَاباً مِن أَبوَابِ الدِّينِ إلاَّ ولابنِ عُمرَ فيهِ رِوَايةً.
سَلْ عَن عَبدِاللهِ بنِ عَباسٍ حَبْرِ الأُمَّةِ وتُرجُمانِ القُرآنِ، كَيفَ تَرَبَّى في مَدرَسَةِ الحبيب مُحمَّدٍ صلى الله عليه وسلم ، وَقدْ مَاتَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وهُوَ لَمْ يُناهِزِ الحُلُمَ بعدُ، لكِنَّهُ كانَ مِن أَعلَمِ الأُمَّةِ بكِتَابِ اللهِ، وأَحفَظِهِم لسُنَّةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم.
سَلْ عَن عَمْرِو بْنِ سَلَمَةَ، كَيفَ تَرَبَّى في مَدرَسَةِ الحبيب مُحمَّدٍ صلى الله عليه وسلم ، ذَلِكُم الطِفْلُ الإِمَامُ! الَّذِي صَلَّى بقَومِهِ وهُو لَم يَتجَاوَزِ السَّابِعةَ مِن عُمُرِهِ؛ لأنَّهُ كانَ أَقرَأَهُمْ لكِتَابِ اللهِ، فكيفَ حَالُ أبنَاءِ السَّابعةِ والعَاشِرةِ فِينَا؟! بَل كَيفَ حَالُ أَبنَاءُ العِشرِينَ مِن أَبنَائِنَا؟!.
فاللهَ اللهَ في أَولادِنَا.. اللهَ اللهَ فِي فِلْذَاتِ أَكبَادِنَا. اتَّقُوا اللهَ فيهِمْ، واحْفَظُوا فيهم وَصِيَّةَ ربِّكُمْ، وَمُرُوهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وانْهَوْهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ. وَخُذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ بِرِفْقٍ وَلِينٍ وَرَحْمَةٍ، وعَلِّمُوهُمْ أَخلاقَ الإِسْلامِ وآدَابَهُ، والقَصدَ القَصدَ في تَرفِيهِهِمْ ولَعِبِهِمْ. ولْنَحذَرْ مِنَ التَّفرِيطِ في تَربِيَتِهِمْ أَو تَركِهِمْ عُرضةً للضَّلالِ أو الإِضلالِ؛ فكُلُّنَا رَاعٍ ومَسؤولٌ عَن رَعِيَّتِهِ. واغرسُوا في نفوسِهم حبَّ الخيرِ ومساعدةَ المحتاجِ واحترامَ الكبيرِ وبرَّ الوالدين وصلةَ الرحمِ لينشأوا على ذلك وليكنْ سجيةً عندهم.
حفظَ اللهُ مصرَ قيادةً وشعبًا مِن كيدِ الكائدين، وحقدِ الحاقدين، ومكرِ الـماكرين، واعتداءِ الـمعتدين، وإرجافِ الـمُرجفين، وخيانةِ الخائنين.
كتبه العبد الفقير إلى عفو ربه
د/ محمد حرز
إمام بوزارة الأوقاف
_______________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف