خطبة الجمعة القادمة 12 نوفمبر 2021م للدكتور محروس حفظي: أحوال الفرج والشدة
خطبة الجمعة القادمة
خطبة الجمعة القادمة 12 نوفمبر 2021م : “أحوال الفرج والشدة” ، للدكتور محروس حفظي ، بتاريخ: 7 ربيع الآخر 1443هـ – الموافق 12 نوفمبر 2021م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 12 نوفمبر 2021م ، للدكتور محروس حفظي : “أحوال الفرج والشدة”.
ولتحميل خطبة الجمعة القادمة 12 نوفمبر 2021م ، للدكتور محروس حفظي : “أحوال الفرج والشدة” ، بصيغة word أضغط هنا.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 12 نوفمبر 2021م ، للدكتور محروس حفظي : “أحوال الفرج والشدة”، بصيغة pdf أضغط هنا.
___________________________________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف
عناصر خطبة الجمعة القادمة ، للدكتور محروس حفظي : “أحوال الفرج والشدة” : كما يلي:
(1) الابتلاءُ سنةٌ كونيةٌ ربانيةٌ .
(2) أحوالُ الأنبياءِ بين الضيقِ والفرجِ .
(3) وسائلٌ توصلكَ للفرجِ وحصولِ النصرِ .
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة ، للدكتور محروس حفظي : “أحوال الفرج والشدة” : كما يلي:
الحمدُ للهِ حمدًا يُوافِي نعمَهُ، ويُكافِىءُ مزيدَهُ، لك الحمدُ كما ينبغي لجلالِ وجهِكَ، ولعظيمِ سلطانِكَ، والصلاةُ والسلامُ الأتمانِ الأكملانِ على سيدِنَا محمدٍ صلى اللهُ عليه وسلم، أما بعدُ ،،،
(1) الابتلاءُ سنةٌ كونيةٌ ربانيةٌ:
إنّ مِن دلائلِ الألوهيةِ وآثارِ الربوبيةِ على الخلقِ، وحكمتهِ في تدبيرهِ تقلبِ أحوالِ البشرِ من الشدةِ إلى الرخاءِ، ومن الضعفِ إلى القوةِ، ومن الضيقِ إلى الفرجِ، وإخراجِ المنحِ من أرحامِ المحنِ، وله سبحانه ألطافٌ لا يُدْركُهَا عبادهُ، وحكمٌ يجهلونَهَا تخفى عليهم، قال تعالى: ﴿وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ ؛ ولذا يكثرُ فيهم اللومُ والاعتراضُ، ويقلُّ فيهم الرضا والقبولُ ﴿وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾، وهذه الأحوالُ تربي الخلقَ
على القربِ من اللهِ تعالى، فإذا غنُوا فبطرُوا جاءهم العسرُ ليهذبَ الله تعاليَ النفسَ، ويحجزَهَا عن العلو والاستكبارِ، ويمنعَها من البغيِ والطغيانِ، ويردَّها إلي الحقِ والصوابِ ، قال تعالى: ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ﴾ ، فإذا حَسُنَتْ أخلاقُهُم، وصفت قلوبُهم، واستقامَتْ أحوالُهُم، وأظهروا الذلَّ والافتقارَ لله، ولهجَ لسانُهُم بالدعاءِ والتضرعِ له جاءهم اليسرُ لئلا يستبدَّ بهم اليأسُ والقنوطُ، وهذه السننُ الربانيةُ مذكورةٌ ومكررةٌ في آياتِ القرآنِ وأحاديثِ النبيِّ العدنانِ، ملموسةٌ ويُشَاهَدُ وقوعُهُا في الخلقِ يراها الإنسانُ في نفسهِ قبل غيرهِ، ولو حاول الإنسانُ أنْ يجمعَ ما مرَّ به في حياتهِ من مشاهد لما أحصى ذلك لكثرةِ ما رأى وسمعَ فتأمل وتنبه أخي الحبيب، وصدقَ القائلُ:
وَكَمْ للهِ مِنْ لُطْفٍ خَفِيٍّ … يَدِقُّ خَفَاهُ عَنْ فَهْمِ الذَّكِيِّ
وَكَمْ يُسْرٍ أَتَى مِنْ بَعْدِ عُسْرٍ … وَفَرَّجَ لَوْعَةَ الْقَلْبِ الشَّجِيِّ
وَكَمْ هَمٍّ تُسَاءُ بِهِ صَبَاحًا … فَتَعْقُبُهُ الْمَسَرَّةُ بِالْعَشِي
إِذَا ضَاقَتْ بِكَ الأَسْبَابُ يَوْمًا … فَثِقْ بِالْوَاحِدِ الأَحَدِ الْعَلِيِّ
والناظرُ في كتابِ اللهِ تعالى يجد أنّ اللهَ قد قطعَ على نفسهِ وعدًا لا يتخلفُ – بمحضِ فضلهِ وكرمهِ – بأنّ الضيقَ يعقبُهُ الفرج لا محالةَ، وأنّ المرضَ يردفُه الصحة، وأنّ الفقرَ يتبعُه الغنى وهكذا في كلّ أمورِ الحياةِ صغيرِها وكبيرِها، جليلِها وحقيرِها يقولُ تبارك وتعالى: ﴿سَيَجْعَلُ اللهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا﴾ وهذه الصيغةُ تعطيكَ معنىَ الاستمرارِ والدوامِ، أي: أنه في كلِّ عسرٍ سيجعلُ اللهُ للعبدِ منه يسرًا، فلماذا إذن الجزعُ واليأسُ والقنوطُ، وهذا وعدٌ منه تعالى لهم، ولذا مَن يتسخط ويعترض على قضاء اللهِ وقدرِه فهو جاهلٌ بسنةٍ كونيةٍ أخرى ألا وهي أنّ الإنسانَ أوجدَهُ اللهُ في هذه الحياةِ ليكابدَ عناءَها، ويواصلَ مسيرتَه فيها حتى يذوقَ طعمَ الراحةِ والهناءةِ قال تعالى: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ﴾ وإلا فما طعمُ النجاحِ والفلاحِ إذا أتى بعد نومٍ ولعبٍ ولهوٍ ؟
وفي موضعٍ آخر يؤكدُ اللهُ تعالى جريانَ هذه السنةِ بمؤكداتٍ عدةٍ؛ للدلالةِ على تحققِ هذا الوعدِ وتعميمِه، وأنه سنةٌ ماضيةٌ للهِ في عبادهِ، فقال تعالى: ﴿فَإِنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْرًا﴾ وقد جاء في الأثرِ عن ابن مسعودٍ رضي اللهُ عنه: «لو كان العُسرُ في جُحرٍ لتبعه اليسرُ حتى يدخلَ فيه فيخرجَه، ولن يغلبَ عسرٌ يسرين»، وقد أكدَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك فقال: «وإنّ الْفَرَجَ مع الْكَرْبِ وإنّ مع الْعُسْرِ يُسْراً» . (رواه أحمد) .
فكلُّ كربٍ ينزلُ بالمؤمنِ فإنّ معه فرجًا لا محالةَ، وكلُّ عسرٍ يصيبُه فإنّ معه يسرًا، ومَن علمَ ذلك وأيقنَ به فلن يُسَلِّمَ قلبَهُ لليأسِ والقنوطِ، ولن ينسىَ الخالقَ ويركنَ للمخلوقِ، ولن يعلقَ قلبَهُ بغير اللهِ تعالى، وللهِ درُّ القائلِ:
إِنَّ الأُمُورَ إِذَا مَا اللهُ يَسَّرَهَا … أَتَتْكَ مِنْ حَيْثُ لا تَرْجُو وَتَحْتَسِب
وَكُلُّ مَا لَمْ يُقَدِّرَهُ الإِلَهُ فَمَا … يُفِيدُ حِرْصُ الْفَتَى فِيهِ وَلا النَّصَبُ
ثِقْ بِالإِلَهِ وَلا تَرْكَنُ إِلَى أَحَدٍ … فَاللهُ أَكْرَمُ مَنْ يُرْجَ وَيُرْتَقَبُ
(2) أحوالُ الأنبياءِ بين الضيقِ والفرجِ:
الغرضُ الأساسيُّ من ذكرِ قصصِ الأنبياءِ في القرآنِ الكريمِ هو أَخْذُ العبرةِ والعظةِ، لنفيدَ بها في حياتِنَا وواقعِنَا الذي نعيشُهُ قال تعالى: ﴿لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ﴾، والمستقرءُ لحياةِ الأنبياءِ والمرسلين يجد أنها كانت متشبعةً بالضيقِ والشدةِ ومع ذلك لم يكن منهم سوى الصبرِ الجميلِ والرضا بما قسمَهُ الجليلُ، قَالَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ بَلَاءً الْأَنْبِيَاءَ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ» . (رواه أحمدُ والنسائيُّ في الكبرى) .
فهذا يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أُلقِيَ في غيابةِ الجبِّ, وبِيعَ بثمنٍ بخسٍ دراهمَ معدودة, ثم اتُّهِم في عرضهِ, وتحملَّ مرارةَ وقسوةَ إخوتهِ عليه، ضيقٌ بعد ضيقٍ, وشدةٌ بعد شدةٍ, لكنّ العاقبةَ ﴿وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ﴾
وهذا يعقوبُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يُخْطَفُ منه أحبُّ أولادهِ إليه, وآثرهُم لديه, ثم يتبعهُ ابنهُ الثاني بعد سنين, فقال تعالى عنه من كثرةِ البكاءِ وشدةِ الفراقِ على ولديهِ ﴿وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ﴾، لكنه لم يفقدْ الأملَ، وظلّ الرجاءُ ملازمًا له طولَ هذه المدةِ ﴿فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾ ، فتوجَّهَ إلى اللهِ بالدعاءِ وطلب العونِ منه ﴿قالَ إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ﴾ ، وبعد سنواتٍ من الشدةِ والمعاناةِ يعودُ له الولدان, فتحققَ له سُئلهُ، وأجابَ اللهُ مطلبَهُ ﴿فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾
وهذا يونسُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لما ضاقَ ذرعًا بقومِه، وخرجَ مغاضِبًا، فإذا به يُلقَى من السفينةِ إلى بحرٍ متلاطمِ الأمواجِ, فالتقمَهُ الحوتُ ففتحَ عينيهِ, فإذا هو حيٌّ في ظلمةِ بطنِ الحوتِ, في ظلماتِ البحرِ، في ظلمةِ الليلِ, ظلماتٌ بعضُها فوق بعضٍ، فتوجَّه إلى خالقِه، فأدركتْهُ عنايةُ ربِّه، قال تعالى: ﴿فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾, ﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾ ، وحتى لا يظننَّ ظانٌ أن تلك الاستجابةَ خاصةٌ بيونسَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، جاء التعبيرُ بقولِهِ:﴿وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾ ، عَنْ سَعْدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الحُوتِ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ» .(الترمذي) .
وها هو أيوبُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يطولُ به البلاءُ, وينتشرُ في جسده الداءُ – غيرُ المنفِّرِ- ويطولُ به العهدُ ﴿وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِين﴾ وانظر في تعبيرهِ بلفظِ المسِّ الذي يفيدُ حسنَ الأدبِ مع اللهِ، وعدمَ الاعتراضِ على قدرِه، فجاءه النصرُ الإلهيُّ والتأييدُ الربانيُّ: ﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ﴾ وكثرَ خيرُ اللهِ وفاضَ عليه جزاءَ صبرهِ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «بينما أيوبُ يغتسلُ عريانًا، فخرَّ عليه جرادٌ من ذهبٍ، فجعل أيوبُ يحتثِي في ثوبهِ، فناداه ربُّه: يا أيوبُ، ألم أكُن أغنيتُكَ عما ترى؟ قال: بلى وعزَّتِكَ، ولكن لا غِنَى بي عن بركَتِكَ أو قال: مَنْ يَشْبَعُ مِنْ رَحْمَتِكَ، أَوْ قَالَ: مِنْ فَضْلِكَ» . (رواه البخاري) .
وهذا نبيُّنَا محمدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُهاجَمُ من كفارِ قريشٍ وصناديدِهَا, ويُتَّهَمُ في عقلهِ وعرضهِ، ويُصَابُ بأنواعٍ مختلفةٍ مِن الأذى البدنيِّ والمعنويِّ، ويخرج من مكةَ طريدًا, فيتبعهُ المشركون، ويقاتلونَهُ في عدةِ معاركٍ, يُشَجُّ رأسُه, وتُكسرُ رَباعيته, وفي النهايةِ يدخلُ مكةَ فاتحًا متواضعًا, فيعفو عن كفار قريشٍ, ويقولُ لهم: «اذهبوا فأنتم الطلقاءُ» . (السيرة النبوية لابن هشام) .
(3) وسائلٌ توصلُكَ للفرجِ والنصرِ:
إذا طرقتْ أحدَنا مصيبةٌ أو بليةٌ: فليحسنْ الظنَّ باللهِ، فاللهُ أقربُ إلى العبدِ من حبلِ الوريدِ، ومن شراكِ نعلِهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ: يَقُولُ اللهُ: «أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ حِينَ يَذْكُرُنِي، إِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ، ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ، ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ هُمْ خَيْرٌ مِنْهُمْ، وَإِنْ تَقَرَّبَ مِنِّي شِبْرًا، تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا، تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً» . (متفقٌ عليه) .
وقَالَ بعضُ الصَّالِحين: «اسْتعْمِل فِي كلِّ بليةٍ تطرقكَ حسنَ الظَّنِّ بِاللَّه فِي كشفِها، فَإِنّ ذَلِك أقربُ بك إِلى الْفرجِ»، وصدقَ القائلُ:
إنْ كان لا يرجوكَ إلا محسنٌ … فبمن يلوذُ ويستجيرُ المجرمُ
أدعوك ربي كما أمرتَ تضرعًا … فإذا رددتَ يدي فمن ذا يرحمُ
اليقينُ بأنّ الضيقَ والبلاءَ سيزولُ: شاء أم أبى، رضي أم سخط، فليجرِ عليه القضاءُ وهو راضٍ خيرٌ له من أن يجري عليه وهو ساخطٌ غاضبٌ، إذا أُصبتَ بمصيبةٍ, أو نَزَلَتْ بك نازلةٌ, فتذكر أنّ أصعبَ ما في المصيبةِ أولُها، ثم تهونُ، وتذكر أنّ وقتَ الشدةِ سيزولُ ويذهبُ, وأنّ الصبرَ عند الصدمةِ الأولى، وقديمًا قالت العربُ: «دوامُ الحالِ من المُحالِ», «اصبر تنل», ويقولون: «كلُّ همٍ إلى فرجٍ»، وصدقَ الإمامُ الشافعيُّ رحمه اللهُ:
دَعِ الأَيَّامَ تَفْعَلْ مَا تَشَاءُ وطبْ نفسًا إذا حكمَ القضاءُ
وَلا تَجْزَعْ لِحَادِثةِ الليالي فما لحوادثِ الدنيا بقاءُ
كثرةُ الدعاءِ والتضرعِ إلى اللهِ والمداومةِ على الأذكارِ والاستغفارِ: وليس له أوقاتٌ معينةٌ، أو ساعاتٌ محددةٌ، بل يستطيعُ المسلمُ أن يدعوَ ويناجي ربَّه في أي وقتٍ، وبأي لفظٍ – سوى الإثمِ وقطيعةِ الرَّحمِ – ولكنْ يُفَضَّلُ الإكثارُ من الدعاء في الأوقاتِ الفاضلةِ كالثلثِ الأخيرِ من الليلِ حيثُ يتجلى اللهُ – بما يليقُ بذاتهِ المقدسةِ – وينزلُ إلى السماءِ الدنيا: «إِنَّ بِاللَّيْلِ سَاعَةً تُفْتَحُ فِيهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ يُنَادِي مُنَادٍ هَلْ مِنْ سَائِلٍ فَأُعْطِيَهُ؟ هَلْ مِنْ دَاعٍ فَأَسْتَجِيبَ لَهُ؟ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ فَأَغْفِرَ لَهُ؟» (رواه أحمد) .
وقد أرشدنا القرآنُ على لسانِ سيدِّنا نوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ أنّ الاستغفارَ وسيلةٌ لجلبِ النعمِ ووفرةِ المالِ والولدِ قال تعالى: ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهاراً﴾
فلا يتعجلُ العبدُ إجابةَ الدعاءِ ؛ لأنّ اللهَ قال: ﴿وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾، فلا بُدَّ للعبدِ أنْ تدركَه رحمةُ اللهِ إما بالاستجابةِ لمطلبهِ، وإما بدفعِ السوءِ عنه، وإما بادخارِه له يومَ القيامةِ عن أَبي هُرَيْرَةَ قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُسْتَجَابُ لِأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ، فَيَقُولُ: قَدْ دَعَوْتُ رَبِّي فَلَمْ يَسْتَجِبْ لِه» . (متفق عليه) .
مساعدةُ المحتاجين والفقراءِ والمساكين: فكلما ساعدَ الإنسانُ أخيه الإنسان على قضاءِ حوائجهِ، وفكِّ كُربهِ وشدتهِ، أعانَه اللهُ على قضاءِ حوائجِهِ، وسهلَ له كلَّ أمرٍ عسيرٍ مصداقًا لقولِ سيدِ المرسلين: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ: «مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا، سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ» . (رواه مسلم) .
النظرُ في الشدةِ إلى مَن هو أعلى منك بلاء، وأعظم مصيبة: يا من وقعتَ في ورطةٍ، فلم تعرفْ كيف الخلاص، وحاولتْ الفكاكَ، ولكن لات حين مناص، تذكر في لحظاتك أن هناك من هو أشدّ منك في رزيتهِ وبليتهِ، فليكن حالُكَ هو الحمدُ والشكرُ على ما أنت فيه، وإذا كان ذلك مندوبًا في الخيرِ وحصولِ البرِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا نَظَرَ أَحَدُكُمْ إِلَى مَنْ فُضِّلَ عَلَيْهِ فِي الْمَالِ وَالْخَلْقِ، فَلْيَنْظُرْ إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْهُ مِمَّنْ فُضِّلَ عَلَيْهِ» (متفق عليه) ، فمن باب أولى في باب الشدةِ والضيقِ .
نسألُ اللهَ أنْ يفرجَ كروبَنا، وأن يزيلَ همومَنا، وأن يذهب أحزانَنا، وأن يحفظ بلادَنا، وأن يستعملَنا في خدمة دينِنا ووطنِنا، وأن يوفق ولاةَ أُمورِنا لما فيه نفعُ البلادِ والعبادِ .
كتبه: د / محروس رمضان حفظي عبد العال
عضو هيئة التدريس بجامعة الأزهر الشريف
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
وللإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
وللمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف